الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    سواحل قربة: فقدان 23 تونسيا شاركوا في عملية إبحار خلسة    رئيس البعثة الصحية : هذه جملة من النصائح للحجيج    عاجل/ الإطاحة بشابّين يروّجان تذاكر مزيفة لمباراة الترجي والاهلي    «لارتيستو» الممثلة سعيدة الحامي ل«الشروق» التلفزة التونسية تتجنّب تنويع اللهجات !    تقديم وتوقيع رواية «البوبراك» للأديبة خديجة التومي    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    الليلة الترجي الأهلي في رادس...الانتصار أو الانتصار    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    بنزرت .. إجراءات لمزيد تعزيز الحركة التجارية للميناء    قانون الفنان والمهن الفنية ...مشروع على ورق... هل يغيّر وضعية الفنان؟    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    صفاقس: المناظرة التجريبية لفائدة تلاميذ السنوات السادسة    بنزرت .. مع اقتراب موسم الحصاد ...الفلاّحون يطالبون بفك عزلة المسالك الفلاحية!    سليانة .. انطلاق موسم جني حب الملوك    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    ''غرفة المخابز: '' المخابز مهددة بالإفلاس و صارت عاجزة عن الإيفاء بإلتزاماتها    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    تفكيك شبكة لترويج الأقراص المخدرة وحجز 900 قرص مخدر    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع القيادي النهضوي والوزير السابق المكلف بالشؤون الاقتصادية رضا السعيدي
نشر في الحوار نت يوم 24 - 10 - 2014

" هناك من يقول أنّنا لم نتحدّث عن الصّعوبات التي واجهتنا، ولكننا فعلنا إلاّ أنّ الإعلام كان عائقا أمام إيصال صوت النّهضة، وكذلك عمل على طمس الإنجازات التّي كانت تتحقّق على أرض الواقع في حكم النهضة"
بلادنا اليوم لها فرصة تاريخيّة في صناعة الحدث على المستوى الإقليمي والعالمي والأنظار كلّها مشدودة لتونس، تنتظر العرس الإنتخابي، والولادة الجديدة للديمقراطيّة في بلد عربيّ إسلامي
كذلك نأمل في تقديم نموذج النّجاح الإقتصاديّ، و قادرون على ذلك، و لنا كلّ المقوّمات الآن، وعندنا البرامج الّتي تقدر على النّهوض ببلادنا و تحقّق إقلاعا حقيقيا لاقتصادنا، حتى نمثّل نموذجا حقيقيّا في المنطقة.
الحوار نت : سيد رضا السعيدي بداية نرحب بك في "الحوار نت".
رضا السعيدي : بارك الله فيكم
الحوار نت: كنت أحد أهم مهندسي البرنامج الاقتصادي السّابق لحركة النّهضة
هل أنتم راضون على ما تحقّق منه؟
رضا السعيدي: البرنامج السّابق لحركة النّهضة كان أوّل محاولة في الحركة لصياغة برنامج اقتصادي و اجتماعي يلامس القضايا الحقيقيّة للشّعب التّونسي في التّنمية وفي التّشغيل وفي القضايا الاجتماعيّة وفي الحقوق عامة.
وكان محاولة للإجابة عن السؤال الأساسي كيف يمكن ترجمة مطالب الثّورة إلى برنامج، إلى مشاريع، إلى أجوبة مباشرة. هذه المحاولة كانت مبنيّة على تشخيص ومقاربات للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وقد حاولنا أن نكون واقعيّين و"براغماتيين" في بعض الأحيان ولكن نقص التجربة والمعرفة بتفاصيل الواقع هو ما جعل البرنامج يحتاج إلى بعض المقترحات، كما أن بعض النقاط كانت غير قابلة للتحقيق في ظرف انتقالي.
