قرأت تحت عنوان (ختم البحث في قضية شكري بلعيد)، ما يلي: [قرّر قاضي التحقيق بالمكتب الثالث عشر بالمحكمة الابتدائية بتونس ختم البحث في قضيّة اغتيال الشهيد شكري بلعيد. وذكرت إذاعة موزاييك انه تمّ توجيه تهم الدعوة لارتكاب جرائم ارهابية والانضمام الى تنظيم ارهابي واستعمال تراب الجمهورية لانتداب مجموعة من الأشخاص بقصد ارتكاب عمل ارهابي واعداد محل وجمع تبرعات وتلقي تدريبات عسكرية بقصد ارتكاب جرائم ارهابية وتوفير اسلحة ومتفجرات وذخيرة، وهي الجرائم الناتج عنها وفاة والتآمر على أمن الدولة الداخلي والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على قتل بعضهم بعضا بالسلاح واثارة الهرج والقتل بالبلاد التونسية وقتل نفس بشرية عمدا مع سابقية الاضمار وادخال اسلحة نارية معدة لعمليات حربية]...
هالني ذلك ثمّ سعيت إلى التوقّف عند التهم، فوجدتها عاديّة منطقيّة في بلد، القضاء فيه مستقلّ مستقرّ ثابت لم تغيّر فيه حتّى ما يسمّى عند المتفائلين ثورة، وقد اتّهمتُ شخصيّا بأغلبها سنة 1987 زمن اتّهامي ضمن المجموعة الأمنيّة...
- فالدعوة لارتكاب جرائم إرهابيّة تأتي ضمن كثرة الأصوات وارتفاعها من طرف الدّعاة، كلّ يدعو بما يريد، وسعيا لعدم تسرّب مثل هذه الدعوة المنادية بارتكاب جرائم إرهابيّة وجب مراقبة كلّ الأصوات ومنع التلوّث بها والسماح فقط للأصوات "الوطنيّة" بالارتفاع في أجواء الدعوة المفضّلة التي يكون المستهدف فيها تصنيف التونسيين والقضاء على وحدتهم. وفي هذا الإطار أخمدت أخيرا أصوات بعض النّاس الذين قد تستهويهم الدعوة لارتكاب جرائم إرهابيّة أو لمساندة إرهابيّ مُلئ طموحا، كما فعل مثلا البشير بلحسن زمن الحملة الانتخابيّة الأخيرة!...
- الانضمام إلى تنظيم إرهابي... كي يُمنع فكرٌ معيّنٌ ويلقى بعيدا في زاوية تمنع الالتقاء أو التحاور معه أو تقويمه، وذلك بهدف تحصين البلاد وحماية النّاس. فليس النّاس عند قاضي التحقيق أو الذي كلّفه متعارفين متآلفين متكاملين متحاورين ولكنّ النّاس فكر يمركزهم "وطنيين" أو "إرهابيين"، بشكل يمنع التواصل ويجرّم الإصلاح... وهو المنفذ الذي يتسرّب منه حشرات الإعلام الفاسدين للمز في أشرطة قديمة جمعت هذا الشيخ بأولئك!... يجرّمونه بأنّه قال عنهم "أولادي"!.. فهو مصطلح مرفوض داعم للإرهاب!... بل هناك ألفاظ كثيرة مرفوضة كإخواني وأهلي وأحبابي ومواطنيّ الكرام وأحبّتي وغيرها ممّا قد يصنع التنظيمات!...
- استعمال تراب الجمهوريّة لانتداب مجموعة من الأشخاص... فتراب الجمهوريّ غال، وغال جدّا - كما يقول التونسيون - ومن الغبن أن يخصَّصَ لانتداب هؤلاء للإرهاب أو استدعاء أولئك للمتاجرة بنساء تونس في الخليج وفي لبنان أو السماح لآخرين بصناعة الأفلام البورنوغرافيّة أو تشجيع ذلك على الصعود بالأخلاق إلى الهاوية!... تراب الجمهوريّة لا يستعمل إلّا للعمل الجاد وللعلاقات الطيّبة بين الجيران والنّاس ن وللكلمة الطيّبة وللإيمان الصادق ولتنزيل التعاليم التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا الذين ورثوها عن سلفنا الصالح!... تراب تونس لا بدّ أن يكون مجالا للتنافس في الخير، مجالا للتناصح على سبيل الخير، مجالا للخير يعمّ به الخير!...
