بطاقة إيداع بالسجن في حق سنية الدهماني    المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات: الشركة التونسية للبنك تدعم مقاربة الدولة للأمن الغذائي الشامل    تورّط موظفين في الدولة ورجال أعمال: بن حجا يكشف تفاصيل قضية تهريب المخدرات    الكرم: القبض على افريقي من جنوب الصحراء يدعو إلى اعتناق الديانة المسيحيّة    صفاقس: ايقاف افريقي يساعد على اجتياز الحدود والإقامة غير الشرعية    صفاقس : فتح بحث في وفاة مسترابة لشاب    من هو وزير الدفاع الجديد المقرب من فلاديمير بوتين؟    5 جامعات تونسية تقتحم تصنيفا عالميا    مسؤولة بالستاغ : فاتورة الكهرباء مدعمة بنسبة 60 بالمئة    عاجل : جمعية القضاة تدين التمشي المتصاعد في استهداف حرية التعبير والاعتقالات التعسفية    عاجل/ قوات الاحتلال تنفذ حملة مداهمات واعتقالات في عدة مناطق بالضفة الغربية..    إيران تعلن عن مفاوضات لتحسين العلاقات مع مصر    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية تاريخية    الرابطة الثانية (ج 9 إيابا)    الترجي الرياضي النجم الساحلي (3 2) الترجي يُوقف النزيف والنجم يحتج على التحكيم    تصفيات أبطال إفريقيا لكرة السلة: الإتحاد المنستيري يتأهل الى المرحلة النهائية    وزيرة التجارة تؤكد في الاجتماع التحضيري للقمة العربية أهمية تعزيز العمل العربي وإلغاء القيود على المبادلات البينية    36 مليون دينار على ذمة الشركات الاهلية.. نموذج تنموي جديد    الجامعة الوطنية للبلديات التونسية تطلق شبكة الرقمنة لفائدة 25 بلدية    مصر تسعى لخفض الدين العمومي الى أقل من 80% من الناتج المحلي    الاحتفاظ بعنصر تكفيري في تالة من أجل ترويج المخدرات..    مغني الراب سنفارا يكشف الستار : ما وراء تراجع الراب التونسي عالميا    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    بطولة ايطاليا: تعادل جوفنتوس مع ساليرنيتانا وخسارة روما أمام أتلانتا    رئيسة لجنة الشباب و الرياضة : ''لم تحترم الوزارة اللآجال التي حددتها وكالة مكافحة المنشطات ''    حوادث/ 6 حالات وفاة خلال 24 ساعة..    راس الجدير: ضبط 8 أفارقة بصدد التسلل إلى تونس بمساعدة شخص ليبي..    نائبة بالبرلمان : '' سيقع قريبا الكشف عن الذراع الإعلامي الضالع في ملف التآمر..''    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ثمن النهائي    نتنياهو: نناقش "نفي قادة حماس.."    مصر: انهيار عقار مأهول بالسكان في الإسكندرية وإنقاذ 9 أشخاص    الهند ستحقق نمواً اقتصادياً قوياً على الرغم من التحديات الهيكلية    دربي العاصمة 1 جوان : كل ما تريد أن تعريفه عن التذاكر    بداية من الغد: درجات الحرارة تتجاوز المعدلات العادية لشهر ماي    أرسنال يستعيد صدارة البطولة الإنقليزية بفوزه على مانشستر يونايتد    عاجل/ بعد الاحتفاظ به: هذا ما كشفه محامي الاعلامي مراد الزغيدي..    بين الإلغاء والتأجيل ... هذه الأسباب الحقيقة وراء عدم تنظيم «24 ساعة مسرح دون انقطاع»    المالوف التونسي في قلب باريس    اليوم: برهان بسيس وسنية الدهماني ومراد الزغيدي أمام النيابة العمومية    بعد اجرائها في مارس.. وفاة المريض الذي خضع لأول عملية زرع كلية خنزير    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟    مئات الحرائق بغابات كندا.. وإجلاء آلاف السكان    وفاة أول مريض يخضع لزراعة كلية خنزير معدلة وراثيا    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك وسط العاصمة لعرض منتوجات فلاحية بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تصبح تركيا ناد إسلامي لا يتسع لأوربا المسيحية؟
نشر في الحوار نت يوم 13 - 06 - 2011

لما كانت تركيا في بدايات تاريخها المعاصر الحديث تطرق الأبواب الأروبية المغلقة في محاولة لكسب عضوية الإتحاد الأوربي سيما بعد توسعه على أنقاض الدب الروسي المنهار في أعقاب ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم تتالت التصريحات الرسمية الأروبية تعلن في تبجح وصلف وكبر بأن أروبا ناد مسيحي لا يتسع لتركيا. ( المقصود أنه لا يتسع لتركيا المسلمة وهي تصريحات الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جسكار دستان والمستشار الألماني اليميني المحافظ الأسبق هلموت كول).
