وسط أجواء مشحونة: نقابة الصحفيين تقدم تقريرها السنوي حول الحريات الصحفية    نبيل عمار يستقبل عميد كلية علوم الكمبيوتر والهندسة بجامعة آيزو اليابانية عبد الرزاق بن عبد الله    بلدية تونس: حملة للتصدي لاستغلال الطريق العام    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    طقس الجمعة: استقرار في درجات الحرارة    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    المغازة العامة...زيادة ب 7.2 % في رقم المعاملات    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    أبناء مارادونا يطالبون بنقل رفاته إلى ضريح أكثر أمانا    إصابة 8 جنود سوريين في غارة صهيونية على مشارف دمشق    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    مجاز الباب.. تفكيك وفاق إجرامي مختص في الإتجار بالآثار    الجامعات الغربية تخاطب النظام العالمي الأنغلوصهيوأميركي.. انتهت الخدعة    بجامعة لوزان..احتجاجات الطلبة المؤيدين لفلسطين تصل سويسرا    القصرين: اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية    أبناء مارادونا يطلبون نقل رفاته إلى ضريح في بوينس آيرس    منزل جميل: تفكيك شبكة مختصة في سرقة المواشي ومحلات السكنى    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    الرئيس : الامتحانات الوطنية خط احمر ولابد من حل نهائي لوضعية المدرسين النواب    طقس الليلة    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    باجة.. تفكيك شبكة ترويج مخدرات وحجز مبلغ مالي هام    اجتماع تنسيقي بين وزراء داخلية تونس والجزائر ولبييا وإيطاليا حول الهجرة غير النظامية    قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    رياض البوعزيزي: 'السلطة تدخّلت لإبطال ترشّح قائمتي التلمساني وبن تقية لانتخابات الجامعة'    القبض على مشتبه به في سرقة المصلين بجوامع هذه الجهة    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    عاجل/ إستقالة هيثم زنّاد من ادارة ديوان التجارة.. ومرصد رقابة يكشف الأسباب    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    وزارة التربية على أتم الاستعداد لمختلف الامتحانات الوطنية    بنزيما يغادر إلى مدريد    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    الزاهي : هناك هوة كبيرة بين جرايات التقاعد بالقطاعين العام والخاص.    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نواقض الإسلام
نشر في الحوار نت يوم 15 - 01 - 2015

طلب إلي صديق عزيز الكتابة في موضوع ( نواقض الإسلام ).
هذا الموضوع عقدي بإمتياز شديد.
وذلك على معنى أن الإسلام شأنه شأن الإيمان كما يتبين بعد حين بحوله سبحانه هو حمال العقيدة الإسلامية إذ الإسلام والإيمان والإحسان كما ورد في الحديث الصحيح المتفق عليه وهو حديث متواتر بإجماع هن أركان الرسالة الإلهية الأخيرة إلى الناس كافة. الإسلام إذا نظر إليه تحت السقف الإيماني الأكبر فهو التنفيذ العملي لمقتيضيات الإيمان وذلك من مثل التصريح بشهادة التوحيد لمن يأمن على نفسه ذلك ومن مثل الأركان الأربعة المعروفة من بعد ذلك أي الصلاة والصيام والزكاة والحج وزادت بعض الفرق : ركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي زيادة لا يقابلها من درس الوحي الكريم إلا بالقبول. أما إذ نظر إلى الإسلام على أنه الدين الإلهي الأخير فهو السقف الحامي وهو الأديم الحامل فهو يعني الإيمان أولا ثم التنفيذ العملي لمقتضيات الإيمان ثانيا. إذ الإيمان هو الإعتقاد القلبي الصحيح الراسخ تصديقا وحبا وإطمئنانا بالأركان الستة المعروفة : الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر. سوى أن الركن السادس الأخير لم يرد في النص القرآني الكريم بإسمه ولكن ورد مبثوثا بثا عجيبا ولكن ورد في الحديث الصحيح المتواتر ركنا قارا راسخا ثابتا مستقلا بنفسه ضمن علاقته العضوية والوظيفية بالسقف الإيماني وببقية الأركان. وتلك هي علاقة الإيمان بالإسلام : إذا إلتقيا في السياق نفسه إختلف المعنى وظيفيا فحسب وإذا إفترقا في السياق إتحد المعنى. إذا إلتقيا يكون الإيمان معناه الجذر الأول الصانع المؤسس والمسؤول بمثل جذر الشجرة تمثيلا تاما فهو المحفور في الفؤاد إنحفار الجذر في فؤاد الأرض لا تراه العين ولا تدركه الأبصار ولكن ترى آثاره حسنة كانت أو سيئة فهي الدليل عليه وعلى قوته. يزيد وينقص طبعا إذ تزيده الطاعات وتنقصه المعاصي ولكن زيادته ونقصانه لها تمثيل عجيب إذ أن ذلك يتم به كما يزيد الوليد الحديث الخارج لتوه من بطن أمه فلا يزيد له عضو إكتسبه معمر أسن منه أبدا ولكن الزيادة به إنما هي زيادة نمو لتلك الأعضاء مادة ونضجا ورشدا. ذلك هو معنى زيادة الإيمان ونقصانه فهو يزيد قوة وليس بإكتساب عضو جديد أي ركن جديد. أما الإحسان فلا حاجة لنا هنا بالتفصيل فيه إذ هو كما تشير إليه دلالته اللغوية أي : تجويد للإيمان وإتقان للإسلام. الإحسان هو التفعيل النوعي لكليهما ليبلغ كلاهما أو أحدهما أعلى مراتب التدين والعبادة. ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك). تلك هي المعاقد الثلاثة للرسالة الإلهية الأخيرة للناس كافة : إيمان عادة يبدأ بالنشوء أولا ثم إسلام عادة ما يتحسن يوما من بعد يوم ثم بلوغ لدرجة الإحسان لمن من عليه سبحانه بذلك. ولكن يحدث أحيانا أن يسبق الإسلام الإيمان كما وقع لبعض الوفود العربية في عام الوفود إذ جاءت من بعد فتح مكة مستسلمة إستسلاما سياسيا والجة بيت الدولة الإسلامية ومعلنة الولاء السياسي والطاعة الدستورية ثم تطور ذلك الإسلام السياسي عند بعضهم إلى مرحلة الإيمان وذلك على مقياس قوله سبحانه في سورة الحجرات :“ قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ". وهذه الحالة نادرة الحدوث في الدنيا ولكنها موجودة ولها بمصرف ( المؤلفة قلوبهم ) من مصارف الزكاة الثمانية في سورة التوبة علاقة.
