حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام عن الحسن عن أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تكون في آخر الزمان فتنٌ كقطع الليل المظلم، (يُصبح الحليم فيها حيراناً)، يُصبحُ الرجلُ مؤمناً ويُمسي كافراً، ويُمسي كافراً ويُصبح مؤمناً" خُرِّج بالإضافة بين القوسين، وبإضافة في النهاية (يبيع دينه بعرض الدنيا) وبما أننا في زمن الفتن وأية فتنة أعظم من أن يَقتل المسلمُ المُسلمَ فيها والعدو واقف يتفرج ويهلل ويحتسي نخب النصر، لن نجادل في من هو على الحق ومن هو على الباطل لأنه نقاش فارغ وغير ذي أهمية في الحديث الشريف، لماذا؟ بكل بساطة لأن مجرد علمنا بالحق والباطل، لا يَصح تسميتها بالفتنة!!! فلو عَلِمَ الذي أصبح مؤمناً الحقَّ لما أمسى كافراً، والعكس صحيح. وتصوير النبي الأعظم عليه وعلى آله السلام لهذه الفتن بقطع الليل "المظلم" دلالة قطعية إلى انعدام الرؤيا، فكيف لنا أن نحكم على أمر لا نرى منه شيئاً؟ وكيف نزعم أننا نعلم الحق ونتبعه؟؟ وإذا أصبح الحليم حيراناً وهو القليل من الكثير وربما النادر، فكيف ب حال البقية والعامة؟ وأخطر ما في الحديث أن الرجل يُصبح مؤمناً ويُمسي كافراً، ولسبب كفره من الحديث احتمالين اثنين، في نظرنا والله أعلم، لا يقبلان ثالثاً: إما أن يغير الرجل موقعه أو رأيه من جهة إلى الجهة المقابلة فيكون بذلك قد انتقل من الإيمان إلى الكفر، أو من الحق إلى الباطل، فيصبح كافراً وهو لا يعلم ولا يشعر. وإما، وهو الاحتمال الثاني، أن يبقى على موقفه بعد تغير بعض الأمور والموازين والحقائق، فيبقى مصراً ومكابراً على موقفه فيمسي كافراً. المحصلة في كلتا الحالتين واحدة، والعكس صحيح، والعامل المشترك في كل هذا هو الظلام وعدم الرؤية، والحيرة. وإني لأعجب من نفسي أولاً، ومن إخوتي وأصدقائي وسواد هذه الأمة كيف يجزمون بمن هو على الحق ويدمغون من يروه على الباطل، وهذا لعمري هو الهلاك بعينه، حفظنا الله وإياكم من الهلاك والفتن ما ظهر منها وما بطن. إننا بجزمنا معرفة الحقيقة وأصحابها، نكون قد تحدينا خبر الله ورسوله، واستقوينا عليه، أو أقلها رفعنا أنفسنا إلى درجة ما فوق الحلم، لأننا تخطينا الحيرة إلى اليقين، وهذا لا يرضاه الله ورسوله ولا يبشرنا بخير. فعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون فتنةٌ صَمّاء بَكماء عَمياء، اللسان فيها كوقع السيف" صحيح، أخرجه البخاري ومسلم وكتب السنن وغيرهم. ووصفها بالصمّاء والبكماء والعمياء تأكيدٌ وتشديدٌ على حلكة ظلامها وعدم الاهتداء فيها إلى خير أو صواب، وسلاحها اللسان الذي شُبِّهَ وقعه بوقع السيف، لأنه يتسبب في هذه الفتنة ويؤجج نيرانها حتى تأتي على الأخضر واليابس. فكيف لنا أن نستريح ونطمئن لما نحن عليه أو لما نراه حقاً؟؟ ومن نحن أصلاً حتى نبلغ هذا المبلغ الذي لا يبلغه إلا الأنبياء والمرسلون ومن شاء الله من عباده. كيف نقف وندعو على فلان أو جماعة أو حزب أو طائفة بالهلاك والدمار ونحن لا نرى إلا سواداً حالكاً، وما يدرينا أننا ندعو على من يستحق ذلك، أليس من الأسلم لديننا ودنيانا وأخرانا أن ندعو بالعموم على من ظلم وخذل المسلمين وأراد بهم سوءً خير لنا من أن نتحمل وزر قوم لا نعلمهم ولم نراهم في ظلمة الليل. لو حاولنا إجراء حوار بين طرفي الفتنة على جميع المستويات من العامة إلى الخاصة إلى فطاحلة العلماء، سيبقى الجدال والنقاش مفتوحاً إلى أن تقوم الساعة، ولكل أدلته وتبريراته، والتي للأسف يراها عين الحق، وما دونها الباطل. إنها الفتنة تتجلى بمعناها الحقيقي كما وصفها سيد الخلق من الأولين والآخرين. ولرحمته ورأفته بهذه الأمة، لم يتوقف عند ذكر الفتنة والمرض، بل وصف لنا الدواء الشافي والطريق المنجي لمن أراد أن يتذلل لله ورسوله ويُجيب داعيَ الله، ويتجنب الكِبْرْ والعنت، فأجاب عليه وآله السلام حين سأله الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه: كيف النجاة؟ قال الهادي المهديّ: "أَمسّكْ عليكَ لسانَكَ، ولِيَسَعْكَ بَيتُكَ، وابك على خطيئتك" هذا هدي المصطفى لمن أراد النجاة والفوز، وليس قول فلان أو فتوى فلان كائناً من كان. فقد وصف العلاج والنهج السوي وجعله في ثلاثة أجزاء أساسية لا يجوز بترها أو إنقاصها وإلا فلا نجاة... إمساك اللسان هو أول جزء من الحل لدرئ الفتن والنجاة منها، والامتناع عن قول أي شيء يصب في مصلحة طرف من أطراف الفتنة أو يدينه. ولا يجادل في هذا إلى كل مكابر متمرد عن سنة الله ورسوله. الجزء الثاني من الحل هو التجرد من كل تبعية أو ولاء والانعزال في البيت، وهذا يمكن أن نعتبره مجازاً للابتعاد ولو مبدئياً عن الجماعة أو الحزب، لأن الفتنة أصلاً تكون بين طائفتين أو جماعتين أو حزبين .... فالخير ه نا يكون في اعتزال مصادر الفتنة، لأن عين الرضا عن كل عيب كليلة، وكلٌ مُغترٌ بقومه أو مُضَلَّلٌ بجماعته، ولذا وجب الاعتزال للتفرد بالله. يبدو هذا غريباً ولكن الجزء الثالث يفسر ويشرح المغزى من هذه الخطوة حين يأمرنا الحبيب بالرجوع إلى الله والتوبة إليه والتضرع والبكاء سائلاً إياه النجاة من فتنة الدنيا وفتنة الآخرة. البكاء على الخطيئة هو التوبة إلى الله والتبرؤ إليه من الفتنة وما يترتب عنها لكيلا يكون شريكاً في دماء سالت وأعراض انتهكت وأطفال تيتمت ونساء رُمِّلَت وأموال نهبت وبلاد دُمرت وأحقاد وضغائن أُحيِيَتْ. هذه تذكرة لنفسي ولإخواني في هذه المحن العصيبة والفتن المظلمة التي تمر بها الأمة، غير مدع أني ناجّ منها أو كاشف لظلامها. نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون "أحسنه"، وأن يُصلح هذه الأمة ويُجنبها الفتن ويجمع شملها ويوحد صفوفها، وينصر الإسلام ويعز المسلمين ويُهلك الطغاة والظالمين والجبابرة وكل من أراد بالإسلام والمسلمين سوءً. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. أحمد محمد أبو نزهة 10/6/2013