إطلاق خط أخضر جديد    في علاقة بقضيّة الشهيدين بلعيد والبراهمي... إحالة الرئيس السابق لنقابة العدلية على دائرة الإرهاب    الوطن القبلي.. هذه أسعار أضاحي العيد    بنڨردان.. الإحتفاظ بمجموعة من الاشخاص من أجل الإتجار في الأسلحة والذخيرة    نشطاء كوريون جنوبيون يرسلون بالونات محملة بمنشورات دعائية إلى الشمال    الأمم المتحدة تعتزم إدراج إسرائيل ضمن "قائمة العار"    التصفيات الافريقية المؤهلة لمونديال 2026 (المجموعة الثامنة): فوز مالاوي على ساوتومي وبرنسيب 3-1    للمرة الثانية.. ريال مدريد يلجأ لفنان مغربي    منتدى الأعمال الكوري التونسي الإفريقي يوم 13 جوان 2024 بتونس العاصمة    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    الدورة 48 لمهرجان دقة الدولي من 29 جوان إلى 10 جويلية و11 سهرة في البرنامج    قبلي: تنظيم ورشة تكوينية بمدرسة علوم التمريض حول استعمال المنظومة الاعلامية في تلاقيح الاطفال    مصالح الحرس الديواني بالمنستير وسوسة تحجز كميات من البضائع المهربة بقيمة تفوق المليون دينار    الأونروا: "يوم مروع آخر" في غزة بعد قصف الجيش الصهيوني مدرسة للوكالة..    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    تسجيل أكثر من 40 حالة غش في امتحان الباكالوريا بسليانة وسيدي بوزيد ومدنين    صورة اكتسحت منصات التواصل.. ما حقيقة الأخطبوط العملاق؟    الفنانة التشكيلية الهام سباعي تكتب تاريخ المرقوم في معرضها الشخصي بداية من 9 جوان    السعودية تعلن أول أيام شهر ذي الحجة ويوم عيد الأضحى    الموسيقي التونسي ظافر يوسف يقدم عرضا في مهرجان الجاز بشرق سيبيريا    أمسية "تونس المجد".. غدا بفضاء "المجلس" بسكرة    وفد صيني رفيع المستوى في زيارة إلى موقع مشروع "مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان"    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    عاجل/ جندوبة: العثور على جثة راعي بمنطقة جبلية على الحدود مع الجزائر    إيلون ماسك: بعض الدول قد تختفي بسبب نقص الولادات    وزيرة الصناعة تشدّد على ضرورة استقطاب الاستثمارات الفرنسية    ضبط انموذج التزكيات وتحديد الوسائل الترتيببة والتقنية في هيئة الانتخابات    ذاكر لهيذب: شروط الترشّح متوفّرة وبرنامجي الإنتخابي جاهز    العائدات السياحية تزيد ب7،8 بالمائة في موفى ماي 2024    ديوان الطيران المدني والمطارات :ارتفاع حركة عبور المجال الجوّي    تونس تعكف على إعداد استراتيجية وطنية للتصدير تركز على أسواق آسيا وأمريكا اللاتينية    القيروان: الدورة 24 للمهرجان الوطني للمونولوج    ريال مدريد يعترض على إقامة كأس العالم للاندية 2025 في الصيف    عاجل-أثارت ضجة كبيرة/ فاتورة ماء بإسم "الجمعية التعاونية الإسرائيلية": الصوناد تكشف وتوضح..    السيطرة بالكامل على البؤرة الثانية للحشرة القرمزية بالقصرين    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    عاجل: هيئة كبار علماء السعودية تكشف موعد عيد الأضحى    وفاة برهان الكامل سفير تونس لدى باكستان    بعد إنسحابه من رولان غاروس: نوفاك ديوكوفيتش يخضع لجراحة ناجحة في الركبة    تزامنا مع ارتفاع درجات الحرارة: وزارة الصحة تصدر بلاغ هام وتحذر..#خبر_عاجل    انطلاق أولى السفرات التجريبية لقطار المسافرين بين تونس والجزائر    عاجل/ مستجدات في جلسة محاكمة شيماء عيسى..    وزارة التربية تنفي تسريب اختبارات اليوم الثاني لإمتحان الباكالوريا    النادي الافريقي يصدر بلاغ هام..#خبر_عاجل    يهم أحباء النجم الساحلي: آخر تطورات الأشغال بالملعب الأولمبي بسوسة    رئيس الحكومة يلتقي عددا من أفراد الجالية التونسية بسيول    اجة: مبادرة بقبلاط لتخفيض سعر الخرفان    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الخامسة والعشرين    بهدوء: التفّاحة أصبحت...بصلة !    تعقب العناصر الإجرامية الخطيرة المفتش عنها في باجة    إسبانيا تنضمّ إلى الدعوى التي قدّمتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني    الجيش البريطاني يؤكد عدم جاهزيته لحرب عالمية ثالثة    السعال الديكي يتفشّى في أوروبا والسلطات تحذّر    كأس العالم للسيدات (أقل من 20 سنة): "الفيفا" يقرّر استخدام تقنيّة الفيديو    الصحة العالمية تعلن تسجيل أول وفاة بشرية بمتحور من إنفلونزا الطيور..#خبر_عاجل    طقس اليوم: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    قفصة: الاحتفاظ بكهل يصنع مادة 'الڨرابة' المُسكّرة وحجز معدات    طبيب فرنسي يُهاجم نادين نسيب نجيّم...كيف ردّت عليه؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يتحرر الشيخ الغامدي من القيود...
نشر في الحوار نت يوم 21 - 12 - 2009

