لمّا نزلنا على بعض أهالينا في تونس زائرين بعد طول غياب لاحظنا - رغم اتّهامنا بأننّا مغتربون - أنّنا لا نستطيع مجاراتهم في نمط العيش الذي يعيشونه... فالتونسي المقيم هو أكثر قدرة ووسائل من التونسي المغترب، وهو أكثر مصروفات بشكل يطرح التساءل: من أين يأتي المال!!!... ومع ذلك فالجميع في تونس - إلّا القليل - "يسخّط" ويشكو الضيق!... بحبّ لأهلي التونسيين أقول: أنّ ما جعل النّاس في تلكم الوضعيّة إنّما هو أكل الحرام!... قد يستغرب الأحبّة منّي هذا الكلام - وهو كلام فرضه الحبّ - فيقولون - وهم صادقين - والله ما أكلنا حراما ولا ارتشينا ولا اعتدينا على أموال النّاس بالباطل!... ولكنّهم يغفلون عن الحرام الخفيّ المتمثّل في عدم إتمام ساعات العمل أو الإدمان على الاعتصامات والإضرابات، فإنّ ذلك كلّه مال حرام قد أنبت لحما النّار أولى به عياذا بالله تعالى!... وهو إلى ذلك سبب ذهاب ما كان يُعرف عند النّاس، أهل البركة، بالبركة!...
ولقد حكى لي أخ مغربيّ صديق - والعرب جميعا يمرّون بنفس الأوضاع تقريبا - طرفة تسكن بين أطوارها الحكمة. فقد شكا أحدهم إلى شيخه سوء حاله وعدم قدرته على إعالة أهله وهو يتقاضي مرتّبا بخمسة آلاف يوميّا فنصحه الشيخ بأن يطلب من ربّ عمله تخفيض الخمسة إلى أربعة، فاستغرب ذلك كثيرا ولكنّه فعل تقديرا لشيخه، ثمّ إنّ ذلك لم يغيّر من الأمر شيئا فنصحه بطلب تخفيض المبلغ ثانية إلى ثلاثة، فلمّا فعل لاحظ تحسّنا في الحال بما لا ينسجم مع الحسابات البشرية، إذ كيف تكون الثلاثة خيرا من الأربعة بل خيرا الخمسة... فلمّا أراد رفع العجب أعلمه الشيخ أنّ مردّ ذلك كلّه إلى الحلال والحرام... فقد خالط الخمسة حرامٌ بسبب عدم حرص الرّجل على ساعات العمل التي ما كان يؤدّيها كاملة. فلمّا خفّضها إلى الثلاثة وافقت الثلاثة ما يبذل الرّجل من جهد، فبارك الله تعالى له فيها!...
قد لا تلقى مثل هذه القصص في عالم الجشع آذانا صاغية ولكنّ المؤكّد أنّ من أراد البركة في المال حرص على ألّا يأخذه إلّا بحقّه!... والله من وراء القصد وبارك الله في الجميع!...