هل سنظل كذلك.. لا نفتأ نذكر اللغة العربية في مواعظ الاعتزاز، ونغفل عنها في تحديات الإنجاز! نعم، إنها لغة القرآن.. ولكن ماذا صنعنا للغة القرآن؟! الأمم الحية اليوم في سباقٍ إلى العالَم، ولها برامجها ومعاهدها وإغراءاتها، ولغتنا العربية تتعثر خطاها في هذا السباق، ثم نُرضي ضمائرنا بالحديث عن مزايا لغتنا وتفوقها بدل الحديث عن مشاريعنا وإنجازاتنا تجاهها. هذا الفرق بين أمةٍ نجاحاتها من الكلام، وأمجادها من التاريخ، وأمم أخرى نجاحاتها من الأفعال، وأمجادها من الشاهد الحاضر. ما لم يكن الكلام والتاريخ حاديا لمشروع نهضوي عملي مشهود، فإنه يشبه ضياع الوقت، والتماس المعاذير، وتعاطي المهدئات والمخدرات. لقد أصبح اليوم الثامن عشر من ديسمبر هو اليوم العالمي للَّغة العربية في الأممالمتحدة. ويُفترض أن يكون هذا اليوم فرصة لاستعراض إنجازات الأمة العربية كل عام تجاه لغتها، وفرصة لاستعراض تطويرها وخدماتها. ليت المال الإسلامي يدرك أن كل خدمة يقدمها للغة العربية هي خدمة للقرآن. وليت الدول والتجار يجعلون لخدمة اللغة جوائز سخية تستحث الطاقات والمواهب في تحويل مواعظنا إلى بِرٍّ وإبداع وعمل. من يريد أن يتعلم بعض اللغات الأخرى يجد بدل المعهد معاهد، سافَرَت إليهم في بلدانهم، وأغرتهم بالمشاركة فيها، وفي عالَم النت برامج كثيرة بالمجان تساعد على تعلم لغتهم، وهم في تطوير دائم لطريقة تعليمها، والتسويق لها. وأصبحت لغتهم تتمدد إلى شعوب جديدة، وتنمو على حساب اللغات الأخرى. في حين أن لغتنا العربية لها طلاب ومحبون لا يستطيعون الوصول إليها، ولا يجدون سبيلا إلى تعلمها إلا بشق الأنفس. هذا الحساب السنوي الذي ينبغي أن نتذاكره ونتساءل عنه كل عام، حتى تتحول علاقتنا بلغتنا العربية من علاقة غرور واتكال، إلى علاقة برٍّ واحتفال. بالقانون نستطيع أن نستنقذ اللغة العربية من غربتها في متاجرنا وفنادقنا ومستشفياتنا ومطاراتنا. «فإن الفتى العربي فيها ~ غريب الوجه واليد واللسان»، ومع القانون لا نغفل عن زراعة الحب في قلوب العرب لهذه اللغة الخالدة، نزرعه بالأعمال المتقنة والممتعة المقرونة بلغتنا العربية. أفلام الكارتون الناجحة التي تعتمد اللغة العربية تصل إلى قلوب الأطفال أسرع بكثير من الموعظة أو القانون. المسلسلات التاريخية المتقنة التي احترفت اللغة العربية تنقل جمال اللغة وحبها بما لا تستطيعه الحفلات الخاصة باللغة. وعلماء اللغة مطالبون كذلك بتطوير مناهج اللغة، وتيسير إتقانها، وعدم التوقف عند كتب السابقين، وكأنها على سبيل التوقيف والإلزام، بل الانطلاق منها إلى صيغ جديدة، تجعل تعلم اللغة وقواعدها أكثر يسرا وسهولة. والواقع يشهد قصورا وتقصيرا في هذا الميدان. والمقصود أن انشغالنا بمواعظ الاعتزاز ألهانا عن تحديات الإنجاز، وأن تميز اللغة العربية وتفوقها لا يعفينا من تقصيرنا في خدمتها، وأن أفضل لغة مع تقصير أبنائها ستتراجع أمام لغات أخرى تعيش حالة المنافسة والخدمة والتسويق. عبدالله القرشي