لم تكن سميّة بعد قد بلغت السّابعة عشرة من عمرها عندما وضعت ابنتها، سميّة التي تزوجها ابن تاجر كان يأتي من بلد شقيق لوطنها لشراء حاجياته من والدها التاجر الكبير، كان قد رآها ابنه وأعجبته فقرر أن يطلبها للزواج . أمّ العريس التي كانت تخطط لزواج ابنها من ابنة أخيها الوحيدة التي سترث ملايين أبيها كونه لم ينجب غيرها لم تحبّ زوجة ابنها فكانت بين الحين والآخر تتعمّد إلى إشعال نار الخلاف والمشاكل بين ابنها وزوجته، وكان هذا الشاب ينصاع لتعاليم أمّه فتارّة تكون الخلافات كبركان وتارّة أخرى تخمد هذه النيران. وفي أحد الأيام اغتاظت أمّ الزوج التي كانت تتربص ما بين الحين والآخر لإشعال نار خلاف بينها وبين زوجة ابنها ما جعل الأمر الذي أدى إلى تلاسن بين المرأتين يؤدي في نهاية المطاف إلى الانفصال بين الزوجين، وعلى الرغم من محاولات أهل الخير إعادة المياه إلى مجاريها إلا أنّ والدة الرجل كان مصرّة على عدم إرجاعها لابنها وبالتالي فإنّ الأمّ ستحرم من صغيرتها لأنّها ستضطر للعودة إلى أهلها في البلد الذي يقيمون فيه، وحققت الجدّة مبتغاها بعد فطام الصغيرة، وعادت المرأة تاركة وراءها طفلة رضيعة في سنتها الأولى. ومرّت عدّة أشهر بعد عودتها وتزوجت الشّابة المطلقة وذهبت مع زوجها الجديد إلى الكويت، وعلى الرغم من إنجابها لأربعة أبناء لم تنس هذه الأمّ طفلتها البكر التي سلبت منها عنوة، وبالمقابل هي لم تقدر على السفر إلى حيث ابنتها فليس هناك من أحد تعرفه في تلك البلاد. وتمرّ السنوات وراء بعضها البعض، وتكبر سميّة، ومن ثم تعود أدراجها إلى بلدها بعد حرب الكويت، ويحدث في يوم من الأيام أن تأتي إليها شقيقتها طالبة منها أن تذهب معها لرؤية عروسا صغيرة لابنها دلّتها عليها إحدى النسوة، وتذهب سميّة مع أختها إلى بيت أهل العروس فتفتح لهما سيّدة لم تزل في بداية الثلاثينات من عمرها، ينجذب قلب سميّة لها ويرتاح كثيرا وكذلك كان إحساس صاحبة البيت، وتبدي سميّة استغرابها من أن يكون لدى هذه المرأة التي تبدو في سن صغيرة عروسة فتخبرها أنها قد تزوجت في سن صغيرة جدا، كما وتعرفان أنّها أتت للإقامة مع زوجها في هذه البلاد من إحدى القرى الفلسطينيّة حيث ولدت ونشأت، سميّة تصاب بحالة تشبه عدم التوازن بالتفكير عندما تسمع باسم القريّة الآتية منها، هذه المرأة التي تشعر وكأنّها تعرف وجهها منذ أمد بعيد فتسألها عن اسمها فتخبرها المرأة وهي مستغربة من سؤالها، ثم تسألها سميّة من جديد عن اسم والدها وأمّها فتجيبها المرأة محاولة أن تخفي تعجبها من الأسئلة التي تقود للكثير من التفاصيل، سميّة تحاول أن تسيطر على نفسها قليلا لكن دموعها تغلبها فتعاود السؤال من جديد متسائلة عن أمّها فتخبرها المرأة أنّ جدّتها وعمّاتها أخبرنها بأنّ أمّها ماتت وهي صغيرة وأنّها لا تعرف أكثر من ذلك لأنّ أخوالها في بلد آخر.. أخت سميّة نسيت أمر العروس التي من أجلها لكنّها تستمع بإمعان وإنصات إلى الحوار الدائر بينهما بذهول غير مصدّقة ما يحدث أمامها متسائلة بينها وبين نفسها "أيعقل أن تجتمع أختها وابنتها بعد فراق طويل بهذا الشكل؟؟" وتقول سميّة "هل اسم جدتك كذا ؟؟" ، وتهزّ المرأة رأسها بالايجاب وبنظرة استغراب مرسومة على محياها أن "نعم" ... نعم لقد شاءت إرادة الله بعد ثلاثين عاما أن يكون اللقاء هكذا بين سميّة وابنتها. سميّة وابنتها بلاوعي يضمّان بعضهما والدموع تتساقط من أعينهما، يحتضنان بعضهما كيف لا وقد حرمت الأم من ابنتها ظلما لسنوات طوال. *قصة حقيقيّة لأم وابنتها حدثت في الخمسينات مع بعض التغييرات في الأحداث والأسماء .