%70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    اليوم..انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي بالنسبة للتونسيين المقيمين بالخارج    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    أريانة : انطلاق بناء قاعتي تدريس ومدرج بمدرسة النصر1 بتمويل من "فاعل خير"    اليوم انطلاق عملية تحيين السجل الانتخابي    المرصد الوطني للفلاحة: انخفاض اسعار الدجاج والبيض    سمير ماجول: القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد ويجب الاهتمام به لتحقيق السيادة والأمن الغذائيين    اندونيسيا تعرب عن الاستعداد لتطوير التعاون مع تونس في مجال الاستمطار والتحول التكنولوجي للطقس    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    قادة العالم يعربون عن تعازيهم بمصرع الرئيس الإيراني ومرافقيه    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    مجلس صيانة الدستور في إيران يعلن عن إجراءات جديدة عقب مصرع رئيسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ربع النهائي    كاس تونس لكرة اليد - الترجي الرياضي والنادي الافريقي في النهائي    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    هبوب رياح قوية غدا الاثنين وانخفاض مدى الرؤية الافقية الى اقل من 1000 م بالجنوب    الفيلم التونسي المغربي "كواليس" يحصد جائزتين في المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    المحلل السياسي حسان القبي يتحدث عن لغز طائرة الرئيس الإيراني    "دبور الجحيم"..ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران؟    الحرس الثوري الإيراني: تلقينا إشارة من طائرة الرئيس المفقودة    أولا وأخيرا .. «صف الياجور»    الزمالك المصري يتوج بكأس "الكاف"    الزارات -قابس: وفاة طفل غرقا بشاطئ المعمورة    جندوبة: تحت شعار "طفل ومتحف" أطفالنا بين روائع مدينة شمتو    البنين تعتزم إجلاء 165 من مواطنيها بصفة طوعية من تونس    تراجع توقعات الإنتاج العالمي من الحبوب مقابل ارتفاع في الاستهلاك العالمي    أنصار قيس سعيد اليوم : ''تونس حرة حرة والعميل على برة''    القيروان: الملتقي الجهوي السادس للابداع الطفولي في الكورال والموسيقى ببوحجلة (فيديو)    بعد "دخلة" جماهير الترجي…الهيئة العامة لاستاد القاهرة تفرض قرارات صارمة على مشجعي الأهلي و الزمالك في إياب نهائي رابطة الأبطال الإفريقية و كأس الكاف    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    السيارات الإدارية : ارتفاع في المخالفات و هذه التفاصيل    نابل: اختتام شهر التراث بقرية القرشين تحت شعار "القرشين تاريخ وهوية" (صور+فيديو)    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    نابل: تضرّر ما يقارب 1500 هكتار : «الترستيزا» مرض خفي يهدّد قطاع القوارص    طقس اليوم ...امطار مع تساقط البرد    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    المنستير: القبض على 5 أشخاص اقتحموا متحف الحبيب بورقيبة بسقانص    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليكن تفعيل الميثاق الوطني بداية مراجعات ومصالحات في تونس
نشر في الحوار نت يوم 14 - 09 - 2009

أوردت جريدة الصباح التونسية ( يومية شبه رسمية على ملك صهر الرئيس) بقلم السيد كمال بن يونس في عددها الصادر يوم 9 سبتمبر ( أيلول ) 2009 فقرات من خطاب الحملة الإنتخابية التي ينظمها التجمع الدستوري الديمقراطي ( الحزب الحاكم في تونس ) بمناسبة الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع تنظيمها في أواخر شهر أكتوبر 2009( تشرين الأول).. فقرات على ألسنة بعض رموز الحزب الحاكم من مثل البشير التكاري وزير العدل ولزهر بوعوني وزير التعليم العالي والبحث العلمي وفتحي عبد الناظر رئيس المجلس الدستوري وزهير المظفر بالوزارة الأولى وغيرهم .. فقرات تتحدث عن تفعيل الميثاق الوطني الشهير الذي وقعه عدد كبير من ممثلي الحركات والأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والمؤسسات الإجتماعية والحقوقية عام 1988 إعلانا من الرئيس الجديد بعد إنقلاب 7 نوفمبر 1987 على تدشين عهد تونسي جديد قوامه الحريات والديمقراطية ومشروعيته حقوق الإنسان والمساواة أمام القانون وإرساء التعددية الفكرية والسياسية والقطع مع الرئاسة مدى الحياة وتركز كل ذلك في شعار مازال يرن في آذان التونسيين بعد بورقيبة ( لا ظلم بعد اليوم)..

