تختلف طبيعة المعركة ومجرياتها مع الطغاة في ليبيا عنها في مصر، فثوار ليبيا يمتلكون قدراً من عناصر القوة العسكرية مما يؤهلهم لدحر مليشيا اللواء المتقاعد حفترا والكتائب العلمانية المتحالفة معه، وما يحدث في ليبيا ومصر اليوم مترابط ومتداخل، فالأنظمة الرجعية التي حكمت في المشرق العربي منذ عقود فشلت في علاج ابسط مشكلات الحياة اليومية التي يعاني منها مواطنيها، ورغم ذلك فتلك الأنظمة لها عسس ودرك وعبيد ممن ارتبطت مصالحهم ببقاء الطغاة. فالمؤسسة العسكرية في تلك البلدان ولإرتباطات خارجية مارست تعتيم إعلامي وخداع امني بامتياز وفق خطة رسمتها لها مؤسسات أمنية مقراتها في تل أبيب ودبي وواشنطن، ومارست على الأرض مشاريعها التدميرية بعد نتائج الانتخابات في تلك البلدان التي أفرزت فوز التيار الإسلامي بأغلبية، فرأت البلدان الاستعمارية في ذلك الحَدث التاريخي خطرا محدقاً بمصالحهاً. في حين يُرَوِج الغرب الاستعماري لتيار بعينه وهو "العلمانية الليبرالية وشراذمها في المشرق العربي ممن يتساوقون مع مقاييس العولمة والسوق الحرة، علماً بان هذا التيار لا يتمتع بدعم شعبي لدى الشارع العربي عموماً، لذلك عملت القوى الاستعمارية على حشد المؤسسة العسكرية لصالح هذا التيار، وتَم حشد التيارات الماركسية والقومية الساذجة لتقاتل إلى جانب أولياء نعمتها "طغاة العسكر"، وأيضاً تحالفت مع منظومة دول النفط والعسكر أقليات عرقية وطائفية خشية على مصالحها وإمتيازاتها. وفي خضم هذا المشهد خضعت الأقليات والأحزاب القومية والقوى الشعبوية لكم هائل من الدعاية السوداء بثت لها عبر وسائل الإعلام الخاصة والعامة، مدعية ومروجة لأفكار تضليلية دعائية مفادها بأن الفكرة القومية العربية حاضرة في المشهد المضاد للتحول الثوري، وزاعمة بأن الوقوف في وجه الغرب ومخططاته هو السبيل الوحيد لنهضة العرب، وزاعمة بأن التيار الإسلامي الحداثي متحالف ومتأمر مع الأنظمة الغربية، ولذلك يجب سحقه وزج قياداته في غياهب السجون والمعتقلات والتنكيل بهم، وتم استدراج التيار القومي إلى هذا الفخ بسبب الموقف التقليدي للتيار القومي من التيار الإسلامي كمنافس شَرِس، ومما زاد من هذا الشقاق إرباكات التحول الثوري في سوريا وما تخللها من هزات عنيفة. الجديد في الشأن الليبي هو أن ليبيا لا يوجد فيها جيش مُنظم يستطيع أن يقف أمام كتائب الثوار، وأعتقد بأن الصراع العسكري العنيف في ليبيا يميل إلى جانب الحسم الثوري لصالح "ثوار فجر ليبيا" رغم أن طرفي الصراع كلاً منهما يمتلك السلاح، ولأن بعضاً من دول وحكومات الجوار "مصر والإمارات" لها مصلحة واضحة في إستمرار الصراع وتأجيجه، ولأن حسم الصراع في ليبيا سوف يُطيح برأس الجنرال الإنقلابي خليفة حفترا وبالتالي ما يجري على الأرض الليبية له انعكاسات على مصر وتحولاتها السياسية، ولذلك فمعركة ليبيا هي أحد أبرز معارك الربيع العربي. وفي موضوع اللواء خليفة حفترا فيجب أن نعلم بان علاقته كانت غير جيدة مع نظام القذافي في سنواته الأخيرة بسبب النزاع على الحكم والنفط، وان هذا الرجل هَرب إلى الولاياتالمتحدة في حينه، ثم عاد في الساعات الأخيرة قبيل انتصار الثورة على مليشيات العقيد معمر القذافي ليُعلِن تأيده للثورة، وجاء بأوامر الولاياتالمتحدةالأمريكية ليباشر في تأسيس جيش ليبي جديد وفق تصورات جنرالات واشنطن، ولكي يؤسس لمرحلة جديدة تجعل من ليبيا نظاماً تابعاً للغرب والولاياتالمتحدة، ولكن هناك قوى تُعيق مشروع اللواء خليفة حفترا وهي القوى المدنية الإسلامية الأصيلة والرصينة والمجتمعية الصاعدة في ليبيا، وهذا ما يعيق مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية وتَحول دون تنفيذ رغباتها في تأسيس نظام ليبرالي علماني عَفوي مهلهل خاضع لوصاية المؤسسة العسكرية الرجعية كما في باكستان ومصر، وليُمَثل ضامناً لهيمنتها على نفط ليبيا. وترى الولاياتالمتحدةالأمريكية بالمشير عبد الفتاح السيسي واللواء الليبي خليفة حفترا وغيرهما بأنهم بمثابة قادة قواعد الناتو في ديار المشرق الإسلامي وقواعدها المتقدمة في مناطق الثُغور، وترى بهم بمثابة المبشرون الجدد بال"نيو ليبرلي" أو "العرب الجدد"، لذلك تُدَعِم نفوذهم، وتمارس من أجل ذلك أخطر عمليات الخداع الاستراتيجي عبر مؤسساتها الأمنية والإعلامية، مُعتَمِدة على كم هائل من أدواتها المرنة "الناعمة" مثل المال والإعلام برعاية حكومات الخليج العربي.