ليست الكبائر مقصورة على الأعمال الظاهرة، كما قد يتوهم، بل كبائر معاصي القلوب أشد أثما، وأعظم خطرا. فكما أن أعمال القلوب أعظم وأفضل من أعمال الجوارح في الطاعات، نجد أعمال القلوب في جانب المعاصي أعظم وأبعد أثرا، وأكبر خطرا. وقد ذكر لنا القرآن أول معصيتين حدثتا بعد خلق آدم وإسكانه الجنة. إحداهما: معصية آدم وزوجه حين أكلا من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عنها، وهي معصية تتعلق بأعمال الجوارح الظاهرة، دفع إليها النسيان وضعف العزيمة. كما قال الله تعالى: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما). وقد استغل إبليس اللعين هذا النسيان وذاك الضعف، فزين له ولزوجه الأكل من الشجرة، ودلاهما بغرور، وأكد تغريره بالإيمان، حتى سقطا في المخالفة. ولكن سرعان ما استيقظ الإيمان المستكن في آدم وزوجه، فعرفا مخالفتهما، وتابا إلى ربهما، وقبل الله توبتهما: (وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى). (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم). والأخرى: معصية إبليس حين أمره الله مع الملائكة بالسجود، تكريما وتحية لآدم، الذي خلقه الله بيديه، ونفخ فيه من روحه: (فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين، قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين، قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون، قال فاخرج منها فإنك رجيم، وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين). هذه معصية إباء واستكبار عن أمر الله، كما جاء في سورة البقرة: (فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين). ومن تبجحه أنه قال لربه في وقاحة: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين). لقد كان الفرق بين المعصيتين: أن معصية آدم معصية جارحة ظاهرة، فما أسرع ما تاب منها. أما معصية إبليس فمعصية قلب باطنة، وتلك خطورتها التي انتهت به إلى سوء العاقبة، والعياذ بالله تعالى. ولا غرو أن جاء التحذير الشديد، والترهيب المتكرر، من معاصي القلوب، التي تعد من كبائر الذنوب، وموبقات الآثام، وكثيرا ما تكون هي الدافعة الأصلية لارتكاب كبائر المعاصي الظاهرة، من ترك الأمور، أو اقتراف المحظور.