العقيدة مصطلح حادث مقبول.
كثر إستخدام الناس لمصطلح العقيدة في العقود الأخيرة وذلك بسبب صعود الإسلام دينا ودعوة بين الناس وإهتماما من لدن غيرهم في أي إتجاه كان ذلك الإهتمام. العقيدة مصطلح حادث أفرزته معركة علم الكلام داخليا وخارجيا وهو مصطلح تلقته الأمة بالقبول العام وعلى إختلاف بينها في حسن فقه المصطلح ومولداته التاريخية والكلامية وأسبابه ومدلولاته بينهم وغير ذلك. إذ لم يرد المصطلح أبدا لا في الكتاب العزيز ولا في السنة والسيرة بكل أصنافهما ولا حتى على لسان الصحابة عليهم الرضوان أو في المرحلة الراشدية المهدية الأولى. اليوم عندما يعبر بالعقيدة عن الإيمان لا بد من التصدي لذلك بحسن الفقه ودقة التنزيل إذ العقيدة لا تعني الإيمان كله فهي مقصورة على أركانه الستة العظمى التي هي عماده فلا إيمان بدون أي واحدة منها أبدا. فلا تعني العقيدة الإيمان بمعناه الإسلامي القح سيما أن الإيمان في ذلك المصدر الأصلي القح هو ذلك الجذر العقدي المؤسس والمسؤول عن بقية تضاريس المشهد الحياتي بأسره ولذلك لم يتوقف الوحي ولو مرة واحدة ليحد لنا الإيمان أي ليعرفه ولكنه ظل دوما ودون أي إستثناء يحرض على آثاره ومظاهره ويبين مكارمه ومحامده ومقاصده وثمراته كما يحذر في مقابل ذلك من مصاير السوء التي تعقب غيابه أو ضعفه الشديد أو عدم إنبنائه على قواعد عقلية صحيحة. ولذلك إختلفت الفرق الإسلامية قديما حول تخوم العقيدة هل هي الحجر الإيماني القلبي فحسب أم هي ذاك ومساحة الحياة بأسرها ومنطقة الفعل والحركة كلها. لا يعنينا ذلك الآن لخروجه عن قصدنا. الذي يهمنا عندما نريد إستبدال الإيمان بالعقيدة هو أن كلاهما متركب بالضرورة من مساحتين متكاملتين متعانقتين : مساحة الإقرار التصديقي الباطني معطرا بالحب والإطمئنان النفسي و مساحة الحركة في الحياة والفعل الإنساني فإن وقع الفصام النكد بين المساحتين فإن الوعيد يلحق بأهله اليوم وغدا بقدر ذلك الخرق الذي لا راتق له. الفصام الأخطر هنا هو الفصام الفكري أما الفصام العملي فهو منظور في أمره إذ هو عادة لا يكون إلا نسبيا مترددا دوما بين القوة والضعف.
تفكيك عنوان الموضوع.
لا بد لنا من تفكيك مركبات الموضوع قبل إعادة لحمها فهي مركب إضافي بلغة لسان العرب ودون ذلك نظل في دائرة مفرغة. ( نواقض الإسلام ) : مركب إضافي متركب من كلمتين هي : نواقض و الإسلام. النواقض جمع ناقض وهو الناكث والناكص. نقض ينقض نقضا : حل الشيء أو تفكيكه بعد تركيبه وإنجازه. قال تعالى :“ كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ". النقض إذن هو نكث الشيء أو الأمر من بعد بنائه بقوة وشدة. لذلك يتطلب النقض قوة شبيهة كفيلة بحل أركانه وتفكيك معاقده. ومن هنا نفيد خلاصة كبيرة قوامها أن النقض عندما يدخل على الإسلام لا بد أن يكون عملا كبيرا قويا معقودا لأنه يستهدف شيئا متينا سبق تركيبه وهو الإيمان المعقود في الصدور. أما الإسلام فهو كما سبق ذكره فهو الوضع الديني الإلهي الأخير الذي إرتضاه سحبانه منهاجا وشرعة للبشرية جمعاء قاطبة أنزله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام ودون ذلك في كتاب مسطور سماه القرآن الكريم وتكفل ببيانه وحفظه وإعجازه وكانت حياة محمد عليه الصلاة والسلام وخاصة حياته النبوية وبصفة أخص سنته المتركبة من القول وهو الأقوى في الأعم والأغلب ومن العمل الذي لا يفيد في العادة العامة سوى المشروعية والجواز والإباحة ومن الإقرار وهو قليل بالقياس ومنهم من زاد إلى ذلك الصفة وفيها خلاف … كانت حياته إذن عليه السلام بيان لذلك الكتاب العزيز الذي ينطق بإسم الله وبإسم الإسلام وبإسم الإيمان وبإسم الحق ولذلك حفظ من التغيير والتبديل وعصم من الزيغ وهو المعجزة الباقية حتى يوم القيامة. ذلك هو الإسلام جملة ولا شأن لنا به هنا تفصيلا إذ يخرج ذلك عن دائرة القول سوى أن مختلف مركباته ليست على دائرة واحدة من القيمة ولا على مستوى واحد من الإلزامية وغير ذلك من المراتب والأولويات التي يعرفها طلبة العلم. أعظم دائرة فيه هي دائرة الإيمان والعقيدة أي الأركان الستة المعروفة إيمانا تصديقيا بعقل راجح لا تقليد فيه ولا محاكاة ببغاوية قرودية مع معطرات الحب والإطمئنان النفسي. تلي تلك المساحة العظمى مساحة العبادة وخاصة بمعناها الخاص أي الأركان الإسلامية الأربعة المعروفة دون ذكر الشهادة هنا لأن الشهادة من إختصاص الإيمان إعتقادا ولكن يؤشر عليها ركنا أوليا من أركان الإسلام