قال البشير التكاري وزير العدل بالحرف الواحد في شأن الميثاق الوطني لعام 1988 ( تطور الميثاق إلى عقد إجتماعي بين كل الحساسيات الفكرية والسياسية والإجتماعية ).. بينما قال آخر بأن الوحدة القومية أو الوطنية فهمت خطأ أو وظفت توظيفا سيئا في العهد البورقيبي عندما آلت إلى أحادية حزبية أنكرت التعددية ..

خطاب جديد

أول ما يشدك قطعا هو جدة هذا الخطاب الذي يصدر لأول مرة منذ عقدين كاملين عن وزراء سيادة وقيادات مركزية مرموقة في الحزب الحاكم.. ذلك أن الميثاق الوطني لعام 1988 رغم صحة القول بأنه كان يمكن أن يكون خطوة نوعية عملاقة في القطع مع الأحادية الحزبية والرئاسة مدى الحياة وتفشي الفساد والإفساد وقطع ألسنة الإعلاميين ومحاربة الهوية العربية الإسلامية وتأسيس دولة القانون والمؤسسات والعدالة الإجتماعية ذلك الميثاق الذي وقعته كل أو أهم وأكبر الفصائل الإجتماعية والسياسية والفكرية في البلاد ( ومنها الحركة الإسلامية حركة النهضة من خلال ممثلها الأستاذ نور الدين البحيري ).. ذلك الميثاق الذي يحتفل اليوم بمرور عقدين كاملين ( 1988 2009) .. وئد بالكامل وقبر بالكلية حتى غدا الحديث عنه تهمة تستوجب النكير..

لنتجاوز الماضي بآلامه الكثيرة

سؤال مشروع نظريا ولكنه عديم الفائدة عمليا هو : من قتل الميثاق الوطني لعام 1988؟ ليطرح هذا السؤال كل طرف من الأطراف الموقعة عليه ولكن في حياته الداخلية الخاصة به مراجعة وتقويما وإعادة نصب لميزان الكسب والإكتساب مرة بعد مرة.. ولكن طرح هذا السؤال رغم مشروعيته النظرية دون أدنى ريب ليكون مادة إعلامية أو إمتحانا تعرض عليه الأطراف الموقعة فإما أن تفوز وإما أن تفشل .. ذلك عمل لن يأتي بنتيجة ملموسة إذ يصطدم ذلك السؤال وطرحه بأول عقبة : من يسأل من؟ ومن يحاسب من؟ ومن يكون في الجلسة القضائية حكما ومن يكون خصما ومن يكون مدعيا ومن يكون مرافعا ومن يكون متهما؟

المهم في القضية كلها أمران :

1 الميثاق الوطني لعام 1988 كان فرصة مناسبة جدا مواتية جدا لتأسيس حضارة سياسية جديدة في تونس قوامها التعددية والتنوع والحريات الفردية والعامة : دينية وشخصية وفكرية وثقافية ونقابية وإجتماعية وسياسية وإعلامية يزدهر بها المشهد الديمقراطي المعروفة فقراته في العالم كله.. ولكنها فرصت أجهضت بسرعة قياسية كبيرة فكانت تونس إستثناء عربيا وإسلاميا وإفريقيا ودوليا مريعا.. إستثناء حتى في الهوية العربية الإسلامية التي شغبت عليها خطة تجفيف منابع التدين التي عرضت البلاد وربما العباد كذلك إلى فضيحة عربية وإسلامية يعرف حقيقة صداها من يتابع هذا الموضوع عن كثب في زمن أصبح فيه الخبر والمعلومة والتحاليل بعجرها وبجرها خبزا يوميا للناس وفطورا وغداء وعشاء ولمجات متفرقة ..