هذه قراءة جزئية في تصريحات الشيخ الدكتور أحمد الغامدي رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة لصحيفة عكاظ بتاريخ 9 ديسمبر الجاري ( تشرين الأول ) 2009 ..

خلاصة التصريحات.

إباحة الإختلاط بين الذكور والإناث والمصافحة والإرداف على الدابة والنظر في كنف محكمات الإسلام الثابتة من مثل : تقوى الله سبحانه والغض من البصر وتجنب مقدمات الفاحشة والبعد عن الفتنة وغير ذلك..

الملاحظة الأولى.

التحرر من قيود التراث المبتدعة.

هناك مسلمة ثابتة من مسلمات الفقه عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام مؤداها أن الحلال والحرام من إختصاصات الله سبحانه وتعالى وحده إلا أن يصدر عن نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ما سماه الفقهاء قطعي الورود قطعي الدلالة إتصالا بالكتاب العزيز بيانا عاما ( تفسيرا ) أو تقييدا لمطلق أو تخصيصا لعام أو تفصيلا لمجمل أو إستقلالا بالتشريع عند من يقولون بذلك. تلك مسلمة من يغفل عنها يضل نفسه ويضل الناس بقدر تلك الغفلة. مشكلة الناس مع تلك المسلمة ليست مشكلة نظرية ولكنها مشكلة عملية. مشكلة عملية لها أسس منها : الوقوع تحت سلطان التراث في حقبة من حقباته أو الوقوع تحت سلطان جهبذ من جهابذة الفقه يقلده تقليد الببغاوات في إصابته وخطئه أو الوقوع تحت سلطان الواقع الحاضر لمخالفته كثيرا أو قليلا للنموذج الذي بناه المرء في ذهنه عن الحياة الإسلامية أو الوقوع تحت سلطان مدرسة فقهية أو فكرية أو كلامية قديمة أو حديثة يئد فيها المرء شخصيته بالكامل حتى يضحى لها عبدا مطيعا أو الوقوع تحت سلطان الجهل الفاضح سيما بالأصول والقواعد والمحكمات من النصوص والمقاصد وأسس الفهم والتنزيل ومعالجة ميزان الإستصلاح جلبا للمصالح ودرءا للمفاسد فيما يكون ذاك حقله أو الوقوع تحت سلطان الهوى والعياذ بالله.. معنى ذلك أن واجبك ليس إحسان الفقه فحسب ولكنه يتعدى إلى إحسان التنزيل..