بحسبان التصريح بها ولكن التصريح بها قد يتخلف عنه صاحبه لظروف معروفة جدت في عهده عليه السلام مرات ومرات وهي ظروف قد يتعرض إليها الإنسان في أي زمان وفي أي مكان تلي تلك المساحة التعبدية مساحة المعاملات الواسعة جدا بدء من الأخلاق الطيبة الكريمة العظيمة العامة إذ هي طلاء الدين وزينة الإسلام وعطر الإيمان ومرورا بمحطات صعبة عسيرة تشدد فيها الله سبحانه تشددا عجيبا حتى وهو الرحمان الرحيم وحتى والإسلام ليس يسيرا فحسب بل هو اليسر القح نفسه وذلك من مثل : دائرة الأسرة الصغيرة وخاصة الوالدين ودائرة الأسرة الواسعة الكبيرة نسبيا أي دائرة الرحم ودائرة الجوار ودائرة أصحاب الحاجات
ثم الدائرة الأوسع من الناس مجتمعات وشعوبا وقبائل تعاملا سياسيا وماليا وإجتماعيا وقضائيا وإداريا ودستوريا قانونيا وداخليا وخارجيا وسلما وحربا ومصالحات وغير ذلك.
خلاصة أولى.
من هنا ننطلق في هذه الكلمات والسطور معتمدين على أمرين :
1 أولهما أن الناقض أو النواقض جمعا هو الإعتقاد أو القول أو العمل الذي يخرم الدين أصلا بمثل ما تنقض الغازلة غزلها أنكاثا لا إجتماع له بعده. فليس النقض هو التقصير أو الجهل النسبي أو إتباع الشهوة أو حتى حصول شبهة صغيرة لا تأتي على السقف كله ليخر. ذلك هو المعنى اللغوي والشرعي لكلمة النقض.
2 ثانيهما هو أن الإسلام المعتمد هنا هو ذلك الوضع الإلهي الأخير للعباد كلهم في كل زمان وفي كل مكان دينا جامعا شرعة ومنهاجا فهو العقيدة وهو الإيمان وهو العبادة وهو كل ذلك ولكن مرتبا ترتيبا أولويا منهاجيا مختلف المستويات ومتنوع المراتب بمثل شجرة لا يستوي جذرها الأصلي المؤسس والمسؤول على الحياة وعلى الموت وعلى الضعف وعلى القوة مع جذعها ولا هذا مع غصنها ولا كل ذلك مع ورقها أو ثمرها أو ظلها إنما هي درجات ومستويات ومرتبات.
لا ينقض الإسلام إلا الردة الصحيحة الصريحة.
إذا كان ذلك كذلك مما خلصنا إليه فإن الإسلام أساسه الجذر العقدي الإيماني الأعظم بأركانه الستة الموقوفة المعلومة منه بالضرورة وجذعه العبادة الخاصة بمركباتها الأربعة وأغصانه وأوراقه وثمراته وظلاله ما يتولد عن ذلك الجذر وعن ذاك الجذع من خلق طيب كريم ومعاملات صحيحة عادلة أو محسنة مع مختلف الدوائر البشرية وفي الحقول الحياتية التي يمكن للإنسان أن يعالجها أو يطأها .. إذا كان ذلك كذلك مما خلصنا إليه فإن الإسلام بذلك التعريف وبتلك التراتبية الأولوية فإن ذلك الإسلام لا يتعرض لأي نقض أبدا مطلقا لا إعتقادا ولا قولا ولا عملا إلا بعمل الردة الصحيحة الصريحة. فما هي الردة؟ هنا نصل إلى سرة البحث.
الردة جزء من مشهد الكفر الكامل.
الكفر هو نقيض الإسلام أو نقيض الإيمان أو نقيض الإعتقاد والتصديق. كل ذلك سيان.
الكفر الذي شدد عليه الوحي تشديدا عظيما وعجيبا هو الستر والحجب والإخفاء والجحود لغة. واللغة هي الأصل الأول الآصل الذي به نحسن فهم الوحي ونجيد فقه المنزل إلينا من خبر السماء. الكفر شرعا هو : نقض الإعتقاد أو أي جزء منه ويكون ذلك من بعد إيمان أو إسلام أو هو نبذ ذلك الإعتقاد ورفضه وصد النفس عنه منذ البداية أو أي جزء منه من أجزائه الستة المعروفة. ذلك هو الكفر الإعتقادي المتفق عليه بين الأمة جمعاء قاطبة ويكون ذلك عند التصريح به من لدن صاحبه وهو في حالة من حالات التكليف والأهلية غير مكره بأي ضرب من ضروب الإكراه خفية كانت أم ظاهرة. أما ما عدا ذلك من أقوال وأعمال فهي تدرس دراسة صحيحة من لدن الناس أي من لدن قضاتهم العالمين فقها والمخول لهم ذلك عملا حتى يتبين سمينها من غثها ذلك أن القول التصريحي الإبتدائي الإنشائي هو أقوى الحجج دوما. كما أن العمل منه عليه الصلاة والسلام لا يفيد سوى المشروعية والجواز ولا يصرف إلى وجوب أو فرضية إلا بقرينة أخرى فإن العمل من الإنسان لا يفضي إلى الحكم بكفره كفرا صحيحا صريحا مخرجا من الملة مع ما يترتب على ذلك من أحكام فقهية كبيرة وخطيرة إلا من بعد تمحصيه من أهل الذكر أي الفقهاء من جهة والقضاة من جهة أخرى أي لا بد من إجتماع الفقه والسلطة معا. ليس الحديث هنا عن الكفر العملي أي كفر النعمة أو البدعة أو الشبهة أو الفسوق والعصيان أو إقتراف الكبائر وغير ذلك من الفواحش العقلية والعملية والقولية التي يتلبس بها الناس شهوة أو جهلا. إنما الحديث عن الكفر الصحيح فلا شبهة فيه والصريح أي من أهله وخاصة بالقول أو بالعمل الذي لا يحتمل أي شبهة والذي هو مفض بصاحبه إلى الخلود في النار إن لم يتب منه.
