نابل.. نتائج عمليّة القرعة الخاصّة بتركيبة المجالس المحلية والمجلس الجهوي    الرابطة 2.. نتائج مباريات الدفعة الثانية من الجولة 24    كرة اليد: الترجي يحرز كأس تونس للمرة 30 ويتوج بالثنائي    بنزرت: وفاة أب غرقا ونجاة إبنيه في شاطئ سيدي سالم    مداهمة تجمّع ''شيطاني'' في إيران    لوقف حرب غزة.. ماكرون "يتحدث العربية والعبرية"    شاطئ سيدي سالم ببنزرت: وفاة أب غرقا عند محاولته إنقاذ طفليه    تحذير طبي: الوشم يعزز فرص الإصابة ب''سرطان خطير''    3 دول عربية ضمن أعلى 10 حرارات مسجلة عالميا مع بداية فصل الصيف    وزارة المالية تعلن عن اطلاق منصة ''تاج''    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    إستقرار نسبة الفائدة عند 7.97% للشهر الثاني على التوالي    الحمادي: هيئة المحامين ترفض التحاق القضاة المعفيين رغم حصولها على مبالغ مالية منهم    عاجل/ الهلال الأحمر يكشف حجم المساعدات المالية لغزة وتفاصيل صرفها    عاجل/ الإحتفاظ بشخص يهرّب المهاجرين الأفارقة من الكاف الى العاصمة    بلاغ مروري بمناسبة دربي العاصمة    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    110 مليون دينار تمويلات لقطاع التمور...فرصة لدعم الإنتاج    غرق قارب بأفغانستان يودي بحياة 20 شخصا    إمكانية نفاذ منخرطي الكنام إلى فضاء المضمون الاجتماعي عبر منصة 'E-CNAM'    وزارة التربية: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة الخاصة بالمترشحين لامتحان بكالوريا 2024    الهلال الأحمر : '' كل ما تم تدواله هي محاولة لتشويه صورة المنظمة ''    الشركات الاهلية: جهود مكثفة للإسراع بإعداد دليل مرافقة الباعثين    عاجل/ إتلاف تبرعات غزة: الهلال الأحمر يرد ويكشف معطيات خطيرة    كرة اليد: اليوم نهائي كأس تونس أكابر وكبريات.    غدا : التونسيون في إنتظار دربي العاصمة فلمن سيكون التتويج ؟    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    بعد إغتيال 37 مترشحا : غدا المكسيك تجري الإنتخابات الاكثر دموية في العالم    حريق ضخم جنوب الجزائر    عاجل : منع الإصطياف و التخييم في هذه المناطق الغابية بداية من اليوم    وزيرة الإقتصاد و مدير المنطقة المغاربية للمغرب العربي في إجتماع لتنفيذ بعض المشاريع    أنس جابر معربة عن حزنها: الحرب في غزة غير عادلة.. والعالم صامت    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    طقس اليوم: أمطار منتظرة بهذه الجهات    عاجل/ بنزرت: هذا ما تقرّر في حق قاتل والده    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    لأول مرة بالمهدية...دورة مغاربية ثقافية سياحية رياضية    مسرحية «تيتان» هنا وهناك    الانتقال الطاقي...مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    البرلمان : جلسة إستماع حول مقترح قانون الفنان و المهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    قفصة: وفاة 3 أفارقة من جنوب الصحراء وإصابة 20 آخرين في انقلاب شاحنة    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    الدور الثالث من بطولة رولان غاروس : من هي منافسة أنس جابر ؟    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا عن العلاقات السورية الإيرانية ج 2
نشر في الحوار نت يوم 30 - 03 - 2011

- كيف يمكن لإيران أن تجعل العلاقة مع سوريا غير قابلة للمراجعة ولا للتراجع فيها ولماذا؟