من الحكم التي أجراها سبحانه على لسان الشيخ الدكتور أحمد الغامدي قوله أن البدعة هي الإفتئات على الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وهو مفهوم آخر للبدعة المنكورة في الدين سكت عنه الناس بسبب ما شغلهم من مواجهة البدعة بمفهوم الزيادة والنقصان في المسلكيات العملية والحقيقة أن الشيخ الدكتور أصاب كبد الحقيقة وله في القرآن الكريم عشرات الشواهد التي عد فيها الكتاب العزيز القول على الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بغير علم ظنا أو خرصا أو هوى كذبا ممقوتا قال فيه مرات كثيرة ( ومن أظلم ) أي أن ذلك أظلم الظلم حتى عده العلماء صنو الشرك الذي هو الظلم الأكبر وبذلك غدا القول على الله بغير حق هو أظلم الظلم يترجم أحيانا شركا في القلب أو شركا في الجارحة أو كذبا أو تحليلا لحرام أو تحريما لحلال أو غير ذلك.. الحاصل من ذلك إذن أن البدعة في الدين ليست بدعة عملية فحسب بل هي بدعة قولية أو نظرية يزاد فيها أو ينقص من الدين أي صحيحه وصريحه معا أما حقل الظنيات هنا أو هناك فأمره الإجتهاد والتجديد بما يتسع لمعالجات الأمة عبر الزمان والمكان بما يتاح لها..

ومما قاله كذلك الشيخ الدكتور أحمد الغامدي أن المسكوت عنه مباح وهو الأمر الذي أثبته القرآن و السنة في مواضع كثيرة ولكن جار عليه بعضهم في القديم والحديث بإسم سد الذريعة أو صد الفتنة أو غير ذلك مما يتوهم فحولوه أو بعضه إلى مكروه أو حرام بالمرة.. تلك هي البدعة الممقوتة في الدين.. ذلك هو الكذب على الإسلام الذي صرح الكتاب العزيز بإكماله في بداية سورة المائدة وهي من آخر ما نزل..

مؤدى تلك المسلمة أن كل بشر فوق الأرض بل كذلك تحتها يؤخذ منه ويرد بمثل قالة الإمام مالك عليه الرحمة والرضوان إلا صاحب الرساله الأكرم عليه الصلاة والسلام ولكن العبرة حقا هي بحمل النفس رغم كل القيود ماضيها وحاضرها وظاهرها وباطنها على العض على ذلك بالنواجد نواجد العقل والقلب الذي نسب إليه سبحانه العقل في كتابه العزيز أما تأكيد ذلك قولا أو الحث عليه ثم مخالفته عند أول إمتحان أي عندما يتعرض المرء إلى نسبته من عائلة أو مدرسة أو بيئته أو عصبته.. فهو الذي سماه عليه الصلاة والسلام عدم الإنتفاع من القرآن الكريم في قوله للصحابي السائل ( إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة .. هاهي اليهود والنصارى لا ينتفعون من ذلك بشيء )..

الملاحظة الثانية.

التحرر من قيود البيئة.

قد يتحرر المرء من بيئة الجغرافية والتاريخية ولكنه لا يتحرر من بيئته الفكرية والثقافية عندما تحكم عليه سيطرتها. وليس الإمعية التي نهى عنها عليه الصلاة والسلام في حديثه الصحيح خاصة بالإمعية التي تفضي إلى الفساد والإفساد بل هي عامة لتشمل الإمعية الفكرية والثقافية والفقهية التي تبسط سلطان المجتمع أو قياداته الفقهية على المرء فتجعل منه رقما من أرقام القطيع المسوق إلى نمط واحد في التفكير والسلوك لا ينقده ولا يعرضه للمقارنة. النهي عن الإمعية إنما يقصد منها عليه الصلاة والسلام تحرر الشخصية الإسلامية من سلطان الناس وعرض تلك الشخصية على الإسلام وحده أي على الناطقين الوحيدين بإسمه : الكتاب والسنة.