مركبات الكفر هي .
1 الشرك الأكبر
أو الإعراض الأولي المعروف أي نبذ الإعتقاد الإسلامي بأركان الإيمان الستة المعروفة بعضها أو كلها إذ هي لا تتجزأ ولا تقبل التجزئة إلا في تفاصيلها أي فروع العقيدة فهي كثيرة وقد سبق للأمة أن إختلفت فيها ومازالت ولن تزال كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها ولا حرج ولا تثريب في ذلك فهي مجعولة بنصوص ظاهرة أو نصوص يشوبها الطعن في ورودها أو في دلالاتها لذلك الغرض أي غرض التعدد والإختلاف والتنوع وما يثمره من ثمرات طيبة في مستوى الفروع العقدية وليس في مستوى الأركان العقدية الستة. هذا الإعراض الأولي المعروف تمثل خاصة في طائفة المشركين الذين نبذوا عقيدة الإسلام وخاصة فيما يتلعق بالبعث أحيانا أو فيما يتلعق ببعض صفات الله سبحانه أو أسمائه من مثل الولاية أو تخصصه بالشفاعة في يوم القيامة إلا لمن يأذن بها أو ألوهية النفع والضر وغير ذلك. هذا الضرب من الكفر الشركي أو الكفر الإشراكي ربما ركز عليه الوحي كثيرا وناقشه كثيرا بسبب أنه سيظل في الأرض ضاربا وخاصة عند رقة التدين عند المسلمين وهو الأمر الذي نعيش منه اليوم مظاهر ليست باليسيرة ولا بالحقيرة. ذلك أن طائفة واسعة من المشركين في تلك الأيام إنما جنى عليهم إعتقادهم أن ما يتخذون من أصنام وأوثان بعضها صالحون أموات كما هو الحال في شرك قوم نوح عليه السلام إنما هو وسيلة إلى الله الحق أو هم شفعاء لهم يومها أو يوم القيامة. نالت منهم فكرة خبيثة قوامها أن الله سبحانه لفرط عظمته وقوته وقهره لا يتوجه إليه هو مباشرة إستغاثة أو إستعانة وإنما فرطه في ذلك يدعو إلى التوسل إليه بغيره. أصل الفكرة قد يوحي بوجاهة ولكن الله المالك نظم الدين على غير ذلك. ليس هو ذلك حالهم جميعا إذ علمنا أن بعض ملوكهم ورؤسائهم إنما نبذ ذلك خوفا على مكانته ( كنا وبني هاشم كفرسي رهان حتى قالوا منا نبي كما قال أبو جهل ). الغريب العجيب أن بعضا من أولئك كما صرح الوحي الكريم الصحيح بذلك يعترفون بخلق الله السماوات والأرض وخلقه الناس. بل بإن بعضهم يؤمن بالبعث بقية من آثار الإبراهيمية السمحة. ذلك هو الفارق الدقيق الصغير الكبير في الآن نفسه بين الإيمان وبين الشرك أي تخليص العبادة وهي عملية عقلية وليست عملية وتخليص الإستعانة وهي عملية ميدانية كلها لله وحده لا شريك له سبحانه. لذلك قال سبحانه في آية مخيفة جدا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد :“ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ". سورة يوسف.
2 الإنتماء إلى أهل الكتاب.
أي التهود أو التنصر. وليس ذلك خاصا بهما ولكن وقع الحديث عنهما كثيرا في القرآن الكريم بسبب أنهما كانا ولن يزالا يعمران الأرض ويزحمانها معه المسلمين ويشكلان وخاصة الشق اليهودي منهما مشكلة للحياة الإسلامية ويصدان عن سبيل الدعوة لهداية الناس. وهناك سبب آخر يجعل المسألة كذلك قوامها أن هناك شبهة لا بد من دحضها بقوة وهي شبهة أن أولئك أهل كتاب فهم أهل دين وثقافة دينية وفقه في الحياة وأسبقية وأكثر الرسل منهم والأنبياء ولذلك يمكن أن الحق لهم قرينا. كل تلك الشبهات مازالت ولن تزال تصحبنا حتى يوم القيامة وإلا فما حفل بهما القرآن الكريم الذي هو صالح لكل زمان وكل مكان. صرح بكفرهم قطعا ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ). فهم والمشركون سواء في مبدإ الكفر الإعتقادي الأكبر المخرج من الملة والمستوجب للنار. سوى أن الإسلام التواق بالطبع والضرورة إلى الرحمة والدعوة والهداية ظل يخاطب اليهود والنصارى باللقب العلمي الديني السابق أي أهل الكتاب تحريضا لهم على الوفاء لكتابهم ونبيهم أي حضا لهم على الإنتماء إلى الدين الجديد وما هو بجديد في الحقيقة ولكنه إمتداد للدين من قبله ومهيمنا عليه ومصدقا لما بين يديه. هو خطاب إعتباري تحريضي تحضيضي يعلي من كتابهم وأصلهم أملا في إيمانهم فلا يسويهم بالمشركين العرب الذين لم يكونوا كذلك.
3 الدهرية.
