تمت بحمد الله أول انتخابات ديموفراطية في تونس كانت نموذجا من خلال المعايير الدولية شارك فيها العديد من ابناء تونس لأول مرة ... انه حلم مات من اجله الكثير... يتم فيه اطفال وانتهكت فيه اعراض وديست فيه كل القيم. من اجل هذه اللحظة عرفت اجيال من الشعب التونسي ضروب من العسف والطغيان بداية من اليوسفيين في الخمسينات ومرورا باليسار الماركسي والقوميين وانتهاء باالاسلاميين منذ الثمانينيات حتى اندلاع ثورة الكرامة. لم يعرف الشعب التونسي شيئ يسمى انتخابات طيلة خمسين سنة الا في ثلاث مناسبات كانت الاولى بمناسبة انتخابات المجلس التأسيسي بعد الاستقلال وكانت شبه تعددية ولكن سيطرة حزب بورقيبة جعلت منها مناسبة لمبايعة الحزب الذي حمل لواء التحرير و الذي تحصل على الاغلبية وصاغ على هواه مستقبل البلد. اما الانتخابات الثانية فكانت بعد ان أودع بورقييه قيادات الاتجاه الإسلامي في السجن في جويلية 1981 فاتحا الباب لتعددية بدونهم كان اولها رفع الحضر عن الحزب الشيوعي والاعتراف بحركة الاشتراكيين الديمقراطيين والجناح الموالى من الوحدة الشعبية ... حاول الشعب ان يستفيد من هذه المناسبة فشارك بنسبة معتبرة ولكن ورقات الانتخاب تحولت مثل الحناء من خضراء الى حمراء ... وكانت المناسبة الثالثة بعد اكذوبة التغيير في انتخابات افريل 1989 حيث وعد قائد الانقلاب الأبيض على بورقيبة بتلك الوعود التي اطربت الكثير وجعلتهم يصفقون بصدق للعهد الجديد ...وشارك الإسلاميون لأول المرة في شكل قوائم مستقلة ... ودفعوا بإمكانياتهم وقدراتهم التنظيمية والتعبوية ضنا منهم ان ساعة المشاركة في ادارة شؤون البلاد فد حانت ... ولكن تقديراتهم كانت خاطئة فزورت الانتخابات واتجهت البلاد نحو حكم فردي مطلق ... ومحرفة الى كل ابناء التيار الاسلامي لم تنتهي الا مع اندلاع الثورة. هذه الثورة التي فاجأت الجميع في تونس: فاجأت السياسي الذي امن بدور الشعب ودعا الى الثورة الشعيبية العديد من المرات فاجأت دعاة المصالحة والذين نظروا للأبيض والأسود.* فاجأت دعاة الخلاص الفردي. * فاجأت النظام ذاته بمختلف مكوناته* فاجأت النخبة ومنظمات المجتمع المدني وعموم الشعب* ولذالك ليس لأحد الحق اليوم ان يطلع علينا بانه هو الذي جاء بالأسد بإذنيه واتى بالثورة كما قال احد الاستئصالين و الذي لانجد له أثرا بعد الانتخابات الأخيرة : لم اقم بالثورة لأسلمها الى راشد الغنوشي... خاضت حركة النهضة لاول مرة هذه الانتخابات كحزب معترف به واستطاعت والحمد لله ان تظهر لكل العالم امكانياتها وقدراتها في اجواء الحرية ... فكانت النتيجة التي أدهشت الأعداء و الاصدفاء ... وحتى لاتسقط هذه التجربة من جديد فاني اود ان اوجه هذه الكلمات الى الذين وفع اختيارهم من حركة النهضة لحمل امانة التغيير ... لابد من التسليم بداية بان الشعب الذي صوت ... صوت لحركة... صوت لمرجعية...صوت لمشروع ولم يصوت الى اشخاص ... فالكثير منهم كان مغمورا في الساحة الشعبية وجهاز النهضة هو الذي ابرزه... ومن هنا فان مسؤولية هؤلاء الاشخاص سوف تكون تاريخية وعليها سوف يبنى مستقبل التفاعل مع المشروع الاسلامي في البلاد... صحيح ان انتخابات المجلس التأسيسي مهمة لا نها ستؤسس لجمهورية الغد ... ولكن المشكلة في العموم لا تكمن في النصوص بل في القدرة على التنزيل والتنفيذ... فاذا فشلت حركة النهضة في مرحلة التأسيس فان حضورها في مرحلة التنفيذ الواسع للبرنامج – الانتخابات المقبلة – ستكون محل تساؤل فالشعب التونسي ذكي ولن تنطلي عليه الوعود المتكررة.. لقد كان عنوان و شعار الحملة الانتخابية هو الوفاء والصدق... وهو التزام مع الله والنفس والناس. فريضة الوفاء الوفاء لمئات الشهداء من ابناء تونس الذين سفطوا طيلة نصف قرن من الاستبداد... ويتأكد اكثر الوفاء لا خوة الطريق الذين تجاوزوا المائة ولم يروا هذا اليوم ... الوفاء لروح الشهيد الطيب الخماسي ... هذا الشاب الذي سقط برصاص الغدر وهو يوزع منشورا يدافع فيه عن هوية البلد التي هددها مخطط تجفيف المنابع ... ويتمثل الوفاء في الدفاع عن هوية البلاد وعدم تجريم المخالفين واحترام حرية التعبير لكل مواطن تونسي مهما كان انتماؤه الفكري والمذهبي مالم يتعدى على حرية الاخرين التي يجب ان يحددها الدستور الوفاء لروح الشهيد عبد الرؤوف العريبي ... رمز التواضع