الحماية المدنية: وفاة 11 شخصًا وإصابة 314 آخرين في يوم واحد    راضية الجربي: ميزانية اتحاد المرأة لا تتجاوز مليار و100 مليون في السنة    محافظ البنك المركزي التونسي يشدّد على أهميّة تحقيق نموّ اقتصادي مستدام    قطب صناعة الإعلام روبرت مردوخ يتزوج في سن 93    تمثال الإصبع في العراق يثير ضجّة كبيرة    اليابان: طوكيو تطلق تطبيق مواعدة خاص لرفع معدل الولادات    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    العثور على جثة مقيم ايطالي في منزله بالحمامات..وفتح تحقيق..    طبيب فرنسي يُهاجم نادين نسيب نجيّم...كيف ردّت عليه؟    ظافر العابدين عضوا في لجنة تحكيم مهرجان عمان السينمائي    دراسة تحذر من وصول الاحتباس الحراري الناجم عن الأنشطة البشرية إلى معدل "غير مسبوق"..#خبر_عاجل    سوسة: وفاة شخصين في اصطدام سيارة أجرة بشاحنة    اتحاد الفلاحة : لم يتم الاتفاق على سعر بيع الكلغ للأضاحي ب900ر21 دينار ''حيّ''    عاجل/ منع أعضاء المجلس المحلي للتنمية بهذه الجهة من الدخول إلى مقر المجلس..    معدل الحرارة لشهر أفريل 2024 كان أعلى ب0،6 درجة    تونس: قطاع الصناعات التقليدية وفّر 7000 موطن شغل    المنتخب الوطني: التشكلية المحتملة لمواجهة غينيا الاستوائية    16 سجينا مترشحا لاختبارات الباكالوريا هذه السنة    بنزرت: إنطلاق اختبارات الباكالوريا في 27 مركز امتحان    مرابيح البريد التونسي تفوق 203 ملايين دينار سنة 2023..    زلزال بقوة 5.3 درجات يضرب هذه المنطقة..    أخبار المال والأعمال    أسعار بيع الحبوب المزارعون ينتظرون التسعيرة الجديدة ويأملون الترفيع فيها    كيف سيكون طقس اليوم؟    أخبار النادي الإفريقي: تأجيل الجلسة الانتخابية ومسؤولية تاريخية للحكماء والسوسيوس    تونس صقلية منتدى حول فرص الاستثمار والتبادل في مجال الصناعات الغذائية    هام/ انطلاق الدورة الرئيسية لامتحانات البكالوريا..عدد المترشحين وسن أكبر مترشح..    تقرير: علامات التقدم في السن تظهر على بايدن في الاجتماعات الخاصة مع قادة الكونغرس    عاجل/ إطلاق نار في محيط السفارة الأمريكية ببيروت..    اليوم: انطلاق الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا    بطولة رولان غاروس للتنس: سينر وألكاراز يضربان موعدا في نصف النهائي    بالفيديو: عراك تحت قبة البرلمان التركي بين نواب حزبين    لشبهات غسيل الأموال ..الاحتفاظ برجل الأعمال حاتم الشعبوني    لقاء يجمع وزير الصّحة بنظيره المصري    وفد صيني يزور مستشفى الرّابطة ويتعرف على التّجربة التّونسية في مجال طب وجراحة القلب والشّرايين    مبابي يستعد لمقاضاة باريس سان جيرمان    استفسار حول تأثير التطعيم    بوادر صابة القمح الصلب واللين محور لقاء رئيس الدولة بوزير الفلاحة و كاتب الدولة    رئيس الجمهورية يهتم بمشروع تنقيح عدد من فصول المجلة التجارية المتعلقة بنظام التعامل بالشيك    تصفيات مونديال 2026 - المنتخب التونسي من اجل الفوز الثالث على التوالي والمحافظة على الصدارة    الدورة 19 للمهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف: مشاركة 4 أفلام تونسية 2 منها في المسابقة الرسمية    تونس الثقافة والأدب والموسيقى تشع في الصين من خلال زيارة رئيس الجمهورية    في ندوة حول الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي: "ما يُنتجه الذكاء الاصطناعي يشرّع لانتهاك حقوق التأليف"    الاستعداد للحج .. "شوق" وعادات وفيه "منافع للناس"    رولان غاروس: انس جابر تودع البطولة بخسارتها امام الامريكية كوكو غوف 1-2    نجم المتلوي يطالب بطاقم تحكيم اجنبي واستعمال الفار في لقائه ضد مستقبل سليمان    سيول .. رئيس الحكومة يلتقي رئيس موريتانيا    تفاصيل الدورة 48 لمهرجان دقة الدولي: انماط متنوّعة في دورة التأكيد    عاجل/ إعلان سعر الأضاحي بشركة اللحوم وموعد انطلاق البيع    هذا موعد رصد هلال شهر ذو الحجة    4 نصائح لمحبي اللحوم    عاجل/ هذا موعد رصد هلال ذو الحجة..    درّة زرّوق تطلق علامة أزياء مستوحاة من جدّتها    رئيس الحكومة يلقي كلمة تونس في افتتاح أشغال القمة الأولى الكورية الافريقية    عاجل : اكتشاف سلالة شديدة العدوى من إنفلونزا الطيور    في المعهد العالي للفنون والحرف بتطاوين ...7 آلاف كتاب هبة لمكتبة المعهد    بيت الحكمة يُصدر كتابا بعنوان "رحلة اليوسي" لمحمّد العيّاشي بن الحسن اليوسي عن تحقيق الباحث التونسي أحمد الباهي    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خوف مستحق على الديمقراطية في مصر
نشر في الحوار نت يوم 10 - 06 - 2014

الخوف على الديمقراطية في مصر الآن له ما يبرره، حتى أزعم أن التذكير بها والتحذير من تراجع مؤشراتها من أوجب واجبات الوقت.