2 لا فائدة قطعا من العودة إلى الماضي لطرح سؤال عقيم موضوعيا وعمليا رغم أصالته نظريا ومشروعيته أي : من أجهض الميثاق ومن حرم تونس من فرصة ذهبية تستعيد بها ما صنعته يوما عندما إحتضنت أول وأكبر وأعرق معلم إسلامي للعبادة والعلم والفكر والبحث العلمي في شؤون الدين والدنيا معا أي : جامع الزيتونة المعمور فضلا عن معلم القيروان ..

السؤال الإيجابي العملي هو : كيف نتعاون جميعا لإعادة تفعيل ميثاق 1988

ذاك هو السؤال الإيجابي الذي ما ينبغي أن يتأخر عن طرحه طرف واحد من الأطراف الموقعة وغيرها من الأطراف بطبيعة الحال. سؤال يتطلب شجاعة أدبية تقود إلى مراجعات ومراجعات تفضي إلى تقويمات وتقويمات تؤدي إلى إستخلاصات عميقة تنخل كسب الماضي بعجره وبجره وحلوه ومره.. صحيح أن مره غالب على حلوه ولكن حلاوة الماضي في الإعتبار والتذكر والتأمل والتدبر مشيا في الأرض بالقلوب الواعية والعقول المنفتحة مركبة التكوين لا أحادية النظرة..

خطوات عملية تترجم جدية السؤال وصوابية الإجابة

1 الترحيب بكل خطاب سياسي يدعو إلى إعادة تفعيل ميثاق 1988.
2 المشاركة المسؤولة الفاعلة في ذلك الخطاب وإثرائه وتخصيبه إيجابيا في إتجاه المستقبل لا في إتجاه الماضي.
3 ليكن ذلك من جهة المعارضة الوطنية الجادة بقسميها الإسلامي والعالماني في صورة تحالف وتضامن على إعادة تفعيل ميثاق 1988 ( هيئة 18 أكتوبر مثلا ).
4 القيام بخطوات عملية جادة وسريعة من لدن أعلى سلطة في الدولة في هذا الإتجاه من مثل إطلاق سراح المساجين السياسيين ( الدكتور الصادق شورو الدكتور أحمد العش ) والمساجين النقابيين ( مجموعات الرديف) والمساجين الإسلاميين على خلفية قانون الإرهاب ( مجموعات ما عرف بالسلفية).
5 حل قضية المنفيين من كل الألوان الفكرية والسياسية على أساس العودة الآمنة الكريمة المطمئنة بضمان الحقوق المدنية كاملة ومنها جواز السفر وحرية التردد على البلاد دون مضايقات بوليسية أو تسليط أسياف المحاكمات السياسية السابقة أو غير ذلك فضلا عن وضع العائدين تحت مقصلة الحكم مؤجل النفاذ.
6 رفع الأيدي والمقاصل عن الحريات الإعلامية إلكترونيا وغير إلكتروني وتسريح المنابر الإعلامية المسجونة قبل عقدين كاملين وبعد ذلك.
7 تسريح الحريات النقابية والإجتماعية والثقافية والإعلامية والحقوقية سيما فيما يتصل بإتحاد الشغل ورابطة حقوق الإنسان ونقابة الصحافيين المعتدى عليها أخيرا.
8 سن قانون العفو التشريعي العام بشجاعة أدبية خطوة يمكن أن تنقذ البلاد فعلا من براثن الحقد والإنتقام إذا ما إتخذت في زمانها المناسب ( قبل الإنتخابات ) وطبقت بالفعل تطبيقا قانونيا دستوريا لا تطبيقا بوليسيا أمنيا.
9 إيقاف التتبعات ضد المساجين المسرحين وضد مواقع أرزاقهم وإعتبارهم مواطنين كاملي الحقوق والواجبات من مثل تمتيعهم بجوازات سفر ( الدكتور المنصف بن سالم مثلا يخضع لأمراض قلبية عاتية وهو ممنوع من جواز سفر يمكنه من المعالجة في الخارج ومثله بالآلاف المؤلفة )..

