إن حلول عام هجري جديد هو مناسبة الأصل فيها أن تتعدّى الاحتفال التقليدي إلى دائرة فكريّة أوسع و أشمل و أقرب إلى – المطلوب و المنشود – ، إذ من الواجب على كلّ فرد سويّ أن يفكّر و يشخّص حاضر الأمّة – المحمّديّة – كيف أصبح واقع حالها من الفُرقة و الهوان على الأمم الأخرى ، و ما تعانيه من ويلات و مشاحنات و تطاحن و حروب استنزاف ،،، فهجرة الحبيب صلّى الله عليه و سلّم ، كانت هجرة خالصة للّه ، هجرة من واقع متردٍّ و فكر منحطّ و عبادة منحرفة و ولاء فاسد كان يسود جزيرة العرب تحت سيوف الجاهلية القبليّة ، هجرة كانت إلى المدينة المنوّرة / دار الهجرة لتوحيد صفوف المسلمين و إقامة الدولة الإسلاميّة المدنيّة و التي كانت النواة الأولى التي أشعّ منها نور الإسلام على باقي أرجاء المعمورة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور و ليخرجهم من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد و يوحّد إنسانيّتهم بحكم الله و على مراده وحده لا شريك له . هجرة و ضع بعدها المعلّم الأكبر محمّد صلّى الله عليه و سلّم وثيقة المدينة أوّل دستور يؤسّس لدولة مدنية ذات مرجعيّة إسلامية . دولة ترعى و تنظّم العلاقة بين المسلمين أنصارا ومهاجرين ، و بينهم و العرب المشركين و بينهم بين اليهود بدستور ربّاني – لا شرقيّ و لا غربيّ – قوامه صفاء العقيدة و نقاء الشريعة ، يهدف إلى وحدة الإنسانيّة جمعاء بلا تفريق و لا تمييز و لا محاباة ، ينشر السلام و يدعو إلى المحبّة و الإخاء ، يقطع مع الجاهليّة الجهلاء و – يفرغ النّاس – من العادات الفاسدة و العقائد البالية و - يملؤهم - بالفكر القويم و السّعي إلى الإرتقاء و التحضّر . إنّ حلول عام جديد يعني حلول أمل جديد ينتظر منّا فرادى و جماعات أن نستصلح الحال و أن نقوّم الخطأ و أن نقطع مع التخلّف و أن ننبذ الفرقة ، و هذا لا يتمّ حتما إلاّ بالرجوع إلى معين الدين الإسلامي و بأن نؤمن أنّ حال الأمّة اليوم لن ينصلح إلاّ بما صلح به أوّلها و عليه فإنّ على جميع عامّة أفراد الأمّة أن ينهضوا فكرا و أن يستقيموا سلوكا ، و على خاصّتها من النخب النيّرة من العلماء و المصلحين أن يعوا حجم المسؤوليّة و أن يقدّروا الأخطار المحدقة بالأمّة و أن يشخّصوا مواطن الإخلال و أن ينخرطوا في عمليّة إصلاح شاملة لا تعوقها الحدود و لا توقفها التقسيمات و لا تمنعها القوانين المكرّسة للفرقة و التباعد و التنافر ، إصلاح من عين فكر العقيدة على مرجعيّة الشريعة ...