ابن علي – عليه من الله ما يستحق – والذين معه، لم يكتفوا بظلم العباد ظلما مباشرا بالسجن والقتل والتهجير القسري ولكنّهم تعدّوا ذلك الظلم إلى ما هو أكبر وأعمّ، فسعوا إلى محاربة الفضيلة وإشاعة الرّذيلة وقتل المروءة في البلاد... وقد نتج عن ذلك أشياء خطيرة منها على سبيل الذكر لا الحصر الارتماء في أحضان كلّ من يساعده على إتمام مهمّته التي قد يكون اختارها بنفسه لساديّة متأصّلة فيه وكره لله ورسوله والمؤمنين أُشرِبُه قلبُه، أو اختاروها له لذات الأسباب!... ولذلك فهو لم يمانع عندما طلب منه الصهاينة التعامل معهم ولا عندما طلب منه المجوسيون ذلك... فوُجِد في تونس – أسفي – مطبّعون ومطبوعون ووجد في تونس مناصرون لآيات إله لا تؤمن بالله أو هي تتّخذ الإيمان به لمحاربة التديّن الوسطي السليم البعيد عن الشرك (إذ ما نجا من شرك من اعتقد في حسين هو وأخوه سيّدا شباب الجنّة، أو تشيّع لخمينيّ لم ينجو عند علماء الأمّة من أعمال الكفر والشذوذ) والمغالاة (إذ ما توسّط في فهمه للإسلام من غلب ميله للعقوبة ميله للعفو والسماحة)... فالتطبيع في تونس عمل سيّئ من إنتاج ابن علي بميله إلى صهيونية بغيضة يطلب سندها، والتشيّع في تونس عمل سيّء من إنتاج ابن علي بتواطئه مع أهل الباطل يسكتون على ظلمه ويزكّونه ويموّلون مشاريعه الملبّسة على النّاس الحق ويُشبعون جشعه ويمرّرون كتبهم الصفراء السامّة (فقد كان الكتاب الإسلامي يمنع في معارض الكتب في العاصمة التونسية ليُعوّض بالدعوات الشركيّة الخمينية)، والتديّن المائل إلى الغلوّ الآخذ منه بأقساط كبيرة في بعض الأحيان عمل سيّء من إنتاج ابن علي يتّخذ منه الحجّة لضرب التديّن واتّهام المتديّنين وإذهاب التناغم والانسجام بينهم بل وإذهاب ريحهم (فهو وأسياده يعلمون جيّدا أنّ الفتنة أشدّ من القتل)، حتّى بات من "التكفيريين" الذين يزعمون جهلا الانتساب إلى السلف الصالح الآن في تونس من يروْن في النّهضة مساوئ لم يتفطّن إليها حتّى ألدّ أعدائها التقليديين ويقيسون بعدها عن الإسلام بما يجعلها عندهم على يسار الشيوعيين، رغم تنبيهات إخواننا طلبة العلم المنتسبين إلى "السلفية" في تونس إلى ضرورة الاتّزان والنّظر بمنظار المصلحة والترجيح والبعد عن الغلوّ القاسم لظهر أهل الإسلام عموما!...
وقد بلغني أنّ الذين انخرطوا في أعمال العنف الأخيرة في مدينة منزل بورقيبة، هم من هذا الصنف الذي دعاه فهمه لمتخلّف للدّين إلى مهاجمة المصالح العموميّة وإلى الاعتداء على أعوان الشرطة بالضرب المبرّح الذي نتج عنه الموت فيما بعد؛ مكبّرين!... إنّه الجهل بالدّين!... إنّه الإجرام في حقّ الإسلام والتونسيين باسم الدّين!... ولو كانت لهم عيون تبصر وآذان تسمع وقلوب تعقل لاقتبسوا من سيرة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم وفقهوها ولاهتدوا بتصرّفه وهديه يوم الفتح، فقد أمّن صلّى الله عليه وسلّم قريشا رغم إيذائهم الشديد الذي لا يزعم أحد أنّه أوذي مثله ورغم محاربتهم وحصارهم له، بل لقد عفا في النّهاية حتّى على الذين قال في حقّهم: "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة"... فإرث ابن علي ثقيل ثقيل، وهو لا يتمثّل كما قلت فقط في الفاسدين من التجمّعيين والمحاربين لهويّة البلاد والرّافضين تديّن شعبها وسيرها على الطريق الموصلة إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى بل يشمل أيضا هذه الفصيلة التي تريد أن تكون وصيّة على الدين بفهمها السيّئ والمتخلّف جدّا للدين!...