القضية : مناخ تتنسمه القلوب قبل أن يكون قانونا يثير الحذر والتوجس

بكلمة واحدة. وبسؤال صريح صحيح. هل أن رئيس الدولة شخصيا مستعد لإرساء مناخ سياسي وإعلامي وإجتماعي وثقافي وفكري جديد في البلاد يقطع مع سنوات الجمر الحامية جدا التي حطت بكلاكل القهر والتعذيب والمساومة والتنكيل على إمتداد عقدين كاملين على أغلب شرائح المجتمع التونسي.. إذا كان هو شخصيا مستعد لذلك فإن كل مواطن تونسي سيشعر بذلك في أول حركة منه فإذا حصل ذلك فإن القانون يتلو ذلك الشعور ثم يمهد للمؤسسات تطبيق ذلك وتفعيله فيتغير عون البوليس نفسه ويتبدل عون الدولة..

أما إذا كان المواطن نفسه يتواصل شعوره بالحذر والخيبة والتوجس فإن ألف ألف قانون حتى لو كان العفو التشريعي العام الذي هو صمام الأمان فعلا لو حصنت به الدولة البلاد من أعلى سلطة فيها لن يعيد البسمة إلى عائلة فقدت إبنها في مياه المتوسط فرارا من جحيم البطالة والرشاوي والمحسوبيات والظلم الإجتماعي الذي يتحدث عنه الناس حتى في المقاهي بما لم تسجله تونس من قبل أبدا .. ولن تعود البسمة إلى وطنيين خدموا البلاد حتى من موقع المعارضة من مثل الإسلاميين والديمقراطيين والليبراليين والعالمانيين والنقابيين واليوسفيين والقوميين والعروبيين وآلاف مؤلفة من المستقلين من الإعلاميين والمفكرين والمثقفين ورجال التعليم والصحة وغيرهم..

إعادة تفعيل ميثاق 1988 مسؤولية الجميع

هو خير عمل يمكن أن يتعاون عليه الجميع لتأسيس تونس جديدة خير من يعبر عنها الفصل الأول من دستورها.( تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الجمهورية نظامها والعربية لغتها والإسلام دينها).

من شروط ذلك العمل الكبير

1 تعاون الجميع عليه دون إقصاء لا من لدن الدولة وحزبها الحاكم للإسلاميين مثلا فضلا عن غيرهم ولا من لدن هؤلاء مثلا لغيرهم حتى لو كان الحزب الحاكم ذاته فضلا عن اليساريين وغيرهم.

2 دعمه من لدن أكبر هيئة معارضة في البلاد ممثلة في الإسلاميين والعالمانيين معا وغيرهم.

3 التمهيد له بإعلان العفو التشريعي العام قبل موعد الإنتخابات فضلا عن تسريح المساجين المشار إليهم آنفا.

ليس المطلوب إنقلابا

ليس المطلوب إنقلابا سريعا شاملا جامعا لا من لدن الدولة ولا من لدن المعارضات من كل لون وطريقة. ولكن المطلوب الإعلان عما يعيد الطمأنينة إلى الناس أجمعين : إعلان إجراءات دستورية وقانونية جريئة من لدن الدولة لصالح المساجين والمسرحين والمنفيين والفقراء والمعدمين والإعلاميين والنقابيين وغيرهم.. وإعلان إجراءات أخرى مماثلة من لدن المعارضة وخاصة : الإسلاميين بل : حركة النهضة تحديدا.. صحيح أن المشكلة بالأساس كانت بين الدولة وبين المجتمع بمناسبة العدوانات الفادحة والمتكررة على الهوية الإسلامية والحريات الديمقراطية والإعلامية والحقوقية والنقابية ولكن آلت بعد ذلك القضية تبسيطا وإختزالا أو قل : آلت بالمنطق العملي الآني رغم عدم صحته : آلت مشكلة بين حركة النهضة وبين الدولة..

