(النرويج) " هذا الوطن الذي نهرب إليه و ليس الوطن الذي نهرب منه" الرئيس محمد المنصف المرزوقي من عادة البشر أن يستعجلوا في الأحكام، و أن تنتابهم الشكوك، و ربما تبلغ بهم درجة انعدام الثقة في الآخر حدا كبيرا، يجعل من الإلتقاء بينهم من باب المعجزات. و كاد الوطن يفقد توازنه لولا لطف الله و رحمته. و لكن ما بين يومي 26 و 27 جانفي، تنفّس التونسيون الصعداء و يشعر كل تونسي اليوم أن ما حجبته الشكوك و التوجّسات و الأنانيات الحزبية و السياسوية و الأحقاد الايديولوجية المُصطنعة لأجزاء صورة مستقبل الوطن، بدأت تنجلي، و بدأت أجزاء الصورة في الانسياب و التشكّل القويم..و بدأنا معها نسترجع شريط الذكريات، و بدأت الذوات الفردية و الجمعية تُدرك أن ما أُنجز اليوم هو صناعة وطنية تشاركية في أرقى صورها.. على رغم ما سببته من أوجاع سابقة.. يذكرني قول الأستاذ نورالدين ختروش قبيل انتخابات 23 اكتوبر أنه: من الحماقة السياسية أن يتصدّر فريق سياسي للحكم في هذه الفترات، و لكنها الشجاعة التاريخية لمن يتصدّر المشهد السياسي. و يحق لنا أن نقرأ المرحلة السابقة بين حدّي الحماقة و الشجاعة. و لكن في الأخير كان الانتصار للشجاعة التاريخية. انتصرت النهضة على رغم وجوه التقصير في أدائها، فهي تحمّلت ما لم يحتمله الآخرون. فقد تمثّلت قيادتها صبر أيوب و يوسف والحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة و السلام. لم تنجر إلى الاستفزاز السياسوي و الايديولوجي و لم تنحن أمام حالات الغضب الداخلي و لم تركن إلى حالات التهديد الخارجي. و سيشهد التاريخ أن بصبرها جنّبت الوطن هزّات، ما كان لغيرها أن يدرك مآلاتها و يخمد نارها. و لكن أيضا لا يمكن غمط دورالمعارضة. ف"شكوكها" و "تجاوزاتها" و" حطّها العصا في العجلة".. و كل التُّهم التي كِيلت لها.. ساهمت في كبح بعض موجات التيار الاسلامي من الانجذاب إلى رؤية مُنغلقة على ذاته، و تضمين العديد من البنود التي يرغب بها العديد من القوى.. و بذلك يكون الدستور مرآة لتونس التنوّع. فتلك الممارسات رسّخت قيمة التنوّع و المدنية و الحرية. أيضا لا ننسى "التحفظات الشعبية" على دور المركزية النقابية التي "شطّت" في مطالبها، و لكن ذلك "الشطط" يُقرأ اليوم في أنه ساهم في كبح "الاستعلاءات الحزبية" التي يُمكن أن تؤدي إلى الاستبداد إذا ما أُطلق لها العنان.. و أيضا "الفوضى الشوارعية" ساهمت في إحداث التوازن السياسي و الأمني مما جعل من الأمن ينكفىء على نفسه و يكبح جموحه لينسج دوره الوطني في استقلالية و حيادية. و بجميع أجزاء الصورة يتشكّل المشهد ليولّد صورة تونس التي قطعت مع الاستبداد وهي في طريقها لبناء ديمقراطية حقيقية، يكون فيها الاسلامي نموذجا جديدا تحتاجه الحالة الاسلامية العامة.