رد على د. يوسف إبراهيمي: العربة لا توضع قبل الحصان يا سيدي أحمد محمد أبو نزهة 4/11/2011 قرأت بالأمس مقالاً رائعا للدكتور يوسف إبراهيمي، عنوانه "قراءة سوسيوسياسية لدور حركة النهضة ومستقبلها في ضوء فوزها في الانتخابات التونسية". وبعد سرده لبعض المعطيات، خَلُصَ إلى نتيجة مفادها "الجزم" بعدم القراءة الجيدة للواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع التونسي من طرف النهضة! وكتب التالي: "في ضوء ما سبق يمكن الجزم أن حركة النهضة لم تُحسن قراءة الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع التونسي بعد انقطاعها الطويل عنه، بحيث اعتقدت أن المجتمع قد تعلمنت ثقافته وواقعه الاجتماعي بشكل كبير، ولذا فقد تراجعت قيم الإسلام الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في برنامجها كماَ ونوعا ولم يبق منه إلا عموميات مقاصدية في الشق السياسي ينادي بها الإسلام: الحرية والعدالة والتنمية ونحوها". انتهى كلامه أتوقف عند هذه الخلاصة لا دفاعاً عن النهضة، لأن الشمس لا تحتاج لدليل على سطوعها، شئنا أم أبينا، ويعرف ذلك الخصم قبل الزميل، والعدو قبل الصديق، ولكن لتوضيح بعض الأمور ووضعها في نصابها الصحيح، دون أن يُقلل ذلك من احترامي للدكتور الإبراهيمي ودون التعرض لشخصه أو مركزه أو علمه. إن "الجزم" بعدم القراءة الجيدة للواقع التونسي من طرف الحركة لانقطاعها الطويل عنه يوحي وكأن الحركة وُلدت وراء البحار وناضلت "أونلاين" طيلة قرابة النصف قرن لتجد نفسها فائزة في الانتخابات وعلى سدة الحكم، هذا الكلام فيه إساءة للشعب التونسي "الذكيّ"، وأضع خطين تحت هذه الصفة، فماذا يعني أن الشعب اختار حركة انقطعت عنه لفترة طويلة، هل هو الشوق والحنين للمسافر لا غير؟ أم أنها ثقة قديمة جددها الشعب في الحركة مع جهله بتغيُّر مبادئها وخطابها وسياساتها؟ هذا فيما يتعلق بالشعب التونسي "الذكيّ" أما عن الحركة وما تعرض له مناضليها وقياداتها من سجن أو نفي، كما ذكر الدكتور، فهذا لا يعني أبداً، ولا في أي حال من الأحوال الواقعية، أنهم كانوا بعيدين عن المجتمع!! وهنا كان يُفترض بالدكتور الإبراهيمي أن يكون منصفاً! لأنه مقيم في أوروبا ورغم ذلك تمكن من "الجزم" بما سلف بسبب الانقطاع، ونسأله بكل براءة: كيف تمكنت أنت من معرفة وقراءة هذه الحقائق حول المجتمع التونسي وما شهده من أحداث وأنت منقطع وبعيد عنه؟؟؟ إن كنت على تواصل مستمر ومتابعة حثيثة للواقع بطرق مختلفة، فكذلك كان الإخوة في الحركة. أما إن كانت مجرد افتراضات ودراسات شخصية فلك ذلك دون الجزم برأيك لأن ذلك يخالف قيم الثورة التونسية ويخالف حرية الرأي ووتنوعها. ونأتي للنقطة الجوهرية في المقال والعبارة التي قصمت ظهر البعير، حين ذكر الدكتور بتراجع قيم الإسلام الاجتماعية والثقافية والاقتصادية من برنامج الحركة ولم يبقى إلا عموميات مقاصدية ينادي بها الإسلام وهي "الحرية والعدالة والتنمية ونحوها" هكذا بكل بساطة وتفاهة!!! هذه العبارة شديدة الخطورة يا سيدي بمختلف أوجه قراءتها وفهمها! كيف تضع العربة أمام الحصان وتريد منها أن تسير بالشكل الصحيح؟؟ إن هذا لعمري شيء مستحيل! ولا أعتقد أنه يوجد على وجه الأرض من لا يعتقد "جازماً" بأن العموميات التي ذكرت هي الحصان الذي يجر العربة وليس العكس. لنُبسط الموضوع تبسيطاً ساذجاً وبديهياً ونقول: كيف يُعقل أن تجد رجلاً ظمآناً يكاد يهلك من شدة العطش، وتعرض عليه المساعدة أو المساهمة أو العمل على بناء مسجد؟ سيقتلك ليُروي ظمأه من دمك أو بولك، وقد يُجيز ذلك لنفسه للضرورة التي تُبيح المحظورات. الشعب التونسي الذي ثار على الاستبداد والظلم والفساد يريد نقيض ذلك ولا شيئ غيره في هذه المرحلة السعيدة والحرجة في آن واحد، إنه متعطش للحرية والعدالة والتنمية، ليروي عطشه من هذه الأمور الاساسية التي لا تقوم الحياة إلا بها، لأن بها وعليها قامت السماوات والأرض، ثم ينتقل إلى التفكير في ترميم أو إعادة بناء ما أفسده المفسدون ممن سلف. لا يوجد من المخلوقات من يعرف سر هذا الإنسان ونفسه وما توسوس به إلا خالقه سبحانه، وقد منح الباري عزّ وجلّ الحرية والكرامة للإنسان، وضمن له العدالة، وسمى نفسه بها، ثم أمره بعبادته وطاعته طوعاً وشكراً قبل أن يكون ذلك ترغيباً وترهيبا، وكلاهما يقومان على أساس الحرية والعدالة. فإذا كان خالق المخلوقات يضع الحرية والعدالة قبل العبادة، والدليل الشرعي على ذلك أن من كَفَرَ مُكرَهاً وقلبه مطمئن بالإيمان، فلا إثم عليه لأنه لا يمكلك الحرية والعدالة فبالتالي هو ليس مسؤولاً عن أفعاله. وبذلك تعمل الدساتير الأرضية والقوانين الدولية بحيث لا تُحاسب المكره حتى على القتل. فكيف يبني الدكتور الإبراهيمي بيتاً بدون أساس ويريد منا أن نسكنه؟؟ إنه انتحار بكل ما تحمله الكلمة. إنها إعادة بناء لمجتمع أضله من حكموه عن سواء السبيل الدنيوي قبل الديني، إن الذين سبقوا جعلوا من السياحة وصناعتها الدخل الرئيسي للبلد، فإن كان لدى الدكتور بديلاً فورياً في مثل هذا المنعطف الهام والرئيسي والضيِّق في مسيرة الدولة التونسية فليُنقذنا به، لأن الوضع لا يحتمل إغلاق حنفية ماء وتكسيرها على أمل إيجاد حنفيات كثيرة في المستقبل، ربما في أماكن الوضوء للمساجد التي ستُبنى لاحقاً! هل يُعقل أن يستلم أحدنا بيتاً محطماً في الشتاء القارس وفيه شباك سليم، ولكن في المكان الخطأ، يمكن لنا أن نأوي تحته ليلاً ريثما تمكنّا من إعادة بناء البيت أو ترميمه، فهل نقوم بتحطيم هذا الشباك وبالتالي نقضي على مأوى قد يقينا من الهلاك والموت متجمدين؟؟!!! لا داعي لتذكير الدكتور بأن هذا الدين بدأ خطوة خطوة، وبدأ بتحرير الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فحرره وضمن له العدالة والمساواة، فتعانق مصعب بن عمير مدلل أمه مع بلال الحبشي العبد الأسود رضوان الله عليهما، دون المساس بمصادر الرزق المتعددة والتي لم تكن كلها من الحلال فيما بعد، وكانت الرايات الحمراء ترفرف دون أن يتعرض لها أحد، ثم اكتمل هذا الدين وتم دون إكراه أحد على الدخول فيه، ولكن تلقائياً اختفت تلك المظاهر والافعال المخالفة لشريعة الله ومنهاجه، وهذا لا يعني أن الزناة وشاربي الخمر والمقامرين وووو اختفوا من المجتمع الإسلامي ولكن استتروا وانعزلوا عن المجتمع لأنهم أصبحوا حتى في نظر أنفسهم شواذاً عن المجتمع وقيمه. سيدي الدكتور الإبراهيمي، الحرية والعدالة والتنمية هي الحصان الوحيد الذي يُمكنه جر عربة الشعب التونسي إلى بر الأمان في هذه الأرض الصلصالية، فإذا قتلناه أو وأدناه، فإن العربة ستغوص إلة مستوى أعمق قد يصعب إخراجها منه في الناظر القريب. أسأل الله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، أن يهدي إخواننا في تونس إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يَتبعوا الفطرة الإلهية في البناء بتثبيت الأساس قبل الرأس