مما فتح به الله على قلب الشيخ الدكتور أحمد الغامدي قوله أن سد الذريعة المزعوم عند الغالين المحرفين لو كان يصل إلى حد مراجعة الكتاب والسنة لعمل به صاحب الرسالة الأكرم عليه الصلاة والسلام.. إنما تكون حدود الذريعة عندما تسد مراعية بالكلية لعدم إختراع محرم جديد ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) ولا حتى تكريهه لا تنزيها ولا تحريما كما حاول بعض المتمحلين أن يتمحلوا.. كما يجب مراعاة التيسير على الناس عندما يدركون أن التيسير ليس هو التسيب من التكاليف الإسلامية القطعية الثابتة ورودا ودلالة وهي كفيلة بقيام الحياة إذا نزلت وليس عليها من زيادة لمستزيد وإلا لما إكتمل الدين.. فمن أراد أن يعسر فليعسر على نفسه ليتحمل وزر نفسه يوم القيامة ولا يتحمل أوزار من عسر عليهم بإسم الله أو إسم رسوله عليه الصلاة والسلام..

حتى إنه مما قاله المحققون هنا أن المكروه ( والمكروه في الحقيقة إختراع فقهي تراثي لم يكن عند الصحابة ولا تجد له أثرا لا في الكتاب ولا في السنة ).. يوضع لأول حاجة طارئة والحاجة كما هو معلوم أدنى من الضرورة إذ الحاجة مصلحة شرعية ثابتة ( بعد الضروريات الكلية التي لا قيام للحياة دونها وهي منزلة وسطى بينها وبين التحسينيات التي بها تتجمل الحياة وتتخلص من قبحها وسوئها ).. وضع الحاجة للمكروه هو بالضبط معنى عدم وجود المكروه في الحياة الإسلامية الأولى ولكن تعرض التدوين الفقهي بعكس ما هو مأمول إلى وضع كثير من الآصار والأغلال بسبب سيادة سلطان الحياة الإسلامية بصفة عامة بعد حلول الكارثة الأولى التي حذر منها عليه الصلاة والسلام أيما تحذير أي إنتقاض عروة الإسلام الأولى أي عروة الحكم والسياسة وصلاح السلطان وهو ما أسميه لنفسي : الإنقلاب العربي الأول ضد إرث صاحب الرسالة محمد عليه الصلاة والسلام وهو الإنقلاب الذي أثمر سلسلة من الإنقلابات الفكرية والعملية في الحياة الإسلامية التالية حتى أيامنا هذه بمثل تصدع جذر من جذور شجرة سامقة عالية شاهقة يثمر ذلك بالضرورة تصدعات أخرى جانبية في بعض الجذور أو الجذوع أو الأغصان إلخ..

البيئة المقصودة التي تحرر منها الشيخ الدكتور أحمد الغامدي هي بيئة شبه الجزيرة العربية التي إنبنى نظامها المعاصر على وفاق وهابي عائلي ( المصلح المعروف محمد إبن عبد الوهاب عليه رحمة الله سبحانه من جانب وعائلة آل سعود من جانب آخر).. ثم ما طرأ من تحديات على تلك الدولة من مثل منافسة القيادة الدينية التي رمز إليها الأزهر الشريف على إمتداد قرون طويلة من جانب فضلا عن المذهب الأباضي ( بعضهم ينسبونه إلى الخوراج وأهله ينفون عنه ذلك ) المتاخم جغرافيا لشبه الجزيرة العربية وما إقتضى من ذلك مضارعة المدرسة الأشعرية كلاما بالأساس وإنعكاسات ذلك على الفقه أصولا وفروعا وقواعد ولك أن تقول كذلك مقاصد بالرغم من تضييق الأخذ بالمقاصد في شبه الجزيرة العربية إلى حد الإلغاء ومن جانب آخر إزداد الطين بلة لما ظهر المذهب الشيعي لأول مرة في صورة دولة متاخمة قوية مسلحة إثناعشرية غير عربية تقوم على تصدير التشيع المسيس أو السياسة المتشيعة..

