– منذ ما يناهز السنتين وقع وزير الخارجية الاسبق د. رفيق عبد السلام ووزيرة العدل والشرطة السويسرية سيمونيتا سوماروغا على مذكرة تفاهم تنص على إنشاء شراكة بين البلدين في مجال الهجرة بين الجمهورية التونسية والكنفدرالية السويسرية. وهي بالنسبة لبلادنا الأتفاقية الأولى منذ الاستقلال لتنظيم الهجرة مع دولة أوروبية. ومنذ ذلك الوقت رفض المجلس التأسيسي وفي أكثر من مناسبة المصادقة على الاتفاق. تابعت الموضوع وحاولت أن أفهم التخوفات وتحدثت مع عدد من النواب اضافة لمسؤولين سويسريين والمتابعين للملف وديبلوماسيين. ويمكنني الجزم بأن تخوفات البعض يمكن أن تكون في محلها إذا أخذت بمعزل عن الاتفاق ككل ولكن أعتقد بأن هذه التخوفات مبالغ فيها اذا ما تمعنا في بنود الاتفاقية اضافة الى الصورة التى نرغب فى ابرازها عن أول بلد عربي تقام فيه ثورة حرية وكرامة. فعدم المصادقة على الاتفاقية يعني حرمان تونس من دعم مهم يبلغ 45 مليون دينار سنويا يخصص لتمويل المشاريع التنموية في المناطق الداخلية مع إمكانية أن يتضاعف المبلغ ليصل إلى 100 مليون دينار. كما أن عدم المصادقة على الاتفاقية يمكن أن يكون لها تداعيات سلبية على مستويات عدة كالتعاون الفني والتقني لحماية الحدود والحد من الهجرة السرية وما يستتبعها من مخاطر ومكافحة الارهاب بكل أصنافه وكذلك الاستثمار. ومن المعلوم ان المشاريع السويسرية قد تضاعفت في مناطق الشمال الغربي و أن الدعم السوسري لتونس قد تضاعف سنة 2012 ليبلغ 40 مليون دينار سنويا وهذا يبقى ساريا الى أواخر 2015 . كما ان عدم الموافقة على الاتفاقية سيحرم مواطنين تونسيين من التمتع بامتيازات العودة - وللتذكير فان 700 فردا تمتعوا بمنحة العودة الطوعية وأمكن لهم الاندماج من جديد في الدورة القتصادية. وللتذكير فان اتفاق التعاون في مجال الهجرة ينظم المسائل المتعلقة بإعادة طالبي اللجوء المرفوضين وإعادة إدماجهم في المجتمع، بحيث يشجع ويساعد العودة الطوعية. وبموجب الاتفاق تتكفل سويسرا بمصاريف رحلة العودة وتدفع مبلغا يسمح للأشخاص الذين لا تتوفر فيهم شروط اللجوء السياسي بأن يبدؤوا حياتهم من الصفر. وقد تصل المساعدة المالية إلى 7 ألاف دينار. السؤال هنا لماذا تضاعف عدد طالبي اللجوء السياسي من التونسيين؟ هل هناك تضييق ما على النشاط السياسي بعد الثورة؟ للعلم فان طلبات اللجوء التي تقدم بها الرعايا التونسيون مثّلت خمس طلبات اللجوء في سويسرا (مقابل 6,4% في عام 2010) . ربما اليأس من الحصول على فرصة عمل هو الذي يدفع أبناءنا إلى مغادرة بلادهم والمخاطرة بحياتهم وإنفاق المال الكثير لعبور البحر ثم الوقوف على حقائق وهي أن أوروبا أصبحت تصدر اليد العاملة ولا تستوردها وتعيش معظم بلدانها ركودا اقتصاديا وصل الى حافة الافلاس في بعض البلدان. على السادة النواب أن يركزوا جهدهم على المحافظة على كرامة أبنائنا و اقرار مشاريع تنموية وبنية تحتية في المناطق التي تقل فيها فرص الحصول على شغل وليس مساعدتهم على مخالفة قوانين البلاد التي هم فيها. ليس خافيا بأن سويسراوتونس تعهدتا على إخراج هذه الشراكة للوجود من خلال مبادرات ومشاريع مُشتركة تشمل جوانب مختلفة من الهجرة كما أنه وقع الاختيارعلى تونس من ضمن عدد قليل من البلدان تدعمها سويسرا وأعطيت الأولوية لمجالات التنمية والاقتصاد والهجرة. إن اهم بنود مشروع القانون انه يقوم ب «تسهيل التنقل بين البلدين وتقنين الاقامة المؤقتة على أراضي الطرفين