نما وترعرع في أحضان الشرعيّة النضاليّة، من زمن الاستعمار، وعوض أن يكبر الوطن ويتفرّع وينتج ضمر، وكبر عوضا عنه الزعيم، أكل كلّ من حوله و من البدايات، ابتدأ بشركائه في النضال، لم يستطع هضمهم لاكهم ، لكنّهم كانوا أعصياء على الامتصاص. بدأ بشركاء النضال والتأسيس، وتوسّط بكلّ من حمل السلاح، من الفلاقة، ومن رضي كان له نصيب من أرض الوطن، ومن لم يرضى، كان له نصيب من خرقة زنزانة ، أو جزء من ذاكرة هجرة ،ومن بقي واقفا فقط ، فاته قطار العمر، انشغل عن النضال، بِعَدِ السِنُونْ. ثمّ تضخّم الزعيم حتّى أصبح هو الوطن، والوطن مساحة أرض، يرتع فيها كلّ من قدّم، ولاءه وذمّته وتاريخه وكتبه، لخدمة ذاكرة زعيم، وأصبح نوّاب الشعب، نوّابا للزعيم ، يحرسون الرئاسة مدى الحياة، من أن تؤتى من أحد الأصدقاء أو الأعداء، وتصارع الصديق والصديق، واستعدى الصديق صديقه ، من أجل إرضاء الزعيم، وتصالح العدوّ مع عدوّه، من أجل التراب الذي يمشي عليه ، ومن أجل رائحة اِلتفاتة منه، وكان القطوس، كامنا ،راضيا بما كتب له من نصيب أغلب الأوقات، مع بعض الخربشات بأظافره، من حين لآخر، و عندما تضيق به الدنيا، ولم يجد، ما يقتات به ممّا تركته له حاشية الزعيم ، والوزير والوالي والمعتمد ورئيس الشعبة ، وكانت بعض خربشاته ، مؤلمة أحيانا ولطيفة حينا آخر، يدحر بها وزيرا، وتأتي بوزير جديد، وبعضها تجعل الزعيم في نفق، يخرج منه كطائر الفينيق، متجدّدا، ضاحكا ولاعب شطرنج ذكيّ، صقلته سنون النضال وسنون السلطة ، وعركته المنافي و الصراعات ،وتحلّق حوله في كلّ الحالات ،وخصوصا أواخره ، النجّامون، وقارئي الكفّ، والطبالون والمغنّون، وأصبح عيد الوطن عيد للفرد، والوطن اختزل في فرد ، وأصبح 3 أوت هو يوم الزينة والفرح. وفي غفلة من الحرّاس والكهنة ترعرع الزع بع ، كطفيلي في قطعة ارض جرداء ، تسلّق، قيل بفعل فاعل أو فاعلة ، وقيل بعمل، وقائل قال، بمصادفة ، من غير شهادة علم أو عمل، إلاّ ما تيسّر له من دروس مخابرات، وقسوة وعنف، تعلّمهم، بعد تسكّع وصعلكة زمن الفتوّة الظاهرة. كان داءا ينخر جسم الوطن ، من السبعينات نما وترعرع داخل الجهاز ، تفرّع وكبكتيريا وجدت الإطار الملائم لنموّها وتفرّعها. وكان يُستعملُ ككيّ للشعب، زمن خربشات القطوس من 78 إلى 84، يستنجد به لتقليم أظافره ، ولتزيين واجهة الوطن، بعد المآزق التي تسبّب فيها المتحلّقون حول الزعيم. وبدهاء ، وفي غفلة من القوم، نمنا وأصبحنا، وأصبح الزع بع على رقابنا، تملّكنا دون عقد شرعي، بإمضاءات بعض أطباء الحلقة الأولى، وقضاة أمن الدولة، الذين حكموا بالإعدام ، على من تربّى على الخربشات من قيم القطوس. وتربّع الزع بع على الوطن، وبدأ بفتح بطون الأماكن، المظلمة والمغلقة، ليضع فيها ما زاد عن الحاجة، من أبناء الوطن، ومن لم يقلع عن الخربشة ، زمن السكوت والصمت، والفرح المتاح. وفتح بطون أقبية البنوك، ليدع فيها ما لذّ وطاب، من جواهر ولآلئ وصكوك، وسندات من الوطن، باسم الحاشية وباسم الخليلة وباسم من شاركه النسب ، واستبيح الوطن كلّه أرضه وهواءه، ماءه وجدرانه، ذاكرته وتاريخه وتراثه، وكلّ شيء أصبح يُقَومْ، بما يُقَومُهُ به ، السماسرة، وتجّار، الشنطة ولفائف الدخان والمخدّرات ، واستباحَ الوطن ،شرذمة، متسلّقة جاهلة جشعة ، ترى الوطن كلّه ، في قارورة جعة أو سهرة مع مغنيّة أو زانية، أو في سيارة فارهة ، أو في يخوت سرقت من بلاد الفرنجة، وأخْتُزِل وطن بأكمله، في رصيد ببنك من بنوك العالم ، وسرق وسرقت أحلامنا، وأصبح حلم القطوس، أن يجد ممّا بقي من نبات، في شوارع الوطن ، يُقِمْنَ جوعه ، و يقيه برد الشتاء وصقيعه، ولهيب الشمس وحرارتها. وغاب فترة ، عقودا من الزمن ، عن الوعي ، إلاّ ما ندر، وأستهلك كلّ طاقته، في البحث عن الزاد له ولأبنائه، في بنوك شحّت ، وأسواق ازدهرت بسلع لا ندري مصدرها ولا ماهيتها ولا كيف أتت. عاش القطّ ، يوما جائعا ويوما ساكنا ويوما غاضبا، لا يظهر غضبه إلاّ على نفسه ، وتراكم العجز و الضعف، مع البحث الدائم عن مصادر العيش ،أوصله حد الإتلاف، وظنّ الزع بع وحاشيته ،أنّه اِستكان وتدجّن، حتّى جنّ عليه الليل، وأخرج له القطوس يوما من أيّام العزّ والشرف ، مخالبه وأنشبها على واجهاته كلّها،وأخرجه من جحوره ، ذليلا عاريا، يلفّه الخزي والعار، وسوءاته تسبقه ، على شاشات متعدّدة ومختلفة ومخالفة. وألحق به من استطاع أن يصل إليه بمخالبه ، وأصبح القطوس يَنْشُد أن يصبح يوما أسدا ،" لا كأسد سوريا "، يخافه، كلّ من يُكتبَ له أن يتربّع ،على أريكة السلطة التي يتسابق إليها الجميع، من جرّبها ومن لم يطأها بإليتيه يوما ،حتّى في قريته، ولم يقرأ حسابا يوما ، لمخالب أسد...
عبد النبي العوني تاجر و سجين سياسي سابق
[1] استعارة من قاموس زهير اليحياوي : شهيد الأنترنات. 2 استعارة من قاموس سليم بوخذير : سجين القلم الحرّ والمحاصر آخر أيّام الزع بع.
مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=22738&t=وطني : زمن " الزع بع " وزمن " القطوس "&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"