قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ ليبيا: اشتباكات عنيفة في الزاوية.. وهذه حصيلة الضحايا    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرد حساب مع قلبي لاستقال رمضان
نشر في الحوار نت يوم 01 - 08 - 2011


الكاتب : جمال زواري أحمد
وأنا أراجع استعداداتي لاستقبال الشهر الفضيل ، وأتفقد المحلّ (القلب)لأرى مدى تهيّئه لتدفق الرحمات الإلهية التي يفيض بها الجواد الكريم على عباده ، ومدى صلاحيته للظفر بنصيب وافر من التكريمات الربانية في لياليه وأيامه ، ومدى جاهزيته للحصول على حظ وافي من النفحات الروحانية في صيامه وقيامه ، ومدى جدّيته للوصول إلى مرتبة متقدمة في قائمة التشريفات النورانية عند انقضائه وختامه.
فعلت ذلك وأنا أتساءل :
هل أطمئن للرهان عليه في نيل بركاته ، والعبّ من خيراته ، والإقبال على طاعاته ، والتزوّد من قرباته ؟؟؟
أم أقلق وأخشى منه أن يخذلني عند جدّ الجدّ ؟ ، ويصدمني عند بداية الكد ؟، ويفضحني عند نهاية العد ؟، فيكون مصيري الصد والرد؟؟؟
وهل قلبي يؤهلني لأكون من المقبولين ، فأنال في نهاية الشهر التهاني ؟، أم يؤخرني فأكون من المحرومين ، فأستقبل عندها التعازي؟؟؟
كما روي عن الإمام علي رضي الله عنه : أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ؟ ، ومن هذا المحروم فنعزيه ؟.
هل أسبق في مضمار شهر الصيام ، فأكون من الفائزين المحسنين ؟ ، أم أتخلّف فأكون من الخائبين المبطلين ؟؟؟
كما قال الحسن البصري رحمه الله :(جعل الله شهر رمضان مضمارا لخلقه ، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلّف قوم فخابوا ، فالعجب من اللاعب الضاحك ، في اليوم يفوز فيه المحسنون ، ويخسر فيه المبطلون).
فلله بين جنبيّ بيتا (وهو قلبي)، لو طهّر لأشرق بنور ربّه وانشرح وإنفسح ، ولو لوّث لأظلم بزور الشيطان وضاق وانكمش.
حملت كل هذه التخوفات والهواجس والتساؤلات ، وقمت بعملية جرد حساب مع قلبي ، بمصارحة لا مجاملة فيها ، ومطارحة لا التماس أعذار إليها ، فوضعت قلبي على كرسي الاعتراف والامتحان والاختبار ، في عشرين قضية مهمة ، لآخذ منه الإقرار ، ومن ثم أستدرك معه كل أسباب الانحدار ، وأسدّ كل ثغرات الانكسار ، فيأتي عليّ رمضان وأنا في أتمّ لياقتي الروحية والإيمانية ، وأكمل جاهزيتي العبادية ، وقبل ذلك وأثناءه وبعدة في منتهى سلامتي وصحتي القلبية ، فجرت محاكمتي لقلبي كما يلي :
1) أيها القلب : كيف حالك مع ربّ الجلالة ؟؟؟
أغفلة دائمة عنه ؟ ، أم أمن وجهالة؟؟؟
أما الأولى فمهلكة بيّنة ، والثانية ضعف يقين بالرسالة .
فطلّق غفلتك ، وأقبل عليه بصدق ، وقوّي يقينك وتحرّر من وحل الكلالة ، لتنجو بحق من هذه الحالة.
فما طابت الدنيا إلا بذكره ، ولا الآخرة إلا بعفوه ، ولا الجنة إلا برؤيته.
2) أيها القلب : كيف حالك مع الإسلام ؟؟؟
أعقوق وسوء تمثيل له ؟ ، أم وهن في العقد الذي بينه وبينك؟؟؟
أما الأولى فعزة به ، وإلتزام طريقه المستقيم ، أو يصحبك مادمت مقصّر في حقه ذل عميم ، أما الثانية فتمتين ميثاقه الغليظ ، واستمساك بعقده العظيم ، أو استعد لشهادته أمام مولاك عليك ، فأنتظر عندها مصيرك الأليم .