الملاحظة الثالثة.

التحرر من قيود الواقع.

ربما لا إخالني مغاليا إذا قلت بأن كثيرا من المغالين اليوم إنما يتبعون مناهج الغلو تفكيرا ومسلكا رد فعل على إباحية الحياة الواقعية في جوانب كثيرة حيث وقعوا تحت سلطان الواقع السائد شأنهم في ذلك شأن المتسيبين المتحللين ولكن في إتجاه مخالف. أولئك جاروا على أصولهم وبمثلهم جار هؤلاء على حياتهم الحاضرة أو بالتعبير القرآني البليغ مبنى ومعنى : نصب اولئك الميزان بعد إلغاء كفة الكتاب فيه بينما نصب هؤلاء الميزان بعد إلغاء كفة الحكمة والعدل والوسطية فيه.. لو كان الكتاب وحده يكفي لإقامة القسط بين الناس مقصود الإسلام الأعظم لما نزل معه الميزان ولو كان الميزان وحده يكفي لذلك لما نزل معه الكتاب.. ولكم صدق القائل : كل جور في هذا الإتجاه أو ذاك إنما يطيح بالحقيقة وتضيع فيه قيم الحق والعدل والكرامة والوسطية وينخرم الميزان فلا يقوم توحيد ولا يقوم قسط وتظل الحياة عرجاء شوهاء حولاء عوراء..

لقد كان الدكتور الشيخ أحمد الغامدي دقيقا ومعتدلا جدا عندما عرض أفكاره وذلك بسبب جمعه بين محكمات الوحي من قرآن وسنة إلتزم فيها إما متفقا عليه ( البخاري ومسلم ) أو صحيحا عند البخاري أو صحيحا عند مسلم أو صحيحا عند غيرهما وربما على شرطهما حتى لو لم يخرجاه.. أي : إلتزم بعد محكمات الكتاب الذي يأمرنا بإتباعها وعدم إتباع المتشابهات في أوائل سورة آل عمران .. إلتزام صحيح الحديث من رؤوسه التي قررها المحققون أي : متفق عليه بشروطهما ثم ما أخرجه البخاري ثم ما أخرجه مسلم ثم ما أخرجه غيرهما على شرطهما.. أما الإحتطاب في أدغال الضعيف بله الموضوع سيما عندما يتصل الأمر بالتكليفات الشرعية العملية وخاصة عندما يتصل الأمر فيها بالتحريم أو التكريه فيما يكون تقييدا لحرية الإنسان دون إذن من صاحب الشرع .. الإحتطاب في تلك الأدغال إذا صدر عنه التكليف بالترك هو ذاته القول على الله بغير علم وهو الكذب على صاحب الرسالة الأكرم عليه الصلاة والسلام وهو الذنب الأعظم الذي يوازي الشرك .. هو شرك العقل موازيا لشرك القلب أو شرك الجارحة.. كان الشيخ الدكتور الغامدي شديد الإعتدال عندما جمع بين تلك المحكمات من الوحي الكريم وبين الذرائع التي سدها الشرع ذاته غير محتاج لساد من دونه ومنها : الغض من البصر وليس غض البصر كما يحلو للغلاة المحرفين أن يقولوا دون علم.. وغير ذلك مما ذكر آنفا..

