هذه القصيدة مهداة لشهداء مدينة تالة بولاية القصرينالتونسية التي أبلت البلاء الحسن في إسقاط نظام الطاغية المخلوع بن علي لتؤسس لميلاد ربيع الثورة العربية. و القصيدة مهداة كذلك إلى كل شهداء تونس و شهداء الأمة و كل أحرار العالم. و قد خَصَصْتُ شهداء تالة بالذات لارتباط ذلك بتجربتي الشخصية مع الثورة التونسية المجيدة و بالإطار الزمكاني آنذاك. فقد كان من نعم الله و لطف قدره أني كنت موجودا بتونس طيلة أيام الثورة (بمدينة صفاقس ثاني أكبر المدن التونسية) و قد كان لي أقارب و أصدقاء بمدينة تالة حيث كنا على اتصال دائم نتبادل أخبار الثورة لحظة بلحظة و شهيدا بشهيد عن طريق الهاتف الجوال. و قد كانت لحظات سقوط الشهداء تصلني أولا بأول و كان وضع الأهالي بتالة صعبا جدا خاصة في الفترة ما بين 5 و 10 جانفي 2011 حيث كانوا يواجهون الآلة القمعية لوحدهم إلى حين حلول المسيرة الحاشدة يوم 12 جانفي بمدينة صفاقس (و قد حصل لي شرف إستنشاق الغاز المسيل للدموع فيها :)), تلك المسيرة التي انتهت بحرق مقر الحزب الحاكم بالمدينة و استشهاد الشاب عمر الحداد (ولد "حومتي") رحمه الله. و كم كانت فرحة الأصدقاء في تالة كبيرة عند سماع خبر تحرّك ولاية صفاقس (الذي تبعه تحرّك العاصمة بعد يومين حين هرب المخلوع) لأن ذلك خفف عنهم الضغط و أكد امتداد الثورة إلى كل أرجاء البلاد. و في تقديري لو لم تصمد تالة لانطفأت جذوة الثورة هناك قبل أن تمتد إلى باقي المدن التونسية. و قد أردتُ من خلال هذه القصيدة تقديم تحية لشهداء تالة الستة و هم: مروان الجملي (أول شهيد), غسان الشنيتي (أمه متأثرة أشد التأثر لفقدانه), أحمد ياسين الرطيبي (اسم على مسمى), محمد بولعابي (كان زواجه مقررا الشهر قبل الماضي), وجدي السايحي (يتيم الوالدين), و محمد عمري (فارس بحق). رحمهم الله جميعا رحمة واسعة و كل التحيه لشهداء تونس مهد الثورات العربية و كل شهداء الحرية. و الآن إليكم القصيدة (في بحر البسيط) يَا أَشْرَفَ النَّاسِ فِي الخَضْرَاءِ مِنْ رَجُلٍ أَسْمَى جِبَالِ الشُّموُخِ أَنْتُمُ الْقِمَمُ يَا مَنْ بِكُمْ فَاخَرَ الفَخْرُ وَ يَفْتْخِرُ نِعَالُكُمْ مَرْبَطُ المَجْدِ وَ الكَرَمُ فِي تَالَةَ العِزِّ بِالأَرْوَاحِ مَا بَخِلُوا صُدُورُهُمْ تُرْهِبُ الرَّصَاصَ إِذْ قَدِمُوا لَوْلَا دَمُ الخَيْرِ ثَوْرَةٌ لَمَا انْفَجَرَتْ أَوْ أَيْنَعَتْ مَلْحَمَةٌ أَوْ قَضَى صَنَمُ يَا مَنْ قَنَصْتُمْ شَبَابًا بِالحَيَا يَنْبُضُ يَوْمُ الحِسَابِ أَتَى لَنْ يَنْفَعَ النَّدَمُ مَرْوَانُ زَهْرُ الشَّبَابُ كَيْفَ ذَا يُقْطَفُ المَجْدُ مَرْوَانٌ وَ الصَّغَارُ أَنْتُمُو يَا أُمَّ غَسَّانُ قَلْبُكِ الجَرِيحُ اكْتَوَى فِي القَلْبِ نَارٌ بِهَا مَنْ ذَا الذِي يَعْلَمُ يَا فَلْذَةَ الكَبِدِ التِي قُصِفَتْ بِالرَّدَى إِنَّ الحَيَاةَ لَمَوْتٌ بَعْدَكَ العَدَمُ مُحَنِّبًا أَحْمَدٌ حِينَ كَرَّ الفَتَى مُرْدِي الرَّدَى جَاعِلِ الإقْدَامِ يُقْدِمُ يَا أَحْمَدَ البَدْرِ لَأَنْتَ البَدْرُ وَ المُرْشِدُ فِي عَتْمَةِ اللَّيْلِ تَكْشِفُ العِدَى تُلْهِمُ بِفَرْحَةِ العُمْرِ التِي كَمْ بِهَا حَلِمَ وَ بَهْجَةِ الأُمِّ أَتَى مُحَمَّدٌ يَبْتَسِمُ زَغْرَدَةٌ لَمْ يَهْدَأْ لَهَا وَتَرٌ وَ ضَجَّةُ العُرْسِ لِلْمَسْمَعِ أَعْذَبُهَا نَغَمُ عَرُوسُ مُحَمّدٍ لَمْ تَكُنْ بَشَرًا شَهَادَةٌ إسْمُهَا وَ مَهْرُهَا الدَّمُ فَلْتَهْنَئِي وَالِدَة مُحَمَّدٍ لاَ تَهِنِي يَا طِيبَ مَنْ كَانَ فِي الفِرْدَوْسِ عُرْسَهُمُو الجُودُ مِنْ جُودِ وَجْدِي جَاءَ مُسْتَجْدِيًا فَالجُودُ بِالنَّفْسِ أَغْلَاهَا وَ أَكْرَمُ لَيْسَ الَيتِيمُ يَتِيمَ الأُمِّ أَوِ الأَبِ بَلْ فَاقِدُ الحِسِّ فَوْقَ الأَرْضِ أَهْيَمُ مُحَمَّدٌ فَارِسُ الفُرْسَانِ مَنْ بَذَلُوا رُوحًا تَدُكُّ عُرُوشًا تَحْتَ مَنْ ظَلَمُوا لَوْلَا زَئِيرُ الأُسُودِ الشُّوسِ لَمْ يَنْبَلِجْ فَجْرٌ وَ لَمْ يُقْتَلَعْ مِنْ عُرْبِهَا وَرَمُ يَا لَيْتَ شِعْرِي فَهَلْ لِلرُّوحِ مِنْ وَمْضَةٍ حَتَّى أَرَى فِي جِنَانِ الخُلْدِ لَهُمْ قَدَمُ عِنْدَ الفُؤَادِ أَقَامُوا هُمْ فَمَا بَرِحُوا كَالمُعْتَمِرْ قَلْبُهُ الكَعْبَةُ وَ الحَرَمُ دُمْتُمْ شَبَابًا مَدَى الْأَحْقَابِ وَ أَجْيَالِهَا يَا مَنْ عَلَى يَدِكُمْ عَالِيًا قَدْ رَفْرَفَ الْعَلَمُ إِذْ أَشْعَلَ الدَّمُ مِنْ أَرْوَاحِكُمْ ثَوْرَةً كِدْنَا نَظُنُّ الْأَذَى وَ الْقَتْلَ لَهَا هَدَمُ وَ أَيْقَظَ اْلعَزْمُ مِنْكُمْ أُمَّةً غُيِّبَتْ فَنَهَضَتْ كَيْ تَعُودَ لِلْعُلَى يَوْمُ لَوْلَا الدِّمَاءُ الغَوَالِي لَمْ تَسَلْ قَانِيَا لَرَقَّ لِحَالِ البِلَادِ العُرْبُ وَ العَجَمُ يَلْهُو وَ يَلْعَبُ فِي أَمْصَارِهَا غَافِلُ وَ الشَّامِخُونَ لَهَا تَعْلُوهُمُ الْهِمَمُ فَزَمْجِرِي يَا رُعُودَ الشَّعْبِ وَ لْتُمْطِرِي يَا أُمَّةٌ كَرَعَتْ مِنْ مَائِهَا أُمَمُ قُبْحٌ بِلَانَا الزَّمَانُ بِهِ لَا يَفْقَهُ زَيْنٌ يُسَمَّى وَ القُبْحُ الدَّعِيُّ أَوْسَمُ تَشَرَّبَ الجَهْلَ عَنْ ظَهْرِ عَصًا تَنْضَحُ هُوَ الحِمَارُ بِغَيْرِ النَّخْصِ لَا يَفْهَمُ د. مختار صادق الولاياتالمتحدةالأمريكية 2011 ماي