التّقييم عموما هو أنّ أجزاء من البرنامج تمّ تبنّيها من قبل حكومة الترويكا و بالتالي وقع ادراجها ضمن البرنامج الحكومي الذي قدمته الحكومة في ميزانيّة تكميليّة في أفريل 2012 و كان هو الذي اعتمد في الحكومة الأولى والثّانية.
بالتّالي يوجد أجزاء من البرنامج تمّ تنفيذها و تمّ تبنّيها رسميّا، وبقيّة الأجزاء تتطلّب وقتا أطول لأنّها تتعلق بمخطط اقتصادي أكثر من كونها برنامجا للتنفيذ المباشر.
وحاولنا أن تكون بعض الاجراءات المقترحة عاجلة و الأخرى آجلة، و ذاك ما تمّ اعتماده في برنامج الحكومة.
وعموما يمكننا القول أنه كان في البرنامج أقدار كبيرة من التّوفيق مع اعتبار أنها التجربة الأولى في إعداد برنامج متكامل، ودليل ذلك أنّ البرنامج عرض ضمن برامج عديد الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية في مركز الدّراسات الاستراتيجيّة ببيروت سنة 2012 وتمّ اختياره كأفضل برنامج اقتصادي اجتماعي للحركات الاسلامية آنذاك ومن بين الأحزاب التّي قدّمت برامج، حزب الحريّة و العدالة في مصر وحزب العدالة و التنمية في المغرب، وحركة حمس في الجزائر، كذلك الأردن واليمن وغيرها .
وهو ما يؤكّد أنّ لدينا احساسا بضروة تقديم برنامج واقعي، وهو الشيء الّذي ركّزنا عليه في برنامجنا الحالي الّذي ننطلق به للانتخابات التشريعية الحالية إن شاء الله.
الحوار نت: ما رأيك في القول بأن النّهضة فشلت في تطبيق برنامجها الانتخابي و عجزت حتّى عن ذكر الأسباب و المعوّقات الحقيقيّة؟
رضا السعيدي: حركة النّهضة بعد تقييمها لتجربتها في الحكم قدمت إلى جانب برنامجها الانتخابي كتيّبا أسمته "إسهامنا في خدمة الحريّة و التّنمية "، كان فيه جانب كبير من التّقديم لجملة من الانجازات الّتي أنجزتها حركة النّهضة وحكومة الترويكا بقيادة الحركة وذلك من خلال الاصلاحات الاقتصاديّة، وبرامج التنمية، ومن خلال الإجراءات في المجال الاجتماعي بخصوص العائلات ضعيفة الدخل، ومن خلال العدالة الانتقاليّة.
والتقدّم الكبير الّذي تحقّق في هذا المجال بإقرار قانون العدالة الانتقاليّة وإقرار هيئة الحقيقة والكرامة.
ومن جانب ثان نحن بيّنا وشرحنا التّركة الّتي وجدناها في 2011 سواء من خلال التّراجع الحّاد في نسبة النمو الاقتصادي ب -2% وتراجع الاحتياطي في العملة الصّعبة ب 30 يوم وتنامي مديونيّة الدّولة في 4 نقاط، وكذلك الاختلالات الكبيرة على مستوى الإدارة، والانفلات الأمني، والانفلات الاداري وتراجع الانتاج تقريبا في كلّ القطاعات الاقتصادية، باستثناء القطاع الفلاحي الّذي هو عموما مرتبط بالعوامل المناخيّة وكانت سنة 2011 سنة صعبة على المستوى الفلاحي.
كل هذه الأوضاع تحمّلتها حكومة الترويكا بقيادة النّهضة و قدّمت برنامجا جزء منه هو تنفيذ أو اقتباس من برنامج حركة النّهضة في برنامجها لسنة 2012 . وقدرت رغم كل المعوقات التي ذكرت على تحقيق دفع للاقتصاد، لا أقول إنها وصلت به إلى مرحلة الانتعاش وإنما إلى استعادة العافية بتحقيق نسبة نموّ ايجابي من ( -2%) الى 3.6 (%).