3) أيها القلب : كيف حالك مع الإيمان ؟؟؟
أضعف ونقصان وإندراس معالمه ؟ ، أم نصيب ضحل من مخالطتك بشاشته؟؟؟
أما الأولى فبادر بتجديده ، أو تحمّل هوانك بغياب فضائله ، أما الثانية فقوّي رصيدك منه وصاحبه بشكل دائم ، أو لا تحلم يوم الحشر بإنقاذه لك ولا بشفاعته.
4) أيها القلب : كيف حالك مع الإحسان ؟؟؟
أله حضور فيك ولو كان قليلا ؟ ، أو تأثير فيك ولو كان ضئيلا ؟؟؟
أم يأس من بلوغ مرتبته فيك أصيلا ؟ ، وفشلت في صعود مدارجه فشلا ذريعا؟؟؟
أما الأولى فاستحضر رقابة الله ، ولا تجعله أهون الناظرين إليك ، فيمقتك مقتا كبيرا ، أما الثانية فكرّر المحاولة ولا تيأس ووفر عدّة الصعود ، فستجد ربّا رحيما ، فأتخذ من الإحسان نصيبا مفروضا ، لأن غيابه منك وعنك ، يجعل حسناتك مهما كثرت يوم القيامة هباء منثورا.
5) أيها القلب : كيف حالك مع التنزيل؟؟؟
أكسل عنه ؟ ، أم هجر له وعجز في التحصيل ؟؟؟
أما الأولى فدواؤها عزمة حر ، أما الثانية فسرعة صلح معه ، ومعرفة فضل ، أو حجز مكان تحت شكوى : (وقال الرسول).
6) أيها القلب : كيف حالك مع سنة الحبيب ؟؟؟
أإعراض عنها ؟ ، أم بعد عنها مريب ؟؟؟
أما الأولى فتعظيم وتطبيق لها ، أو الوقوع في منقلب كئيب ، أما الثانية فتمسك وتخلّق بها ، أو إعراض عن الحوض يوم يعلو من البعض النحيب.
7) أيها القلب : كيف حالك مع العهود ؟؟؟
أتقصير غالب ؟ ، أم نكث وجحود؟؟؟
أما الأولى فسرعة استدراك أو سوء ورود ، أمّا الثانية فوفاء ثابت أو لعن وصدود.
فمتن صلتك بها ، فقد ربح المستمسكون ، وإذا دعتك نفسك لنقضها مع مولاك فأزجرها قائلا:( مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )(يوسف23).
أما أن يعزم اللسان وأنت على المعصية معقود ، وعزمك أن ترجع إلى المعاصي بعد رمضان وتعود ، فصومك مردود ، وباب القبول عنك مسدود.
8) أيها القلب : كيف حالك مع الإخلاص ؟؟؟
أثقيل هو عليك ؟ ، أو أنت نحوه عديم الإحساس ؟ أم هو بعيد عنك ، فعملك كلّه لوجه الناس ؟؟؟
أما الأولى فتدرّب عليه ، وروّض نفسك وألجمها وسقها راغمة إليه ، فهي لقبوله صعبة المراس ، وإلا فلا مساس ، أما الثانية فراجعه ونقي سريرتك دوما قبل كل قول وفعل وعمل ، وتجرّد ودعه يتمكن منك ، فتطرد به الوسواس الخناس.
وإلا فتهيأ لمصير الثلاثة مجاهد وعالم ومتصدق ، فيومها يقال لك لا خلاص.
9) أيها القلب : كيف حالك مع الطاعة ؟؟؟
أتفريط فيها كبير ، ولهو بها عظيم ؟ ، أم نسيان فضلها الجليل ، وحرمان من أثرها الجميل ؟؟؟
أما الأولى فاحرص وداوم عليها ، فأنت عند بارئك أجير ، وليكن لك منها حظ وفير ، فالناقد بصير ، فكن على حذر دائم من غضبه وسوء المصير.
أما الثانية فتذكر أجرها العميم ، ووزنها الثقيل ، وأنها من منجياتك يوم الحساب من عذاب السعير.
10) أيها القلب : كيف حالك مع الصلاة ؟؟؟
أتضييع لها ، وتهاون بها دون حسبان ؟ ، أم تؤديها ولكن بروح كسلان وأداء غفلان ؟؟؟
أما الأولى فعض بالنواجذ عليها ، واستحضر خشوعك فيها ، وتيقن أنها جالبة لرضا الرحمن ، وإلا فسؤال عسير لك عنها من رب عليك غضبان .
أما الثانية فحسن أداء ، وحضور صفاء ، وأنت منكسر خجلان ، وإلا فشدّة حساب ، واستحقاق عذاب ، وعاقبة خسران.
11) أيها القلب : كيف حالك مع الإنفاق ؟؟؟
أبخل لك لازم ؟ ، وشح عنك صادر ؟ ، وإمساك يد بسببك لا يطاق؟؟؟ ، أم غياب شكر ، وحب دنيا ، وكف كف بتدبيرك ، خشية إملاق؟؟؟
أما الأولى فطلاقة يد ، ولزوم سخاء ، وفكّ وثاق ، وإلا فحرمان قرب ، ونيلان بعد ، من العزيز الخلاّق ، أما الثانية فمضاعفة شكر ، ومداومة ذكر ، ومقارعة مكر ، وتعميق يقين بما عند الكريم الرزاق ، فتضمن ظلا ظليلا يوم يضيق على البعض الخناق ، وتنجو من ذوق الحميم والغساّق ، فتهزك الأشواق ، وتنعم مع من كانوا لدار النعيم عشاق.
12) أيها القلب : كيف حالك مع الأذكار ؟؟؟
أغافل عنها ؟ أو لا حظ لك منها إلا التكرار؟ أم ترديد باللسان دون أن يكون لها بداخلك أنوار؟؟؟
أما الأولى فاحرص على وردك الثابت منها ، وكن دائم الإكثار ، فذلك كالموت أو الحياة كما ذكر النبي المختار، فتقصيرك فيها يجعلك في انحدار ، ويحرمك مغفرة الغفار، أما الثانية فسجل حضورك معها بخشوع وانكسار ، وإخبات وافتقار ، لتتجنب غضب الجبار ، فيقيك مس حرّ النار..
13) أيها القلب : كيف حالك مع قضاء حوائج الناس ؟؟؟
أحظك منها عاثر ، وليس فيك بها إحساس ؟ ، أم لك فيها نصيب وافر وشعورك بها جدّ حساّس؟
أما الأولى فليكن لك فيها سعي حثيث ، وتحرك كثيف ، مع شعور رهيف ، وحس لطيف ، لتنل حب الكريم وأفضاله ، فأحب عباده إليه أنفعهم لعياله ، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله.
أما الثانية فداوم على قضائها ، وزاحم على عطائها ، ليكون لك أجر ما ورد في الحديث ، وتكن لابن عباس رضي الله عنه خير وريث.
14) أيها القلب : كيف حالك مع بقية الجوارح ؟؟؟
أفعلا أنت عليها أمير ، أو لا تملك الأهلية ؟ ، أم أنك لها دائم التوريط في كلّ بليّة ؟ والدفع بها إلى كلّ رزيّة؟؟؟
أما الأولى فأنصلح وكن لها قدوة حسنة ، تكن منها وبها في المنزلة العلية ، وإلا فقد رضيت لنفسك ولصاحبك في الدارين الدنية.
أما الثانية فكن صالح الطوية ، صادق النية ، لتثمر جوارحك أفعالا زكية وأعمالا سنية ، فتضمن بذلك عيشة رضية ، وموتة هنية ، ومكانة حظية ، عند رب البرية ، والنجاة من نار موقدة صلية.
15) أيها القلب : كيف حالك مع الدموع ؟؟؟
أقسوة لها مانعة ؟ وغفلة منها حارمة ؟ ، أم عيون عن هطولها جامدة ؟ ومآقي عن نزولها عاجزة؟؟؟
أما الأولى فليّن سويداءك بخشية لها جالبة ، ولطّف أجواءك بخشعة لها واجدة ، وأملأ أنحاءك بتوبة لجفافها طاردة ، وأوبة لهروبها لاحقة ، ورطّب قناتك إليها بآيات ومواعظ لربيعها صانعة ، لعلك تظفر منها ولو بواحدة ، فتنجو من قعر الهاوية ، وإلا كانت القاضية.
أما الثانية فوفر لها الأوراد الكافية ، وزوّدها بالأمداد الدائمة ، وأجلب لها الأنوار الكاشفة ، فسوف تنطلق بعون الله وتوفيقه عيونا جارية ، فتسقي مقلا قاحلة ، وتغسل ذنوبا جارية ، وتنزع أثقالا جاثمة ، وتشفي أمراضا قاتلة ، وتقتل عللا حالقة ، فتقهر بذلك نفسا لاهية ، وتحرق أهواء طاغية ، فتضمن لك حسن الخاتمة ، فدخول جنة عالية ، قطوفها دانية .