كان يمكن للشيخ الدكتور الغامدي ألا يقفل عقله فيبسط سلطان الواقع عليه جبروته فإما أن ينقاد لمن يتبع المتشابهات بدل المحكمات يستوي في ذلك أن يكون من أهل الزيغ ( هوى القلوب ) أو أهل التأويل في غير حقول التأويل أو بغير أدوات التأويل المقبولة.. وإما أن ينقاد لمن يحمله رفض الواقع المعيش على المبالغة في سد الذريعة والمغالاة في التكريه والتحريم ظنا منه أن ذلك أدعى إلى الإلتزام بالإسلام كأن الإسلام تصور عقدي وعملي مجرد لم ينحت لنفسه منهجا لحسن فقه ذلك وحسن تنزيله وحسن الموازنة في حالات التعارض الظاهري أو حالات الإشتباك بين مقتضيات الواقع والمحكمات القطعية مما يتطلب فقها في التنزيل يطلب التأجيل أو الإستثناء أو التجزئة أو أي عملية أخرى يتطلبها خلو الحكم من محله كما قال بحق الشيخ المدني عليه رحمة الله سبحانه إستخلاصا من الفقه المقاصدي العمري .. ذلك العملاق الذي لا بد لكل مغال محرف أن يكرهه سرا أو يرتاب في أمره حتى لو كان ذلك العملاق بفتحه وعقله غير قابل للكره علنا.. وكيف يكره علنا من إذا سلك طريقا سلك الشيطان آخر هيبة منه..

خلاصات مركزة.
1 تبين لي فيما صرح به الشيخ الدكتور الغامدي سيما بعد أوبة صادقة صحيحة من عالم سعودي آخر كان ذات يوم يحمل لواء السلفية بما حمله على إجراء مناظرات معروفة دونت في كتاب مع المرحوم الشيخ الغزالي ( هو الشيخ الدكتور العودة ).. تبين لي أن الذي يحول دون فيء أهل الغلو تفكير أو سلوكا ( المهم هنا هم أهل التفكير والرأي لأنهم هم الذين يجهزون الأغذية الذهنية لأتباعهم الذين يستهلكونها كما يستهلكون اللمجة الخفيفة يسيرة الهضم ).. تبين لي أن الذي يحول دون ذلك هو الإعراض عن طلب العلم من مظانه الأولى أي الكتاب والسنة بمنهج رسمه الكتاب والسنة ذاتهما وليس هنا محل التفصيل لذلك .. تبين لي أن من يتجرد لطلب الحق مما إختلف فيه المؤمنون بالتعبير القرآني بإخلاص قياما لله مثنى وفرادى .. يهده الله لذلك بإذنه سبحانه.. أما من يتسربل بالإمعية في إتجاهها الداخلي المستور بأردية التدين فإنه يظل ذنبا في شبابه فإذا إكتهل وشاخ عسر عليه خلق التواضع وأوقعه الشيطان في مرادي العجب والقول على الله بغير علم والعياذ بالله.. تلك هي السيرورة لمن لم يتدارك نفسه بنفسه قبل أن يشيخ بدنه أو يهرم عقله.. تبين لي أن القضية عندما نقول عنها أنها خلافية إنما نقول ذلك من باب الإبتعاد عن مرامي السهام سيما عندما تتبرج السلفية بجيش عرمرم من الأدعياء الذين لا يكاد الواحد منهم يغذوك بفقه قال فيه سيد الفقهاء ( إنما الفقه رخصة من فقيه أما التشدد فيحسنه كل أحد ).. أو ( ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكن العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين )..

تبين لي إذن بإختصار شديد هنا أن طلب العلم من مظانه وبمنهجه وخلقه يفضي بالضرورة بإذنه سبحانه إلى الحق أو الصواب أي بحسب القضية المطروحة أما إرسال قطعي الدلالة والورود منا إلى حقل المختلف فيه رعاية لعواطف أو لوحدة أمة أو بعدا عن هرج السهام المسمومة للأقلام الجدباء.. كل ذلك لا يغني من الحق شيئا.. ليكن القطعي قطعيا والظني ظنيا وليرض الذي يرضى وليغضب الذي يغضب ورضى الله سبحانه أولى بالتقديم.. ألا فليحذر الفقهاء الراسخون أن يستدرجهم الواقع المتشابك المعقد فيرضوا للحق الناصع الباهر بالدنية نأيا بأنفسهم عن تلك السهام..