و تأكّد بشكل موازي في حدود 3% سنة 2013، والتّخفيض في نسبة البطالة من 18.9% إلى 15.3% . كما حققنا انجازات كبيرة على مستوى برامج التّنمية في مجال الطّرقات، والمسالك الفلاحيّة، وفي المرافق العامّة مثل الصحّة والخدمات الإجتماعيّة.
هذه كلّها كانت جملة من النتائج والإنجازات رغم الصعوبات على المستوى السياسي، والإحتقان الذي حصل بعد اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، هذا اضافة إلى التوترات الإجتماعيّة، والقصف الإعلامي المتواصل طيلة سنتين من الحكم.
لم تكن الأوضاع مستقرّة بالقدر الّذي يسمح لحركة النّهضة بتحقيق برنامجها و الإنجازات الّتي وعدت بتنفيذها، و لكن بالرّغم من كلّ ذلك استطعنا في ظرف انتقالي صعب أن نحقّق أقدارا كبيرة من برنامجنا و نحقق جملة من مطالب الشّعب التونسي وإن كان ذلك دون المأمول بالنّسبة إلينا، فقد أردنا أن تكون النتائج أفضل من ذلك بكثير.
هناك من يقول أنّنا لم نتحدّث عن الصّعوبات التي واجهتنا، ولكننا فعلنا إلاّ أنّ الإعلام كان عائقا أمام إيصال صوت النّهضة، وكذلك عمل على طمس الإنجازات التّي كانت تتحقّق على أرض الواقع في حكم النهضة.
وقد وجدنا في برنامج التّنمية على مستوى الولايات والجهات بعض البرامج و المشاريع الّتي كانت معطّلة ليس من سنة أو سنتين - فترة الثّورة - بل معطّلة من 5 أو 6 أو 7 سنوات و قد تداركنا الأمر و تمّ تنفيذ تلك البرامج.
وإذا قارنّا اليوم حكومة الترويكا مع من سبقها ومن لحقها مع اعتبار الأوضاع الّتي حولنا يمكن القول أنّ تجربة الترويكا والنّهضة في الحكم كانت أفضل من تجارب البلدان المماثلة وكانت أفضل في نتائجها الإقتصاديّة والإجتماعيّة من الحكومة الّتي سبقتها، أي حكومة الباجي قايد السبسي، وأفضل كذلك من حكومة التكنوقراط الّتي لحقتها، حيث أن النتائج إلى اليوم نتائج سلبيّة في كلّ المؤشّرات الإقتصاديّة تقريبا، على مستوى النموّ، على مستوى عجز الميزان التّجاري، على مستوى البطالة، على مستوى التّضخّم، كنّا نأمل تخفيف حدة التوتر السياسي الذي يساعد على تحقيق الانجازات على المستوى الإقتصادي والاجتماعي و لكن تبّين أنّ حكومة التكنوقراط ليست قادرة على تنفيذ هذه البرامج و ليست قادرة كذلك على الوقوف في وجه الصّراع القائم بين الحكومة و الأطراف الاجتماعيّة والأعراف، فقد اختلّت موازين القوى لصالح الطّرف الاجتماعي و هذا ما لا يجب أن يكون لأنّه ليس لصالح أيّ طرف، و بلدنا يحتاج إلى تنمية اجتماعيّة وإلى هدنة وتفهّم، وإلى تظافر جهود كلّ الأطراف سواء الحكومة أو الطّرف الإجتماعي العمّالي.