فتحت مدينة هرقل مرتين.
لما سئل عليه الصلاة والسلام من لدن بعض الصحابة عن أي المدينتين تفتح أولا : القسطنطينية أم رومية؟ قال : تفتح مدينة هرقل أولا. لا يعني ذلك سوى أنه حدثهم قبل سؤالهم هذا أن المدينتين تفتحان في وجه الإسلام الذي كان يعصف يومها في الشرق بالإمبراطورية الكسروية التي دشن تحريرها بكلماته العظيمة قائد عظيم ( ربعي إبن عامر الذي قال بحضرة كسرى “ إبتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ) كما كان يعصف غربا وشمالا بالإمبراطورية الرومانية( أطلق عليها إسم الإمبراطورية البيزنطية نسبة إلى بيزنطة) التي إتخذت لها في تلك الأيام الشام الأوسع ( تركيا وسوريا ولبنان وفلسطين ) معقلا حصينا يهاجم منه الحضارة الجديدة لولا أن جدر المقاومة الإسلامية كانت سميكة من مثل الحرب الإستباقية التي قادها في مؤتة 3 شهداء ( جعفر الطيار والشاعر إبن رواحة وزيد إبن حارثة) ثم تولاها سيف مسلول ( خالد إبن الوليد ) لا يضيره أن يتوخى فرا من بعد كر لتأمين سلامة بضعة آلاف من جند الإسلام في مقابل جند الروم الذين يتفوقون عليهم بعشرة أضعاف كاملة.
فتحت مدينة هرقل مرة ثم فتحت مرة أخرى
مدينة هرقل هي القسطنطينية ( إسطنبول اليوم ) أي عاصمة الإمبراطورية الرومانية التي تهيمن على شطر الأرض الغربي وتقتسم النفوذ مع الإمبراطورية الكسروية التي تهيمن على شطرها الشرقي. فتحها الشاب محمد الفاتح ( إسمه محمد مراد ) فتحولت إلى الإسلام وظلت تركيا من تلك الأيام مسلمة حتى يومنا هذا بل ظلت عاصمة الحضارة الإسلامية حتى دكتها عوامل داخلية وأخرى خارجية وباندكاكها إندك آخر حصن من حصون الدولة الإسلامية التي تجسد وحدة الأمة وتحفظ كيانها السياسي.
كان ذلك فتحا مبينا دون ريب. سوى أن تركيا التي دكتها الدبابة العالمانية اللائكية المتطرفة جدا على أيدي مصطفى كمال عام 1923 ضمن سياق تاريخي وعسكري وحضاري دولي معروف تحولت على المستوى الرسمي في إتجاه تجفيف منابع الإسلام بالحديد والنار بما لم تشهد له الدنيا نظيرا إلا نظيرا واحدا حدث في تونس المعاصرة على يد أتاتورك العرب ( الحبيب بورقيبة ) ثم على يد الذيل المقطوع ( بن علي ) الذي طرده الشعب في 14 جانفي من هذا العام 2011 ضمن ثورة شعبية عارمة. تحولت تركيا الرسمية ( دستوريا وقانونيا) على يد مصطفى كمال إلى العالمانية اللائكية المتطرفة جدا تحولا شديدا رغم أنه تحول لم يفلح في إقتلاع الإسلام من صدور الأتراك. حتى أضحى الوضع يحتاج إلى فتح آخر يجدد الفتح الإسلامي القديم.
