لقد حافظ المشرع التونسي على نفس النظام الانتخابي التى اختارته هيئة عياض بن عاشور التي حاولت التركيز على تمثيلية واسعة للتونسيين من خلال اختيار نظام القائمات مع اكبر البواقي ، وفعلا وجدنا مجلسا متنوعا فيه تمثيلية ممتدة اجتماعيا وسياسيا وكان صالحا لكتابة دستور يعبر عن تطلعات كل التوسيين وهو ما تمكن من انجازه ، بما تضمنه ذلك الدستور من تناقضات معبرة ارقى تعبير عن ذلك التنوع مثل ما ورد فيه من تناقض بين بعض فصوله كالتنصيص على حماية الدولة للدين وحماية حق الكفر بهذا الدين ، ولكنه في الحقيقة ثبت انه لم يصلح لادارة شؤون البلاد وادى الى فسيفساء حزبية وتحالفات هجينة لم تستطع الصمود وتعرضت الى انتكاسات عديدة وازمات حادة وخانقة كادت تعصف بالمسار الانتقالي في اكثر من مناسبة ، وادت الى عدم استقرار سياسي واضح ، رغم محاولات التبرير الموضوعية في وقتها والمتعلقة باعتبار ضعف التجربة السياسية والحزبية في اطار الحرية والديمقراطية ، ولخروج البلاد من اظطرابات كبرى ناتجة عن ثورة عارمة وتطلعات واسعة للناس لم يكن بوسع اي حكومة ان تستجيب لها ، يضاف لذلك ضغط اللوبيات المحلية والاجنبية المتحكمة في دواليب اقتصادنا وثقافتنا واعلامنا لافشال تلكم التجربة بكل الطرق والوسائل لتهديدها المباشر لعلاقات المصالح السائدة ، وفعلا نجح ذلك الضغط في التخلي عن المنظومة التى انتجتها الانتخابات وعلى الناس الذين منحهم التونسي ثقته لنعود الى عهد الانتداب وانتج التوافق او الحوار الوطني او سليل خرائط الطرق التى رايناها في كذا دولة عربية واسياوية ، انتج كرزايا تونسيا توافقيا اعادنا لنقطة البدء بحجة الاضطراب والتازم السياسي الخانق في البلاد ، ولعل ذلك ايضا هو ثمرة طريق تازم سياسي قام يتهئته القانون الانتخابي الذي وقع اختياره لنا في اكتوبر 2011 ان ذلك النظام النظام الانتخابي ، الذي ادى لتزوير الارادة الشعبية اللاحق للعملية الانتخابية وتنصيب شخصيات على راس الحكومة ووزاراتها لا علاقة لها بالناخب في عمومها بقدر علاقتها بذوي المصالح الداخلية والاقليمية والدولية ، انه نفس النظام الذي حافظنا عليه للنتخابات القادمة ، فهل نعيد نفس المقدمات بغية الوصول الى نتائج مغايرة ؟ ان النظام الانتخابي المختار لن ينتج لنا منظومة افضل ثباتا واستقرارا من منظومة 23 اكتوبر التى ادت الى الانتداب والارجح انه سيفرز منظومة اكثر هشاشة ، لانه بفضل هذا النظام الانتخابي المشجع على التفتت والتشرذم الذي لا يخدم ما تتطلبه المرحلة القادمة من قوى سياسية كبرى قادرة على المسك بدواليب الدولة ، بفضل هذا النظام فان المجتمع السياسي عوض ان يتكتل ويتحالف ويتآلف فاننا نراه يتشتت اكثر يوما بعد يوم ، فالاحزاب الكبرى تنشطر ، والصغرى تبحث لنا الممكن في القانون الانتخابي ولم تعد معنية باي تحالفات ، ولن نرى في المستقبل القريب تحالفات حزبية قوية قبل الانتخابات من شانها ان تنتج كتل سياسية قادرة على مسك دواليب البلاد والتحكم في مقدراتها وسياساتها ولكن سنشهد فسيفساء هجينة من الاحزاب والشخصيات ذوى الطموحات المحدودة التى لن ترتقي لتطعات التونسيين في بناء دولتهم القوية المستقلة المنتجة ، ان المجلس المرتقب سيكون فسيفساء اكثر تنوعا وهشاشة من المجلس الذي سبقه ، ولن يكون بامكانه اكثر مما كان بامكان المجلس السابق وسيشهد المشهد السياسي مزيدا من الضعف والتناحر والصراعات الجانبية والبحث عن التحالفات التى تظل دوما هشة في ظل التنوع الايديولوجي والتحزب العقائدي الذي يشهده السياسيون ، وسنشهد حالة من ضعف المشهد السياسي والفاعلين السياسيين ولن يكون بالامكان نشاة حكومة قوية مسنودة من جهة حزبية قوية قادرة على قيادة البلد والاقلاع بها من بركة الصراع والاضطراب السياسي لن يكون حالنا افضل من عدم الاستقرار التي تشهده دول المحاصصة السياسية والطائفية كلبنان والعراق وغيرها وحتى بعض الدول الغربية التى ما زالت تعاني من عدم الاستقرار الحكومي مثل اليونان وايطاليا سيكون ذلك مناخا مناسبا للتدخل الاجنبي في شؤوننا ، وستاتي خارطات طرق جديدة للتخلى من جديد عن ارادة الناخب وتعويضها بارادة وهمية كالتوافق وغيره بحجة عدم الاستقرار السياسيى وستظل البلاد تراوح مكانها اقتصاديا وثقافيا وسياسيا فهل نبتغي انتخابا لنصل الى انتداب ؟ هل ننخدع مرة اخرى مثلما خدعنا سابقا بالاستقلال الذاتي فبقينا ننتظر الاستقلال التام الى الآن ، هل نبقى ننتظر انتخابا يعبر عن ارادتنا ولا ينتكس بالتوافق الى ما لا نهاية ، هل تستمر سياسة البحث عن الطرق الناعمة لتزوير الارادة الشعبية ؟ السنا على الطريقة اليمنية السلسة في انتقال السلطة من استبداد فض الى استبداد رقيق ؟ السيت افضل من الطرق الدموية المعتمدة في بعض دول الربيع العربي كمصر وليبيا ؟ ام هل سيتحقق امل التونسيين في ان يحكمهم من سيختارونه في الانتخابات القادمة ولن تزور لهم ارادة بعدها ؟ الاستاذ عمر الرواني