الحوار نت: أستاذ رضا، هذا هو السّؤال ونتمنّى إجابة صريحة عن الدّور الّذي لعبه الإتّحاد العامّ التّونسي للشّغل في المرحلة الماضية، أي مرحلة الانتقال الديمقراطي، هل كان مع من يبني أم مع من يهدم؟
رضا السعيدي: دعنا نقول بأنّ الطّرف الإجتماعي بعد إنتخابات 2011 كان هو بنفسه قد أجرى انتخابات تجديد الهياكل القياديّة للإتّحاد العامّ التّونسي للشّغل في مؤتمر طبرقة، وبالتّالي أفرز قيادة لها تجربة في الإتّحاد، وهي كذلك تمثل بأقدار أطرافا سياسيّة معلومة ذات توجّه يساري بالأساس، وكان من برنامجها أن لا يكون تعاون بين الإتّحاد العامّ التونسي للشّغل والحكومة الّتي تقودها النّهضة، ولذلك لم يكن الحوار في البداية موفّقا في عمومه، حيث كان سقف المطالب مرتفعا، والأوضاع الماليّة للبلاد لم تكن تسمح بأن يكون التعامل في موضوع المفاوضات بشكل عاديّ، لأنّ الظرف استثنائي والنموّ سلبي. ورغم ذلك كانت المطالب في أغلبها مجحفة. وفي المقابل لم يكن في استطاعة الحكومة أو القطاع الخاص التّحدّث عن زيادات كبيرة في الأجور في مثل تلك الظروف.
لم يكن هناك تفهّم من الإتّحاد ولم تكن موازين القوى لصالح الإتّحاد أو الحكومة، ومع ذلك قدّرنا المصلحة آنذاك بعد مفاوضات عسيرة في الوصول إلى اتفاق صعب، فيه الإجابة بأقدار لمطالب الإتّحاد العامّ التّونسي للشّغل و لكن ذلك لم يكن مرضيا بالّنسبة لآتّحاد الأعراف، لأنّ وضع المؤسّسات كان وضعا صعبا و لكنهم تحمّلوا لمصلحة البلاد كما تحمّلت الدّولة الاستجابة إلى جملة من المطالب.
و كان تقديرنا أنّ هذا سيوقف الصّراع بين الطّرف النّقابي والحكومة ولكن في كلّ مرّة يتجدّد الصّراع إمّا على خلفيّة أزمة سياسيّة أو على خلفيّة مطالب إجتماعيّة وصل الحدّ إلى اضرابات عاّمة في الجهات واضرابات قطاعيّة و تواصل الأمر إلى حدود الأزمة السياسيّة المعلومة في تونس بعد الإغتيال الّذي مكّن الطّرف النّقابي من أن يكون في صدارة المشهد السّياسي ويتولّى الحوار الوطني ويصبح أكثر قوّة من ذي قبل.
وهذا التضخّم لدور المنظّمة النقابيّة في تقديري لا يساهم ولا يساعد على أن تدار المرحلة المقبلة بنجاح. لذلك يجب أن تكون الأطراف الّتي تفرزها الانتخابات هي الّتي تقود المرحلة المقبلة، تقودها سياسيا، تقودها اقتصاديّا، تقودها اجتماعيّا، والحوار هو الّذي يجب أن يحلّ المشاكل. وليس من مصلحة البلاد في المرحلة المقبلة أنّ يكون هناك طرف متغوّل سواء كان هذا "الطرف" سياسيا أو نقابيا أو اجتماعيا، فذلك مرفوض ومصلحة البلاد تقتضي أن تلتقي كلّ الأطراف على طاولة الحوار وتحاول ترتيب أولويّات البلاد.
البلاد تحتاج إلى سلم اجتماعي، تحتاج أن يشمّر الجميع على ساعد الجهد والعمل والبذل والتّضحية. ونقدّر أن الإصلاحات واجبة في عديد القطاعات: اصلاحات في الجباية، اصلاحات في مجال الإستثمار، اصلاحات في المؤسّسات العموميّة الّتي تعاني اليوم من عجز هيكلي، اصلاح في منظومة الصناديق الاجتماعية، ومنظومة التربية والتّعليم والتكوين، والتّرفيع في كفاءة الموارد البشريّة ... كلّ هذه الإصلاحات تتطلّب تظافر جهود كلّ الأطراف وعلى رأسها الطّرف الإجتماعي. وبالتّالي يجب أن يتحمّل كل طرف المسؤوليّة دون أن يزايد طرف على الآخر، ومن حاول أن يزايد فالشّعب هو الّذي سيفصل في الأمر عبر الانتخاب. وعلى كلّ طرف أن يبقى في مجال حدوده الطّبيعيّة و أن يتحرك وفق صلاحيّاته. ويجب أن يكون تغوّل أي طرف على المشهد السّياسي مرفوضا.