المتعاقدين بهدف السياحة او الزيارة او التكوين. وأيضا الاقامة في اطار تنفيذ مشاريع مساعدات وتنمية بعنوان التعاون الاقتصادي والعلمي والتقني والمشاركة في التظاهرات والندوات والمؤتمرات وفتح الافاق امام الكفاءات التونسية للاشتغال بسويسرا كل هذا مع تسهيل اجراءات الحصول على تأشيرة لاقامة قصيرة المدى بالنسبة لقائمة من المنتفعين يتم ضبطها في الغرض. كما يتعهد الطرف السويسري بالمساهمة في تمويل مشاريع صغرى بالجهات الداخلية للاشخاص الذين اختاروا العودة الطوعية الى تونس وذلك في اطار مساعدتهم على اعادة الاندماج في الحياة الاقتصادية اضافة الى التزام الطرف المذكور بدفع التعاون الفني والمالي بين وزارتي الداخلية للبلدين. فمن بنود الأتفاقية أيضا: • تشجيع المقيمين التونسيينبسويسراعلى القيام بمشاريع في تونس وذلك من خلال المساعدة الفنية والتمويل. • فتح الآفاق أمام الطلبة الذين يدرسون بالجامعات السويسرية على إمكانية حصولهم على فرص شغل واقامات وهذا الأمر غير متاح حاليا الا من خلال الزواج بمواطنة سويسرية أو متمتعة باقامة دائمة • وضع برنامج تكويني مهني على ذمة التونسيين مدته 18 شهرا يتوج بشهادة وبحسب ما فهمت من معارضي الاتفاقية هناك تخوف على وضعية المهاجرين وخاصة ممن انتهت مدة إقامتهم أو وثائقهم غير مطابقة لشروط الإقامة كما أن هناك خشية من استعمال القانون للتهجير القسري بل اعتبر عدد من النواب أن مشروع القانون مؤامرة على التونسيين المقيمين في سويسرا – هكذا – وذهب البعض إلى وضع سيناريوهات واحتمالات غير واقعية واحتج آخرون بانه بموجب هذه الاتفاقية و بمجرد ان تنتهي صلاحية اوراق الاقامة تتم اعادة التونسيين الى بلادهم ، اضافة الى ان الحكومة السويسرية تقوم بترحيل كل من يشتبه في انتمائهم الى تونس (هكذا) . فى الواقع تهدف الاتفاقية إلى تشجيع العودة الطوعية، ومكافحة الهجرة غير المنظمة، وتوفير حماية أفضل لللاجئين والمهاجرين المستضعفين في تونس. فضلا عن إقامة حوار منظم حول الهجرة ومن الطبيعي أن تتعهد بلادنا باستعادة أبنائها من طالبي اللجوء المرفوضين عندما لا يتوفرون على أية أوراق ثبوتية. وأنا أتمنى أن لا أرى اي لاجئ سياسي أسوة بكل الدول الديمقراطية في العالم. أستطيع التأكيد أن هذه الاتفاقية تندرج ضمن الجهود التي بذلت من أجل تعزيز التعاون الدولي في مجال الهجرة، وفقا لنهج شامل يأخذ في الاعتبار تحديات الهجرة والفرص التي تتيحها، على حد سواء والعمل على تقنين طرق الاقامة على اساس الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تكرس احترام الكرامة البشرية وحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية. وللتذكير فان الحكومة الفدرالية كانت قد اعتمدت في مارس 2011 استراتيجية مشتركة بين وزاراتها خاصة بشمال إفريقيا ركزت على ثلاثة مجالات رئيسية: دعم الانتقال إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية وخلق مواطن الشغل، والإدارة المستدامة لحركات الهجرة وحماية مجموعات السكان الأكثر عرضة للخطر. كما أن التعاون السويسري في ملف استرجاع الأموال المنهوبة يعتبر متقدما جدا على كثير من البلدان هذا اضافة الى وقوف هذا البلد مع الشعب التونسي خلال سنين الجمر كما أن موقفه من التغييرات في المنطقة في المجمل ايجابية ...فلا تخطئوا الهدف وسارعوا بالمصادقة على الاتفاقية التى هي الان أمر واقع ويتم العمل بجزء كبير من بنودها منذ إمضائها في جوان 2012.