ولتأمين إيران موقعا مريحا لها في محيطها العربي الإسلامي، كان عليها أن تمنع قيام نظام إسلامي سني على حدودها الشمالية الشرقية في أفغانستان. ولذلك لم تتردد في التعاون مع أمريكا والقوى الإستعمارية الغربية الغازية الأخرى، في الإسراع بالتدخل للإطاحة بنظام طالبان، الذي لم يعط الفرصة لطرح ما يريد أن يطرحه من مبادرات، وما يريد أن يتقدم به من خيارات، وللقيام بما يريد أن يقوم به من سياسات مختلفة ومن علاقات إقليمية ودولية مختلفة. وسرعان ما أصدرت عليه الجهات التي ليس لها مصلحة في وجوده أحكامها بفساده وتخلفه، والتي لم يكن لها حرج في الإطاحة به. وكانت إيران من تلك القوى المناوئة والمعادية له ومن منطلق مبدئي وطائفي مذهبي أساسا. والتي كانت مستعدة لعمل أي شيء لمنع قيامه ولاستمراره في الوجود بعد أن وجد. وبعد ما أخفقت في الإطاحة بنظام البعث في العراق، أي نظام صدام حسين وعائلته الذي فرض عليها المعركة والحرب مبكرا، وألحق بها هزيمة مرة، كانت الفرصة سانحة للثأر لنفسها في أول فرصة أعطاها إياها صدام حسين الحليف الأمريكي الغربي نفسه باحتلال الكويت مما جعل الحليف الأمريكي نفسه ينقلب عليه. وكان ذلك واضحا منذ البداية، وليعود إلى عدو الأمس الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية، والحليف في غزو أمريكا لأفغانستان، ليكون له داعما هذه المرة كذلك وحليفا في الإطاحة بصدام حسين ونظامه. فلا مكان هناك في أفغانستان وفي العراق وفي كل أماكن التوتر والنزاعات والحروب للأغبياء في دنيا السياسة العلمانية التقليدية الشيطانية، حيث كان الرفيق صدام حسين وفريقه السياسي وعصاباته، ولا مكان إلا للعقلاء والأذكياء، حيث كانت القيادة الإيرانية ومستشاريها وخبرائها ودارسيها ومراقبيها الإستراتيجيين. وكانت إيران لا تتردد في القبول بأي عرض من هذا القبيل من أي جهة لتحقيق ذلك. وفعلا فقد كان لإيران ما تريد من خلال :
1- الحسابات السياسية المحكمة للقيادة الإيرانية على القاعدة الميكيافيلية الغاية تبرر الوسيلة.
2- ومن خلال الغباء السياسي للقائد العراقي الرفيق صدام حسين.
3- ومن خلال ضيق الأفق السياسي لقيادة البيت الأبيض، وخضوعها للغرور والشعور بالقوة والتفوق العسكري والرغبة في الإنتقام من تنظيم القاعدة الذي جرها إلى الساحة الأفغانية والباكستانية، واستدرجها إلى العراق، ومن نظام صدام حسين الذي لم يقبل إلا بالحسم العسكري...
وهي التي كانت :
أ- قد أغرقت أمريكا في الوحل الأفغاني الذي تنهي به قيام نظام إسلامي سني هناك، وتظل أمريكا تستنزف هناك إلى ما شاء الله ...
ب - وتحقق لها سقوط نظام البعث في العراق، وإعدام الرفيق صدام حسين بيد طائفية شيعية وبإشراف إيراني وأمريكي.
ج- وتحقق لها كذلك فتح طريق مباشر مع سوريا، عبر السيطرة المباشرة على القاعدة الطائفية الشيعية بجنوب العراق، الذي تعمل فيه إيران على فرض أمر واقع على العراق بالتقسيم، بناء على طلب الأحزاب الشيعية التابعة لها، والتي مازالت مصرة على أن لا تقبل بعراق موحد، وأن لا تقبل بغير عراق فدرالي مقسم ليس فيه من جهة موحدة أو الأكثر توحدا على الأقل غير الطائفة الشيعية، لما للمرجعية فيها وعندها من قداسة، ولما لإيران عليها من نفوذ وسلطان مادي وأدبي وروحي.
وبذلك تكون إيران قد نجحت في شق طريقا مباشرا إلى سوريا لتكون :
1- مدخلا مناسبا ومعبرا للمنطقة العربية كلها.
