سياسة مصر تجاه إسرائيل بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ملف بات يؤرق صانعي القرار السياسي في تل أبيب، بعد أن فقدت تل أبيب كنزها الاستراتيجي في المنطقة برحيل نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، حيث أدرك الجانب الإسرائيلي أن سياسية الحكومة الجديدة في مصر لن تسير في نفس الاتجاه الذي كانت عليه خلال عهد مبارك ، على الرغم من أن القيادة السياسية الجديدة في مصر التي تولت الحكم إثر تنحي مبارك عن الحكم أكدت على انه من غير الوارد بالنسبة إليها إعادة النظر في معاهدة السلام الموقّعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 . قلق إسرائيلي
رياح التغيير قد أتت بما لا يشتهي الساسة الإسرائيليون ، فجاء اختيار السفير نبيل العربي على رأس وزارة الخارجية المصرية، ليقدم رؤية جديدة لتوجهاتها الخارجية التي تسعي إلي إعادة النظر في علاقاتها بالقوى الدولية والإقليمية المؤثرة في المنطقة، وجاءت أول مؤشرات ذلك التحول بتغير الموقف المصري من إيران، وإعلان وزير الخارجية المصري عن نيته زيارة قطاع غزة في وقت قريب . وفي رد فعل إسرائيلي يؤكد حالة التوتر السياسي التي تشهدها العلاقات المصرية الإسرائيلية ، غادر السفير الإسرائيلي لدى القاهرة، إسحاق ليفانون، البلاد متوجها إلى تل أبيب، في زيارة تستغرق عدة أيام – وفق ما ذكرت مصادر رسمية – وتأتي الزيارة بعد 7 أيام من التظاهرات التي قام بها المصريون أمام السفارة الإسرائيلية بالجيزة، وكذلك قنصليتها بالإسكندرية، مطالبين برحيل السفير الإسرائيلي وقطع العلاقات الدبلوماسية، في أعقاب التصعيد العسكري ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والذي أدى إلى سقوط عشرات الشهداء . وتزامن التصعيد السياسي من الجانب الإسرائيلي، مع تصعيد آخر من جانب وسائل الإعلام الإسرائيلية ينتقد وزير الخارجية المصري، حيث أبرزت صحيفة " هأرتس " الإسرائيلية تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، خلال اجتماعه مع ممثلي الاتحاد الأوروبي في القدس، والتي أعرب فيها عن قلقه البالغ من توجه رسمي معادٍ لإسرائيل في الحكومة المصرية الجديدة قائلا : " أنا قلق جداً من بعض الأصوات التي بدأنا نسمعها أخيرا في مصر، وأنا قلق خصوصاً من تصريحات وزير الخارجية المصري نبيل العربي " . ضربة لتل أبيب صحيفة الجارديان البريطانية توقعت أن تعيد القاهرة النظر في تحالفاتها مع إسرائيل لصالح العودة من جديد للمعسكر العربي والإقليمي الذي أحدثت اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في العام 1979هوة عميقة في علاقته مع مصر منذ توقيعها، في الوقت الذي تعمد نظام مبارك إهمال البعد العربي والإقليمي والإفريقي في السياسة المصرية لصالح توطيد العلاقات مع واشنطن وتل أبيب على مدار 30 عاما. وأضافت الصحيفة إنه في حال تخلي مصر عن علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل فان ذلك سيكون بمثابة ضربة جديدة قاسية لتل أبيب، التي تخشى أيضا سقوط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، ليحل محله نظام أكثر تشددا يهدد مصالحها، خاصة أن انهيار النظام في سوريا سيكون له تداعيات جيوسياسية كبيرة على المنطقة .
وفي المقابل، دافع مساعد وزير الخارجية الأسبق، الدكتور عبد الله الأشعل، عن مواقف وزارة الخارجية المصرية في ظل حكومة رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف، مؤكدا على أن العربي يمثل حكومة الثورة المصرية، ويتحدث باسم الشعب المصري، ويؤكد استقلالية القرار المصري في السياسة الخارجية ضد الهجوم الذي تشنه وسائل الإعلام الإسرائيلية على تلك المواقف. وأكد الاشعل على أن " عصبية إسرائيل " ليست نابعة من مخاوف إسرائيلية على إخلال مصر ببنود اتفاقية كامب ديفيد، فالاتفاقية لا قيمة لها، ولكن ما يخيفهم هو تغير السياسات المصرية التي كانت تحابي إسرائيل على حساب المصالح المصرية، فمصر أصبحت الآن كنزا للمصريين وحدهم وموقف الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية المصري تجاه إسرائيل هو الموقف الذي كان يجب أن تنتهجه مصر، فمصر لم تنحني أمام إسرائيل وتلبي لها مصالحها إلا في عصر مبارك . مصر تستعيد مكانتها
السفير عبدالله الاشعل أضاف الاشعل أن الفترة القادمة قد تشهد توترا بين مصر وإسرائيل فكلما ارتفع مستوى الديمقراطية وجاءت حكومة وطنية قوية تخدم المواطن المصري، وكلما لعبت مصر دورا إقليميا واضحا في الشئون العربية والإفريقية وكلما استعادت مصر مكانتها، سيكون هناك فزع إسرائيلي، لأن إسرائيل كانت تتحرك في الفراغ الذي تركته مصر، والآن مصر تستعيد هذه الفراغات، بدأت أولا بالعلاقات مع إيران، فإسرائيل كانت تريد أن تحارب مصر معركتها هي مع إيران، لكن هذا لن يحدث الآن لأن مصر لها قضية أخرى مع إيران. وفي غضون ذلك نشرت صحيفة " هأرتس " الإسرائيلية و ثيقة ديبلوماسية اميريكية سربها موقع ويكليكس حديثا، تطالب خلالها تل أبيب من واشنطن ممارسة ضغوطها السياسية على القاهرة، لحملها على إغلاق حدودها الجنوبية مع السودان بسبب النشاط الايرانى الزائد من خلالها فى تهريب السلاح إلى حركة حماس فى قطاع غزة . وذكرت الوثيقة أن دان هاريل، نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، قد أكد خلال محادثاته مع جيمس كننغهام، السفير الأميركي لدى إسرائيل أن إيران تقوم بتصنيع صواريخ خاصة لحماس يمكن تهريبها عبر الأنفاق إلى قطاع غزة. وتتعلق الوثيقة التي أرسلتها السفارة الأميركية لدى تل أبيب في التاسع عشر من فبراير من العام 2009 إلى واشنطن ونشرتها حصريا صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية على موقعها الالكتروني الجمعة الماضية، بمحادثات شارك فيها مسؤولون بارزون من وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين قاموا بزيارات لإسرائيل في نفس الشهر.