ثم فتحت تركيا فتحا جديدا
جاء الفتح الثاني على يد رجال مقاومين ومجددين من مثل : الطريقة الصوفية النقشبندية التي حفظت للإسلام في صدور الأتراك مكانه ومن مثل المجدد الثائر سعيد النورسي الذي عارض نبي العالمانية اللائكية المتطرفة جدا في زمن لم يكن يسع فيه الناس غير الصمت ومن مثل باعث الحركة الإسلامية التركية المعاصرة المهندس نجم الدين أربكان ثم إلتقط المشعل رجب الطيب أردوغان فكان الفتح الإسلامي الجديد لتركيا على يديه بدء من 2002.
لك أن تقول بإطمئنان أن الشاب محمد مراد كان فاتحا لتركيا بالإسلام ..
لك أن تقول بإطمئنان أن مصطفى كمال كان مغتصبا لتركيا بالحديد والنار..
لك أن تقول بإطمئنان أن أردوغان كان فاتحا لتركيا بالحرية والديمقراطية والعدالة..
الفتح التركي سند الثورات العربية الراهنة
لك أن تقول بإطمئنان كبير أن تركيا هبة الإسلام. لك أن تقول أنها هبة القومية التركية وقوامها التعصب المحمود الذي لا يبخس الأهل بضاعتهم ولا يلمز غيرهم إحتقارا وعنصرية وكبرا. لك أن تقول أنها هبة الجغرافيا التي جعلت منها قنطرة متينة تصل الشرق بالغرب من جهة وتمسح من جهة أخرى أرضا ممتدة تقدر فيها مساحة تركيا ب780 ألف كلم مربع. لك أن تقول أنها هبة التاريخ الذي جعل منها عاصمة آخر خلافة إسلامية عصمت وجود الأمة ووحدتها ومناعتها لقرون. لك أن تقول هي هبة مرافئ سياحية جميلة خلابة تجعل منها قبلة السائحين والسائحات. لك أن تقول أنها هبة جيش لجب من الناس يصل عدهم إلى أزيد من سبعين مليون نسمة ( 72 مليون نسمة أي قريبا جدا من ألمانيا العظمى مثلا). لك أن تقول أنها هبة تكامل بين التجانس من جهة والتنوع من جهة أخرى ( 99 بالمائة مسلمون من السنة و66 بالمائة أتراك في مقابل 30 أكراد وأقليات أخرى دينية وعرقية وإثنية ولغوية ومذهبية تغذي التنوع ولكن لا تهدد الوحدة التجانسية العظمى التي تحفظ للبلاد هوية تركية إسلامية سنية وسطية معتدلة).
لك أن تقول بإطمئنان آخر كبير بأن تركيا الحديثة المعاصرة هبة من هبات الحركة الإسلامية المعاصرة التي ظلت تعمل لعقود طويلة بشتى الوسائل على توجيه الضربة القاضية للإرث العالماني اللائكي المتطرف جدا الذي فرضه مصطفى كمال بالحديد والنار.
إحتاج ذلك العمل الطويل المتواصل إلى ثمانية عقود كاملة ليعلن الحكم إنتصار الإسلام والحرية ضد العالمانية اللائكية المتطرفة جدا والقهر. ( من 1923 حتى 2002). بذلك تهرم الإمبراطوريات وتشيخ المملكات وتتقهقر الأنظمة القهرية. تهرم بقوانين الإجتماع المسنونة التي تظل تأكل منسأتها بمثل ما تأكل الأرضة ( دابة الأرض ) الأكواخ المنتصبة فوق الأرض عندما لا يتعهدها أهلها بالتجديد والتطوير والتحسين. المدة ذاتها تقريبا التي كانت كفيلة بإعلان سقوط الإمبراطورية السوفييتية الشيوعية ( 1917 حتى 1989). بل هي المدة ذاتها التي يشرف فيها الإنسان في العادة على الهرم والخرف ( 80 حولا كما قال الشاعر العربي الشهير زهير إبن أبي سلمى : سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا ألا بالك يسأم ). ألم تبين تجارب التاريخ أن ثمانية عقود كفيلة إما بالتمكين كلما كان التمكين مسبوقا بالإجتهاد والتجديد أو بالتقهقر كلما كان التقهقر مسبوقا بالتقليد والركود؟ لك أن ترقب على ضوء ذلك مآل التجربة الرأسمالية المتوحشة ( العولمة المفروضة حديثا ).. لك أن ترقب مآلها من بعد مرور ثمانية عقود أو أقل من ذلك بقليل أو أكثر منه بقليل.
