كتبه ابراهيم بالكيلاني ( النرويج) نظّمت الرابطة الاسلامية في النرويج دورة متميزة تحت عنوان " أسس قبول الحديث و ردّه بين المحدّثين و الأصوليين" و أشرف عليها الدكتور معتز الخطيب صاحب مصنّف " ردُّ الحديث من جهة المتن: دراسة في مناهج المُحدّثين و الأصوليين". و سأجمل في هذا النص مجموعة خلاصات، أعتقد أنها مفاتيح أساسية لكل من يعمل من أجل إعادة تشكيل الوعي الاسلامي: 1. أمانة المحدّثين: لا يختلف اثنان في أن الأمانة هي أبرز صفات المحدّثين في رواياتهم. فترى المحدّث يجمع في باب واحد مجموعة أحاديث صحّت عنده، و إن بدا في ظاهرها تضاربا، إلا أن عناوين الأبواب و ترتيب الأحاديث و مهارة الصنّاع تُزيل ما شُبّه على البعض. فقد جمع المحدّثون كل الروايات التي صحّت عندهم، و أوردوها كما هي. و هي حقيقة أمانة نادرة، و خصيصة بارزة فيهم. و هي فضيلة لا تماثلها فضيلة، إذ تركوا لنا ميراثا غنيا. 2. الإتقان و الصنعة: حقيقة تمثّل أهل الحديث صناعتهم أحسن تمثّلا، و كان أوائلهم لا يتعدّون صناعتهم إلى صناعة غيرهم، إلا من أتقن أكثر من صناعة. فقد تركوا لنا ميراثا نظيفا و منسّقا لا تتداخل فيه الصنائع. مما يشير إلى قيمة جليلة و هي ما نُعبّر عنه اليوم بالتخصّص. و عندما تداخلت الصنائع، و تصدّر للأمر من غير أهله، شُوّه البناء و اختلط الحابل بالنابل، و قلّ العلم و كثر التنطّع. و من فضائلهم أنهم دوّنوا حتى الضعيف من الأحاديث، و الغاية ليست التلبيس على الناس، و إنما معرفة المدلّسين و أساليبهم و طرقهم. 3. قيمة التنوّع: من خلال رصد كل من مناهج المحدّثين و الأصوليين في قبول الحديث و ردّه، يتبيّن لنا قيمة التنوّع التي كان يتحلّى بها الجميع، و أن التنوّع ظاهرة و حقيقة ماثلة في العلوم الاسلامية. فالموضوع واحد و هو الحديث، إلا أن المحدّثين و الأصوليين اختلفوا في مناهج القبول و الردّ، و ذلك بناء على غاية و مقصد الاختصاص. فالمحدّث غايته الحديث كرواية، بينما الأصولي مقصده العمل بالحديث و الاحتجاج به. و هذا التنوّع مطلب مهم، لأنه يتأسس عليه نواتج العلوم الشرعية . 4. منهج التراكم: فالعلوم تُبنى على بعضها البعض، و تتأكّد هذه الرؤية أكثر داخل العلوم الشرعية. فالفقيه يبني حكمه بناء على ما صحّ من الحديث، ضمن رؤية تكاملية تتداخل فيها بقية العلوم، تعضّد هذا الدليل أو غيره. و لكن مما أُصيبت به الأمة في أزمنة تخلّفها، أن كل مدّعي صنعة ولج مساحة غيره متوسّلا بعقلية انفصامية ، يجعل من العلوم كأنها جزرا متباعدة و منفصلة . 5. ليس كل حديث صحيح يجب العمل به: و هي قاعدة علمية جليلة في العلم. و كان هذا ديدن أعلام الأمة : الأئمة مالك و الشافعي و أبا حنيفة و أحمد. فالإمام مالك رضي الله عنه لم يعمل بأحاديث صحّحها هو بنفسه في الموطأ أو في غيره من كتب الصحاح و السنن، بقيت صحيحة عنده و عند علماء الأمة، و لكن العمل بها مسألة مغايرة. فمالك مثلا لا يعمل بحديث غسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب!.. و الأمثلة عديدة في هذا المجال. و لكن ابتليت الأمة في هذا العصر من بعض الجهلة و يريدون فرض قولهم بوجوب العمل بكل حديث صحيح بدون فقه. و لعل التشوهات التي يشهدها العقل الاسلامي اليوم، هذه احدى تمظهراتها ، و أسباب أزمتها. 6. مطلب التفقّه في علم الحديث: منذ مدة أحدّث نفسي بأن "النهج الأثري" في صوره المتأخرة، أحد أسباب أزمة العقل الاسلامي، و أن المدخل لتعديل أثره و تغيير آلياته، هو التفقّه في علم الحديث. فكلما تعمّق نظرنا في علم الحديث و مسكنا بمنهجه، كلما كان أثر "الأثريين" أقل و أضعف. فهم يعتبرون أنفسهم أهل الأثر و الخبر و الحديث، و هم الأوصياء على العلوم الشرعية، و بأن من يخالفهم مخالفا للحديث و السنة. و هذا تلبيس على من لا علم له. فالحديث المصدر الثاني للتشريع ، و بأن الاحتجاج به ليست من مهام علماء الحديث و إنما من اختصاص الأصوليين، الذين لهم منهجهم في ذلك، و الأئمة الأربعة مثالا على ذلك. فلا تلبّسوا علينا ديننا. 7. في تلقّي العلم: مما أُصيبت به الأمة في عصور تخلّفها أن أصبحت صفة الداعية أو الشيخ هي مصدر تلقي العلوم، و هذه الصفة تحتاج إلى تدقيق، فليس كل شيخ شيخا. و العلم يجب أن يُطلب من أهله. و أقصى ما يمنحه من يصف نفسه بالشيخ و الداعية هو تحفيزك و توجيهك إلى الوجهة الصحيحة في طلب العلم. أما إذا اعتبر نفسه هو مصدر العلم و بابه، فاعلم أنه تلبيس ، و لا بأس بذكر طرفة الدكتور معتز الخطيب الذي أشار إلى أن وصف الشيخ في اصطلاح المحدّثين هو صفة تضعيف ..
مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=26500&t= دروس من دورة " أسس قبول الحديث و ردّه"&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"