الحوار نت: برأيك بعد التأثير السلبي لملفّ الإرهاب على المرحلة الماضية، هل تشير بوصلة الإرهاب إلى جهة إرهابيّة محدّدة كما في الرّواية الرّسميّة أم أنّ الجهات متعدّدة ؟ وهل يمكن تسمية بعضها ؟
رضا السعيدي: الإرهاب خطر يهدّد استقرار بلادنا، يهدّد انطلاقتنا الإقتصاديّة، يهدّد التّجربة السّياسيّة برمّتها. يمكن أن تقع أحداث إرهابيّة تعطّل المسار السّياسي و الإنتقال الديمقراطي. نحن نعتقد أنّ مواجهة ظاهرة الإرهاب لا يمكن أن تكون فقط مواجهة أمنيّة، مع ضرورة تعزيز القدرات الأمنيّة وكفاءة الأجهزة في مقاومة الإرهاب، والتّنسيق مع الدّول المجاورة و مع عديد البلدان لأنّ الظاهرة أصبحت عابرة للبلدان و ليست ظاهرة محليّة. كذلك لابدّ من المعالجة الثّقافيّة بمقاومة كلّ المضامين الفكريّة الّتي تدعو إلى التطرّف و تدعو إلى الإرهاب أو تمجّد الإرهاب و العمليّات الإرهابيّة.
لابدّ من أن يكون هناك تصدّ لكلّ انحراف في هذا الإتّجاه، وأن تكون هناك مواجهة عن طريق البعد التّنموي الإقتصاديّ، عندما تكون البلاد متّجهة نحو نهوض إقتصاديّ و تنمية حقيقيّة تتقلص الظّاهرة الإرهابيّة.
أما بخصوص من يقف وراء الإرهاب فالطّرف الأساسيّ هو تنظيم أنصار الشّريعة الّذي صنّفته الدّولة التّونسيّة وحكومة الترويكا كطرف ارهابي وقف وراء عديد العمليّات الإرهابيّة الّتي تمّت في تونس وعلى الحدود التّونسيّة الجزائريّة، وعمل على تهريب السّلاح. والمجموعات الّتي تمّ اكتشافها وتمّت مواجهتها تابعة لذات التنظيم، بخلاياه المختلفة في البلاد وخارجها، وخاصّة في ليبيا و كذلك على الحدود التونسيّة الجزائريّة.
ولكن أَنَّ يكون هناك أطراف أخرى بالداخل والخارج تغذّي هذه الظّاهرة أو تموّل هذا التنظيم في تونس فذلك محتمل، فليس خفيّا وجود جهات عديدة لا تريد الخير لتونس ولا تريد لهذه التّجربة أن تنجح، وهي تسعى إلى عرقلة الإنتقال السّياسي والديمقراطي ، لكن ليس لدينا إلى حدّ الآن قرائن على علاقة هذه الأطراف بالإرهاب في تونس. والمعلومات المخابراتيّة المتوفّرة في تونس لا تؤكّد وجود أطراف محدّدة مورّطة في العلاقة بالعمليّات الإرهابيّة. و لكن لابدّ أن نكون حذرين و أن نتّخذ أكبر درجات الإحتياط. لأن الذين لا يريدون الإستقرار لتونس يمكن أن يعملوا على تهديد أمن بلادنا.
