لم تكد نمضي سنة واحدة على فرار المخلوع يوم 14 جانفي /يناير 2011 حتى حقق التونسيون نجاحات مهمة في إرساء عملية البناء الديمقراطي والمؤسساتي لتونسالجديدة. ويمكن تلخيص هذه الخطوات في ثلاث نجاحات كبرى أكدت ترسخ الوعي الحضاري وأصالة القدرة على البناء في عمق الشعب التونسي وقطاع كبير من نخبه. وأولى هذه النجاحات هو طرد الدكتاتور نفسه ليكون هذا الحدث بداية الربيع العربي ولتكون تونس بذلك أم الثورات العربية. ولتكون أول دول هذا الربيع الذي قوض لحد الآن أربعة انظمة تغولت وسيطرت على مقدرات الدولة والشعب في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن والعالم يتطلع بعين الرحمة والرجاء أن ينصر الثورة السورية لتأسس لسوريا الجديدة. وكانت الخطوة الثانية التي حسم فيها الشعب بشكل نزيه وراق بين عدة خيارات ولينتخب حركة النهضة الإسلامية، التي بذلت النفس والنفيس في سبيل رفع راية الحرية والكرامة في تونس، ويحمّلها هي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات مسؤولية البناء للتونسالجديدة. واكتمل هذا المسار اليوم 14 ديسمبر/كانون الأول 2011 بتكليف السيد حمادي الجبالي بتشكيل حكومة تقود عملية البناء والتنمية، بعد أن تم أمس الثلاثاء 13 ديسمبر انتخاب السيد المنصف المرزوقي رئيسا رابعا للجمهورية التونسية. وقد تسلم السيد منصف المرزوقي مقاليد الرئاسة بشكل رسمي راقِ في خطوة لم يعرفها التونسييون ولا العرب من قبل. كما أن هذا المسار ينتهي بعد أن تم يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس السنة أنتخاب السيد مصطفى بن جعفر رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي الذي صادق على قانون التنظيم المؤقت للسلطات العمومية بعد نقاش ثري بين اعضاء المجلس الوطني التأسيسي غلبت عليه روح التوافق والتصالح. بها كله وعي بتحديات الواقع وصعوبات المستقبل.
وهكذا فإن التاريخ الذي انفتح يوم 14 جانفي 2011 على المجهول والذي سمح لبقايا الدكتاتورية ومن تحالف معها من نخب مترهلة لا تزال تعيش في لحظة خارج التاريخ أن ترفع صوتها من أجل إرباك الثورة في محاولة يائسة لخنقها في مهدها، إلا أن الشعب التونسي نجح في حماية ثورته وبذلك نجحت تونس تدريجيا في إعادة التاريخ إلى مساره الطبيعي وشعبها كله وعي بتحديات الواقع وصعوبات المستقبل. حسن الطرابلسي ميونيخ 2011