هذا مصطلح أو ملة صرح بها القرآن الكريم مرة واحدة دليلا على ندرتها جدا في تلك الأيام إذا قال عنهم بلسانهم :“ وما يهلكنا إلا الدهر ". أي أنهم الملاحدة بالتعبير المعاصر. أي الذين يعتقدون أن الحياة كلها أرحام تدفع وأرض تبلع فلا بعث ولا نشور ولا حساب ولا عذاب ولا جنة ولا نار. هي ملة يقل دوما وجودها في البشرية التي عرفت التدين صحيحه وسقيمه منذ عرفت الأرض. ثم برز لها وجود في عصرنا الحاضر في إثر الثورات العلمية الكبيرة التي فجرها العقل البشري ظنا من الحمقى أن العلم يتحدى الإيمان وأن الإنسان الأول آمن بالغيب بسبب عجزه وضعفه وتخلفه المادي وأميته وما على الإنسان الحديث المتعلم إلا أن يركل كل ذلك بحذائه ولكن هؤلاء قلة من قلة إذ عادة ما يكون هؤلاء على ندرتهم ممن يرزح تحت آلام نفسية غائرة وحطط روحية معقدة فهم يبحثون عن متنفس وملجإ يحققون فيه وجودهم المحطم المتذرر في مناحي الحياة الأخرى. لعل أصح الأمثلة لذلك في عصرنا الحاضر هو كارل ماركس ومن تبعه من أصحاب النظرية المادية السوداء القاتمة بالتمام والكمال إذا قام عرشهم البالي على قالات مشابهة من مثل : الدين أفيون الشعوب وغير ذلك. ثم تطورت الأحوال وتبدلت الظروف السياسية بهم أو ببعضهم فثاب كثير منهم من مثل المفكر والفيلسوف الفرنسي روجي قارودي عليه الرحمة وتاب بعضهم توبة سياسية فإنخلعوا من القول بالماركسية والشيوعية أنهما صنوان للكفر أو نكران البعث والنشور والغيب. الذي يعنينا هو المعنى وليس المبنى. تعنينا الأفكار وليس الأشخاص. وهل يرضى المرء المخلص لدينه لهؤلاء وأمثالهم أجمعين غير التوبة إلى الله سبحانه. كما برزت منهم طائفة اليوم أي الإمتداد الدهري سموا : اللادينيين. وهؤلاء كثر في أروبا وأمريكا والغرب. ما عادت المسيحية تستهويهم وما ألفوا إلى جانبهم دعاة إلى الإسلام معاصرين فأنكبوا على دنياهم.
4 النفاق العقدي الأكبر.
لم يتحدث القرآن الكريم إلا عن النفاق العقدي الأكبر المخرج من الملة والموجب ليس للنار فحسب بل للدرك الأسفل منها وخصص لذلك سورة كبرى هي سورة التوبة وسورة أخرى صغرى هي سورة المنافقون كما تحدث عن نجوم النفاق وسوقه في المدينة كثيرا جدا إذ كان يومها ظاهرة ملتهبة وحريقا شابا ومشكلة حقيقية في وجد تقدم الإسلام سيما أن أكثر المنافقين إن لمن يكونوا كلهم من بني إسرائيل اليهود بصفة خاصة بما إقتسموا لحرب الإسلام من أدوار خبيثة فهؤلاء يعلنون إسلامهم في الظاهر ليعدوا مؤمنين ويعاملوا كذلك ويكونوا أكثر تأهيلا من غيرهم لنقض أسس الإسلام ومجتمعه من الداخل وأولئك لشن الهجمات الإعلامية ونقض المواثيق من الخارج. ولم تتحدث السنة في الأعم الأغلب إلا عن النفاق الأصغر أي النفاق السلوكي الذي يتورط فيه أكثر المسلمين وخاصة اليوم وذلك من مثل ( إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وإذا خاصم فجر ). النفاق العقدي الأكبر مركب ثابت من مركبات الكفر بالله سبحانه وهو المستوجب لعذاب أشد حتى من عذاب المشركين. وعنوانه الأصلي : إبطان الكفر القح وإعلان الإيمان القح. كانت عقوبته هي الأشد لأنه مؤهل لإحداث الفتنة بين الناس أكثر من غيره ولأنه مرتبط بعملية خيانية خسيسة لا تليق بالإنسان. هذا الضرب من الكفر التام مشكل بمعنى أنه حقيقة موجودة في الناس غابرا وحاضرا ولكن تجسيمه أي تعيينه وتشخيصه لا يقدر عليه أحد مطلقا إلا من أثر وحي كما جرى في آخر حياته عليه الصلاة والسلام إذ أمده سبحانه بقائمة إسمية في المنافقين ولم يعهد بها قبل موته عليه الصلاة والسلام إلا لرجل واحد سمي أمين سره وهو حذيقة إبن اليمان عليه الرضوان. لا يرتاب اليوم في وجود منافقين من بيننا أي بالمعنى الشرعي الخاص للنفاق ولكن النفاق قضية مشكلة على معنى أن تعيين ذلك لينطبق على أي شخص فوق الأرض يحتاج إلى وحي السماء وما دون ذلك هو إفتئات على الله وقول عليه بغير حق وبغير علم. مهما بدت من شفاه القوم أو أعمالهم كلمات تظنها كذلك أو لك عليها منه برهان فإن تجسيد النفاق لا يجوز شرعا لمن يريد إرضاء ربه والوقوف عند حدوده ولكن عليك واجب التقية والحيطة وأخذ الحذر ولك في ذلك مندوحة وأي مندوحة.
5 الردة.
