يولد الانسان على الفطرة, ينزل الى الدنيا صفحة بيضاء ناصعة و يمرّ بمراحل ثلاث تبدأ بتعرّفه على عالم الاشياء ثمّ عالم الاشخاص و اخيرا عالم الافكار لتكتمل صورة العالم من حوله, في رحلته هذه يكّونُ نظرته الخاصّة للواقع كما تتكوّن شخصيّته و من ثمّة يدخل معترك الحياة. و مرورا بهذا الثّالوث تتعرّض الفطرة الانسانية للعديد من التشوهات خصوصا لو كان عالم الافكار مستوردا دخيلا على الثقافة الأمّ, كما في حالة شعوبنا العربية الاسلامية. و لعلّ من اهم اسباب ظهور التيارات و الحركات الاسلامية هي مواجهة عاصفة التغريب التي تهدّد هويتنا و انتماءنا, من هنا تتأتى مسؤوليتها الجوهرية في صناعة المسلم السّوي السلوك, المعتزّ بانتمائه, القوي الايمان. انّ من اهمّ الاساسيّات التي يجب ان تعمل عليها الحركات الاسلامية و خاصة في هذه المرحلة هي الاحياء الرّوحي و التربوي للمسلم عموما و لأبناء هذه الحركات على وجه الخصوص, و لننطلق من قول الامام الشهيد البنّا " أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم ,,, تقام على ارضكم ", ثمّ لنعد الى المشروع الاسلامي لهذه الحركات وعلى رأس اهدافه إقامة دولة الاسلام : الرابط واضح و جلّي فكما انّ أول الغيث قطرة فأول الدولة الاسلامية فرد مؤمن صالح. انّ هدف الاسلام ليس مجرّد حركات جسمانية و اذكار و آيات يتلوها الفرد آناء اللّيل و أطراف النهار بل يتجاوز تلك الشّكليات إلى رسالة لبناء الانسان فكرا, روحا, و سلوكاَ. و هنا تبرز اهمية المسلم كصورة للإسلام و أهمية "الاسلامي" كصورة لمشروع حركته التي ينتمي اليها و من ثمّة للإسلام. المتتبع لشأن الحركات الاسلامية في الوقت الرّاهن ينتهي الى خلاصة و قد لا يختلف اثنان حولها ألا وهي – الاسلاميون اليوم أو المحسوبين عليهم أو المنتمين و لو تعاطفا مع الحركات الاسلامية, هؤلاء قد ضعُف لديهم الحسّ الروحي و الفكري في حين طغت السياسة عليهم تفكيرا و ممارسة و لغة كما تغلب عليهم الحماسة و هو ما يولّد النزعة الانفعالية في حواراتهم و نقاشاتهم . قد يُؤّل هذا الاهتمام بالجانب السياسي نظرا لموجبات المرحلة التي يمرّ بها الوضع العربي حاليا و ما تصبو اليه الحركات الاسلامية من اجل خلق و توسيع نفوذها في الخارطة السياسية الجديدة. و تماشيا مع هذا التوجه يجدر التنويه الى نقطة في غاية الاهمية, فالدعاية بالسلوك أحياناً أفضل من ألف خطبة ومحاضرة دينية او سياسية، سلوك الفرد المنتمي للحركة في اي موقع هو فيه بحُسن خلقه و سماحته وآدابه قلبا و قالبا والتزامه بشريعة ربه و اتقائه لله ( و التقوى حفظ النفس عما يؤثم بامتثال اوامر الله واجتناب نواهيه تجنبا لعذابه, قال صلى الله عليه وسلم في حديثه لمعاذ بن جبل(اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) أليس هذا وقعُه اكثر في قلوب الآخرين من تلك الكلمات والمحاضرات التي قد يستمعون لها ثمّ لا تلبث إلاّ برهة في أذهانهم. ثمّ كحركات اسلامية افرزت احزابا سياسية ايمانا منها بضرورة العمل السياسي الاسلامي و ايمانا بشرعيته و مشروعيته, يجب ان تعتزّ هذه الاحزاب أوّلا بمدرستها "الحركة" لأنها انطلقت و لا زالت تعمل على انشاء الفرد و تربيته تربية اسلامية و تاريخها في ذلك يشهد لها بالريّادة في هذا المجال وثانيا بمرجعيّتها الاسلامية كشريعة و الالتزام بها تدوينا نظريا و ممارسة ميدانية في كل تفاصيل الحياة اليومية. فالمنتمي لحزب او حركة أيّا كانت, يراه المواطن العادي على انّه الترجمة العملية و النموذج الحيّ لذلك التنظيم. الفرق بين " الناشط " داخل هذه الفئة من الاحزاب الحاملة لمرجعية اسلامية و بقية الاحزاب هي تلك النية ' الناشط الاسلامي نيّته في عمله هي خالصة لله تعالى و لا شيء مع ذلك' و هذا بُعد جوهري على الحركات الاسلامية ان تُفعّله لدى مُنتميها و خاصة منهم الموكلة لهم مسؤوليات ليكونوا ذاك النموذج الافضل المشرّف. ان النجاح الباهر الذي حققته الحركات الاسلامية أو ما يُعبّر عنه بالحركات الاسلامية السياسية و على رأسها حركة الاخوان في مصر حيث حدّت من حدّة الغزو الفكري التغريبي و قارعت التيّارات الفكرية الاخرى و ناظرت الفكرة بالفكرة و فضحتها كما انشأت مؤسسات مدنية رغم ما كانت تعانيه من تضييق و استبداد. و تبعا لذلك فإنّ ما يحتاجه هذا "الناشط و المنخرط في العمل الاسلامي" من تربية روحية و اعداد فكري و وعي بمدى مسؤوليته بما أنه يحمل في ذاته فكرة المشروع الاسلامي و نموذج المسلم المنشود, أكثر بكثير مما يحتاجه الفرد العادي. و لنا في التاريخ شواهد على ذلك النموذج حيث نُشِر الاسلام في ماليزيا و شرق آسيا كما يوضّح الدكتور راغب السرجاني في قوله " الحقيقة أن قصة انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا تُعَدُّ من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة المساحة العظيمة السكان بجيوش فاتحة، ولم يخوضوا مع أهلها حروبًا تُذكر، وإنما ذهبوا إليها كتُّجار يحملون أخلاقَ الإسلام، وهَمَّ الدعوة إلى الله، وذلك بالحسنى والمعاملة الحسنة، فحقَّقوا القاعدة الأصيلة التي تؤكد أن الإسلام إنما يغزو القلوب لا الأراضي أو البُلدان". و اقتداءً بهذا المثال يمكن ان تحقق الحركات الاسلامية نجاحا تعجز عن تحقيقه الدّعايات الانتخابية.