(1)
يوم الأربعاء الماضي 4/6 اجتمع أعضاء هيئة التدريس بقسم العظام في كلية طب عين شمس (عددهم نحو 120 طبيبا) لانتخاب رئيس جديد للقسم بعد انتهاء مدة رئاسة الدكتور عبد المحسن عرفة له. وفيما هم ينتظرون اكتمال العدد تلقوا رسالة أبلغتهم بأن الاجتماع ألغي (حدث ذلك في طب الإسكندرية أيضا)، لأن انتخابات رؤساء الأقسام والعمداء قد أوقفت، انتظارا لقرار المجلس الأعلى للجامعات بخصوص العودة إلى نظام التعيين مرة أخرى.
وكان اختيار القيادات الجامعية بالانتخاب أحد الإنجازات التي ناضل من أجلها أساتذة الجامعات ونجحوا في تحقيقها بعد ثورة 25 يناير، بحيث استطاعوا فرض تعديل قانون الجامعات لكى يقرر مبدأ الانتخاب. إلا أن وزير التعليم العالي في الحكومة الحالية، الذي انتخب في السابق عميدا لكلية الهندسة، صرح بأنه يفضل العودة إلى نظام التعيين، الأمر الذى اعتبره كثيرون تراجعا سلبيا عن فكرة استقلال الجامعات، فضلا عن تعارضه مع نصوص القانون الذى سبق تعديله.
"منعت هيئة التدريس بقسم العظام في كلية طب عين شمس من انتخاب رئيس جديد للقسم، لأن انتخابات رؤساء الأقسام والعمداء قد أوقفت، انتظارا لقرار المجلس الأعلى للجامعات بخصوص العودة إلى نظام التعيين مرة أخرى"
لم يكن سرا أن هذه الخطوة تمت بتوصية أمنية، وأنها إحدى حلقات الاتجاه إلى تأميم الجامعات وبسط سلطة المؤسسة الأمنية عليها. ومعروف أنه في خطوة سابقة تم الرجوع عن قرار إلغاء الحرس الجامعي الذي كان ثمرة نضال طويل للتيار الوطني بين الأساتذة، الأمر الذي انتهى بإقامة الحرس داخل حرم الجامعة.
وتوازى ذلك مع إجراءات أخرى استهدفت قمع الطلاب الناشطين، من خلال فصلهم النهائي من التعليم العالي كله وليس حرمانهم من دخول الامتحان أو حتى فصلهم من كلياتهم وحدها، إضافة إلى تشريد آخرين بطردهم من المدن الجامعية، وهي الإجراءات التي طالت عدة مئات من الطلاب خصوصا الذين اشتركوا منهم في المظاهرات. وقد قتلت الشرطة أحدهم أثناء وجوده داخل حرم كلية هندسة القاهرة.
(2)
في اليوم التالي لفض اجتماع أطباء العظام في جامعة عين شمس انتظارا لاستكمال خطوات تأميم الجامعات (الخميس 5/6) أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قبل مغادرته منصب الرئاسة سبعة قوانين خلال ساعة واحدة بمعدل قانون كل ثماني دقائق كما قال موقع مصر العربية.
أحد هذه القوانين استهدف تأميم المساجد ونص على أن الخطابة وإلقاء الدروس الدينية في المساجد والساحات العامة مقصور على خريجي الأزهر المصرح لهم بذلك من وزارة الأوقاف. وليس سرا أن تلك التصريحات لا تصدر إلا بموافقة جهاز الأمن الوطني.