أصل الردة هو الرجوع والعودة. الردة هي الكفر الصحيح الصريح من بعد إسلام أو من بعد إيمان. وما دون ذلك لا يسمى ردة. ورد عليها الوعيد شديدا جدا في الكتاب العزيز الهادي وإرتبطت بحركة النفاق وأهل الكتاب بسبب أن أكثر مظاهر الردة في تلك الأيام هي من قبيل قوله عنهم سبحانه :“ آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار وأكفروا آخره لعلهم يرجعون". أي أن حركة النفاق كانت تستخدم سلاح الردة لخلخلة المجتمع الإسلامي وزلزلة العقائد وإرباك الناس وتصدير صورة لا تحض على الإيمان. كما كانت الردة عن الدين لقوله سبحانه :“ ومن يرتدد منكم عن دينه ..“. فالردة لا تكون إلا بعد إيمان معلوم أو إسلام معروف بين الناس ولا تكون كذلك إلا عن دين أي عن الإسلام لأنه هو الدين الحق وما عداه لا يسمى دينا إلا بالمعنى المجازي والردة عن أي دين لا تسمى ردة إلا لغة. لم يرتب عليها سبحانه عقوبة في الدنيا وهذا ثابت ولكن فيه بحث لا يتسع له مقالنا هذا. أكثر الناس الذين يخوضون في حد الردة اليوم إنما يخلطون بينها وبين الحرابة التي فيها حد معلوم إلى جانب السرقة والزنى والرمي . أما الردة وخاصة الفردية منها أو السلمية ولو كانت جماعية فبسبب متاخمتها لمحكم إسلامي عظيم هو ( لا إكراه في الدين ) فإنها لم تتنزل ضمن عقوبة دنيوية ولكن الوعيد عليها في الآخرة شديد شديد. هناك شبه كبير جدا وليس تماثلا تاما بين الردة الدينية في الإسلام وبين جريمة الخيانة العظمى التي تنص عليها بعض الدساتير الوضعية. الثابت أن إجماع الصحابة على إعلان الحرب ضد ردة اليمن في عهد الخليفة الأول عليه الرضوان لم يكن بسبب أن الردة يومها كانت ردة دينية محضة حتى لو تلبس بها الدين بسبب أن موضوعها هو الزكاة ولكن كان ذلك بسبب أنها ردة سياسية قوامها نبذ الولاء السياسي والمالي للدولة وهو كفيل وحده بإعلان الحرب وأكبر الأدلة على ذلك قالة أبي بكر عليه الرضوان :“ لأقاتلنهم ما منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله عليه الصلاة والسلام ". هي حرب لأجل حقوق الناس المالية سيما أهل الصدقات منهم أي المحتاجون من أرامل وأيتام وفقراء وغير ذلك. إذ لو كفر أولئك بالله جملة وتفصيلا أو أنكروا البعث أو الملائكة أو الرسل والكتب لما حوربوا ما كانوا مسالمين عمليا ولا يشنون حروبا إعلامية ضد الإسلام ومجتمعه ودولته ورموزه وشعائره وشرائعه ولا يعترضون سبيل الدعوة إليه ولا يظاهرون محاربا له أو يؤوونه. الزكاة هي الركن الإسلامي الوحيد الذي يتمحض بالكلية حقوقيا لله وحده وحق الله سبحانه في أصول الفقه ومقاصد الشريعة يقصد به حق الإنسان فالزكاة هي حق الله الخالص بمعنى أنه على الدولة ممثلة للأمة أن تجبيها وأن توزعها على أهلها ولو ترك ذلك للناس والأفراد مثله مثل الصلاة والصيام والحج لتهاون فيه هذا أو لتقاعس عنه ذاك. تسكين الردة في الحديث الصحيح ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أو فهو رد عليه ) هو تسكين خاطئ. الردة هنا أقرب إلى البدعة التي هي إحداث في الدين الموقوف وليس في غير الموقوف بصحة وصراحة لا يخترمهما الإحتمال مطلقا بزيادة أو نقصان. وعلى كل حال لم يرشدنا الحديث الذي يؤتى به خطأ على الردة إلى أي عقوبة دنيوية. لا أطيل الحديث هنا لأن المسألة مركبة فيها من القرآن الكريم ما هو صحيح صريح في الوعيد ليوم القيامة وليس غير ذلك مطلقا إلا الحرابة التي تبين أمرها فهي مفارقة للردة وفيها من الحديث الصحيح ولكن تختلف الأنظار هنا من قائل بالخصوصية الإمامية هنا للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وهو التأويل الأقرب ومن قائل بأشياء أخرى لا نحصيها الآن لخروجها عن مقصدنا من هذه السطور والكلمات.
ملاحظة أخرى مهمة.
مظاهر الكفر والردة اليوم لا تكاد تحصى فليس بالضرورة أن تحمل كلها الأسماء السالفة أو غيرها مما لم أتطرق إليه ولكن العبرة كما يقول الأصوليون والمقاصديون هي بالمعنى وليس بالمبنى. أن أن الفقيه القاضي الحصيف ينظر إلى المعنى وإلى تنزله عمليا وأيلولته ليكيفه تكييفا فقهيا صحيحا ولا ينظر إلى إسمه لأن الأسماء كثيرا ما تكون مرتبطة بالأعراف والتقاليد والعادات ولاعبرة بها.
لذلك تغدو اليوم أكثر منتجات الفكر الغربي المادي بشقيه الرأسمالي اللبرالي أو الإشتراكي الشيوعي هي منتجات كفرية بالمعيار الإسلامي الشرعي الصحيح. لا عليك بالأسماء فهي تتغير من عقد لآخر في زماننا. وإنما عليك بالمعاني والمضامين الفكرية. من ذلك الشيوعية والماركسية والعالمانية سواء كانت عالمانية جزئية أي تفصل فكريا بين الدين وبين الدولة ومشمولاتها فحسب أو كانت عالمانية جامعة شاملة أي تفصل فكريا بين الدين وبين الحياة بأسرها … وأسماء أخرى كثيرة لا تحصى ولا تضن نفسك في إحصائها.. كلها منتجات فكرية فلسفية لا تتفق مع الإسلام دينا أو شريعة أو نظاما أو منهاجا فهي إذن صور من صور الكفر العقدي الصحيح الصريح. الحديث هنا عن تعييرها تعييرا فكريا وليس عن تعيير التعامل معها تعاملا فكريا وإجتماعيا وسياسيا لأن الحقلين مختلفان إختلافا كبيرا. ذلك هو الأمر الذي لم يقدر كثير من الناس اليوم فك رموزه إذ خلطوا بين الكفر وبين معالجته. تلك حلقة مفقودة اليوم بيننا وخاصة على المستوى العملي. الإنتاج الفكري فيها ربما يكون ضامرا نوعا ما ولكن الخط فيه واضح جلي بين الأبيض والأسود.
