بسم الله الرّحمان الرّحيم في ساحات ما يسمّى بالرّبيع العربي صعدت حكومتان إسلاميتان على الأقل إلى الحكم، فقال معارضوهما، من العالمانيين ومعارضي الإسلام السّياسي: إنّ هؤلاء لا يصلحون لحكمنا والدّليل هو ما رأيناه في ظلّهم من تفاقم التّدهور الإقتصادي.. لكن دليلهم واهي، فقد نسوا أنّ العالم كلّه في الحقيقة يعاني هذا التردّي الإقتصادي الكارثي و يغرق في إفلاس رهيب.. مع العلم أنّ الإسلاميين لا يحكمون العالم كلّه لكي نحمّلهم المسؤولية كّها.. إذن لماذا يتدهور الإقتصاد العالمي ويذهب بسرعة إلى الإنهيار..؟ هذا هو الموضوع أريد أن أحدّثكم فيه على مرّات متتالية فتعالوا معي إلى التّفاصيل.. ولكي أكون واقعيا، فإنّني أفترض أن يستمع إليّ في هذه المحاضرة صنفين من النّاس: صنف مؤمن بالله وبقوانينه وشرعه، وصنف آخر غير مؤمن بالله، بل لا يؤمن إلاّ بما يراه أمامه من مادّة: هذا خبز، هذه سيّارة، وتلك شجرة.. ثمّ يقف على مسافةِ نفيٍ لما وراء ذلك من غيب.. وعليّ أن أخاطبهما معاً على حدّ السّواء.. لأنّ المعضلة، معضلة الإثنين معا.. وسأبدأ بطرح سؤالين إثنين، الأوّل على غير المؤمن والثّاني على المؤمن.. وسنجد بعد ذلك أنفسنا نبحر في عباب الموضوع.. السّؤال الّذي أوجّهه للملحد هو التّالي: إقتصاد النّاس قوامه المال.. أي لكي يعيش النّاس ينبغي عليهم التّفكير في جمع المال منذ يستيقظون في الصّباح، حتّى يأتي المساء.. أليس كذلك..؟ لكنّهم من الطّبيعي والبديهي أنّ قدراتهم وسرعاتهم مختلفة في جمع المال.. فمنهم من يقدر أن يجمع قنطارا في ساعة ومنهم من لا يكاد يحصّل دينارا في يوم.. هذا في الجمع ويتبع ذلك اختلاف في الإستهلاك.. فالغنيّ مبذّر والفقير لا يكاد يأكل بانتظام لكي يحيا.. لذلك وجب أن تكون هناك خُلق وقيم تسود لكي يحصل التّوازن..
بل لكي لا تحصل الكارثة.. والمؤمن الّذي يعتقد أنّ الله هو الّذي خلق الإنسان و هو الّذي خلق له رزقه، أسأله هل تظنّ أنّ الله ارتكب هفوة في التّقديرات فوضع كمّيات من الرّزق لا تكفي أعداد البشر الّذين خلقهم..؟ هذا خلل، يمكن أن يحدث لو كان في الكون ربّان إثنان مثلا.. ربّ خلق النّاس وربّ آخر خلق الرّزق.. في هذه الحالة لكان الخلل مُبرّرا، فنردّه إلى سوء تنسيق بينهما، ونقول لهما لو جلستما معا وتحاورتما ونسّقتما بينكما لأخرجتما البشر من دائرة الكارثة.. لذلك فإنّ المشكلة تقع إذنْ على النّاس.. فالرّب واحد خلق النّاس وخلق الأرض، وجعل فيها ما يكفيهم جميعا من الرّزق.. ومن هنا نفهم تقديرات خبراء الزّراعة الّذين يقولون لو ذهب العالم الغربي المتطوّر، الّذي يملك المال والآلة والمخابر المتطوّرة إلى مصر والسّودان وزرعوا عشرات الملايين الفدادين فيهما، الّتي لا تزال عذراء منذ عقود طويلة، بنوعية من الأرز المعدّل والمكتشف من طرف علماء زراعة مصريين وسودانيين أنفسهم في السّنوات الأخيرة، لكفتْ محاصيل هذا الأرز المعدل والّذي لا يستهلك إلاّ قليلا من الماء مقارنة مع غيره من الأصناف، لكفتْ ثلثي العالم.. لكن الغرب لا يريد أن يتفوّق أحد في إنتاج الأرز على كاليفورنيا رغم أنّ أرز مصر والسّودان أجود وأنفع في التّغذية.. الأرض فيها ما يكفي النّاس من الغذاء والطّاقة، لكن هناك سوء تصرّف، بل هناك تآمر على أقوات النّاس.. وتخريب متعمّد للأرض واقتصاد الأرض.. كيف يُخرّب اقتصاد الأرض، ومن يفعل ذلك، ولماذا وما هي الحلول..؟؟ وصلنا قرابة 500 كلمة في الموضوع.. نتوقّف قليلا هنا و للحديث بقيّة فإلى موعد قادم.. تابعوا الموضوع معي....