يعود موضوع مناهضة التطبيع ليطفو على ساحة الاحداث الوطنية بعد ان تقدم عدد من النواب في المجلس الوطني التاسيسي بدعوى لمساءلة وزيرة السياحة امال كربول والوزير المكلف بالملف الامني رضا صفر على خلفية زيارة عدد من الاسرائليين لبلادنا. ولئن بدت بادرة النواب وطنية بالاساس فان الواقع الراهن يطرح اكثر من سؤال حول حقيقة هذه المسالة، فكيف لنواب رفضوا ادراج مناهضة التطبيع وحتى مجرد الاشارة الى ذلك في توطئة دستور الجديد يتساءل البعض؟ كما تساءل البعض الاخر: كيف لنواب ان يناهضوا التطبيع والحال ان احزابهم وجزءا من قياداتهم هم في الواقع صنيعة المخابرات الاجنبية والسياسة الخارجية والشركات الاجنبية والنفطية منها؟ واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان المساءلة حق من حقوق النواب فان ذلك لا يمنع القول بان اعادة الحديث عن التطبيع انما هو كشف لحالة "الشيزوفرينا" التي يعاني منها عدد من النواب كما يعكس الاضطراب الواضح لشخصية نوابنا حالة الاضطراب التي يعانون منها في ادائهم السياسي، يقول احدهم.. ويتساءل اخر عن توقيت الطرح اي في وقت بدت فيه ماكينة الحملات الانتخابية تتحرك في اتجاه ضمان اكبر عدد ممكن من اصوات الناخبين وهي دلالة جديدة على ان لا مبدا في السياسية. رد ساخر حمل تعليق رئيس الحكومة المؤقت مهدي جمعة على ملف مساءلة البعض من وزرائه في التأسيسي من بينهم وزير النقل شهاب بن احمد وكل من أمال كربول ورضا صفر اكثر من معنى. فقد اقر جمعة امس بحق نواب التاسيسي في المساءلة بيد ان "التوقيت والظرف ليسا مناسبين"، على حد تعبيره. وفقا لما تناقلته العديد من وسائل الاعلام، داعيا في ذات الاطار الى عدم تسييس الموضوع والاهتمام بالقانون الانتخابي.. ويرى عدد من المتابعين ان اصحاب دعوة المساءلة هم بالاساس محموع النواب المنتمين الى احزاب الترويكا وتوابعم من نواب التاسيسي بما يعني ذلك اولا من تحولهم من دفة الحكم الى اجنحة المعارضة القائمة على المطلبية. وياتي موقف المعارضة الجديدة لتاكيد ان الحكومتين السابقتين لم تكونا ضحية سوء تصرف بل كانت ضحية وضعية اقتصادبة هشة بالاساس، وان الفشل يمكن ان يلامس ايضا التكنوقراط الذي كان شرطا اساسيا من شروط خريطة الطريق التي طرحها الرباعي الراعي للحوار لانهاء الازمة السياسية في بلادنا. وقد استغل اصحاب دعوى المساءلة رمزية مناهضة التطبيع كمدخل ومرتكز لتمرير عريضتهم تلك قصد تمرير الارباك الى التونسيين ايضا وتحريك الشارع الذي مازال قائما تحت وقع احداث الجنوب التونسي وتحركات جهة بن قردان. وفي سياقات الاراء المتقدمة اتصلت "الصباح" بعدد من المتابعين للشان العام ويقول في هذا الاطار..