إشارات لا تكاد تحصى اليوم عن أمارات الردة لمن يزعم الإسلام قبل ذلك. إشارات قولية صريحة لا تحتاج إلى تمحيص لفرط صراحتها ولفرط الإصرار عليها. هنا حادث جديد لا بد له من إجتهاد جديد وتجديد حديث. أي مكان لمثل أولئك في مجتمع إسلامي أو دولة إسلامية. هل يعاملون قياسا على أهل الكتاب الذين نزع عنهم الإسلام المشروعية الدينية ولكنه مع ذلك سوى بينهم وبين غيرهم من المسلمين والناس أجمعين في أسباب الحياة والحركة والعمل والقول والإعتقاد وغير ذلك ما لم يصحب ذلك حرب عملية أو حرب إعلامية أو نيل من المقدسات الإسلامية الكبرى العظمى وهي قليلة العدد جدا من مثل الألوهية والنبوة والكتب والرسل والكعبة المكرمة والقرآن الكريم ودور العبادة والعبادات الخاصة المعروفة وحرمات الناس وغير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة.
السؤال المعاصر هو :
في ضوء التقسيمات الأرضية التي إقتضتها معادلات الحرب العالمية الثانية وما بعدها من حروب باردة وإستحقاقات حضارية ومعاهدات دولية وغير ذلك .. في ضوء كل ذلك وحالة الأمة العربية والإسلامية خاصة حالة التجزئة والتبعية وإندكاك السقف السياسي الواحد الحامي في ضوء كل ذلك كيف يمكن إعتبار الوجود العالماني الذي هو في الأصل وجود مادي فلسفي غربي شيوعي ماركسي أو ليبرالي البشري في المجتمع الإسلامي وخاصة منه المحكوم بدولة إسلامية. هل يمكن قياسه وهو حادث قطعا على الوجود الكتابي القديم وهي المقاربة السهلة وكفى الله المؤمنين القتال كما يقال أم لا يمكن ذلك فعلينا إذن تكييفه تكييفا فقهيا جديدا وهل للأوضاع التي نعيشها اليوم دور في توجيه ذلك التكييف الفقهي. هي أسئلة كبرى وعظمى ولا بد لها من مقاربات تأصيلية فقهية جديدة وليس بتهاون لندع القديم على قدمه حتى مع تبدل كل شيء تقريبا.
خلاصة الموضوع.
1 نواقض الإسلام هي نواقض الإيمان فهي إذن الكفر الأكبر المحض المخرج من المله والمتوعد بالخلود في النار. ولا ينتقض إيمان ولا إسلام بمجرد الفسوق أو المعصية أو النفاق السلوكي لا الإعتقادي أو بمجرد التقصير حتى لو طال ذلك التقصير الفرائض الكبرى تهاونا وكسلا وليس نكرانا لها فرضية ووجوبا أو إستهزاء بها أو بغيرها مما هو معلوم من الدين بالضرورة أو بالمقدسات الإسلامية العظمى من باب أولى وأحرى. حتى عندما تحدث سبحانه في سورة المائدة عن بعض مظاهر الشرك الأصغر عدا الرياء فإنه عقب على ذلك بالفسق وليس بالكفر والتعبير القرآني يعتد بدقة تعبيرية وتصويرية عجيبة على طالب العلم مراعاتها قبل أن يورط نفسه فيما لا يحق له. قال تعالى :“ وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق". أي أن ما ذبح على النصب من لدن المسلمين وليس من لدن المشركين من ذبائح شأنه في الحرمة حرمة الأكل هو شأن الميتة والدم ولحم الخنزير وغيره .. هو فسق وليس كفرا. ذلك أن الذي فعله هم مسلمون ضعفت عقيدتهم ورق دينهم وما هم بمشركين أصالة وعنادا. كما فصل سبحانه بين الدرجات الثلاث في سورة الحجرات في قوله :“ وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ". الكفر كفر والفسوق فسوق والعصيان عصيان. لا نخلط بينها. الفسوق من المسلم الذي علم إسلامه أو من المؤمن الذي علم إيمانه لا ينقض إسلاما ولا إيمانا. ولا يعني ذلك أن صاحبه لن يلج النار يوم القيامة إذا شاء له سبحانه ذلك لأن الفسوق هو في العموم التورط في الكبائر التي أوصلها الإحصاء القرآني إلى زهاء التسعين أغلبها متعلق بالحياة السياسية والإدارية والدستورية والمالية والعلاقة مع الغير من غير الحظيرة الإسلامية.
2 لا يمكن إحصاء نواقض الإسلام بمثل ما يفعل كثير منهم لأن ذلك لا يمكن فعلا إذ الأعمال والحوادث لا يمكن إحصاؤها فهي تنبجس في كل يوم من قضايانا الجديدة إنبجاسا. ولا ينفع في ذلك سوى الفتيا أو التمثيل لمثل الذبح لغير الله سبحانه أو السجود لصنم. ولكن عد مثل ذلك لا يأتي بنفع لأن في حياتنا اليوم أعمالا كثيرة وأقوالا أكثر تنتمي بالأصالة والضرورة إلى نقض الإسلام لمن علم عنه إيمان سابق أو إسلام متقدم. الفقيه الكيس الفطن يمسك بالمعنى ومعاقده الراسخة وأركانه الثابتة مما أجمعت عليه الأمة وبناء على ذلك المعنى يمكن له تكييف الحكم الفقهي الأنسب. أما محاولة إحصائها فهو عبث معبوث وإستنبات للبذور في الهواء كما تقول العرب.