ثورات من رحم واحدة و تجديدات بعضها من بعض
لقد عددنا في كلمة حرة سابقة من الحوار.نت أن الثورة المعاصرة الحديثة بدأت من تركيا عام 2002 ثم من غزة عام 2008 ثم من تونس ومصر في الأسابيع الأولى من هذا العام 2011. الثورة في ميزاننا ليس لها نمط واحد : نمط شعب يخرج إلى الشارع معتصما أو ثائرا. ذلك نمط تقتضيه ظروف القهر والإستبداد عندما تنطمس بصيرتها فيفتنها تبرجها. كان النمط الثوري التركي مغايرا لذلك. كان النمط التركي ثورة شعبية بالديمقراطية وصناديق الإقتراع. إلتقت النتائج في النمطين الثوريين فيما إختلفت الوسائل الثورية. كان النمط الفلسطيني الغزاوي كذلك مخالفا. كان النمط الغزاوي في فلسطين صمودا عجيبا لا يكاد يصدقه عقل في وجه محرقة صهيونية غربية تقصف الأرض على إمتداد شهرين تقريبا بالنار. لما أعيا إسرائيل قصفها تراجعت لتكتشف ويكتشف العالم معها أن غزة لم تمت حتى لو كانت جراحها ثخينة جدا. الفرق بين الموت وبين النزيف الذي يجبر صاحبه على لزوم الفراش سنين طويلة هو فرق شاسع حتما. من هو المهدد اليوم بالموت : إسرائيل التي تحاصرها الثورات العربية الراهنة من كل جنباتها ( مصر وسوريا ) فضلا عن لبنان المقاوم بالطبيعة.. أليس يفصل بين إسرائيل وبين الموت سوى الحدود الأردنية التي لو فار صفيحها الساخن جدا لفر أكثر الصهاينة مولين إلى مؤتمر بازل 1897 وإلى الوزير بلفور اللذين وعداهم بوطن قومي آمن في فلسطين؟.. أم هي غزة التي أكرهت السلطة ( فتح ) على مصالحة ليس لفتح فيها أي خيار ولا عنها أي بديل في ضوء الثورات العربية الراهنة؟.. أم هي غزة التي صبرت على قوت يجبى إليها من كهوف الأرض الدامسة حتى أهدتها ثورة مصر فتحا لمعبر رفح؟
نحتاج إلى عقل أوسع ليعد ثورتي تركيا وغزة ثورتين من ثورات الحرية والكرامة حتى لو لم يكن الشعب المتشوف إلى الديمقراطية والتحرر هناك أو هنالك معتصما في الشارع بل صامدا في وجه الأسلحة الكيميائية الصهيونية أو محلقا حول صناديق الإقتراع.
عندها يمكن لنا أن نعد رجب الطيب أردوغان ومن خلفه الشعب التركي وإسماعيل هنية ومن خلفه أهل غزة من رجالات الثورة المعاصرة.