2- وجسرا استراتيجيا نحو العمق العربي، وإن كان ذلك قد حصل في الحقيقة إلى حد الآن عل الأقل من خلال الإنتهاء إلى حدود مشتركة معها عبر الحدود العراقية السعودية والحدود العراقية الكويتية، إلا أن مجرد حدود تبقى غير كافية لأن الذي حصل لها مع سوريا من علاقات دبلماسية وسياسية واقتصادية واجتماعية...قد تجاوز ذلك إلى ما يمكن، بل إلى ما يجب ربما أن يكون، إذا ما استمرت الأمور على النحو الواقعة عليه اليوم، أكثر.
3- جسر عبور آمن إلى لبنان وإلى الجنوب خاصة، حيث نجحت إيران في وقت مبكر وفق رؤية مستقبلية كانت تريد منها أن يكون لها من خلالها إشعاع سياسي وثقافي وعقائدي طائفي شيعي ومذهبي إثني عشري في المنطقة وفي العالم الإسلامي، باتجاه كسب رأي عام يكون دائما إلى جانب من يتوجه له بالخطاب المناهض للغرب عموما ولأمريكا وللكيان الصهيوني تحديدا، في استقطاب جانب كبير من الطائفة الشيعية هناك، والتي حرصت على أن تجعل منها قوة مقاومة قوية بتأسيس حزب الله الذي انتزعت منه البيعة للمرشد العام للثورة " الإسلامية "، وحرصت على أن تجعل منه قوة ضاربة مقاتلة ومغامرة، استطاعت به أن تلحق أكبر هزيمة بالعدو الصهيوني الذي لم يعرف يوما في تاريخ وجوده بالمنطقة طعم هزيمة واحدة في كل الحروب التي كان يخوضها مع جيوش النظام الرسمي العربي، إذا ما استثنينا حرب أكتوبر التي حول فيها هذا النظام نفسه النصر العسكري إلى هزيمة، والتي استطاعت برعايتها لحزب الله من خلال الجسر السوري أن تحرر سنة 2000 جنوب لبنان الذي كان محتلا منذ سنة 1982 تاريخ تأسيسها لحزب الله في لبنان.
4- حليف تتعزز به علاقاتها المتوترة، التي لها مصلحة في أن تظل كذلك على مستوى التعاطي الإعلامي الموجه والخطاب الإستهلاكي الخارجي، ولاعتبارات قومية وطائفية مذهبية، مع الولايات المتحدة الأمريكية التي ظلت سوريا محافظة كذلك على علاقات متوترة معها، بالرغم من تعاملها بإيجابية كبيرة معها في ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وبالرغم من تحالفها معها في إخراج القوات العراقية من الكويت، من أجل موقفها من الكيان الصهيوني المحتل لهضبة الجولان السورية منذ حرب 1973 والإستمرار من أجل ذلك في رفضها للإنخراط في ما سمي بعملية السلام وفق المفهوم الغربي الصهيوني .

- طبيعة النظام السوري والنظام الإيراني وطبيعة العلاقة بينهما :
لقد كان مرجع العلاقة للنظام السوري بالنظام الإيراني زيادة على الإعتبارات السالفة الذكر، إلى فترة الحرب الباردة، لما أسقطت الثورة في إيران نظام الشاه شرطي الخليج في ذلك الوقت، والذي كان يزود العدو الصهيوني بالنفط اللازم في معاركه وحروبه مع الأنظمة العربية في الوطن العربي، والذي كان يحتل الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبي موسى، والتي مازالت إيران من بعده مصرة على أنها جزرا إيرانية، والذي أصبح بانتهاء مقاطعة العرب له، وإنهاء عدم الإعتراف به، بعد ما كان يسميه النظام العربي في حينه " الصلح المنفرد " الذي أجراه المقبور السادات بعد حرب أكتوبر، يتزود بالغاز الطبيعي المصري بناء على عقد مدته 20 سنة وبأسعار منخفضة جدا، في الوقت الذي يحاصر فيه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويمنع عنه العالم والنظام العربي الرسمي، بما فيه ما يسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله بقيادة المدعو محمود عباس وحكومته اللاشرعية التي يقودها المدعو سلام فياض، وفي مقدمته النظام المصر، الكهرباء والغاز والماء والدواء والغذاء والكساء وكل المرافق اللازمة لكل تفاصيل الحياة اليومية.