16) أيها القلب : كيف حالك مع قضايا الأمة ؟؟؟
ألاّ أثر لها في شعورك ؟ ، ولا وجود لها في قائمة اهتماماتك عند غيابك أو حضورك؟
أم توجع وشكوى باللسان ؟ ، دون عمل وفعل في الميدان ؟؟؟
أما الأولى فعمّق إحساسك بها ، واجعل من اهتمامك نصيبا مفروضا لها ، لتنل شرف الانتماء ، وتكن صادق الولاء ، وإلا فأنت عن الأمة مفصول ، وعن مجموعها معزول .
أما الثانية فمع تألّمك لها جنانا وبيانا ، برهن على ذلك سرا وإعلانا ، وساهم بما تقدر عليه وجوبا وامتثالا ، لا تفضلا وامتنانا.
17) أيها القلب : كيف حالك مع فلسطين ؟؟؟
أهي عندك قضية عقيدة ودين ؟ أم مجرد أرض وطين ؟؟؟
ألها في قاموسك سطور ؟ وفي اهتمامك جذور ؟ وفي نشاطك حضور ؟؟؟
أم أنك لا تقوم نحوها بأي دور؟؟؟
أما الأولى فقدسية القضية لا تحتاج إلى كثير عناء ، فقد باركها رب السماء ، في سورة الإسراء ، وصلى بها نبيك بالأنبياء ، وأعرج به منها إلى سدرة المنتهى.
أما الثانية فينبغي أن تكون جزء مهما من قرارك ، وحدّث نفسك دوما أن تكون في تحريرها مشارك ، ولك دور في تطهير ترابها المبارك، وإلا فاتك أجر النفير ، وحرمت شرف المسير.
18) أيها القلب : كيف حالك مع الموت ؟؟؟
ألا تطيق له ذكرا ، لأنه ينغص عليك شهواتك ؟ ، ولا تريد له فيك حضورا ، لأنه يعكّر صفو ملذاتك ؟ ، أم تذكره ولكن لا أثر له فيك ، مع كثرة غدراتك وفجراتك؟؟؟
أما الأولى فأكثر من ذكره حتى يزاحم فيك شبهاتك ، وداوم على وجوده بداخلك ، ليضيق هامش غفلاتك ، وحتى لا يفاجئك وأنت غارق في بحر هفواتك .
أما الثانية فشمّر وضاعف له من استعداداتك ، واجعل حضوره ملحا في كلّ معاملاتك وتصرّفاتك ، فتستيقظ من سباتك ، وترد كيد عداتك ، وتسعد في حياتك ، وتحجز مع الأكياس مكانك ، فتضمن بكل ذلك نجاتك.
19) أيها القلب : كيف حالك مع الجنة ؟؟؟
أتشتاق إليها بحق ، أو هي مجرّد أمنية ؟ ، أم أنك لا زلت في رق ، وحديثك عنها أحجية؟؟؟
ويحك ، ألا يهزك الشوق إليها ؟ ، ولا يملأك الحرص عليها ؟ ، ولا يطربك تغريد طيورها ؟ ، ولا يستهويك تنوع دورها ؟ ، ولا تحرّكك كثرة قصورها ؟ ، ولا يغريك جمال حورها ؟؟؟
ألا تجد ريحها لتكون من قاصديها ؟ ، ويدفعك نعيمها لتكون من ساكنيها ؟ ، ويجذبك نسيمها لتكون من قاطنيها ؟؟؟
ألا تحب فيها مجاورة البشير النذير ؟ ، ومرافقة صحابته المجتبين ؟ ، وملازمة الشهداء والصديقين ؟ ، ومصاحبة قوافل عباد الله الصالحين على مرّ السنين؟؟؟
ألا تريد التمتع بالنظر فيها إلى وجه مولاك الكريم ؟ ، والظفر بالنعيم المقيم ، الذي ليس له في الدنيا نظير؟؟؟
أم أنك معتقد فعلا أنها عروس ؟ ، لكنك من ولوج بابها يؤوس ؟ وعن تقديم مهرها عاجز ، لأن في مقدمته قهر النفوس؟؟؟
ويحك ، لا ينبغي أن يغلبك القنوط ، أو تقعدك الأتراح ، فجدّد العهد والعزم ، وأنطلق لترتاح ، وأكثر الحداء مع حادي الأرواح ، إلى بلاد الأفراح ، ليزكمك عطرها الفوّاح ، وتكن من أهلها الأقحاح.
