لن تشكل الأسماء المرشحة للانتخابات الرئاسية الاستثناء أو بالأحرى لن تصنع الحدث بالنظر إلى أنه يغيب عنها عنصر المفاجأة فغالبية الأسماء المرشحة خبرها التونسيون. كما أن البعض منها كان محل سخط واستياء كبير ومع ذلك يرى أن حظوظه لا تزال وافرة لبلوغ قصر قرطاج.. وقد يجد التونسي نفسه لدى اختياره لرئيسه المقبل يطبق مقولة "مكره أخاك لا بطل".. حسم عدد من الأحزاب السياسية لا سيما الكبرى منها أمره بشان مرشحه للانتخابات الرئاسية على غرار حركة نداء تونس التي أعلنت أن الباجي قائد السبسي مرشحها للانتخابات الرئاسية، والحزب الجمهوري من خلال ترشيحه لأحمد نجيب الشابي لهذا المنصب فضلا عن حمة الهمامي كمرشح الجبهة الشعبية. كما أكد الهاشمي الحامدي رئيس تيار المحبة ترشحه للانتخابات القادمة وهو الذي صنع في الانتخابات الفارطة الحدث من خلال تبوأ المرتبة الثانية. ورغم الهفوات التي ارتكبها رئيس الجمهورية المؤقت منصف المرزوقي منذ دخوله قصر قرطاج الى اليوم ورغم أن هذا الأخير كان محل انتقادات كبرى فان ذلك لم يثنه عن الترشح مجددا لانتخابات الرئاسية. كما يبقى "اب الدستور" مصطفى بن جعفر مرشح حزب التكتل لولوج قصر قرطاج. بين الجبالي والعريض أما فيما يتعلق بحركة النهضة فالأمر لا يزال قيد الدرس ولم يستقر الخيار بعد بين حمادي الجبالي وعلي العريض ابرز مرشحي الحركة لهذا المنصب علما أن راشد الغنوشي رئيس الحركة نفى في تصريح إعلامي عزمه الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية. من جهة أخرى ازدهرت بورصة الأسماء لرئاسة الجمهورية ببعض الأسماء التي أعلنت ترشحها رغم كونها لا تشكل وزنا على الساحة السياسية على غرار آمنة منصور القروي مرشحة حزب الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء لخوض الانتخابات المقبلة وعادل العلمي رئيس حزب الزيتونة فضلا عن محمد الاوسط العياري الخبير التونسي في وكالة الفضاء الامريكية "ناسا" . مفاجآت الأسماء المستقلة في المقابل لايستبعد البعض من المظطلعين بالشأن العام أن تقدم بعض الأسماء ترشحها بصفة مستقلة ويتداول في هذا الإطار بشدة اسم كمال الجندوبي الرئيس السابق للهيئة العليا للانتخابات حيث أكدت بعض الأطراف عزمه الترشح بصفة مستقلة لمنصب رئيس الجمهورية رغم أنه لم يدل باي تصريح في هذا الشان. في تقديمه لقراءة لأبرز الأسماء المرشحة للاستحقاق الانتخابي القادم يشير الباحث في علم الاجتماع السياسي طارق بلحاج محمد في تصريح ل"الصباح" انه بعد تجربة مريرة مع المرزوقي والتي مست بمكانة ورمزية ووظيفية مقام رئاسة الجمهورية، سيجد التونسيون أنفسهم بعد أشهر معدودة في امتحان صعب لاختيار رئيس جديد للجمهورية. واضاف ان خياراتهم ستتراوح بين السيئ والأسوأ، بين شخصيات لا يجمع بينها سوى الهوس بقصر قرطاج وأمراض الزعامة والتسلط وتضخم الأنا. سيختار التونسي بين الشيخوخة أو النفاق السياسي أو الشعبوية والثورجية الزائفة أو الانتهازية الشخصية المفضوحة، على حد تعبيره. ويقدم في هذا السياق بلحاج قراءة في ابرز الاسماء المرشحة: كالتالي: الباجي قائدالسبسي يبني صورته وشرعيته على خبراته السياسية السابقة وعلى حسن إدارته للمرحلة الانتقالية وتتويجها بنجاح رغم الظرفية الصعبة،ويستحضر في خطاباته وصورته وظهوره وشخصيته صورة بورقيبة برمزيته ومشروعه الحداثي وارثه المستنير ويقدم نفسه على أنه الأب الثاني للأمة التونسية بعد بورقيبة.