وبإسقاط نظام الشاه أصبحت إيران أكثر قربا من المنطقة العربية، بالرغم من تمسكها الشديد بالجزر الإماراتية المحتلة الثلاث، على اعتبار أن ذلك هو فضاءها ومحيطها الطبيعي، بالرغم من عروبة هذه وفارسية تلك على المستوى القومي والعرقي، وبالرغم من سنية هذه في الأصل وتاريخا، بالرغم مما يتخللها من أقليات شيعية ومن طوائف ومذاهب أخرى، وبالرغم مما يتخللها كذلك من أقليات من ملل ونحل وطوائف ومذاهب أخرى، ولما يجب أن تكون عليه العلاقات في العالم الإسلامي، بالنظر إلى طبيعة شعوبه الإسلامية وهي، وإن كانت تعمل على الإبقاء على علاقات لها بأوروبا، إلا أنها اتجهت كذلك شرقا بحثا على علاقات لها مع الإتحاد السوفياتي في ذلك الوقت، وهي نفس القبلة التي كانت بعض الأنظمة العربية التي منها النظام السوري ييممها وجهه. وإذا كان نظام البعث في العراق غير مرحب بها منذ البداية لما كان يخشاه مما يمكن أن يكون من تجاوب شيعة العراق معها، ولما كانت الثورة مستقطبة لهم، فإن نظام معمر القذافي القبلي قد كان ترحيبه بها كبيرا، لما كانت عليه العلاقة من توتر بينه وبين نظام الشاه من قبل، ولما كانت العلاقة عليه من توتر مع أمريكا، إلا أنه لم يكن مرحبا به في إيران، نظرا لأنها تحمله كما يحمله الشيعة عموما وشيعة لبنان خصوصا مسؤولية اختفاء الزعيم الشيعي موسى الصدر.
والذي جعل لنظام الثورة " الإسلامية " في إيران قبولا لدى الرأي العام العربي والإسلامي في الكثير من البلدان، ليس إسقاطها لنظام الشاه فقط، ولا توجيه ضربة قاسمة للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن لما أبدته من صفة إسلامية، وما جاءت رافعة له من شعارات إسلامية بالنسبة للشعوب خاصة، ولكن لما جاءت عليه من علاقة عداء ورفض للكيان الصهيوني وللمشروع الصهيوني في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي. لهذه الإعتبارات، كان منذ البداية التقارب الإيراني السوري ممكنا، والذي زاده تأييدا وتأكيدا الطبيعة الطائفية للنظامين، حتى انتهى إلى ما انتهى إليه من علاقة ليس لها ما يبررها، إذا ما استثنينا الطبيعة الطائفية لكلا النظامين، والتي تجاوز بها النظام السوري على ما يبدو طبيعته القومية العربية التي مازال يبدي الإصرار عليها، والتي يعزز بها النظام في إيران طبيعته القومية الفارسية.