لذلك علينا جميعا أن نقف صفّا واحدا ضدّ ما يهدّد تونس سواءا كان الإرهاب بأزيائه المعلومة أوآخرون يمارسون الإرهاب دون حمل لافتته، ومصلحتهم في تغذية الإرهاب داخل تونس.
الحوار نت: كيف سيكون المشهد بعد الانتخابات المقبلة في حال فوز النهضة بنسبة قريبة من النّسبة الماضية؟
رضا السعيدي: ما أعلنّاه في برنامجنا أو خطابنا السّياسي هو أنّ بلادنا في مرحلة إنتقال سياسي و مازلنا لم نصل بعد إلى مرحلة الإستقرار السّياسي الكامل رغم أنّنا نتّجه بعد الإنتخابات إلى مرحلة أكثر استقرار، مرحلة دائمة فيها خمس سنوات للمجلس التّشريعي المقبل والحكومة المقبلة. ولكنّ جملة الصّعوبات الّتي تواجهها بلادنا على المستوى السّياسي والإقتصادي والإجتماعي إضافة إلى عدم إستقرار منطقتنا تتطلّب أن تُحكم البلاد بالتّوافق، والأقرب أنّه بعد الإنتخابات المقبلة سواء تحصّلت النهضة على نفس نسبة الأصوات الّتي تحصّلت عليها سابقا أو أفضل منها ستسعى إلى تشكيل حكومة ذات قاعدة سياسيّة واسعة، وخطابنا الآن يدعو إلى حكومة وحدة وطنيّة أو حكومة إئتلاف سياسي واسع على أساس برنامج موحّد يعطى الأولويّة للبعد الإقتصادي والإجتماعي في برنامج الحكومة المقبلة لأنّ الإصلاحات المستوجبة والبرامج الّتي ستنهض بالبلاد يجب أن يكون عليها توافق. و نقدّر أن البرامج الّتي أعلنتها عديد الأحزاب الوسطية اليوم سواء كانت من وسط اليسار أو وسط اليمين تلتقي مع حركة النّهضة التي تمثل الوسط وستجمع كلّ الوسطيين في ظلّ حكومة وحدة وطنيّة.
الحوار نت: بهذا المعنى هل يمكن أن نرى تحالفا مع أنصار المنظومة القديمة ؟
رضا السعيدي: الأقرب أنّ هذا التحالف سيكون مع من يخدم الثّورة ويحقق أهدافها و مع من ينسجم مع روح الثّورة.

الحوار نت: ألا ترى أنّ التّصريحات البرغماتيّة لبعض قيادات النّهضة قد أضرّت بشعبيّتها و أحرجت أبناءها ؟
رضا السعيدي: خطاب النّهضة خطاب يتفاعل مع المرحلة الّتي تمرّ بها البلاد ويتطلّب أن يكون معتدلا وتوافقيّا، يجمّع و لا يفرّق، وهو ما يفرضه موقع الحركة في المشهد السّياسي التّونسي، فرغم أنّها غير موجودة في السّلطة ولكنها تؤثّر في المشهد السّياسي بشكل مباشر، حتّى أنّ جلّ الأطراف المحليّة و الدّوليّة والإقليميّة تلجأ إلى حركة النّهضة وتستشيرها في كلّ ما يخصّ البلاد وحتّى مايخصّ المنطقة وتطوّراتها. وهذا ما يدفع قيادة النّهضة إلى اعتماد خطاب وسطي معتدل وتوافقيّ.


الحوار نت: هناك من يرى أنّ النّهضة لن تشارك في الحكومة المقبلة و إنّما ستكتفي بلعب دور المراقب أو الموجّه أو المعترض من خلال قبّة البرلمان. ما مدى صحّة هذا الرأي؟
رضا السعيدي: لا أعتقد ذلك، إذا جدد الشّعب ثقته في النّهضة فمن المؤكّد أنّها ستحكم، صيغة الحكم سترتبط بالمفاوضات و بمجهودات الأحزاب ولكن ستكون في الحكم وستكون كذلك في البرلمان كطرف أساسي يقوده.

