يعيش القضاء التونسي هذه الأيام بنوعيه العدلي والعسكري اختبارا حقيقيا على مستوى مصداقية المساءلة وشفافية وعدالة الأحكام المنطوق بها ومدى استقلالية ونزاهة القضاة التونسيين..وفي خضم حمى انتظار البت في قضايا الرئيس المخلوع المتراكمة والتي أخطرها التورط في أعمال قتل وتخريب وتهديد لأمن البلاد الداخلي والخارجي كثرت التخمينات ومنابرالحوار بحيث تفاقم الكلام والموضوع واحد هو محاكمة بن علي، ضماناتها،إجراءاته اوعقوباتها المقررة..»الأسبوعي» التقت الأستاذ عبد الستار بن موسى العميد السابق للمحامين وذلك في محاولة لاستقراء تخمينات لسان الدفاع في ما يتعلق بمحاكمة الرئيس الفار..
دائرة الاتهام ماطلت في الإحالة..
حول سير الإجراءات من التحقيق الى الاتهام الى الإحالة على القضاء العسكري يقول الأستاذ بن موسى :»في جرائم العمد المنصوص عليها بالفصل 201 وما بعده من المجلة الجزائية تقدمت مجموعة من المحامين نيابة عن أهالي الشهداء بعديد الشكايات ضد الرئيس السابق بوصفه المسؤول الأول والقناصة الذين قاموا باغتيال الشهداء. وحسب القانون الأساسي المنظم لقوات الأمن الداخلي فان إطلاق النارلا يمكن أن يكون إلا بأمر من رئيس الجمهورية. وبعد استيفاء التحقيق أحيل الملف على دائرة الاتهام التي قررت التخلي عن الملفات الجنائية لفائدة القضاء العسكري وكان على النيابة منذ تعهدها وتطبيقا للقانون المنظم لسلك الأمن ومجلة المرافعات والعقوبات العسكرية إحالة الملفات مباشرة الى وزيرالدفاع الوطني الذي يختص طبق الفصل 21 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية بإصدارالأوامرلإجراء التتبعات أمام القضاء العسكري. هذا أدى الى ضياع وقت طويل في الأبحاث أمام القضاء العدلي وهي أبحاث لا جدوى منها باعتبارأن القضاء العسكري سيتولى البحث من جديد وسيستغرق وقتا طويلا والحال أن في بلدان أخرى كمصر التي اندلعت ثورتها بعدنا ورغم ذلك وقعت محاكمة العديد من المتورطين في القتل والفساد.
خصوصيات القضاء العسكري
وفيما يتعلق بخصوصيات القضاء العسكري يقول الأستاذ عبد الستار بن موسى: «طبقا للفصل 24 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية فإنه ما عدا الإجراءات الخاصة المبينة بتلك المجلة يقوم قضاة التحقيق بعملهم وفقا للإجراءات التي نصت عليها مجلة الإجراءات الجزائية. والمتأمل في هذا النص يلاحظ أن هناك إجراءات خاصة وهذه الإجراءات تمس أساسا بحق الدفاع من ذلك أنه لا يمكن للمتضررين القيام بالحق الشخصي لدى المحاكم العسكرية وفق الفصل 7 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية أي أن عائلات الشهداء لا يمكنهم المطالبة بحقوقهم المدنية وتكليف محامين للدفاع عنهم وهوما يفقد هذه المحكمة شروط المحاكمة العادلة وجزءا هاما من جدواها. بالإضافة إلى ذلك فان الأحكام التي تصدرعن المحكمة العسكرية هي أحكام نهائية لا تقبل الطعن بالاستئناف وإنما هي قابلة للتعقيب فقط. ومن المتعارف عليه- فقها وقانونا- أن المحاكمة العادلة تستوجب التقاضي على درجتين أي ابتدائيا واستئنافيا «. كثرت التخمينات في الآونة الأخيرة حول حقوق الدفاع ودره أمام القضاء العسكري وعن ذلك يقول الأستاذ :»إذا ما طبقنا مجلة الإجراءات الجزائية وخاصة الفصل 141 الذي طبق على مدى عدة عقود أي عدم تمكن المحامي من الترافع عند عدم حضور المتهم؛ وحسب اعتقادي هو تأويل خاطىء ويمس من مصلحة المتهم فان الدفاع يصبح أمام المحكمة مجرد ديكورلا يمكنه التواجد أصلا دفاعا عن المتضررين أوالكلام دفاعا عن المتهمين الغائبين أمثال الرئيس السابق.. ولئن نص الفصل 40 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية أن المحاكمة علانية أمام المحكمة العسكرية ومخالفة ذلك يدخلها تحت طائلة البطلان وهو تنصيص متطور بالنسبة لمجلة الإجراءات الجزائية فان المحكمة العسكرية تبقى محكمة استثنائية وهنا لا بد من الاشارة الى أن العديد من دول العالم لم تعد تشهد محاكم عسكرية اذا أصبح القضاء العدلي هو المختص بالنظر في كل الجرائم مهما كان مصدرها ومهما كان موقعها..»
السرعة والتسرع
واذا كان الكثيرون ينتظرون البت في محاكمة المخلوع سريعا لامتصاص الغضب الشعبي العارم فان الأستاذ بن موسى يقول: «في اعتقادي لا يجب أن تكون المحاكمة متسرعة اذ أنه لا بد من استعراض مختلف ملابسات الملف وسماع الشهود والمتضررين ومرافعة النيابة العمومية وبث مقتطفات من المحاكمة عبر وسائل الإعلام ليتطلع الشعب على بعض الحقائق وعلى أجواء المحاكمة لكن رغم ذلك لا بد من أخذ الوقت الكافي لفحص القرائن والأدلة..»
المبزع وتطبيق العقوبة
حول ما سيصدر من عقوبات وكيفية تطبيقها يقول عبد الستار بن موسى :»بالنسبة للمتورطين فهم معرفون للشعب التونسي ومتورطون في قضية قتل الشهداء وسيقع محاكمتهم وفق المجلة الجنائية وخاصة الفصل 201 وما بعده من المجلة الجنائية ويتعلق الاختلاف خاصة من خلال تنفيذ عقوبة الإعدام بالنسبة للأحكام العسكرية والذي يكون رميا بالرصاص حسب العقيدة العسكرية عكس القضاء العدلي والذي يكون الإعدام شنقا لكن ما يثيرالاهتمام على مستوى تنفيذ العقوبة هوكون عقوبة الإعدام حسب مقتضيات القضاء العسكري لا يتم الا بموافقة رئيس الدولة والسؤال المطروح هنا في صورة صدور حكم بالإعدام في حق المتهمين في قضية الحال والذي لن يقبل الطعن الا بالتعقيب ونحن ندرك أن الطعن بالتعقيب لا ينظر في الوقائع بل في تطبيق الحسن للقانون وبالتالي فلن يتغير منطوق الحكم كثيرا لكن أعتقد أن هناك تعقيد إجرائي يتعلق خاصة بما نعيشه اليوم وهو فترة انتقالية وبالتالي فمنصب رئيس الجمهورية يتولاه السيد فؤاد المبزع بصفة مؤقتة وبالتالي فانه إجرائيا يمكن الطعن في الإذن القاضي بتنفيذ عقوبة الإعدام باعتبار أن منطوق الفصل 45 من قانون العقوبات العسكرية نص صراحة على موافقة رئيس الدولة وليس رئيس الدولة المؤقت وهو إشكال إجرائي لا يستهان به.»