إنّا للّه وإنّا إليه راجعون كلّ من عليها فان ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام يا أيّتها النّفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي بقلوب يعتصرها الأسى تلقّينا صباح اليوم نبأ وفاة أخينا العزيز الأزهر مقداد أبو أيمن عضو الهيئة التّأسيسية لحزب حركة النّهضة بعد صراع طويل ومرير مع المرض وإنّنا إذ نألم ونحزن لهذا المصاب الجلل فلا يسعنا أن نقول إلاّ ما يرضي ربّنا "إنّا للّه وإنّا إليه راجعون و إنّ القلب ليحزن وإنّ العين لتدمع و إنّا على فراقك يا أبا أيمن لمحزونون ". لقد ترجّل اليوم فارس من فرسان الحركة بعد مسيرة عطاء طويلة عرف خلالها السّجن والتّهجير والتّعذيب والمطاردة فواجه كلّ ذلك بصبر و حزم وثبات ويقين وجلد وظلّ حتّى الأيّام الأخيرة من حياته يسأل عن أخبار الحركة وينصح لها ويوصي بها خيرا ويهتمّ بأمرها ولا يرتضي عنها بديلا: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا. عرفت الأزهر مقداد في تونس في بداية الثّمانينات كقيادي مركزي في حركة النّهضة كان يزورنا في الكاف في إطار مهمّته التّنظيمية و أشهد له أمام الله، وألسنة الخلق أقلام الباري، بكفاءته ودماثة خلقه وأذكر أنّه لا يردّ السيئة بل يسرّها في نفسه وقليلا ما يبدها ويكظم غيظه ويدفع بالّتي هي أحسن. خلال سنوات المهجر العصيبة اشتدّ بيننا النّقاش أكثر من مرّة ونحن ندير شؤون الحركة في سويسرا فما يلبث أبو أيمن أن يخفض الجناح ويصبر على شدّتي بل وفي إحدى المرّات التحق بي في بيتي على مسافة 35 كيلومتر بعد نهاية الإجتماع ليعتذر وربّما كنت المخطأ وكان على صواب! للّه درّك يا أبا أيمن رحلت وتركت لنا بقية المشوار نكملها دونك ونحن في أمسّ الحاجة لمثل نصحك وتوجيهك وسداد رأيك وسعة صدرك وجميل صبرك ... ما عهدتك تخذل رفاق دربك الّذي نذرت له حياتك وأعطيته أجمل سنوات عمرك ولكنّه النّداء العلوي الّذي لا يردّ ولا حتّى يؤجّل "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" فنم قرير العين ولك علينا عهد الوفاء لما تعارفنا واجتمعنا عليه من مبادئ وقيّم. أبلغ التعازي لأهل الفقيد وأقول لهم و لكلّ من عرف الأخ الأزهر مقداد " أجزل اللّه أجركم وأحيا على دفينكم صبركم ووسّع لهذه النّازلة صدوركم ورزقكم الصّبر الجميل و أنزل السّكينة على قلوبكم وخفّف عنكم وطيئة كربكم ولا جمع الله عليكم فراق الأحباب وفراق الثّواب وجمع الله عليكم نعمتي الجلد والإحتساب.
إنّ مصابنا في أخينا العزيز القيادي الأزهر مقداد ليصدق فيه قول الشّاعر أَبُو يعقوب الخريمي ألم ترني أبني على الليث بيته وأحثي عليه الترب لا أتخشع ولو شئت أن أبكي دما لبكيته عليه ولكن ساحة الصبر أوسع وأعددته ذخرا لكل عظيمة وسهم المنايا بالذخائر مولع وإني وإن أظهرت مني جلادة وصانعت أعدائي عليك لموجع أو هذه الأبيات المدبلجة لنفس الشّاعر: أعاذل كم من منفس قد رزئته وفارقني شخص علي كريم وقاسيت من بلوى زمان وكربة وودعني من أقربي حميم فعزيت نفسي غير أني بموته أُخَيّ مسلوب العزاء سقيم أرى الصبر عنه جمرة مستكنة لها لهب في القلب ليس يريم وخط خيال منه يعتاد مجلسي له كرب ما تنجلي وغموم وآثاره في الجمع حيث توجهت بي العين حزن في الفؤاد مقيم إذا رمت عنه الصبر أرجو ثوابه أبي الصبر قلب بالحميم يهيم لعمرك إني يوم أدفن مهجتي وأرجع عنه صابر لكظيم وإن فؤادي بعده لمفجع وإن دموعي بعده لسجوم خططت له في الترب بيت إقامة إلى الحشر فيه والنشور مقيم وكَانَ سرورا لم يدم لي وغبطة وأي سرور في الحياة يدوم وروحا وريحانا أتى دون شمه من الدهر يوم بالفراق عظيم وفارقت حلو العيش إلا صبابة عليها خطوب الحادثات تحوم فجعت بشق النفس والهم والهوى عذاب لعمري في الحياة أليم يعيب علي الأقربون صبابتي وحزني وكل يا بني يلوم فهل كَانَ يعقوب النبي بحزنه مليما وما يزري علي حكيم كوى قلبه حزن كَانَ لهيبه توقد نيران لهن ضريم فما عير الله النبي بحزنه أبي ذاك رب العالمين رحيم فلولا رجاء الأجر فيك وأنه ثواب وإن عز المصاب عظيم وأنك قربان لدى الله نافع وحظ لنا يوم الحساب جسيم لأضعف حزني يا بني وأوشكت علي البواكي بالرنين تقوم العربي القاسمي نوشاتيل سويسرا في 04 أوت 2011