الحوار نت: بالنّسبة للإنتخابات الرئاسيَة، الملاحظ أنّ أغلب جماهير النّهضة من خلال المواقع الإجتماعيّة وغيرها داعمة لترشّح الرّئيس الحالي الدكتور المنصف المرزوقي، هل يمكن أن تخالف النهضة الهوى العامّ داخل قواعدها و تدعم مرشّح آخر خاصّة إذا كان قريبا من المنظومة القديمة ؟
رضا السعيدي: قيادات حركة النّهضة لا تتّخذ قراراتها بمعزل عن من يمثّل القاعدة العريضة لحركة النّهضة، هذا الملفّ حاليّا مؤجّل، اليوم كلّ طاقاتنا و مجهوداتنا موجّهة للإنتخابات التّشريعيّة، نريد أن نفوز فيها بأغلبيّة مريحة تساعد على سهولة تشكيل الحكومة المقبلة و تساعد كذلك على تجميع القوى الّتي تخدم الثّورة و أهدافها أمّا الإنتخابات الرّئاسيّة فالآن النّظر فيها مؤجّل إلى مجلس الشورى المقبل، و مجلس الشّورى هذا يمثّل كلّ الجهات و كلّ القوى و الأفكار داخل الحركة. وسواء كان هذا المرشّح للرئاسة أو ذاك، المهمّ بالنسبة لنا كما قلنا أنّ المرشّح المقبل لن يكون من المنظومة القديمة وأن يخدم الثّورة وأهدافها و يجب أن يكون رئيسا يؤتمن على تونس لأنّ صلاحيّاته مهمّة، وأن يجمع ولا يفرّق. أردنا أن يكون رئيسا توافقيّا ومادمنا لم نستطع ذلك قرّرنا أن ندفع بآتّجاه الرّئيس الّذي يجمّع و يخدم مصلحة البلاد في المرحلة القادمة.

الحوار نت: هل ننتظر من مجلس الشورى القادم موقف واضح من النّهضة في دعم شخص بعينه من المرشّحين للرئاسة؟

رضا السعيدي: من الأكيد أن يكون هناك قرار أخير و ستعلنه مؤسّسة الشورى التي يمكن أن تكون على دورتين، دورة أولى تُقيّم فيها تجربة الإنتخابات التّشريعيّة والنظر في تشكيل الحكومة المقبلة. والدورة الثّانية ستكون حول الإنتخابات الرّئاسيّة و موقفنا النّهائيّ منها وربّما يحدّد مجلس الشّورى خياراتا للمكتب التّنفيذي ويترك له صلاحيّة الإعلان في الوقت المناسب عن المرشّح الّذي سندعمه من الدّور الأوّل أو ندعمه في الدّورالثّاني.
هذا متروك إلى مجلس الشّورى للتّقدير، وستقدّم ورقة حول هذا الملف في مجلس الشّورى القادم.


الحوار نت:من يُرشّح المواطن رضا السّعيدي لرئاسة الحكومة القادمة ورئاسة الدّولة، ولا نتحدث هنا عن رضا السعيدي القياديّ في حركة النّهضة ولا عن الوزير السابق؟
رضا السعيدي: لن أستطيع الحياد هنا، هذا الفصل ليس منهجيّا، لأنني تحمّلت المسؤوليّة في حكومة الترويكا الأولى والثانية ، وساهمت في المفاوضات حول الحكومة الحالية، حكومة الكفاءات، ورأيي أنّ الحكومة المقبلة سواء بقيادة النهضة أو تقودها شخصية مستقلة قادرة على مواجهة مسؤوليات المرحلة المقبلة، هذا هو المهمّ وهذا ما يجب أن يتمّ التوافق عليه. أما في ما يتعلّق برئاسة الجمهوريّة فرأيي الذّاتي الّذي سأناقشه في مجلس الشّورى يراوح بين بعض الأسماء، ولكن هناك أسماء تقييم تجربتها معلوم وهناك أسماء يمكن أن تقدّم الإضافة وأن تتوفّر فيها بعض الشّروط الّتي تؤهّلها لقيادة المرحلة المقبلة وإن لم تتوفر فيها كل الشروط.