الاعتدال والذي سفط تحت التعذيب في دهاليز وزارة الداخلية في شهر ماي 1991... فلا يتحول النائب في المجلس التأسيسي الى نجم لا يرتاد الا الغرف المغلفة والفنادق خمسة نجوم بعيدا عن عموم الشعب وينسى انه مسلم من اهم صفاته التواضع ... وهو رمز للاعتدال في المواقف فلا ينزلق وراء المزايدات ويركبه الغرور ... ويتصور انه يملك الشارع التونسي يقدر على تحريكه في كل الاتجاهات... اوفياء لروح الشهيد سحنون الجوهري ... ذالك الرجل الذي عرف بقول مايعتفد انه حق في وجه اي انسان كبر او صغر شانه توجهه قيم الاسلام ومبادئه ... فلا نرى النائب النهضوي يمارس الخطاب الخشبي واستعمال لغة الكبار ... ومجاملة الخصوم... والتنازل عن القيم والمبادئ من اجل مصالح زائلة. اوفياء لروحي الشهيدين احمد العمري وعدنان سعيد اللذان استشهدا في مذبحة الجامعة يوم 8 ماي 1991 يدافعون عن حرمة الجامعة وعن حرية العمل النقابي والسياسي فلا تدفعنا الايام في اول جكومة للثورة إلى المس من هذه الحرية لضرب خصومنا... اوفياء لروح الرائد محمد المنصوري ذالك الضابط المؤمن الذي قتل في زنزانات الداخلية في ديسمبر 1987 حتى يعترف بتراسه لمخطط وهو بريء من ذالك ... فضل ثابتا في موقفه رافعا راسه حتى انتقلت روحه الى بارئها ... الثبات على الحق مهما كانت التحديات لابد ان يكون شعار المسلم الذي دخل عالم السياسة ... فالسياسي الذي لايملك هذه الصفة قد يقوم باسم المرونة احيانا والواقعية احيانا اخرى الى التخلي عن الثوابت وتلك قمة الكوارث. اوفياء لدموع الامهات والاخوات والاطفال حينما تتذكرون سنوات الجمر التي قضوها وهن يتبعن اخبار المساجين ويجرون من سجن الى اخر ويدعون صباح مساء على الظالمين... فلا يدعوكم موقعكم في السلطة الى الظلم .... فالظلم ظلمات ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ... والعدل اساس العمران ... الوفاء للذين فجروا الثورة من شباب تونس من اجل الكرامة ووقفوا متحدين رصاص القناصة بعدما ضاقت السبل وقتل وشرد الفقر الالاف منهم بحثا عن العمل الشريف ... فتكون الاولوية المطلقة هي رد الاعتبار للشباب ووضع برامج حقيقية للتنمية ووضع الانسان في قلب المعادلة ... اوفياء لتلك الطوابير من ابناء شعبنا من كل الشرائح والذين وقفوا الساعات الطوال للتصويت لمن يعتبرونهم اوفياء وصادقون ... ان وجودكم في مؤسسات الحكم مسؤولية وانها امانة وستكون عاقبتها خزي وندامة للذي لم يعطها حقها. فريضة الصدق انه الجزء الثاني من الشعار الذي خاضت به النهضة حملتها وهو يستبطن الصدق مع الله ...مع النفس ومع الناس. فالصدق مع الله هو اهم القيم التي يتمثل بها الاسلامي وابرز معالمه هي النية – انما الاعمال بالنيات - التي لا يعلمها الا الخالق والمعني بالأمر ... فالذي قدم ترشحه واصر على ان يكون في قائمة النهضة هو ادرى بنيته وخاصة اولئك الذين كانوا سببا في اوجاع رؤوس الكثيرين في الداخل والخارج عند الترجيح بين اهل الثقة واهل الكفاءة... فهل كانت النية تقودها حتما ارادة خدمة الاخرين ... نحن لانملك ان نفول غير ذالك. اما الصدق مع النفس فاهم مظاهره ان يعتقد الذي تقدم الى موقع المسؤولية انه القوي الامين ... فالقوة والامانة قد يخطئ الاخرون في تقديرها ... والانسان الذي تتمركز فيه خشية الله... يخشى المسؤولية ويهابها ولكنه لايتردد في تحملها اذا وثق من قدرته على تحمل تبعاتها اما المظهر الثالث للصدق فهو الصدق مع الناس وهي الصفة التي يجب ان تميز المسؤول المسلم المسئول المسلم يفعل ما يقول ولا يقول مالا يقدر على فعله. المسئول المسلم لايبيع الحلول الوهمية للناس وانما يصارح الناس بالحقيقة ويدعوهم للبحث عن الحل اذا كان لايملكه. المسئول المسلم لايعد الا بما يعتفد انه قادر على تحقيقه في ضوء الواقع والظروف المحيطة المسؤول المسلم يعترف بخطاه اذا اخطأ ولا يتردد في اخذ القرارات الازمة المسؤول المسلم يرفض المحاباة ولا يسمح بالتعدي على حقوق الاخرين مهما كانت الاسباب... هذه بعض مظاهر الصدق التي يجب ان يتميز بها من وضعه الشعب في موقع المسؤولية وهو عقد ثقيل يجب المحافظة عليه وهو ولاشك يتطلب مواصفات أخرى أتمنى أن تكون حاضرة فتونس في حاجة الى القوي الامين بعد خمسين سنة من الظلم والنهب المنظم ... فهل يكون ابناء النهضة في ذاك المستوى؟ ذالك مانتمنى.