وإذا كان من المفارقات غير الغريبة أن توجد علاقة بهذه الصفة، وعلى أساس هذه الطبيعة، وفي هذا المستوى الذي عليه النظام في كل من سوريا وإيران، بين نظام علماني ونظام " ديني " إسلامي "، فإن من المفارقات الغريبة أن يكون نظام علماني كالنظام السوري، الذي اجتمعت فيه في الحقيقة كل الغرائب والمتناقضات والعجائب، نظاما طائفيا حاملا لراية القومية العربية وعاملا بالنظام الجمهوري في ما يزعم لنفسه وفي ما يزعمه له الزاعمون والواهمون ممن لا عقل ولا لب لهم...وأن يكون نظام " إسلامي " كالنظام الإيراني نظاما طائفيا مذهبيا، رافعا لراية الإسلام في ما يزعم لنفسه وفي ما يزعمه له الزاعمون وما يروج له المروجون، حاملا للراية القومية الفارسية التي لا يبديها، وينكرها على العالمين والعارفين بها، وهي التي لا بأس في الحقيقة بها في النهاية حين تكون في محلها، وتكون الدولة رافعة للواء الإسلام على وجهه الصحيح الذي يجمع ولا يفرق، ويقرب ولا يبعد، والذي يوحد ولا يشتت.. فغرابة المفارقة تأتي في الأصل من علاقة غريبة أصبحت قائمة بين نظام نابذ للإسلام وغير معترف له بالحاكمية وبالمفهوم السياسي للدولة فيه ومصرا على الفصل بين ما هو دولة في مفهوم قياداته والنخب الداعمة والمكونة له ومكونات المجتمع المؤمنة به والخادمة له، وبين ما هو دين في ذلك المفهوم نفسه وعلى أساسه، ومؤمن بالقومية وبالإشتراكية على حد زعمه أكثر من إيمانه بالدين الإسلامي، وبين نظام نابذ، كما قلنا في الأصل، أي كما يجب أن يكون إسلاميا، للقومية وفي اعتراف بها، ومؤمن بالإسلام وبالنظام الإسلامي، في دولة أعلنت بعد الثورة أنها ثورة إسلامية وأن نظامها إسلامي. فالأصل في العلاقة أن تكون علاقة نظام الثورة " الإسلامية " في إيران في الظروف العادية بنظام البعث في سوريا، كالعلاقة بالبعث العراقي. وليس الغريب أن يكون النظام الإيراني قوميا إسلاميا، ولكن الغريب أن يكون النظام القومي العربي العلماني في سوريا طائفيا.
فبالمفهوم القومي، كان لا يمكن أن تكون العلاقة بين نظام البعث القومي العربي الإشتراكي السوري علاقة صداقة وقرب من النظام القومي الفارسي وتحالفا معه كما كانت عليه الحال في عهد الشاه.
وبالمفهوم الإسلامي كان يمكن أن تكون العلاقة بين نظام الجمهورية " الإسلامية " الإيرانية والنظام القومي العربي الإشتراكي السوري علاقة تعاون وصداقة في حدها الأقصى، ولا يمكن أن تكون علاقة تحالف استراتيجي في محيط قومي عربي إسلامي مازال خاضعا لأنظمة تقليدية وعلمانية هجينة مغشوشة ذات أصول سنية، وإسلامي مقاوم في حركة التحرر والتحرير العربية الإسلامية، كما كانت عليه الحال مع نظام البعث القومي العربي الإشتراكي في العراق .
ولكن وبالرغم من كل ذلك، فقد كان للبعد الطائفي في النظامين القوميين المختلفين الفارسي الإيراني والقومي العربي تأثير على الإتجاه بالعلاقة إلى أن تكون علاقة تحالف إستراتيجي، وقد بدا أن الجامع الأكبر والأقوى بينهما هو البعد الطائفي الذي لا يصح للنظام الإيراني ذي الطبيعة "الإسلامية " التي يعلنها ويبديها ويؤكد عليها باستمرار ولا يصلح له، أن تكون هي المحدد الأكبر، حين يكون هذا النظام إسلاميا حقا، للعلاقات الخارجية مع الأنظمة العلمانية خاصة في المنطقة العربية تحديدا ، ولكن الواقع يؤكد على أنها قد كانت في النهاية إلى حد الآن على الأقل، من العوامل الأساسية والقوية والهامة الجامعة بين هذين النظامين المختلفين. والذي يؤكد ما أذهب إليه وما أقوله، أنه لم يكن العامل الذي أوجد المصالح وتأكدت به، ولكنه كان العامل الذي أوجد المصالح وأكدها وتأكدت به. لأن العلاقة بين النظامين تأكدت طائفيا ثم كانت المصالح بعد ذلك، وبعد ما ساءت العلاقة بين شقي حزب البعث القومي العربي الإشتراكي في كل من سوريا والعراق، والتي كانت دائما في الحقيقة سيئة، ولكن ذلك ما سهل لإيران الإنصراف نحو سوريا، وذلك ما جعل من النظام السوري أكثر استعدادا للترحيب بالعلاقة المطلوبة إيرانيا مع النظام الإيراني وأكثر إيمانا وقبولا بها .