3 لذلك أقول : للإسلام الذي هو الوضع الإلهي الديني الجامع الذي إرتضاه الله للإنسان مجملا ومفصلا في الكتاب والسنة .. للإسلام ناقض واحد يخرج به صاحبه منه وهو الردة وهي الكفر من بعد إسلام. يستوي في ذلك أن تكون فردية أو جماعية أو ردة سلمية أو ردة مسلحة أو ردة قولية أو ردة عملية. كل ذلك يتعلق بمعالجتها وليس بتعييرها. عندما يرتد مسلم علم إسلامه قولا أو عملا وهو في حالة تكليف وتأهيل فلك أن تقول عنه بإطمئنان أن إسلامه إنتقض إلا أن يعود ويفيء. أما من يرتكب بدعة كبيرة مغلظة فلا يحكم بردته سيما أن البدعة لا تكون إلا في الدين الموقوف وبذا لا يقترف البدعة المغلظة الكبرى إلا من يريد الخروج من الإسلام جملة. ومثله صاحب الشبهة وخاصة في فروع العقيدة وليس في أركانها فأركانها هي عمدة الإيمان وهي عمدة الإسلام وهي الحافظ من الردة ومن نقض الدين.
4 ومن باب أولى وأحرى أن أقول أن لم نعلم منه إيمانا ولا إسلاما فلا نحكم بنقضه لإسلامه ولا مجال للحديث هنا لأنه لم يدخل في الإسلام أصلا فيكف نحكم بنقضه له. لذلك لا ينقض الإسلام إلا الردة الصحيحة الصريحة المكفرة له والمخرجة له عن ملة محمد عليه الصلاة والسلام.
5 هناك قضية مثارة اليوم بقوة وبشدة ولكن بكثير من الجهل وهي قضية متعلقة بهذا الموضوع أي نواقض الإسلام وأعني الحكم بغير ما أنزل الله. الحديث فيها يطول جدا ولا مجال هنا للتفصيل فيها فالحكم بما أنزل الله سبحانه هو لب الإسلام وركنه الأول. ولكن الحكم بغير ما أنزل سبحانه لا يقترفه الحكام فحسب كما يحلو لنا اليوم القول بل يتصل بكل فرد لا يحكم بما أنزل سبحانه وهو يعلم ما أنزل ويقدر عليه. ومن جهة أخرى فإن آيات النساء فصلت كثيرا في الحكم بغير ما أنزل سبحانه وتحدثت في ذلك مطولا عن أهل الكتاب من يهود ونصارى ثم عقبت على المسلمين. كما تنزلت بمستويات ثلاثة هي : الكفر والفسوق والظلم. التمييز بين تلك المستويات الثلاثة ضروري وآكد بمثل ما نميز بين الكفر وبين الفسوق والعصيان. المعالجة بالجملة في الدين والفقه أمر لا وجود له إنما ينجيك من الرعن التفصيل والبحث والتمييز. هنا لا بد من التفصيل بين العلم وبين القدرة وبين الردة وبين المعصية وبين الخوف وبين الإرادة وغير ذلك. والأهم من ذلك كله هو النظر إلى الحقل الذي لا نحكم فيه بغير ما أنزل الله سبحانه إذ كلما كان الحقل عاما مشتركا أي سياسيا بالتعبير المعاصر وبما يحمله من قيم العدل أو الجور وغير ذلك .. كلما كان الحقل الذي لا نحكم فيه بما أنزل الله سبحانه حقلا تعم به البلوى كما يقال في القديم أي حقلا يمس حقوق الناس وحرماتهم المادية والمعنوية .. كلما كان ذلك كذلك كنا أدنى إلى الكفر أو الفسوق أو الظلم. يمكن أن يكون كفرا عنادا وصدا وجاهلية ويمكن أن يكون فسقا عصيانا وخوفا وجهلا وتمردا ويمكن أن يكون ظلما عدوانا على مصالح الناس وإيثارا للدنيا. الموضوع له علاقة بموضوعنا قطعا ولكن الحديث فيه يطول من جهة ومن جهة أخرى فإن الذي ينجينا فيه هو التفصيل والتمييز وخاصة تعيين الحقول والفاعلين وليس بالجملة.
ملاحظة أخيرة خاتمة.
لست من أنصار مثل هذه المواضيع لولا أن الصديق العزيز ( عبد المنعم ) طلب إلي ذلك. ذلك أن الإسلام اليوم بحركته ودعوته وصحوته ونهضته يشهد إنطلاقات واعدة وكسوب كبيرة ولذلك يجب فتح الذرائع أمام الناس إستقطابا لهم وتحريضا وحضا لهم ولا يكون ذلك إلا بالمقاومة دون القهر والظلم والفردية والسلب والنهب أي لإحلال قيم الإسلام العظمى ومقاصده الكبرى من مثل الحرية والعدل والوحدة والتنوع والتعارف بين الناس. أما العكوف على موضوع نواقض الإسلام فهو يوحي بأننا نتصيد الناس ونرصد أقوالهم وحركاتهم وسكناتهم وأعمالهم كقناصين يرمون برماحهم كل متحرك أو كقضاة يستعدون للمساءلات وللزج بالناس في غياهب السجون. ذلك أمر القضاة والفقهاء والعلماء والراسخين منهم بصفة خاصة. ليست تلك من مشاغل الدعاة ولا من مهمات الرحماء. لا مانع من العلم بهذا الأمر بل هو مطلوب ولكن لا يقدم كثيرا.
والله أعلم
الهادي بريك مدنين تونس
28420944
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.