أسدل الستار على الانتخابات التعددية الاولى التي تنظم بعد ثورة ال14 من جانفي والتي تاجلت مرارا لاسباب سياسية وفنية عديدة.. وفي انتظار الكشف عن النتائج الاولية الشاملة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فان عدة اسئلة تطرح داخل الطبقة السياسية منذ مساء اول امس الاحد.. ابرز تلك التساؤلات: من سيحكم تونس بعد مباشرة المجلس الوطني التاسيسي لمهامه؟
وهل ستشكل الاغلبية الفائزة حكومة من بين أعضائها أم ستختار شخصيات من بين "التكنوقراط" أوسياسيين حولهم قدر كبير من الاجماع الوطني لقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية الجديدة قد يكونون من خارج اعضاء المجلس المنتخب؟ وهل سينجح الفائزون بالاغلبية في ضمان حد أدنى من الاستقرار السياسي والامني وفي الشروع في معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة أم يحصل العكس وتدخل البلاد في "دوامة من العنف اللفظي والمادي والفوضى" مثلما توقع البعض؟ الاجابة عن هذه التساؤلات وغيرها رهينة معطيات جديدة من بينها مصادقة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ثم المحكمة الادارية على النتائج الاولية التي ستعلن اليوم.. هذه النتائج يبدو أنها تكرس توجهات سياسية عامة للناخبين أفرزتها النتائج الفرعية التي تنشر تباعا في القنوات الاذاعية والتلفزية منذ مساء أول امس الاحد وعلى راسها فشل الاغلبية الساحقة من ال1400 قائمة مستقلة وحزبية وسقوط عدد من "قيادات تلك الاحزاب ورموزها".
تفوق "النهضة " و" المؤتمر" و" التكتل"؟
وحسب المعطيات المتوفرة مساء أمس فان حصيلة التصويت يوم الاحد كانت بالخصوص تفوق واضح للنهضة ولحزبي المؤتمر بزعامة الدكتور المنصف المرزوقي والتكتل بزعامة الدكتور مصطفى بن جعفر.. وفي بعض الجهات يبدو أن على رأس الفائزين في عدة دوائر مرشحين من الحزب الديمقراطي التقدمي ( بزعامة الشابي والجربي ) و" المبادرة" ( بزعامة كمال مرجان) و"العريضة الشعبية " بزعامة محمد الهاشمي الحامدي و" القطب " ( بزعامة أحمد ابراهيم )..في المقابل منيت جل القائمات المستقلة بهزيمة هائلة بما في ذلك الائتلاف الانتخابي المستقل الذي تزعمه المحامي عبد الفتاح مورو وضم شخصيات ليبيرالية وحقوقية واسلامية " معتدلة" مثل صلاح الدين الجورشي وعدنان منصر والمنجي الكعبي ورضوان المصمودي ومراد الرويسي وخالد الطروالي..
رئيس جمهورية وفاقي؟
في الانتظار اكدت شخصيات قيادية من احزاب التكتل والمؤتمر من اجل الجمهورية والنهضة للصباح ان " قيادات الاحزاب الثلاثة تجري منذ مدة مع بعضها ومع بقية الاطراف السياسية الوطنية حوارات تشمل كل السيناريوهات بما في ذلك تشكيل وفاق سياسي بين القوى التي تعهدت برامجها انها ستتمسك بالصبغة المدنية للدولة وبينها الاحزاب الثلاثة الفائزة". في نفس السياق تردد في الكواليس امس ان الاحزاب الفائزة بالاغلبية في الانتخابات قد تتفق قبل موعد اول اجتماع للمجلس الوطني التاسيسي على اسم الرئيس الانتقالي والوزير الاول. في الاثناء بدا البعض يسرب اسماء شخصيات وطنية قد تحظى بنوع من الاجماع الوطني وفي صفوف قيادات الاحزاب الفائزة مثل السادة احمد المستيري ومصطفى الفيلالي وأحمد بن صالح والباجي قائد السبسي..
حكومة وفاق جديدة ؟
في نفس السياق يرجح ان تتفق الاطراف الفائزة الكبرى على اسماء شخصية رئيس الحكومة في أقرب..ومن بين الاسماء التي بدأ البعض يسربها في الكواليس الامين العام لحزب التكتل مصطفى بن جعفر وشخصيات قيادية من احزاب النهضة والمؤتمر مثل حمادي الجبالي ومحمد عبو.. على أن يكلف قياديون بارزون من الاحزاب الخمسة الفائزة بالمراتب الاولى بمسؤوليات في المجلس الوطني التاسيسي وفي رئاسة الدولة والحكومة على أساس" تكريس المبادئ والبرامج الوفاقية" التي سبق ان اعلنتها كل الاطراف وعلى راسها احترام مدنية الدولة والمشروع المجتمعي الحداثي وضرورة البدء في معالجة المشاكل التي تسببت في تفجير الثورة وعلى راسها البطالة والخلل في التوازن بين الجهات..
سلطات انتقالية ؟
لكن مهما كانت سيناريوهات التحالف في الايام والاسابيع القليلة القادمة فان كل السلطات التي ستشكل لحكم البلاد حتى مرحلة تنظيم الانتخابات البرلمانية القادمة (بعد عام او عامين على الارجح ) ستكون انتقالية.. رغم تميزها عن الحكومات والهيئات التي تشكلت منذ 14 جانفي بشرعيتها لان صناديق الاقتراع هي التي افرزتها..
الغائب الحاضر؟
في نفس الوقت فان تحديات عديدة ستواجه"الائتلاف السياسي" الجديد على رأسها وجود تيار معارضة قوي حزب النهضة الفائز بالاغلبية في هذه الانتخابات داخل النخب السياسية والمالية وتيار من "المثقفين العلمانيين.." كما أن أطراف هذا الائتلاف السياسي الجديد تدخله مع خلل واضح في ميزان القوى من حيث عدد الأعضاء في المجلس الوطني التاسيسي من جهة، ومن حيث عدد الاصوات التي اوصلتهم الى المجلس من جهة ثانية: البعض حصل على عضويته بعد فوز قائمته بالاغلبية والبعض الاخر نتيجة فوزهم ب" اكبر البقايا"..اي ان الفارق في عدد الاصوات التي فازوا بها كبير جدا.. الايام والاسابيع القليلة القادمة ستشهد مشاورات ماراطونية لبناء تحالفات سياسية بالجملة.. تمهيدا لتشكيل الفريق الجديد الذي سيحكم تونس خلال العام او العامين القادمين على الاقل.