ليس المطلوب إنقلابا من لدن حركة النهضة ضد منطلقاتها وأهدافها وتاريخها وتراثها ومؤسساتها إذ ليس في كل ذلك ما يشين ولا ما يعور أبدا. حركة النهضة حركة إسلامية سياسية ديمقراطية شهد لها بذلك القريب والبعيد آثرت على إمتداد أربعة عقود كاملة ( 1969 = بدايتها الفعلية 2009) منهاج الصبر الجميل على الأذى.. ولئن أخطأت فإن خطأها كان في حق نفسها. خطأ تجرعته وتحملته بشجاعة وصبرت عليه وحمدت الله سبحانه كثيرا ولن تزال بسبب أن خطأها لم يجر على حق تونسي واحد ولا تونسية واحدة خاصة عندما داهمتها العواصف الإستئصالية الكالحة عام 1991 من كل صوب وحدب..

ورغم ذلك فإن حركة النهضة راجعت مسارها تجربة بعد تجربة وهي مراجعات منشورة في كتب معروفة ودور نشر معلومة وكل مهتم يتابع ذلك.. إلا أن تكون التوبة عن المعارضة السياسية الديمقراطية فقرة من فقرات المراجعات أو تكون التوبة عن الخيار الإسلامي الوسطي المعتدل الذي أصلت له فكرا وإنتاجا وسلوكا قبل ثلاثة عقود كاملة أي قبل أن يكون مطية كل من هب ودب حتى من أشد الإستئصاليين والذين لا يؤمنون بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان من هذا المعسكر الإسلامي أو ذاك المعسكر العالماني أو ذلك المعسكر الحكومي..

وليس المطلوب إنقلابا من لدن الدولة لتكون دولة ديمقراطية بالكامل بمجرد إعلان العفو التشريعي العام أو الإعلان عن إجراءات رئاسية جريئة وكبيرة وشاملة.. الديمقراطية مسار وليست قرارا .. مسار شرطه الوحيد في بلد مثل تونس : إيمان من بيده الحل والعقد بذلك والعمل على ذلك وتجاوز الصعوبات حتى الصعوبات الداخلية الحرجة التي يعرفها كل توافق سياسي بين مجموعة من الناس يمسكون دواليب الدولة إذ ليس أعقد من قضايا الحكم وإدارته وحسن توزيع مستوياته وأثقاله وملفاته..