- إعداد محلّ وجمع التبرّعات... والتبرّعات - وإن عرفت عند الخيّرين لفعل الخير - إلّا أنّه قد تسخّر لغير ذلك كما انتبه السيّد قاضي التحقيق هنا، وعليه فلا بأس من الاستجابة للأصوات "الوطنيّة" المنادية بمنع الجمعيات الخيريّة المعتمدة أساسا على التبرّعات، ولا سيّما التبرّعات القطريّة "المجرمة"!... وعلى التونسيين أن ينتبهوا كذلك إلى المحلّات ودورها في تحطيم وحدة التونسيين وفي تهديد البلاد وفي القضاء على التديّن وعلى السمت الحسن... فالمحلّات العموميّة قد عمّت البلاد وجمعيات اللقطاء وأبناء الزنى قد فاضت بها "إنسانيّة الوطنيين والحقوقيين" حتّى رفعت صوتها منذرة بمخاطر هذا "اللاإنساني" على المجتمع المدني، هذا الذي ينادي بالاقتصاد في عديد أبناء الحرام!... يتّهمونه بعدم الصلاحيّة وبخطإ الوجود في زمن الأمّهات العازبات اللاتي جئن محصّنات للمجتمع التونسي "المدني" ضدّ "غير المدنيين"!...
وأمّا ما يلفت أكثر في ختم البحث، فهو غياب مَن مِن أجله خُتم البحث!... فقد اكتفى الختم بذكر ما يلي: [وهي الجرائم الناتج عنها وفاة.... (ثمّ بعد ذلك)... وقتل نفس بشرية عمدا مع سابقية الاضمار]... ترى لو كان شكري رحمه الله حيّا أكان يسمح باستعماله لتمرير كلّ هذه القائمة من التهم دون اعتبار لموته، بل ودون مراعاة حتّى لفكره ومواقفه... ومن المضحك وجود تهمة [التآمر على أمن الدولة الداخلي والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة]، دون انتباه إلى هذه الجريمة يقترفها سمير بالطيّب وأشكاله في ذلك الوقت في الفضائيات من أجل [تبديل هيئة الدولة] بصورة يوميّة وبطريقة مفضوحة لا تخطئها عين المتابع للشأن التونسي!...
لله درّ حاكم التحقيق، فإنّه ما ترك باب أمنيّة "وطنيّة" إلّا وقف به، مستجيبا لآمال ساكني الفضائيات المتلهّفة للأعمال الإرهابيّة، تزداد بها ازدحاما بكثرة المتخصّصين والمحلّلين والكارهين والحاقدين ممّن سئموا صوت البشير بن حسن مردّدا للقرآن الحكيم أو لسنّة الحبيب صلّى الله عليه وسلّم في رمضان الفضيل، وممّن كرهوا دستورا مكّن الكثير من النّاس من التذكير ببعض فقراته تحقيقا للهُويّة أو محافظة على الحريّة... ومهما بذل السيّد حاكم التحقيق أو النّافخ فيه من جهد في هذه السلسلة من التهم القادرة المقتدرة - في تغييب الله تعالى (وكثيرا ما يفعلون) - على سفك الدّماء رقراقة، فقد غفل عمّا يورّط أهمّ عنصر تناقل بعض المحلّلين أو حفظت الذّاكرة لهم حرصهم على توريطه... ذاك المنافس السياسي التوّاق إلى الوفاق والسلم الاجتماعيّة!... فقد نطق المحامي الفذّ صاحب "ابن علي هرب" منذ أوّل لحظة بتورّط النّهضة في الاغتيال وذلك رغم الوقائع التي تقول أنّ شكري قد مات نتيجة مواقفه الشجاعة الاستثنائيّة من بعض التشريعات الخادمة يومها لعودة الآلة القديمة، وأنّ إيذاءه للنّهضة لم يرق أبدا إلى مستوى ما يؤذي به ذميم مأجور في قناة ساقطة استعملت تراب البلاد لدفن سمومها ونفاياتها فيه!... ولذلك فقد نابت الجبهة الشعبيّة عن السيّد القاضي تستدرج النّاس ب"وفائها" لشكري الذي غنم القادة البارزون فيها بوفاته ما لم يغنمه قاتله (وقد يكون قاتله من الجبهة الشعبية نفسها التي كان قادتها عشية قتله يضحكون عبر قناة العائلة ملء شدوقهم، في مشهد يثير الشفقة عليهم ويزيد من الالتفاف حول شكري الذي كان يعيش في بيئة موبوءة) إلى اتّهام النّهضة من جديد علّهم بذلك يصلحون شأن البلاد بإعادتها إلى مربّع ما قبل الثورة!... قال تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا... ولم ولن يدافع عن المخالفين - وشكري منهم - أمثال النّهضة التي يؤاخذها أعضاؤها بالدّفاع عن الآخر أكثر من دفاعها عن أبنائها كما يفعل المتعصّبون والإقصائيون والمتحزّبون... لا نامت أعين الجبناء والفاسدين والظلمة... والله من وراء القصد...