منذر ثابت (محلل سياسي): مزايدة شعبوية وتناقض المزعج في الموقف الصادر عن المجلس التاسسي هو التناقض والتهافت صاغ دستورا لا يجرم التطبيع اضافة الى ان اكبر اكبر داعمي المعارضات العربية في الخارج في اطار ما يسمى بالربيع العربي هم جورج سوروس وماكين وليبرمان وهم من اكثر الوجوه المتبنية للمد الصهيوني في العالم. وليس ادل على ذلك من ان الثورة المصرية عند الاطاحة بنظام حسني مبارك لم تسقط اتفاقية كمب ديفيد بل انها حرصت على ان تكون التزاما دوليا للمصريين زد على ذلك ايضا ان حكومة الثورة اتهمت الثورة المضادة بمهاجمة السفارة الاسرائلية بالقاهرة وعجلت باعادة السفير الى القاهرة. ثم ان المواجهة مع اسرائيل لا تتم فقط على مستوى سياسي او ايدلوجي بل انها في الواقع مواجهة مع الحركة العالمية الصهيونية التي تمسك بمراكز القرار في العالم عبر البنوك والمؤسسات المالية المانحة والمسالك التجارية والاعلام. فهل في امكاننا مواجهة هذه الشبكة الداعمة لاسرائيل ان اننا نسعى لتسطيح المسالة باختزالها في المستوى الديبلوماسي وفي بعض القضايا الهامشية؟ ثم ان هذا الموقف يطرح اشكالية حقيقية في علاقته بالسلطة الفلسطينية من حيث ان منظمة التحرير الفلسطينية كانت الطرف الابرز في النزاع العربي الاسرائيلي الذي اسقط من ميثاقه البند المتعلق بازالة دولة اسرائيل والانخراط في عملية الاعتراف والتفاوض التي لم تفض الى اي نتائج. فهل يعني هذا ان المجلس التاسيسي سيوجه رسائل لوم الى مصر والاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية لاتهامها بالمهادنة ام ان مواقف بعض النواب وعلاقتهم بالتجريم ستبقى مجرد ورقة مزايدة شعبوية في صلة مباشرة بالانتخابات .
نورالدين الختروشي رئيس حركة البناء المغاربي: ليس من اولويات السجال السياسي الان أظن أن هذا الملف سيبقى محل مزايدات بائسة من هذا الطرف او ذاك اذ ليس هناك في تونس قوى سياسية او طرف رسمي يدعو الى التطبيع وليس هناك ضغط دولي في هذا الاتجاه . هناك تجاوزات وقعت وستقع اعتقد ان الرأي العام كفيل بفضحها ووضعها في الزاوية الحادة بالاضافة الى اني لست من المتحمسين لجعل هذا الملف الان من اولويات السجال السياسي. فموقف التونسيين من ملف التطبيع واضح والمجتمع السياسي مجمع على رفض اي علاقة مع الكيان الصهيوني ولا ارى فائدة في استثارة الرأي العام في ملف غير آني ما ينتظرنا من استحقاقات الداخل اهم واخطر في هذه اللحظة التأسيسية المتموجة.
خالد القفصاوي ناشط عروبي:: سياسة التطبيع التدريجي نعتقد أن دعوة الوزيرين كربول وصفر من قبل المجلس التأيسي لا تتجاوز منطق البروباقندا السياسية والحملات الانتخابوية المفضوحة لأن هذا المجلس رفض سابقا التنصيص في الدستور على تجريم التعامل مع الكيان الصهيوني سواء بفصل أو حتى بمجرد الاشارة الى ذلك كثابت من ثوابت الشعب التونسي في التوطئة. من جهة أخرى الكل يعلم أن وزيرة السياحة حامت حولها شبهات تتعلق بزيارتها سابقا لاسرائيل والمجلس أخذ تعهدا من رئيس الحكومة بالبحث في الأمر واخطار المجلس بما توصل اليه وانّه لن يقبل وجود وزيرة مطبعة في حكومته ورغم مرور قرابة الأربعة أشهر من هذا التعهد لم نسمع الى اليوم عما توصل إليه السيد مهدي جمعة ولم يطلب السادة النواب منه توضيحا لما توصّل إليه. هذه الخطوة ليست الأولى في سياق سياسة التطبيع التدريجي التي تعتمدها هذه الوزيرة فاضافة الى زيارتها للكيان الصهيوني عبرت الوزيرة في مناسبة سابقة عن عدم رفضها لزيارة الصهاينة الى تونس شرط استيفاء الشروط القانونية والاجراءات الادارية والجديد هذه المرة هو دخول وزير ثان على الخط في قضية التطبيع وهو الوزير المكلف رضا صفر وهو ما يرجّح أن مسألة التطبيع تجاوزت مسألة سوء التقدير أو الاجتهاد الشخصي للوزيرة كربول بل هي على ما يبدو سياسة حكومة ومسألة متفق عليها ومقبولة من الأحزاب الكبرى التي تزكي حكومة جمعة والتي لم تكلف نفسها حتى اصدار بيان يندد بهذه الممارسات ويعبر عن رفض فتح البلاد أمام الصهاينة، والأغرب أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل راعي الحوار وأكبر المنظمات الاجتماعية في البلاد والذي تنصص لوائح كل مؤتمراته على التصدي للتطبيع ومقاومته لم يحرك ساكنا إلى اليوم.