زمن الدوس على صناديق الأقتراع ولى
لو إستجمعنا حلقات التاريخ العربي والإسلامي المعاصر القريب لألفينا أن الظروف الدولية سنحت عام 1991 بالدوس ضد الإرادة الشعبية المتمثلة في نتائج صناديق الإقتراع من لدن الدوائر الغربية النافذة وذلك من خلال إلغاء نتائج إنتخابات الجزائر التي فازت فيها الفيس الجزائرية في الدورة الأولى بنسبة عالية جدا. كان السؤال يومها هو : كيف نتوقى في المستقبل لحماية الإرادة الشعبية ضد التدخل الأجنبي السافر عن طريق الذيول المحلية التابعة إذ لا يكفي كسب ثقة الشعب بل لا بد من حماية ذلك الكسب. كانت الإجابة يومها تفتقر إلى إعتبار مهم جدا وهو المناخ الدولي والعربي والإقليمي والمحلي. لم يكن ذلك ممكنا في تركيا رغم أن الفارق الزمني ليس بأكثر من عقد واحد. لم يكن ذلك ممكنا في تركيا رغم أن المصالح الغربية في تركيا أكثر منها بكثير في الجزائر ومن أكبر تلك المصالح : تأمين أو تهديد إسرائيل.
هو زمن ولى ولكن اليسار المتيمن يطول في أنفاس زمن ولى
لا بأس من الأخذ بمعايير إصطلاحية غربية وافدة من مثل اليسار واليمين وغير ذلك. ذلك أن العبرة دوما بالمقاصد والمعاني وليست بالأشكال والأسماء. أما عندما يتحول اليسار في إتجاه اليمين بل في إتجاه أقصى اليمين ليكون محللا ( نسبة إلى التيس المحلل في بعض صور الزواج الفاسدة ) أو شاهد زور أو مناصرا لقوى الرجعية ضد الحرية والديمقراطية والعدالة وغير ذلك من القيم التقدمية التنويرية المحمودة .. عندما ( يتيمن ) اليسار ليكون خادما للقوى المناهضة للثورة فإن مواصلة الإنتماء إلى اليسار المعروف تقليديا بمناهضة القهر والإنحياز إلى إرادة الشعب .. عندما يكون اليسار شعارا أجوف فارغا لنا أن نقول أن زمن الإنقلاب ضد إرادة الشعب زمن ولى ولكن قوى اليسار الرجعية الظلامية تحاول عبثا التطويل في أنفاس ذلك الزمن.
خذ الحالة التونسية الراهنة ليتراءى لك اليسار على أقصى اليمين
تكللت ثورة 14 يناير في تونس بطرد الذيل المقطوع بن علي ثم توقفت الثورة على أعتاب الدولة لأسباب يضيق المجال عنها الآن. إلتقطت نخب ومؤسسات المجتمع المدني الناشط حصاد تلك الثورة لتمضي بها إلى طريق محفوف بالمخاطر. كان اليسار في البلاد يحظى بوجود معتبر داخل النخبة ومؤسساتها سيما أنه أفلح في إستخدام سياسة الإنتشار أو سياسة الدخول من أبواب متفرقة متخففا من كثير من أعبائه الإيديولوجية التقليدية القديمة في حركة مراجعة لا ينقصها الدهاء. إلتقط اليسار تلك اللحظة الخطيرة جدا مستغلا بهجة بالثورة لدى التونسيين من جهة وخروجا منهكا جدا من لدن الحركة الإسلامية من تنانير سنوات جمر حامية طويلة من جهة أخرى. إلتقط ذلك ليندس في هيئات ثورية عليا ومنها الهيئة العليا للإنتخابات وكانت الفرصة مواتية في ظل فراغات رسمية وشعبية وإسلامية كثيرة وظل يتلاعب بالموعد الإنتخابي المحدد ليوم 24 جويلية حتى خيل للتونسيين أن الذنب المجدوع بن علي لم يفر ولم يطرد. ها هو صوت آخر من أصوات الإستبداد والأحادية والدكتاتورية يخرج عليهم ليقول لهم : قررنا كذا وكذا وكذا.. قررت لجنة لا يتجاوز عدد أعضائها عدد أصابع اليد الواحدة في مصير شعب يعد عشرة ملايين نسمة. أين اليسار الذي عرفناه أو أريد لنا أن نعرفه مكافحا ومنافحا ومناضلا ومقاوما على درب الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة؟ أين اليسار الذي يفترض أن يكون أدنى الناس إلى حماية الثورة وتحقيق أهدافها؟ ألم يتيمن اليسار؟ ألا تجد اليوم أكثر قطاعات اليسار ( وليس كلها طبعا ) في تونس في أقصى نقطة من اليمين؟ أليس اليمين في تونس من بعد الثورة هو الحزب الحاكم المنحل والبوليس السياسي المنحل وبقايا شراذم المافيا والمال وأدوات القمع والمستفيدين من عصابات السلب والنهب في تونس؟ هل يمكن لك أن تخلع على اليسار التونسي ( نخبه التي تحاول جاهدة إغتصاب الثورة وتمييع إرادة الشعب في إنتخاب مجلس وطني تأسيسي ) صفة اليسار حتى وهو يخلع على نفسه جلابيب اليمين بعدما شنف آذاننا لعقود طويلة وهو يدين اليمين بحسبانه رمزا يقف في صف الظلم والقهر والعبودية؟
تحتاج الأمة إلى أبطال كبار من طينة فاتح تركيا الجديد
فتحت تركيا كما أنف ذكره مرتين : مرة على يد الشاب محمد مراد لتكون تركيا مسلمة موحدة ومرة على يد أردوغان لتكون حرة ديمقراطية متخلصة من الكمالية الأتاتوركية المتطرفة جدا.
فتح تركيا وفتح أي بلاد كانت فوق الأرض ليس نزهة ولا هو خلع لسرابيل اليسار أو اليمين على جيف لا تصلح أن تكون في صف المستضعفين والمقهورين.
فتح البلدان يحتاج إلى رجال كبار عظام :
1 يؤمنون بالديمقراطية حقا وفعلا وصدقا ويعترفون بنتائج صناديق الإقتراع حتى لو كانت لغير صالحهم. أما عندما تكون الديمقراطية شعارا جميلا كلما كانت نتائجها في صفي فإذا أنكرتني صناديق الإقتراع عملت على إستبعاد الديمقراطية ( كما يفعل اليسار التونسي في هذه الأيام).. عندها لن أنتظر من الناس أن يصدقوا أني من اليسار ولن يصدقوا أني مؤمن بالديمقراطية. عندها تكون ورقة التوت قد سقطت وإنكشفت عورتي.
2 يؤمنون بالعدالة الإجتماعية وينفذون مشاريعها من بعد التخطيط لها على أرض الواقع بمثل ما فعل بطل تركيا أردوغان في بلدية إسطنبول أولا ثم في تركيا ثانيا. أما اليسار التونسي الذي يملأ الدنيا عويلا وصياحا وهرجا ومرجا بحناجره التي تؤويها قنوات إعلامية فضائية تونسية كثيرة .. عندم يملأ الدنيا عويلا بأنه ليس للحركة الإسلامية بديل إقتصادي وإجتماعي وكأنه أمسك بتلابيب البدائل وذؤاباتها من قدام ومن خلف .:. اليسار التونسي الذي يملأ الدنيا بذلك الهرج لا يصلح أن يكون مؤمنا بالعدالة الإجتماعية.
3 يؤمنون بأن فلسطين بقدسها الشريف هي القضية الأم للأمة الأم بمثل ما فعل بطل تركيا أردوغان عندما سجل إسمه في تاريخ وقافلة المقاومة ضد الصهيونية من خلال هجومه الحاد على الرئيس الصهيوني بيريز في قمة داغوس على مرأى ومسمع من الدنيا كلها ثم يقاطع المشهد الهازل والناس من حوله في ذهول وكثير منهم حتى اليوم في ذهول. أنى يجرؤ بشر فوق الأرض يطمع كما نطمع ويخاف كما نخاف ... أنى يجرؤ عاقل على مقاطعة وهجران رأس الأفعى الصهيونية على الملإ؟ أما اليسار التونسي الذي لم يسر بالمقاومة عندما تكون إسلامية أو بأيدي حماس .. اليسار الذي لا تسعده قوة حماس ولا يكاد يكتم غيظه لفوز حماس وصمود حماس وإنقلاب الموازين من بعد الثورات العربية الراهنة لصالح حماس.. ذلك يسار لا يؤمن بالمقاومة لتحرير فلسطين.. يسار يظل يتخفى وراء شعارات مريبة ومخيفة من مثل أن التحرير مقدم على الأسلمة.