حركة النهضة إستوعبت الدرس مليا فهل إستوعبت الدولة الدرس

إستيعاب الدرس من الكارثة التي أناخت بكلاكها على تونس على إمتداد عقدين كاملين .. إستيعاب ذلك من لدن حركة النهضة لا تعني : التوبة عن العمل السياسي ولا عن العمل الديمقراطي ولا عن الهوية الإسلامية الوسطية المعتدلة .. ولكن إستيعاب الدرس يعني : حسن فقه التوازانات الدولية والإقليمية والمحلية وحسن التفاعل معا وحسن ترتيب الأولويات تقديما للدعوة بصورها الفكرية والثقافية والإجتماعية فرديا ومؤسسيا في ثوب خطاب إسلامي راشد يجمع بين أصالة الإسلام وحاجة العصر تيسيرا وتبشيرا وتوحيدا وتأليفا وحسن العمل مع مكونات الساحة من الحزب الحاكم حتى أصغر معارضة أو كيان مستقل .. بكلمة : حسن إستيعاب الدرس من لدن حركة النهضة لا تعني التوبة عن المعارضة السياسية الديمقراطية كلما كانت أسباب المعارضة موجودة ولو نسبيا من مثل : نقص في الحريات أو في العدالة أو في حسن تحصين البلاد من غوائل التطرف العالماني الذي ينسف الفصل الأول من الدستور بالكلية .. حسن الإستيعاب لا يعني التوبة عن تلك المعارضة التي هي مطلب إنساني وإسلامي ووطني وحاجة من الحاجات المتأكدة الملحة وضرورة إسلامية ووطنية وموضوعية.. حسن الإستيعاب يعني : تأسيس وضع سياسي جديد يتلاءم مع تحديات البلاد المقدمة من مثل دعم الوحدة الوطنية ضمن الوحدة العربية والإسلامية ودعم الحريات في كل إتجاه ودعم العدالة الإجتماعية في كل إتجاه ودعم الهوية العربية الإسلامية للبلاد رغم أن الهوية في تونس هي الوحيدة تقريبا التي خرجت من الأزمة مرفوعة الرأس لا خوف عليها أبدا مطلقا إن شاء الله تعالى.. وضع سياسي جديد يتلاءم مع التوازنات في كل إتجاه.. يعترف بأثقالها حتى لو لم يقر مشروعيتها الفكرية النظرية أو في بعضها على الأقل.. وضع سياسي جديد يقدم مصلحة البلاد فوق كل المصالح كما فعلت الحركة بالأمس تماما رغم الخطإ الذي تحملته في نفسها فصبرت عليه وتجرعت آلامه وحدها تقريبا : أجل. قدمت الحركة في الماضي إعتبار مصلحة البلاد فوق مصلحتها وليس أدل على ذلك من تسلل أدواء التكفير والتفجير إلى كل جيراننا تقريبا فضلا عن غيرهم إلا تونس بفضل الله وحده سبحانه.. كان ذلك عن وعي وليس صدفة.. أفلا يقدر لها ذلك؟

ظننا أن حركة النهضة إستوعبت ذلك الدرس بتلك المعاني وغيرها مما يضيق المجال عنها هنا ولكن الظن الأغلب من ذلك الظن هو أن حركة النهضة أقدر من أي وقت مضى على تأسيس وضع سياسي وثقافي جديد في البلاد يؤهلها لتكون الخادم الأول لتونس بحسب ما ينص على ذلك دستورها في أول بند فيه : دولة ديمقراطية معاصرة تحكمها المؤسسات والقوانين وتنداح فيها الحريات الفردية والعامة في كل مجال دون أي إقصاء بسبب دين أو لون أو مذهب أو غير ذلك رغم إنسجام في البلاد عجيب وضمان لإستقلالها أن يختطف من لدن المراهقين الداخليين والإنقلابيين ولا من لدن المحاور الخارجية الموالية لجهاتها المعروفة وذات سيادة لا تأتمر إلا بدستورها وبإستفتاءات شعبها وذات نظام جمهوري يحقق التوازن الفئوي والجهوي في الحقوق المدنية والسياسية والواجبات.. أما عطاء الحركة في قضيتي العروبة والإسلام فلا نظن أن الحاجة تدعو إلى تأكيد ذلك إنما تدعو الحاجة إلى تأكيد هذا : الحركة هي أول من أسست في تونس للفكر الإسلامي الوسطي المعتدل في زمن كان الإعتدال الإسلامي فيه : خيانة للتراث وربما طعنة في ظهر الدين نفسه..

أملنا : أن تستوعب الدولة الدرس ذاته

ملتزمون بعدم العودة إلى السؤال المشروع نظريا عديم الفائدة عمليا : من ألغى ميثاق 1988 ومن قتله شر قتلة. ولكن ذلك لا يعني عدم التأكيد على أن الدولة عليها إستيعاب الدرس بمثل ما إستوعبته حركة النهضة ( وظننا أن ميثاق 1988 إنما جعل لحركة النهضة بالذات في تلك الأيام ولكن لا بد أن يكون ذلك ضمن حفل جماعي بهيج تشارك فيه التيارات وحسنا فعل أهل الميثاق ممن نظم وبادر وممن وقع وصادق.. )..