ذلك أنه لا مانع من أن تكون المصالح جامعا بين نظام ونظام مهما اختلفت طبائع الأنظمة ومرجعياتها، ولا حرج في الأصل في ذلك. واختلاف طبائع الأنظمة لا يمنع من الإشتراك في المصالح.
وأن تكون المصالح المشتركة بين أنظمة ذات طبيعة واحدة قومية علمانية أو إسلامية طائفية، فذلك هو الأصل في الشيء وتلك هي القاعدة، وأن تكون العلاقة القومية العلمانية أو الإسلامية الطائفية بين أنظمة قومية علمانية أو إسلامية طائفية هي المحققة للمصالح بين مثل هذه الأنظمة ذات الطبيعة الواحدة والمرجعية الواحدة فذلك هو الأصل في الشيء كذلك وتلك هي القاعدة. أما أن تكون الطبائع مختلفة، فالأصل هو اختلاف المصالح وهو الأصل في الشيء كذلك، ولكن الإستثناء هو أن تكون المصالح والعلاقات الإستراتيجية قائمة بين أنظمة مختلفة الطبائع. ولقد عرف العالم قبل انهيار المنظومة الإشتراكية ولعقود طويلة كم كانت العلاقة متوترة بين نظامين عالميين كانا يحكمان سيطرتهما على العالم. وكم كان مجال الإلتقاء المصلحي الظرفي ضيقا. وكم كانت القطيعة واضحة في مجال التعامل مع العلاقات الإستراتيجية.
والمؤكد أن من بين الفوارق الأساسية والهامة بين النظام القومي العربي الإشتراكي الطائفي الوراثي الجمهوري السوري، والنظام الفارسي الطائفي الشيعي المذهبي الجعفري " الإسلامي " الإيراني، هو أنه إذا كان هذا النظام على قوميته وطائفيته ومذهبيته و" إسلامه " نظاما وطنيا يتجه نحو الأممية ويطمح للعالمية، فإن النظام السوري على قوميته واشتراكيته وطائفيته وأسريته ووراثته وجمهوريته كان نظاما لا وطنيا يتجه نحو التقوقع والإنعزالية. وهو من صنف النظام العربي المنتهية في الأصل صلاحيته والمستفيد هذه الأيام وفي هذه الظروف وفي هذا الوقت من الوقت بدل الضائع.
إلا أن الحالة التي بين أيدينا في كل من إيران وسوريا، أن كلا النظامين شاذ عن القاعدة. وهما استثناء عن الأصل في الشيء علمانيا وإسلاميا، وإن كان النظام الإيراني أقرب إلى الأصل، لأن النظام الإسلامي لا يستبعد البعد الطائفي ولا المنزع القومي، ولا يفسد ذلك طبيعته الإسلامية في الأصل، حين يكون نظاما إسلاميا حقيقيا. أما النظام العلماني، وإن كان يعترف بالقومية، إلا أنه مستبعد في الأصل كل الإستبعاد البعد الطائفي، وإن كنت شخصيا أذهب إلى ما ذهب إليه لينين، من اعتبار الشيوعيين في ذلك الوقت طائفة، وأعتبر أن النظام العلماني في العالم الإسلامي ليس إلا ولا يمكن إلا أن يكون نظاما طائفيا، على قاعدة أن العلمانيين واللائكيين ليسوا في الحقيقة إلا طائفة جديدة مستحدثة انضافت إلى التقسيم الطائفي التاريخي للمجتمعات في العالم الإسلامي، هذه الطائفية التي ليست في الحقيقة الأصل في الإسلام، كما أنها ليست الأصل كذلك في العلمانية الأصلية في الغرب العلماني الأصيل في العلمانية، الذي ظهرت فيه العلمانية على الطائفية كما كان الإسلام وكما يجب أن يكون ظاهرا على الطائفية.