ولست هنا قليل ظنّ في أنّ العاملين اليوم على محاربة الوفاق الوطني ولا سيّما منهم المتربّصين بالنّهضة ومِن قبلها بالتديّن والإسلام (والنهضة ليست الإسلام) لشديدو البهجة بتواجد أمثال هؤلاء، فهم يوفّرون لهم الأرضيّة الخصبة لمحاربة الإسلام وأهله، وذلك بإبطال الحجّة أو إضعافها أو منع الأعمال الصالحة بتوهينها واتّهام مرادها أو القائمين بها (*)، بل ويندسّون فيهم مستغلّين عدم فهمهم للمحيط وعدم التحوّط له، كي ينفّذوا ماتمليه عليهم نفوسهم المريضة!... فهل ينتبه هؤلاء "الغيورين على الدّين" إلى جرمهم في مواجهة الدّين بأعمال طائشة ليست من الدّين!... وهل يُقلع السيّؤون عن استعمال ورقة هؤلاء الإخوة وورقة حزب التحرير لتعطيل كلّ إصلاح يستهدف خبثهم وخبائثهم التي باتت مكشوفة مسندة من أغلب وسائل الإعلام التي نشّئت في أحضان الرّذيلة!..
وعودة لما جرى ويجري: فقد ثار الشعب ضدّ الظلم ناشدا الحرّية... وإذا كانت الحريّة تساعد الإسلام على الانتعاش في أرض أحبّت الإسلام، فلا يدّعي أحد يمنع تلكم الحرّية أنّه يحبّ تونس؛ إذ لو أحبّها لأحبّ لها ما أحبّت هي لنفسها... وإذا طلع السيّد الوزير الأوّل اليوم معلنا عدم تراجع الحكومة بل مؤكّدا عزمها على إجراء الانتخابات في وقتها الذي كان تأخّر، فلا بأس أن نصبر على أسماء ملطّخة سمّاها في وزارته، على أن يفهم هو ووزراؤه أنّ سماحنا بذلك لا يعني أبدا رضًى بتصرّفات نزّاعة إلى الظلم والتعدّي على حقوق النّاس... وأمّا القتل والاعتداء والسرقة والاختطاف وقطع الطرق فهي أعمال لا يأتيها المسلمون ولا يشجّعون عليها... وأمّا الاعتصامات فهي لا تكون نافعة إلاّ إذا اجتنب فيها الإضرار بالمصلحة العامّة على أنّ الحقّ فيها يبقى قائما ما أقام العدل بالبلاد... ونسأل الله أن يحفظ تونس من شرور قوم لا يحبّون الخير لتونس...
----------------- (*): قرأت في بعض التعليقات حول موضوع تطوّع إخوة أطبّاء وطبيبات وإطارات صحّة جزاهم الله خيرا كثيرا لمداواة النّاس مجانا مدّة يوم كامل، التي قالت أنّ العمل ليس بريئا وإنّما هو تلميع صورة النهضة... هذا التعليق سلبي جدّا، فقد كان يمكن لبقيّة الأحزاب تلميع صورهم أيضا إمّا بتقليد هذه المبادرة أو بالاجتهاد في الإتيان بغيرها خدمة للمجتمع المحتاج!.. فإذا لم يكن النّاس يؤمنون بالأجر عند الله تعالى، فليلمّعوا على الأقل صوركم عند الشعب التونسي أو عند النّاس بأعمال صالحة يقترفونها!... ما الضرر أو العيب في ذلك!... وحسبنا الله ونعم الوكيل...