هل إستوعبت الدولة الدرس

إن قلت نعم بالمطلق. إحتجت إلى الأدلة. وإن قلت لا بالمطلق كذلك. ولكن لا للعودة إلى التاريخ والماضي. لنقل إن الدولة بهذه المناسبة بحاجة إلى إستيعاب الدرس من جديد أو تأكيد إستيعابها للدرس من جديد. إستيعاب الدرس من قبل الدولة يحتاج إلى إجراءت عملية بعضها قانوني وبعضها سياسي يبث مناخا جديدا وذلك هو الأهم قطعا. عندها فحسب لك أن تقول أن الدولة إستوعبت الدرس أم تنكبته.. إستيعاب الدرس لا يحتاج سوى لإعلان العفو التشريعي العام شاملا للمساجين بأصنافهم الثلاث المذكورة آنفا والمنفيين ثم الدخول إلى الإجراءات الإعلامية والسياسية والإجتماعية في إتجاه حركة النهضة ورابطة حقوق الإنسان وإتحاد الشغل وحزب العمال الشيوعي وغير ذلك من المكونات التي لا تحصى.. إستيعاب الدرس يعني مما يعني : إلغاء العمل بخطة تجفيف منابع التدين .. كما يعني : ضمان العيش الكريم للناس والشباب لئلا يبتلع المتوسط منهم أضعاف ما إبتلع في سنوات الجمر الحامية ..

إستيعاب الدرس لا يعني سوى الإرتقاء إلى حالة شبيهة بالحالة الجزائرية مثلا معزولة عن المشهد الدموي بين أهل الجبال والحكومة أو بالحالة المغربية مثلا في تعاملها مع الملف الإسلامي أو بالحالة الليبية مثلا في تعاملها مع الملف الديني البحت ( تصدر ليبيا في كل رمضان إلى أروبا ألمانيا تحديدا عشرات بل مئات من خيرة حفاظ القرآن الكريم صوتا شجيا رخيما عذبا وتلاوة خاشعة تنسى معها بالتأكيد عذابات الوقوف في رجليك.. مئات من الحفظة إلى ألمانيا وأروبا كلهم من الشباب اليافع دون سن العشرين والثلاثين .. ).. لم تتخلف بلاد الزيتونة عن ذلك.. ما المانع؟ هل أن المانع هو حركة النهضة؟ أم هي خطة تجفيف منابع التدين التي يريد بعض الإخوان إنكارها بالمرة جملة وتفصيلا.. خطة شغب بها الشيطان علينا والآن مستعدون جميعا لتعطيلها وكفى الله المؤمنين القتال..

ميثاق وطني جديد بمشاركة حركة النهضة

ذلك هو المشهد الذي ينقذ تونس بين يدي هذه المحطة الإنتخابية من تواصل أزمة عصفت برصيدها المعنوي طويلا وكثيرا.. السؤال الكبير الخطير هو : هل يستعد رئيس الدولة لذلك مقابل حركة إسلامية ديمقراطية معارضة إستوعبت درس عقدي الجمر الحامي .. هل تستعد حركة النهضة لذلك مقابل دولة تبين لها إذا تبين لها ذلك طبعا أنها قطعت مع الحل الأمني في معالجة الملف الإسلامي ليس إنسانيا فحسب ولكن كذلك سياسيا ولو بتدرج ومراعاة للتوازنات المعروفة..

