بسم الله الرّحمان الرّحيم زيف الحرّية عند العالمانيين في مقالنا السّابق سقط حمار العالمانيين في الحفرة لتفسيرهم للكون والحياة تفسيرا مادّيا محسوسا فتشابهوا بالحمير : هذا تبنٌ هذا علفٌ هذا حشيش حيث حالهم: هذا مال هذا جنسٌ هذه سلطة... والدّين أفيون الشّعوب وبيّنّا أن معضلات العالم اليوم سببه هذا الزّيغ في المفاهيم لذلك فهُمْ بهذا الفكر في تونس بلاد شعبُها راسخ العقيدة والجذور التّوحيدية هم كالطّفيليات بين الأشجار الثّابتة ولكن هم أيضا بخبثهم كالذّئب وسط القطيع. وقلت أنّه كلما برز لهم الإسلاميون في الشّارع إلاّ ولوّحوا في وجوههم لافتات مكتوب عليها شعارات شتّى أبرزها: الحرّية حريّة المرأة الديمقراطية والمجتمع المدني ففهمنا أنّنا الدّاعون إلى المشروع الإسلامي نسوق النّاس إلى سجن مظلم. قبل كلّ شيء لكي لا تُتّخذ أخطاء بعض الأنظمة الّتي تعلن حكمها بالإسلام نقول: أن إساءة التطبيق للإسلام اليوم لا يجوز أن يكون حكماً على مبادىء الإسلام الخالدة جميلة هي كلمة الحرّية... لكن أيّ حرية يُقدّمون لنا ؟ إنّها حرّية شقراء قدِمتْ من شمال البحر الأبيض المتوسّط. العالمانيون في تونس يقدّمونها لنا،وهي مرجعهم الحضاري قالوا خذوها، فهي التّرياق، وهي التّأصّل لمن لا أصل له أو لمن يشعر بالعار من أصله، وهي الحضارة لمن لا حضارة له مثلنا. (حسب زعمهم) وهي إذْ تُقرَن بديمقراطية أثينا.. فهي الدّين الجديد إذ أبَيْنا إلّا أن يكون لنا دين. لا أجد في الحقيقة أي مشقّة في استبيان مراحل السّاحرة الحرّية القادمة إلى عالمانيي تونس المنبتّين وعالمانيي العالم العربي من عند أسيادهم الغربيين بل لن تبذل كبير جهدٍ في تقصّي تاريخها فهي باختصار خمسة مراحل كالتّالي مع العلم أن الحرّية اقترنت معها الديمقراطية وشاركتها المسيرة في أهمّ تلك المراحل: 1 فقد بشّرت بها فلسفات القرون ما قبل الميلاد في اليونان(حتّى كاد يدّعي زعماؤها النّبوّة) وقُدّموا للإعدامات أو أجبروا على شرب السّموم كما حدث لسُقراط فما نفعت وما استقامت. 2 ودعت إليها الكنائس بعدها وتسابقت في تقديمها للنّاس حتّى الاقتتال فيما بينها وانقسامها كاثوليك و أرتدوكس فما نفعت وما استقامت. 3 وبشّرت أيضا بالحريّة حركات الطّوائف الدينية الأوروبية الّتي اهتزّت في وجه الكنائس المستبِدّة للنّاس ونادت بإصلاحها والتّحرّر بالدّين والتخلّص من البابوية وكان من أشْهرها (البرُوتستانتية) الّتي تكون ترجَمَتُها تقريبا الثائرون المتحرّرون وزعيمها (مارتن لوثر) في القرن السّادس عشر والأنجليكانية الّتي احتضنتها بريطانيا في القرن السّابع عشر وتلك كلّها ما نفعت النّاس وما استقامت. 4 ثمّ جاء القرن الثامن عشر عصر ما يُسمّى بالتّنوير والحداثة و قال زعماؤها ها هي عندنا جئنا بها الحرّية حبيبة النّاس وقال كانط 1784 ( إنّه عصر النّور .. عصر خروج الإنسان من حالة الوصاية التي تسبّب فيها بنفسه والتي تتمثل في عجزه عن استخدام فكره دون توجيه من غيره) ولكن الحرية ما استقامت لهم ولا استقاموا لها. 5 ثم جاءت المادّية العالمانية في القرن التاسع عشر والعشرين وقد ذكرنا زعماءها ومُنضّريها وشطحاتهم في مقالنا السّابق ( أنا ومعارضي مشروعي الإسلامي1 ). وقد قيل إن العالم الغربي قد بلغ منتهى التّحرّر والحرّية بوصول الدّستور الأمريكي 4 يوليو 1776، وميثاق الثورة الفرنسية 26 / 8 / 1789م إلى الوجود. ولقد لاحظتم وأنا أعدّد مراحل مسيرة الحرّية والدّعوة إليها في العالم الغربي في ما مضى من السّطور أنّني أختم ذِكْرَ كلّ مرحلةٍ بقولي «فما نفعتْ وما استقامتْ» إشارة خفية منّي إلى فتنة الشّعوب ومعاناتها من المصائب وويلات الحروب والكوارث في الأثناء ورغم تلكم الدّعوات الإصلاحية الّتي كانت باسم الحرّية. اليوْم، العالم الغرْبي الّذي شهدَتْ ساحاته تلكُم النّضالات بلافتة مُهمّة جدّا مرفوعة واضحة وجلية للعيان عبر العصور إسمُها الحرّيّة هل هو حرّ لكي نتّبعه؟ فما هي الحرّية يا أيّها الّذين تَعَلْمَنُوا لنرى غربَكُم هل هو حرّ أم لا ؟ هل تعْني سعي الإنسان في الأرض بلا قيود ؟ ألا يوجد في الغرب الّذي تقْتَفُون أثرَهُ أنظمة تقيّد بعضًا من حريّة الناس ! هل تستطيع أن تمُرّ مثلا في الضّوء الأحمر حتّى وإن ضمنْتَ للنّاس سلامتهم؟ أم هل تستطيع مثلا في هذه الأيام في فرنسا أو أيّ بلد أوروبي أن تُدخّن سيجارة داخل قاعة عمومية أو مترو أو حتّى مقهى؟ إنّها خطية ب 68 أورو... حفظها النّاس عن ظهر قلب! لقد قال جون ستيوارت ميل: السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو جزء منها تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضاءها هو حماية النفس فقط، وإن السبب الوحيد الذي يعطي الحق لمجتمع حضاري في التدخل في إرادة عضو من أعضائه هو حماية الآخرين من أضرار ذلك التصرف. لننظر ماهية الحرّية الآتية من الغرب ويُبشر بها ذيول الشّرق لقد امتدّت أيدي العالمانيين إلى زوجتي وابنتي وأخْتي في شَبَقيّةٍ بهيمية شرّعوا لها بدعوى الحرّية وسخّروا لذلك كلّ وسائل الفتنة حتّى رأيتُهم كالبهائم بل هم أضلّ لا يعرفون قِيَمًا ولا أخلاق. أفسدوا الكون فاختلت قوانينه، ولا شيء يوقف شرّهم حتّى إذا طرقْتَ باب بيت وجدتَّ فيه رجلا زَوْجُهُ رجلٌ أو امرأة زوْجُها امرأة. كتب أحدهم في إحصائية: ( في بريطانيا, وأميركا, إن حوالى ثلث المواليد هناك هم أبناء زنا, وفي فرنسا فإن الرقم تجاوز ال40%. وفي إحصاء تم في 1994م وجد أن المرأة الفرنسية تنتقل في حياتها بالمعدّل بين أحضان 17 رجلاً بين زوج وعشيق. كما تتفشى في دول الغرب ظاهرة زنا المحارم والعياذ بالله, وبمعدلات تفوق الخيال, وفي غياب أية ضوابط وقيم وأخلاق، يساعد في هذا مستوى التعري في المجتمع, الذي يشجع ويدفع الجميع للزنا وفي كل مكان ووقت)... نتيجة حرّية تُفسد الأرض ومن عليها.
يقول المبشر (زويمر)
"ليس الغرض من التبشير التنصير فقط, ولكن تفريغ قلب المسلم من الإيمان, وإن أقصر طريق لذلك هو اجتذاب الفتاة المسلمة بكل الوسائل الممكنة, لأنها هي التي تتولى عنا تحويل المجتمع الإسلامي, وسلخه عن مقومات دينه ولقد امتدّت أيدي العالمانيين الأغنياء إلى مالي فأكلوه بالرّبا والعقود الفاسدة وشرّعوا لذلك باسم الحرّية الاقتصادية فاستعبدوني في الأرض وما عدتّ حرّا. واجتمع المال عند حفنة منهم عندنا تابعة لحفنة عندهم في الغرب. ولقد امتدّت أيدي العالمانيين إلى عقْلي فصاغوه كيفما يُريدون واحتكروا وسائل الفكر لأنفسهم فما أجد لنفسي على نفسي سلطانا. الخبر خبرهم والتّحقيق تحقيقهم والعلم ما سطّروه والتاريخ ما كتبوه. عندنا في فرنسا الحكومة تملك حقّ اختراق شبكات الاتصال العمومية متى تشاء كيف ما تشاء. ولقد امتدّت أيدي العالمانيين إلى مُقدّساتي فدنّسوها وإلى نبيّي فأهانوه وإلى قُرآني فداسوه وكل ذلك باسم الحرّية .. حرّية التّعبير والإبداع. مقابل ذلك إذا قلتُ (الهولوكوست) فِرْيةٌ تاريخية يهودية فأنا في خطر (غارودي محلّ ملاحقة منذ سنة 1998) لهذا الأمر وكذلك الكاتب الفرنسي (فوريسون) المعروف بطروحاته ضدّ الحركة الصهيونية حرّية بمكيالين حرّية الغرب الّتي يبشّرنا بها أتباعهم العالمانيون في الشّرق اقتضت أن يمشوا عراة على شُطآننا وتُلاحق الفتاة المتحجّبة في جامعاتهم وأمّا حرّية الشّعوب فإنّنا نرى لها قامع يقمعها إذا ما تجاوز طموحها حدودها وهو الفيتو الصهيوني الأمريكي شهد شاهد من أهلها يا عالمانيو تونس الغرب الّذي تتّبعونه صُمّا عمْيا نقض نفسه بنفسه فاسمعوا ما قالوا عن مبلغ الحرّية عندهم يقول د. هنري ماكو, وهو أستاذ جامعي, وباحث متخصص في الشؤون النّسوية زيف ادعاءات تحرير المرأة, ويصفها بالخدعة إذ يقول "تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمي الجديد, خدعة قاسية أغوت النساء الأميركيات, وخربت الحضارة الغربية في المقابل أنا الدّاعي إلى المشروع الإسلامي الحرّية المطلقة عندي لا وجود لها، وأوحِيَ إليّ أنّ الإنسان يظلّ حرّا ما شاء له ما لم يُحدثْ ضررا بنفسه أو بإنسان غيره (في حياته وماله وعرضه وعقله) أو بالكون عامّة. ومرجعي في الحرّية ليس الغرب الضّائع المنسلخ ولا أذياله القذرة في تونس وإنّما أربع كلمات في سيرة نبيّي صلّى الله عليه وسلّم: لا ضرر و لا ضرار وإلى لقاء قادم مخلوف