فهل تكون تركيا ناد إسلامي يضيق عن أروبا المسيحية؟
معدل النمو في تركيا في هذه الأيام 8 بالمائة في حين أن معدل ألمانيا مثلا لا يصل حتى إلى 2 بالمائة. معدل تركيا يفوق معدل ألمانيا بأربعة أضعاف وزيادة رغم أن ألمانيا تسير إقتصادها باليورو الذي يستخدمه عدد كبير من الدول الأروبية وجزء كبير منها معدودة ضمن السبع الكبار المصنعة وجزء آخر منها يحتل مقاعد تقليدية في مجلس الأمن. معدل تركيا يفوق معدل ألمانيا بأربعة أضعاف وزيادة رغم أن ألمانيا لم تكد تتزحزح عن المقعد الأول ضمن الدول الأكثر تصديرا في العالم منذ عام 2006. ألمانيا بلاد مصنعة حديثة ( مصانع السيارات والصناعات الحديدية بصفة عامة ) في حين أن تركيا يغلب على إقتصادها الإنتاج الزراعي والفلاحي والبحري وكثير منه غير مصنع.
تركيا أصبحت تنتمي إلى زمن الثورات المعاصرة..
تركيا أصحبت تنتمي إلى زمن الجمهوريات الديمقراطية الحقيقية..
تركيا أصبحت تنتمي إلى زمن المقاومة ضد الإحتلال الصهيوني ..
تلك عوامل مهمة ..
وعوامل أخرى أهم وأكبر يضيق عنها المجال هنا تجعل من تركيا مستقبل قوة إستراتيجية وإقتصادية وعمرانية وسياسية إقليمية كبيرة فضلا عن كونها قنطرة جغرافية وتاريخية وثقافية بين الشرق والغرب..
هل أن تركيا هي التي تخطب ود الإتحاد الأوربي وتدق أبوابه المسيحية المغلقة..
أم أن الإتحاد الأروبي المثقل بمشاكلة العمرانية ( مستقبل العمران البشري في ضوء نسل يموت يوما من بعد يوم ) وغيرها .. هو الذي سيأتي عليه زمن يدق فيه أبواب تركيا ليخطب ودها؟
من يخطب ود من؟
من ينتمي إلى من؟
من يدق باب من؟
الأيام الحبلى هي الكفيلة بالإخبار عن آخر الأخبار.

وفي الختام فإنه لا يسع أسرة الحوار.نت إلا أن تزف أجمل التهاني إلى أنصار الحرية والديمقراطية والعدالة وإلى الأمة الإسلامية وإلى الشعب التركي الكبير وإلى حزب العدالة والتنمية التركي وإلى رئيسه فاتح تركيا الحديثة رجب الطيب أردوغان بمناسبة الفوز الإنتخابي في 12 يونيو حزيران ( جوان ) 2011.
فوز رسخ خروج تركيا من الهيمنة العسكرية الحامية لعالمانية لائكية متطرفة جدا تسلخ الشعب التركي المسلم من جلده الإسلامي بالحديد و النار..
فوز يمكن لتركيا الجديدة : تركيا المسلمة الديمقراطية المقاومة .. تركيا العدالة التي ظلت أبواب أوربا موصدة في وجهها فما إفتقرت إلى بنك دولي رأسمالي جشع ينهب خيراتها وما دفعت بأبنائها إلى البحر في قوارب الموت ليكونوا طعاما شهيا لقروشه.
تركيا الجديدة التي أثبتت لليسار المتهالك في تونس وخارجها أن الديمقراطية والعلمانية ليستا أختين شقيقتين لا تفترقان وأن الديمقراطية والإسلام ليسا عدوين لدودين لا يلتقيان.
الحوار نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.