لا نتكلم في هذه الكلمة الحرة لا بإسم الدولة ولا بإسم حركة النهضة فكل منهما ناطقوه الرسميون المعروفون ولكننا نأمل من الطرفين كل خير تأسيسا لميثاق وطني جديد أو إحياء للميثاق السابق ضمن مشهد يشارك فيه الجميع يجعل عقدين من الزمان بعذاباتهم وآلامهم بين قوسين كما يقال ( بين قوسي الدنيا لأجل مصالح مطموح فيها ومفاسد مرغوب عنها أما قوسي الآخرة فأمرهما عند ربك سبحانه ينظم لكل ظالم ومظلوم محكمة جانبية خاصة قبل إقتياد هذا إلى الجنة والآخر إلى النار إذا كان من أهلها أجارنا الله جميعا )..

ذلك ما نبغي والله فأين الشجاعة يا أهل الشجاعة

أمل لو يتحقق..
حلم لو يتحقق..
رجاء لو يتحقق.. أمل وحلم ورجاء ليس على الله بعزيز ولكن بإرادات بشرية صادقة جادة تضع مصلحة البلاد فوق كل إعتبار فلا تسمع لغير نداء الضمير أما نداءات المخذلين من هنا وهناك ونداءات المخوفين من هنا وهناك كذلك .. فلا عبرة بها..

أمل كبير يؤسس تونسا جديدة .. ولكن دونه الشجاعة : شجاعة من أكبر طرفين آلت سنوات الجمر الطويلة الحامية إليهما رغم أن المشكلة كانت في البداية ولن تزال بين دولة جانحة إلى الهيمنة والتغول وبين مجتمع جانح إلى الحرية والعدالة والكرامة .. حركة النهضة والدولة.. شجاعة يحكمها قانون الحب الأزلي : إذا كان الحب لا يجمع بين ذكر وأنثى إلا بعد تبادلية تعاوضية فكذلك تلك الشجاعة الأدبية السياسية لا بد فيها من تبادل وتعاوض وتنازل وإيثار لمصلحة البلاد قبل كل مصلحة..

هذه رسالة الحوار.نت إلى كل تونسي وتونسية سيما في مواقع النظر والتقدير والتوجيه والقرار لدى كل طرف سياسي أو غير سياسي يتحرق على تونس جديدة تملأ خياشيم أهلها حرية وكرامة وأملا وعدلا..

رسالة عنوانها :

ظننا أن حركة النهضة التي وقعت ميثاق 1988 هي ذاتها اليوم ولكن بعد مراجعات شجاعة منشورة وأخرى تترى بين يدي كل محطة تونسية مهمة .. هي ذاتها بعد رشد حنكته الليالي وغرسته في الأفئدة عقيدة إسمها : الإسلام ومصالح الناس صنوان لا يفترقان في كتاب يطفح بالناس طفحا .. عقيدة إسمها : الإسلام وحريات الناس شقيقان لا يشغب أحدهما على الآخر لا في حالة كفر ولا في حالة إيمان ..

ظننا كذلك بمثل ذلك أن الدولة في تونس جديرة بإستيعاب الدرس على قساوته : درس إسمه : العدل أساس الملك كما قال العلامة التونسي إبن خلدون عليه رحمة الله سبحانه.. درس إسمه : الحريات والعدالة والديمقراطية والحقوق دون الإسلاميين وحركة النهضة سراب كاذب حتى الظمآن لا يحسبه ماء .. درس إسمه: عقدان كاملان من الأحقاد والتنكيلات والتشفيات والتعريض بأهل الجريرة وبأهل أهل الجريرة وبجيران أهل أهل الجريرة وندماء أهل أهل الجريرة .. تعريض كاد أن يعرض البلاد كلها والعباد معها إلى أتون من النيران الحامية لولا حفظ الرحمان الحافظ سبحانه.. درس إسمه : لم يكن يوما في عرف العقلاء أن المعارضة السياسية الديمقراطية جريرة..

ظننا في الطرفين معا أن عقدين كاملين يمكن وضعهما بين قوسي الدنيا لأجل تنظيم حفل جديد بهيج يجمع ممثل حركة النهضة وممثل الدولة أو حزبها الحاكم فضلا عن بقية المكونات من كل لون وطريقة تحت سقف ميثاق وطني جديد لعام 2009 ..

الحوار.نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.