القانون الذي صدم كثيرين من بين ما أصدره المستشار عدلي منصور قبل رحيله، كان خاصا بمجلس النواب. وقد وصفه الدكتور أحمد عبد ربه -مدرس العلوم السياسية- بأنه "قانون تأميم الحياة السياسية".
وسوف اكتفي في تقييمه بشهادته التي نشرتها صحيفة التحرير هذا الأسبوع (في 9/6). إذ ذكر ما نصه: أن صدور القانون يؤكد أن الصقور ما زالوا يهيمنون على عملية صنع القرار في المطبخ السياسي، وأن الأمل في الإصلاح وفى الإيمان بفكرة البداية الجديدة هو مجرد سراب يداعب الحالمين. ذلك أن قراءة سريعة لأول خمس مواد من القانون، تدرك بعدها فورا أن مصر مقبلة على نية حقيقية ومبيتة لتأميم قواعد اللعب السياسي، وإعادة السياسة إلى حضن الدولة مرة أخرى".
مما قاله أيضا: إن القانون صدر للحوار المجتمعي قبل نحو عشرة أيام من إصداره النهائي. وبين الفترتين لم يكن هناك حتى حوار سياسي. ففي حين اعترضت عدة أحزاب سياسية على المشروع فإنه لم يؤخذ برأيها. ولم تتم دعوة معظمها للتفاوض أو حتى للنقاش. بل صدر القانون بشكل أسوأ من نسخته الأولى.
من الملاحظات المهمة التي أبداها الدكتور عبد ربه أن القانون انحاز إلى النظام الفردي بشكل فج (شكل نحو 80% من المقاعد)، ولم يترك لنظام القائمة سوى 20% فقط من المقاعد. وهو منحى خطير، أن تعود إلى نظم مبارك الانتخابية التي تعضد من شبكات المصالح التقليدية وتهمش الأحزاب السياسية، التي تهجر السياسة تدريجيا أو تتحول إلى مجرد دمى متحركة لصالح النظام (كما) أنها ستسهم في خلق برلمان مفتت معتمد على كتل هشة تنتج حكومة ضعيفة في مواجهة السلطة التنفيذية. كما تنتج برلمانا ضعيفا في مواجهة السلطة ذاتها.
"بعد فض اجتماع أطباء العظام في جامعة عين شمس انتظارا لاستكمال خطوات تأميم الجامعات، أصدر الرئيس المؤقت قبل مغادرته منصب الرئاسة سبعة قوانين خلال ساعة واحدة بمعدل قانون كل ثماني دقائق "
ختم الدكتور عبد ربه شهادته بقوله: لا يمكن لمصر أن تستمر بهذه الأوضاع المقلوبة كثيرا، ولا يمكن للصقور الهيمنة على مطابخ السياسة طول الوقت، وإلا سنضيع الفرص الواحدة تلو الأخرى، إلى أن تحين لحظة حساب عسير (انتهى).
(3)
حين بيَّن مركز "بيو" للدراسات في استطلاع الرأي الذى أجراه في مصر أن 54% من المصريين يؤيدون إقامة حكومة مستقرة وأن 44% رأوا العكس، فإنه سلط الضوء على وجه آخر للمشكلة. ذلك أن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن الإجراءات المتخذة، وما سبق ذكره جزء منها، يلقى قبولا من الأغلبية التي لا أستبعد أن تكون في الحدود التي ذكرها استبيان المركز الأميركي.
إذ لا ينكر أحد أن كثيرين حل بهم التعب بعد الذي جرى خلال السنوات الثلاث التي أعقبت الثورة. منهم من أضير اقتصاديا ومنهم من استبد به القلق جراء استمرار المظاهرات ووقوع حوادث العنف إلى جانب الخوف الذي أثارته العمليات الإرهابية، والتعميمات شبه اليومية التي تتحدث عن مؤامرات تدار في الخارج وخلايا نائمة أو غاشمة تتحرك في الداخل. وهذا الشعور بالخطر أبرز الحاجة الملحة للأمن، الذي أصبح كثيرون ينشدونه بأي شكل ومن أي باب.
ولا غرابة في ظل وضع بهذه المواصفات التي تفضل الأغلبية وجود حكومة مستقرة وقوية، ولا تكترث كثيرا بضرورة الحكومة الديمقراطية. وهو ما سجله محللو مركز "بيو" للدراسات حين تحدثوا عن تراجع التأييد الشعبي للديمقراطية في مصر، بعدما لاحظوا انخفاض نسبة المؤمنين بالديمقراطية كأفضل شكل للحكومة إلى 59% في شهر مايو/أيار 2014 في حين أن النسبة كانت 66% في العام الماضي و71% في عام 2011.
