نسمع دائما في زمننا الحاضر عن قضايا الفساد في الأوساط السّياسية بكثرة.. والّتي تطال زعماء سياسيين وأحزاب، فيقال مثلا السّياسي فولان، ثارت ضدّه قضيّة فساد أنْهت حياته السّياسيّة، أو وزير كذا استقال على وقع فضيحة فساد أوقفت مشواره السّياسي، مثل ما وقع منذ شهور في فرنسا لوزير الإقتصاد السّابق "جيروم كاهوزاك" إليك هذه الملاحظات الثّلاث الأولى: الفساد لن ينقطع من على الأرض وبالأخص في الأمم الغربية المتقدّمة الّتي تدّعي التطوّر في القوانين والعدالة والسّبب أذكره لك في النّقطة الثالثة.. الثانية: أفضع أنواع الفساد و الّذي تئنّ منه الأرض وتضطرب هو فساد الملوك والحكّام و الزّعماء.. فهؤلاء بحكم سلطانهم الّذي أوتوه، هم ممسكون برقاب النّاس باليد اليمنى وبالأرض ومُقدّراتها باليد اليسرى فإذا ما فسدوا فسد كلّ شيء واختلّ الكون واضطربت الحياة على وجه الأرض... الثالثة: أعظم فساد يُخشى على الأرض منه و يهدّد سلامة هذا الكون، هو عدم التّوحيد..! ذلك أنّه إذا حلّ الكفر محل التّوحيد، لم يعد هناك إلاه يُرْجَعُ إليه، وشرّع الّناس لأنفسهم حسب هواهم فاختلّ الميزان وضاع الحقّ وتأثّر بالتّالي الكون... والآن تعالى معي إلى آية كريمة من القرآن العظيم، إذا قرأتُها عليك ثمّ فسّرتها لك وفهمت معناها، فستتبلور جملة الأفكار الّتي كنت أحاول تبليغها إليك.. { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } هنا تخبرنا الآية أنّ النّبي موسى عليه السلام استلم آيات من ربّه فذهب بها إلى حاكم ذي سلطان في الأرض وهو "فرعون"، فظلم بها هذا الحاكم والمعنى كفر بها، فالظّلم أنواع أعلاها الكفر والشّرك.. فماذا حدث لهم لمّا ظلموا بها ؟ القرآن بلخّص لك ما حدث في جملة يحيلك بها لتتبّع أخبار الظّالم مفصّلة في مواقع أخرى من القرآن و ما حدث لفرعون ومَلَإهِ قصّته بلغت شهرتها الآفاق، الجملة تقول: "فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ" طيّب سنذهب وننظر في السّور الّتي تفصّل هذا.. لكن لماذا قال " فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ" ولم يقل: فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الكَفِرين، والحال أنّ أوّل شيء فعله فرعون هو أنّه كفر بما جاء به موسى..؟؟ لأنّ فسادهم بدأ بإنكارهم التّوحيد ثمّ تجلّى في حركتهم على هذا الكون فسادا فضيعا.. فقال: فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ... وصفهم بالمآل... نعم، كم من كافر يعيش في بحبوحة ورغد عيش الآن و ينتظر عاقبة كفره يوم يرجع إلى ربّه.. أولائك ليست لهم سلطة في الأرض وكفرهم محبوس عليهم.. لكن صاحب السّلطة إذا كفر فسد و خرّب الكون..! والكون ينبغي أن يبقى.. إذن انتظر له الردّ العاجل.. فرانسوا هولاند وعد إذا وصل للسّلطة أن يسمح بالزّواج المضاد للفطرة.. وبالفعل لمّا وصل منذ سنتين إلى الكرسي، ذلك أوّل شيء فعله في فرنسا لكي تسرع الخطوات نحو السّقوط في الهاوية... فأصحاب السّلطان هم الصنف المقصود في هذه الآية.. وهؤلاء فسادهم يبدأ من الأعلى وهو إنكار التّوحيد ثمّ لا يتوقّف بعد ذلك بل تفسد حركتهم كلّها على هذا الكون وفقا لإنكارهم التّوحيد... لكن في النّهاية يجب التّنبيه إلى أنّه ثمّة إيحاء خفي للخروج لمواجهتهم والحصول على شرف شهود نهايتهم والمشاركة في صنعها.. لأنّ قوله (فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ) ليس أبدا معناه بأي حال من لأحوال اقعد وانتظر وتفرّج على نهايتهم...!!!