فالخطر في العلاقة بين النظام السوري والنظام الإيراني ليست في اختلاف طبيعة الأنظمة ولا في ما يمكن أن يكون بينها من مصالح مشتركة على أي مستوى، ولكن الخطر أن العلاقة كانت وبالتأكيد على أساس طائفي، وفي ذلك إساءة للنظام العلماني القومي الجمهوري الإشتراكي، وللنظام الجمهوري الإسلامي الإيراني، بما يحيلنا إلى القول :
- أن النظام لا يكون علمانيا إذا كان طائفيا، سواء كان ذلك على أساس المفهوم الطائفي العلماني للطائفة العلمانية الحديثة، أو على أساس المفهوم الطائفي الإسلامي لأي طائفة من الطوائف التاريخية في تاريخ الإسلام، وأن النظام لا يكون إسلاميا إذا كان كذلك طائفيا مذهبيا، لأن الأصل في الإسلام أنه قرآني سني وليس مذهبيا طائفيا. وإذا كان النظام السياسي لكل شعوب أمة العرب والمسلمين لا يمكن ولا يجوز أن يكون نظاما علمانيا لائكيا لاعتبارات كثيرة يأتي على أهمها على الإطلاق، أنه النظام الذي لا تصح عبادة شعوب أمة العرب والمسلمين والإنسان عموما به لله. ثم لأنه لا يسمح ولا يجيز إلا للطائفة العلمانية أن يكون لها الحق في إدارة الشأن العام والوجود في سدة الحكم، ولا يجوز لغيرها فيه بل ولا تجيز لغيرها من والأطراف فيه من الذين هم من غير تلك الطائفة، والذين لا يريدون أن يكونوا منها والذين لا يجوزون لأنفسهم أو لا يجوز لهم ذلك، أن يكون لهم حق ولا موقع في إدارة الشأن العام وفي الوجود في سدة الحكم، فإنه لا يمكن إلا أن يكون إسلاميا قرآنيا سنيا غير طائفي كما جاء. وهو الذي يمكن أن تكون، إذا ما صدقت منا النية وصح منا العزم، كل الإنتماءات الطائفية والعرقية والأثنية وغيرها ممثلة فيه، ويكون لكل من هو جدير بموقع فيه الحق في المشاركة في إدارة الشأن العام والإرتقاء إلى سدة الحكم، بحسب كل وما هو ميسر له، وبحسب ما ينتهي إليه اختيار المسلمين وغيرهم من رعايا الدولة الإسلامية في نظام الشورى الإسلامي، الذي يجب أن يكون التشريع فيه مستمدا من كل المدارس والمراجع الفقهية لمختلف طوائف الأمة، ومستندا إلى اجتهادات كل المجتهدين من مختلف الطوائف، ومنفتحا على طوائف الأقليات بمختلف ألوانهم وأعراقهم وأديانهم ومعتقداتهم، مع الإحترام الكامل لخصائصهم وثوابتهم، وإثبات حقهم في انتظام حياتهم على أساس منها في إطار النظام العام الذي لا يمكن في العالم الإسلامي، الذي يمثل المسلمون فيه الأغلبية أحيانا أو الأغلبية الساحقة مطلقا، إلا أن يكون نظام الشريعة الإسلامية العادل.
- وإذا كان النظام العلماني الأصيل قد قام على أساس طبقي ثم قومي لا ديني، فإن النظام الإسلامي، وإن كان يعترف بالقومية والطبقية وحتى بالطائفية، إلا أنها ليست الأصل فيه، وهو الذي مع ذلك الإعتراف بها تبقى استثناء، وهو الذي ينظمها ويتعامل معها على غير الطريقة التي تعامل ويتعامل بها معها النظام العلماني الأصيل، وعلى أساس غير نفس المفاهيم والمدلولات، لأن الإسلام جاء عالميا إنسانيا كونيا ولا يمكن أن ينجر إلى القومية والطائفية والطبقية أو غير ذلك مما لا مكان له فيه من أطر ومفاهيم ومدلولات.
- أما النظام العلماني، فقد جاء طبقيا قوميا عرقيا عنصريا. وهو يسعى لأن يكون عالميا إنسانيا كونيا، وهو بحكم طبيعته تلك لا يمكن له أن يكون كذلك.(يتبع)
علي شرطاني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.