في التعليق على ذلك التراجع ذكر خبراء المركز أن الأغلبية من المصريين تقول إنه من المهم الحياة في بلد يتمتع بأساسيات الديمقراطية، إلا أن التأييد الشعبي للمكونات الأساسية للنظام الديمقراطي مثل حرية التعبير وحرية الصحافة والانتخابات النزيهة، تراجع بدرجة ملحوظة خلال العام الحالي (2014).
إذا صح ذلك التحليل فهو يعني أننا صرنا بإزاء معادلة جديرة بالملاحظة. إذ في حين تقدم الحكومة على العديد من الإجراءات غير الديمقراطية، من منع المظاهرات إلى تأميم السياسة وتأميم الجامعات والمساجد... إلخ، فإن الأغلبية باتت مستعدة لتمرير كل ذلك، أملا في تحقيق الاستقرار الذى ينشدونه.
يؤيد ذلك الاستنتاج أننا صرنا نسمع في مصر هذه الأيام مديحا للرئيس الأسبق حسنى مبارك بدعوى استقرار عهده، رغم كل ما جرى في سنواته الثلاثين من فساد وقمع وانهيار في الخدمات وغرام مع الإسرائيليين وتقزيم للدور المصري.
(4)
لا غرابة والأمر كذلك أن يتأجل الحديث في السياسة في مصر، وأن يحتل الكلام عن الاقتصاد رأس "أجندة" النظام الجديد، إذ تدل مختلف الشواهد على أن الحديث عن الحريات العامة مؤجل إلى وقت غير معلوم، في حين أن التركيز كله على أزمة الاقتصاد وحلولها المقترحة التي تتجه فيها الأبصار إلى الخارج قبل الداخل. وهو الوضع الذى يريح السلطة الجديدة ويدغدغ مشاعر المأزومين، ناهيك عن أنه يظل مصدر راحة كبرى للدول الخليجية التي ألقت بثقلها المالي إلى جانب النظام الجديد،
وهى الدول المعنية بالإعمار والنهوض الاقتصادي، وليس الإصلاح الاقتصادي مدرجا ضمن جدول أعمالها.
"زاد رنين أجراس الخوف عندي ما قرأته في عناوين الصحف من وصف لوقائع تسليم السلطة للرئيس الجديد، إذ أخافني في تلك العناوين تمجيدها لقبضة وحزم الرئيس المخلِّص وعودة الدولة القوية والسلطة المركزية القادرة"
ثمة هاجس يلح علي في متابعة المشهد المصري كتمته طويلا، لكنني لم أستطع أن أخفيه في السياق الذي نحن بصدده. ذلك أنني من قراءاتي المتواضعة في تاريخ النظم السياسية أدركت أن الفاشية ظهرت في إيطاليا في ظروف مماثلة لتلك التي نمر بها. فقد انتشرت هناك بعد الحرب العالمية الأولى (عام 1919) حين خرجت إيطاليا مأزومة سياسيا واقتصاديا، وكانت تبحث عن منقذ يجسد الزعيم القوى الذي يلملم شتاتها ويعيد إلى الدولة عافيتها وإلى السلطة قبضتها وهيبتها التي تعيد بها تنظيم المجتمع وتؤمنه ضد خطر الشيوعية.
وهذه الأجواء هي التي جاءت بموسوليني إلى الحكم في عام 1922، إذ اعتبرته الجماهير ممثلا لكل ذلك، الزعيم المحبوب والقائد المخلص الذي يعول على قوة الجيش وبطش السلطة.
ثمة تفاصيل كثيرة تدخل تحت تلك العناوين التي أهم ما فيها أنها تدق أجراسا تحذرنا من تكرار تجربة موسوليني ومآلاتها.
وقد زاد رنين تلك الأجراس عندي ما قرأته في عناوين الصحف أمس (الاثنين 9/6) التي وصفت وقائع تسليم السلطة للرئيس الجديد، إذ أخافني في تلك العناوين تمجيدها لقبضة وحزم الرئيس المخلِّص وعودة الدولة القوية والسلطة المركزية القادرة (مواجهة الإرهاب في زماننا تعادل التصدي للشيوعية في نظام موسوليني).
أدري أن بعض الظن إثم كما ذكر القرآن الكريم، لكن التبعيض في النص يعني أن ثمة ظنونا أخرى معتبرة وليست مؤثمة. وأرجو أن تكذب الأيام هواجسي، وسأكون سعيدا إذا ثبت أنها تنتمي إلى الظنون الأولى دون الثانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.