وقع ما حذر منه العقلاء ونبه إلى خطورته المخلصون عندما قرروزيرالدفاع في الجيش المصري الفريق أول عبد الفتاح السياسي في اليوم الثالث من الشهر الجاري استنساخ سيناريو انقلاب عسكرالجزائرعلى نتائج صناديق اقتراع سنة 1991. إن ما أقدم عليه السيسي من عزل الرئيس وحل مجلس الشورى وتعطيل الدستورالذي أُستفتي عليه المصريون لم يكن انقلابا على أول شرعية منتخبة في تاريخ مصر، بل يُعد جريمة سياسية كاملة الأركان، حدثت في المراحل الأولى من عملية التحول الديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون. وإذا مازالت الجزائر إلى يومنا هذا تدفع ثمن شعارالمغالبة الذي رفعه بعض الفرقاء السياسيين من إسلاميين وعلمانيين في تسعينيات القرن الماضي، فهاهي مصرالكنانة تكرر نفس الخطأ الاستراتيجي وتدخل نفقا مظلما من التيه السياسي والاضطراب الاجتماعي والاقتصادي. إن مبدأ المشاركة وعدم إقصاء الآخرين على اختلاف توجهاتهم في المساهمة في العملية السياسية الديمقراطية هو صمام الأمان الذي يضمن الاستقرارويشيع جوا من الثقة المتبادلة بين أبناء الوطن الواحد. ثقة تدفع الجميع إلى العمل الدؤوب و التنافس الشريف من أجل خدمة الأوطان ونيل ثقة الناخبين على أساس التميز في البرامج والمشاريع للوصول إلى سدة الحكم. أما مبدأ المغالبة ورفض فكرة التعايش مع الآخرالمختلف فهي السياسة الوحيدة التي طُبقت في الوطن العربي منذ خروج جنود الإحتلال الأجنبي. سياسة لم تجن منها شعوب المنطقة غير الإفلاس والخراب على جميع الأصعدة وفي كافة المجلات. فالفرد في تلك المجتمعات ونتيجة سياسات الإقصاء والتهميش الممنهج التي مُورست عليه لعقود من نخب وصلت إلى الحكم على ظهردبابة أوعن طريق انتخابات شكلية مطعون في مصداقيتها، لم يعد يحس بالمواطنة الحقة و بالتالي وجدت الطبقة الحاكمة ضالتها في الإمعان في الاستبداد و تكريس سياسة الاستئصال لشرائح عريضة من المجتمع. لقد استبشر العالم خيرا بثورات الربيع العربي عندما استطاعت الشعوب في تونس و مصر و ليبيا من الخروج من عنق زجاجة ديكتاتوريات عمرت طويلا، و لكن ما يحدث اليوم من ثورات مضادة مدعومة داخليا من بقايا الأنظمة البائدة وخارجيا من قوى إقليمية و أخرى غربية يتطلب من العقلاء في جميع الأحزاب وقوى المجتمع المدني وقفة حازمة من أجل المحافظة على مكتسبات الثورة و إعلاء قيمة المرجعية الديمقراطية في الممارسة والتداول السلمي على السلطة. عبد الحميد فطوش