الحوار نت: هل أنتم راضون في حركة النّهضة عن آداء المهدي جمعة كشخصيّة مستقلّة؟
رضا السعيدي: المهدي جمعة تحمّل مسؤوليّة قيادة الحكومة و لم يكن متهيّئا لذلك، لأنّ الظّرف السّياسي وصعوبة التوافق على شخصيّة وطنيّة تقود الحكومة، هو الذي رشّحه لتحمّل المسؤوليّة.
هو شخص ليست له خلفيّة سياسيّة، ولكنه حريص على إنجاح التّجربة الدّيمقراطيّة.
وموقفنا أنّه برغم الصّعوبات الّتي مرّت بها البلاد في المجال الأمني، فقد استطاعت حكومة جمعة المواجهة ومرّت الآن إلى تأمين العمليّة الإنتخابيّة وإلى حدّ الآن هناك رضى على آداء الأجهزة الأمنية في إحباط بعض محاولات ارباك و إفساد العرس الإنتخابي، و إن شاء الله نمرّ إلى نهاية هذا الأسبوع الذي تتم فيه الانتخابات التشريعية بنجاح، ثم نمرّ بعد ذلك للإنتخابات الرّئاسيّة، وتكون مهمّة المهدي جمعة في قيادة حكومة محايدة تشرف على الإنتخابات قد تحققت بنجاح وذلك يحسب لحكومته.
أمّا في المجال الإقتصاديّ و الإجتماعيّ فتقييمنا هو أنّه لم يكن هناك نجاح في هذه الملفّات، حيث كانت هناك صعوبات في إدارتها، صعوبات في المضيّ في الإصلاحات وكذلك في المفاوظات مع الأطراف الإجتماعيّة، كان هناك صعوبات ولم يكن هناك النجاح المأمول، ولكن يشفع لهذه الحكومة أنّها ستعمل على إنجاح المحطّة الإنتخابيّة وهذا وحده يعد إنجازه نجاحا.

الحوار نت: ما هي الكلمة التي تودّ أن تقولها في ختام هذا اللقاء؟
رضا السعيدي: ختاما أقول أنّ بلادنا اليوم لها فرصة تاريخيّة في صناعة الحدث على المستوى الإقليمي والعالمي والأنظار كلّها مشدودة لتونس، تنتظر العرس الإنتخابي، والولادة الجديدة للديمقراطيّة في بلد عربيّ إسلامي. نريد تقديم النموذج في النّجاح الدّيمقراطيّ، وفي بناء مؤسّسات ديمقراطيّة تحترم الحريّات، وتنظم عملية التداول السلمي على السّلطة.
كذلك نأمل في تقديم نموذج النّجاح الإقتصاديّ، و قادرون على ذلك، و لنا كلّ المقوّمات الآن، وعندنا البرامج الّتي تقدر على النّهوض ببلادنا و تحقّق إقلاعا حقيقيا لاقتصادنا، حتى نمثّل نموذجا حقيقيّا في المنطقة.
فكلّ تونسي يفخر بكونه تونسيّ، وكلّ تونسيّ لابدّ أن يقوم بواجبه الإنتخابي ويختار من يراه الأصلح لينهض بالبلاد، وأقدّر أن حركة النّهضة ستكون في موقع الصّدارة في هذه الإنتخابات و إن شاء الله يكن لها موقع الرّيادة في المرحلة المقبلة.
حاوره في ألمانيا
طه البعزاوي
يوم 21 أكتوبر 2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.