بسم الله الرّحمان الرّحيم حين اندلعت الأحداث أو الاضطرابات في تونس هكذا أسمّيها ابتداءً من اليوم "ولن أسمّيها مُستقبلا ثورة" فما أبْعَدَ ما يحدُث اليوم في وطننا العزيز عن الثّورة ما يحدث في تونس مسْخرة قلتُ حين اندلع ذلك بلغني أن صُحُفيِي الجزيرة والتّقنيين في قاعات العمليات في الدّوحة الّذين كانوا يتلقّوْن عبر الشبكة العنكبوتية لقطات الفيديو المرسلة من الشّباب الهائج المائج في تونس والّتي كانوا يلتقطونها بهواتفهم الجوّالة في الشّوارع أثناء الهرج والمرج .. بلغني أنّ أولئك الفنّيين قد عانوا الأمرّين وهم يقومون بتنْقية وإعداد وتركيب تلك اللّقطات وتهذيبها لكي يقدّمونها للجمهور في نشراتهم المواكبة للأحداث أوّل بأوّل. والسّبب في مُعاناتهم هو الإستعمال الطّاغي (لحرف الزّاي) في التّعاليق المصاحبة للتّصوير من طرف النّاشطين والمراسلين الهواة ويُقال هكذا في ثقافتنا الشّعبية إذا استعمِلت كلمات خادشة للحياء وهي أغلبها يبدأ "بحرف الزّاي" ويسميه "التّوانسة" أيضا باللهْجة العامّية: (كلام من الحزام واهبط ) تلك اللّقطات كانت مليئة بالكلام البذيء الفاحش من سبٍّ للجلالة وألفاظ ساقطة و تعابير نابية معبّرة عن الانحطاط الأخلاقي لأصحابها الّذين قاموا بتصويرها بأنفسهم. ولعلّ كلّ من لم يكْتف مثلي بما تبثّه الجزيرة ولجأ إلى النّات باحثا عن مزيد من الأخبار قد لمس تلك الفظاعة ، من أخلاق شباب "الفيس بوك" المنسوبة إليهم ما يُسمّونه بالثّورة ورأى فحشهم من قريب. وقلت وقتها في نفسي أي ثورة هذه وأيّ شباب يتحدّثون عنه وأي جهاد وأيّ مستقبل ينبغي أن نحلم به من وراء هؤلاء القطعان من المنحطّين حضاريا. وطبعا لا أعمّم حتّى لا أكون ممّن يقول: "هلك النّاس" لكن أقول أنّني علمتُ وقتها أنّني أمام مهزلة يُسمّونها ثورة، بل هي سخرية من سخريات التّاريخ الغادر.. ثورة شباب "الفيس بوك" شباب المعاكسة و"التّبزنيس".. شباب الشّيشة و"المارلبورو" و"الرَّامِي"والقُمار في مقاهي العربدة. علمت أنّني أبتغي جنْي العسل من الخنافيس الطّائرة! أهذه القطعان الممسوخة من دينها وقيمها إلا ما رحم ربّي ستقود البلاد إلى العمران بعد سِني الخراب المنظّم ؟ ثمّ أجبْت نفسي بنفسي لن يقودوا شيئا ولا حتّى أنفسهم إلى خير. وقد رأيناهم بعد هروب الهارب انقلبوا في حملات نهب مُنظّمة أقضّت أمن النّاس لمدّة ليست باليسيرة، ويتذكر الجميع حين حدث ذلك الفراغ بداية من يوم14 جانفي حملات العقوق الّتي عانى منها الوطن العزيز. كنت ككثير من المهاجرين أقمتُ ما يُشبه قاعة العمليات هنا بالهاتف لمتابعة ما يحدث هناك وأتلقّى الأخبار في كلّ ساعة وقالت لي إحدى أخواتي الّتي لازمتُ الاتّصال بها لأنّ لها أطفال صغار وكنت أخشى عليها بؤس الأزمة. قالت لي أن الشّارع أصبح يعجّ بالوحوش الكاسرة فلا أنثى تمرّ في الأماكن الّتي كانت تمرّ فيها من قبل لقضاء حوائجها في حيّها دون أن تسمع ما يصعق ويبثّ الرّعب في القلب هذا إن كانت محظوظة ولم يمسّها سوء جسدي مباشر. ما كنت حقيقةً آمَلُ من قُطْعان ذلك الشّباب خيرا. والدّليل على كلامي أنّهم عادوا اليوم إلى "تبزنيسهم" وكلامهم المائع على الصّفحات "اللّا إجتماعية" ومعاكسة بعضهم بعضا وضرب المواعيد للشّيشة والشّيخات ولا ثورة ولا تسْجيل ولا انتخابات ولا "ندّابة". وانفرد المتربّصون بالوطن فانطلق الإفراج عن الكلاب المسعورة وعصابات السّرّاق وتبرئة ساحاتهم، وسُمح لبعضهم بالسّفر ليقيموا قواعدهم خارج الحدود وينظّموا صفوفهم للإجهاز على ما تبقّى من هذا الوطن. وعادت قنوات التّلفزة إلى ما كانت عليه قبل جانفي وكذلك الصّحف. وغدا ستُغلق المساجد من جديد ويأتي أئمّة آخرين وتأتيهم الخطب الجاهزة ويُنزع الحجاب عن نسائنا وسيتمّ الاعتذار "للطّرابلسية" ويُسلّم "قائد السّبسي" القصبة للتّجمّع تحت إسم جديد، وتعود "الحاجّة ليْلَى" لتُهيّأ قرطاج لعودة بن علي مُظفّرا. وسنعلم وقتها أنّها مُجرّد ثورة إفتراضية على المواقع الإفتراضية. وإلى لقاء قريب أمام الله عزّ وجلّ!!!!!!! مخلوف بريكي