20) أيها القلب : كيف حالك معك ؟ وأي القلوب أنت ؟؟؟
بعدما أكثرت سؤالك ، وعرفت أحوالك ، وخبرت أهوالك ، ورأيت أوحالك ، فأين تصنف نفسك يا ترى ؟
أأغلف أو محجوب ؟ ، أأجلف أو مطبوع ؟ ، أأعجف أو منكوس ؟؟؟
أم تراني قد بالغت في تجريمك ؟ وتماديت في تخوينك ؟؟؟
إنما أنت قلب حالك كالكثير من القلوب : فيك الملح الأجاج ، كما فيك العذب الفرات.
فيك من أنوار الهداية ، كما فيك من ظلمات الغواية.
لديك الرغبة في ورود ألطاف العناية ، كما لديك القابلية لاستقبال أرجاس الجناية.
تقبل حتى تكاد الوصول إلى درجة الصدّيقية ، وتدبر حتى تكاد النزول إلى دركات الإبليسية.
يتراكم عليك الران حتى يكاد أن يحجب عنك كل نور ، ويملأك النور حتى يكاد يذهب عنك كل زور.
تتوارد عليك الأمراض حتى تكاد أن تمحيك ، وتتوالى عليك الأمداد حتى تكاد أن تنجيك.
تستمر على صفائك حتى تكاد تكون كالبلوّر ، وتنتكس على نقائك حتى تكاد تكون كالتنور.
أيها القلب : ألا يستقر أمرك على حال ؟ أم أنّ ذلك منك صعب المنال؟؟؟
ألا يمكنك أن تدوم شديد الإقبال ؟ فتقدّم للآخرين خير مثال ؟ أم أنّ ذلك منك شديد المحال ؟؟؟
فهاهو رمضان على قدوم ، وهو فرصة سانحة لك لتثور على وضعك القديم ، ومحطة هامة لك لتنتفض على رصيدك الهزيل ، ومدرسة هائلة لك لتتعلم فيها كل جميل ، وتتزود من خلالها بكل جليل .
فقد يسّر الله لك فيه اقتحام الميادين ، وصفد لك فيه كلّ الشياطين ، وضاعف لك فيه عمل الموازين ، وفتح لك فيه أبواب الجنان ، وأغلق أبواب النيران ، ورغبك في كل الطاعات ، وحبب إليك كل القربات ، وأعطاك حتى على حسن النيات ، لتنل ما شئت من الرحمات.
فخاطبني قلبي بلسان حاله لا بلسان مقاله : يا صاحبي : لقد أكثرت توبيخي ، وإن صدقت في تشخيصي ، وكرّرت تعنيفي ، وإن كنت على يقين أنك تريد تخليصي .
فو الذي أنا بين إصبعين من أصابعه ، لتجدن مني في رمضان هذا العام ما يسرّك ، ولترى مني ما يقرّ عينك ، ويفك من أسر الذنوب قيدك ، ويملأ بفيض الأنوار جوانحك ، ويطلق لفعل الخيرات جوارحك ، ويعتق من النيران رقبتك .
فيرتفع عند مولاك مقامك ، ويكثر عند أهل السماء ذكرك ، وعند أهل الأرض حبّك.
عهد علي فعلا لا قولا في هذا الشهر الفضيل ، أن أشرّفك مع بارئك ، وأبيض وجهك مع خالقك ، وسأجعل جوارحك تملأ خزان حسناتك ، وتخلي أثقال سيئاتك ، وسوف أكون سببا بإذن الله لرفع وقبول دعواتك ، وإرباء ووصول صدقاتك ، وتدفق وحصول كراماتك.
فقلت له : سوف أرى وعودك ، وبيني وبينك ليالي الشهر وأيامه ، لأعرف مدى تحصيلك من خيرات الشهر وأفضاله ، ورحماته وأنواله.
أملي أن تكون صادقا معي ، خالصا لي ، راحما بي ، شافقا عليّ ، فأكون في قوائم المرحومين ، وقوافل المعتوقين ، وفي عداد الصاعدين ، في منازل السائرين ، ومدارج السالكين ، وفي قطار الواصلين ، لأفتخر وأسعد بأن لي قلبا حيا سليما بحق :( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(الروم 4 و5).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.