الكاتب ممدوح بري إن ساعة تراص الصفوف إقترب مشهدها في المنطقة العربية، وإن التحالفات الإقليمية والمحلية بان مَظهَرُها، وإكتمل نِصابُها، وإنَ ساعة الصِفرِ أَوشَكَت على البِدءِ في أقاليم عربية عديدة. وبالنسبة لتحولات مصر وحِراكِها الثوري، أرى بأن منطق العودة للأُصول والمنطلقات وبدون مواربه وفذلكات هو الأنسب، وإن شعارات التغني بمدنية الدولة وقيم الديمقراطية هي شعارات غير مُجدية وعبثية وتقسيمية، ورغم أن بعض قوى الإسلام السياسي المصرية والعربية كانت قد تبنتها طوال الأعوال الثلاث الماضية لكنها لم تفضي إلى قيام الدولة المأمولة، جميعاً تم التأثير على عقولنا، كَمن يبحث عن الفرس قبل الفارس، وأنا أُقِر بأنني وغيري ممن أعرفهم من الشباب قد تأثروا بمفاهيم الحداثة السياسية، خاصة ممن درسوا المعارف الإنسانية والإجتماعية بمختلف مسمياتها، وتم هذا التأثير بسبب أن الكادر التعليمي في تلك المؤسسات يؤمن بمنهج الإستشراق، وربما تأثروا بمن تتلمذوا على أيديهم في جامعات ومعاهد الغرب، وأنا شخصياً كتبت العديد من المقالات حول ضرورة تحسين الخطاب الإسلامي بهذا الإتجاه الحداثي، وأنا اليوم أوعلن توبتي عن هذا الخيار، وأرى بأن وضوح التوجهُ هو الأفضل، والمصارحة والشفافية في الفكر هي أفضل السُبل الثورية نجاعة، وتسهم في جمع شَمل مجمل القوى والتيارات الإسلامية ذات التوجه الإصلاحي أو المحافظ. وفي هذا السياق فإن دعوة الجبهة السلفية في مصر إلى حراك ثورى تحت مسمى "ثورة الشباب المُسلم" هي دعوة صريحة. ونحن على قناعة بأن الدولة التعددية في مصر أو سوريا لن تمكننا من تحرير فلسطين أو تفعيل قضيتها بالشكل المناسب، ولن تساعِدُنا بشكل مُجدي، ولأن هذا النموذج لشكل الدولة يجعل نُخَبها وأحزابها تنكفئ على ذاتها، ويدفعها لتتصارع فيما بينها سياسياً، وقد تعقد تحالفات إقليمية من قبيل المناكفة، إن منظومة المؤسسات الدستورية الرتيبة في النموذج الحداثي تسهم في تقليص صلاحيات ونفوذ حزب الأغلبية، وتقلل من قدرة هذه البلدان على صعيد المناورات الإقليمية الفاعلة، وَيَحُد من تأثيراتها العسكرية تجاه قضية فلسطين وربما تُحرجها أمام الناخبين، ولأن الصوت الإنتخابي قد يتأثر بعوامل إقتصادية وإعلامية، ويجعل هذه الأحزاب والدول رهينة لمؤسساتها الدستورية المحلية، ومُقيدة بقوانين وتشريعات، وتعيش متأثرة بجملة المؤسسات الدولية والتكتلات الإقتصادية. إن ما نحتاجَهُ لمصر من حيث شكل الدولة، هو نظام ثيوقراطي محافظ تسيطر على مقاليد حُكمِهِ منظومة مؤسسات جديدة، تُلغي المؤسسات العلمانية القديمة الهَرِمة، وتأسيس نظام يقوده رجالات دولة تتنازع بشكل رتيب بين تيار إصلاحي وأخر محافظ، بإختصار نحتاج لدولة سُنية راسخة على ضفاف النيل، ولها تأثيراتها الأدبية على مجمل الإقليم، بالضبط كما تجربة الجمهورية الإيرانية مع فوارق بسيطة في الثقافة والإجتماع. دعونا من تلك التشنجات، وتخلوا أيها السادة عن تلك المسميات الغربية، والتحالفات ذات الطابع المدني أو الوطنجي، بإختصار تلك الأحزاب الفنتازية لن يَنفَعكُم التحالف معها، وتجربة السنوات الثلاث الماضية كفيلة بأن ندرك تلك الحقائق.