تتميز شخصيته بالشجاعة والجرأة السياسية سواء عند إدارته للحكومة الانتقالية أو في إطار معاركه السياسية وخاصة مع حركة النهضة،كما يحسب له قدرته على القيادة والتفاوض وإدارة الصراعات حتى داخل حزبه.ما يعاب عليه هو تقدمه في السن في ضل مجتمع وثورة شبابية وشبهة "رسكلته" للتجمعيين داخل حزبه. مصطفى بن جعفر بنى رصيده النضالي وصورته من خلال معارضته لنظام بن علي وعدم انخراطه في حكومة الغنوشي 1 و2 ويقدم نفسه على أساس أنه شخص متوازن في مواقفه وحكيم ووطني وتقدمي. ظهر على حقيقته للتونسيين بعد انتخابات 23 أكتوبر ورئاسته للمجلس التأسيسي في فترة شهدت فيها تونس أعنف الهزات.وبدا من خلال سلوكه وخطابه وتحالفاته بأنه شخصية مناورة وبرغماتية يشبه كثيرا شعار حزبه "السمكة". شخص لا يضع كل بيضه في سلة واحدة، فهو يمسك بيد صمام الشرعية الانتخابية الهشة ويلوح باليد الأخرى بشعار المبادئ والحقوق. ينطبق عليه ذلك المثل القائل:"يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي" وهي صورة غير مطمئنة كثيرا للتونسيين. حمة الهمامي هو أكبر مناضل تونسي على الإطلاق في الخمسين سنة الأخيرة،واجه بورقيبة وبن علي بشجاعة كبيرة وبدون حسابات،هو صورة للمناضل العصامي الريفي الشريف المنحاز للضعفاء. لكنه في المقابل شخصية فيها نوعا من الهشاشة والسطحية واليوتوبيا،خطابه مزيج من الخطاب الشعبوي والثوري التي تغلب عليه السطحية وقلة العمق وضعف النفاذ إلى القضايا المهمة،خطاب يذكر بخطابات الحركات اليسارية في القرن العشرين،يحبه الناس ولكن يخشونه نظرا لخوفهم من اتخاذه لإجراءات شعبوية شبيهة بإجراءات المرزوقي يمكن أن تهدد مصالح التونسيين في الداخل والخارج، كما يخشى من علاقته الملتبسة بحركة النهضة منذ مؤتمر 18 أكتوبر إلى اليوم. هو شخصية ليس لها قدرة على التجميع كما كان شكري بلعيد والدليل أن مكونات الجبهة لم تصوت في نفس الاتجاه في مؤتمر الحوار الوطني المتعلق بالانتخابات. ارتبطت صورته بصورة كاريكاتورية تظهره ضعيفا في علاقته بزوجته وهي صورة يمكن أن تستغل للتنفير منه باعتبار أنها تذكرهم بساكن قرطاج القديم. أحمد نجيب الشابي هو من خصوم بن علي الشجعان الذين واجهوه مباشرة زمن ذروة الاستبداد،انتظر الجميع منه ومن حزبه أن يكونوا عنوانا بارزا من عناوين الانتقال الديمقراطي في تونس نظرا لهذا الرصيد النضالي لكنه خيب آمال الجميع وسيثابر على ذلك إلى اليوم. انضمامه لحكومات الغنوشي ودفاعه المستميت عنها ومعارضته لمسألة حل حزب التجمع في ذروة اللحظات الثورية أفقدت شخصيته البريق السابق وكشفت جزءا خفيا من شخصيته. هوسه بالحكم والسلطة والرئاسة جعلا منه عنوانا بارزا من عناوين الحسابات السياسية الخاطئة والساذجة والقاصرة وجعلته يبدو في بعض الأحيان وكأنه شخصية مهزوزة وغير منسجمة مع نفسها ومبادئها ورصيدها وماضيها بشكل يثير الشفقة والريبة. أصبح يبدو اليوم لطيف من التونسيين أن هوسه بالرئاسة قد يجعله مستعدا للتضحية بكل شيء ودفع أي ثمن من أجل الوصول إليها حتى ولو كان هذا الثمن تاريخه المشرف وحزبه المناضل وصورته لدى الرأي العام. وخلص بلحاج إلى القول: "يبدو أن التونسي اليوم عليه أن يختار بين "العرجاء أو النطيحة أو ما ترك السبع" وهي كلها صفات لا تليق بأضحية فما بالك بمقام الرئاسة"..