2 كما تبين لي أن أكثر تلك الأقوال التي تعج بها ألسنة وأقلام بعض أولئك إنما هي فتاوى سواء كانت في القديم أو الحديث وليس من شأن الفتاوى كما قال بحق منذ أيام قليلة جدا أحد الفقهاء المعاصرين تطييرها على الأثير ليسمع بها من لا تنطبق عليه شروطها لا من قريب ولا من بعيد.. إنما شأن الفتوى أن تكون مقصورة على صاحبها فردا أو جماعة وحالتها في الزمان والمكان وغير ذلك من موجباتها وموجبات تغيرها سواء بسواء.. أما عدم التمييز بين الحكم وبين الفتوى بمعناها الإصطلاحي الحادث طبعا أما بمعناها الإسلامي فهي الحكم ذاته.. عدم التمييز بين ذلك هو عين الجهل وعين الحمق هو إرسالها في الأثير لتقع في محل غير محلها وتكون من ذا المصيبة.. وإن تعجب بحق فعجبك الأكبر هو لحي يأخذ دينه عن ميت لم يتوفر فيه شرط واحد من شروط العصمة ولا عصمة لمخلوق طرا أبدا مطلقا بعد موت صاحب الرسالة الأكرم عليه الصلاة والسلام.. وإن تعجب بحق فعجبك الأكبر هو ممن لا يميز بين حافظ وعالم وفقيه أو بين فقيه مجتهد مرجح وفقيه مجتهد مقصور على مذهب أو مدرسة أصولية وفقيه مجتهد مطلق.. وإن تعجب فعجبك الأكبر هو ممن لا يميز بين خطيب وداعية وواعظ وكاتب وعالم وفقيه ومفت.. بكلمة واحدة : إن تعجب فعجبك الأكبر ممن يعالج التدين فقها معالجة جامعة بالجملة والفقه يتأبى عن الجملة ويطلب التفصيل والتمييز والتقسيم والتوزيع لأنه يتعامل مع الحوادث والناس والحوادث تتغير والناس يختلفون ولذلك شرع القياس ولكن القياس أصل من الأصول قيامه على العلة المباشرة فإذا بعدت كانت مقصدا وكان القياس مرسلا.. ولكم صدق الفقهاء في قولهم : مذهب المقلد مذهب مفتيه.. أما المجتهد بكل أنواع الإجتهاد ولو ترجيحا بين الأدلة فمذهبه الدليل وليس سوى الدليل فإن أفتى فمذهبه حال المستفتي بما هو أدنى إلى الصلاح وأنأى عن الفساد..

تبين لي هنا بإختصار شديد أن أكثرهم يعمد إلى فتوى سيما من القديم بملابساته المعروفة ( إنقلاب الحكم ضد إرث صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام في المادة السياسية + سيادة التقليد وغلق باب الإجتهاد والتحشية ) فيسوقها إلى الناس اليوم في الأثير وما في حكمه مساق الحكم الشرعي الثابت القطعي فيضل ويضل ويضيق على الناس ويعيق حركتهم بإسم الله والدين وأي جريمة أكبر من الدين من هذه!!!

3 قيود من تحرر منها نهل من السلفية الإسلامية الأصولية القحة.

1 قيد التقليد الإنبهاري لغيرك في السلف كان أم في الخلف ولا ينفي ذلك الإستئناس إذ الحكمة ضالة المؤمن ولا كتاب بلا ميزان ولا ميزان بلا كتاب.

2 قيد السلطان الإجتماعي العام سيما لمن يعد منتسبا لتيار ما أو عائلة ما أو مدرسة ما ويشتد الأمر إذا كان مقلدا في الدين لم يرتق حتى لدرجة الترجيح الأدنى أو إحسان الفقه عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام أو أي خطاب سيما العربي منه. لم نحت حبر الأمة إذن لنفسه منهجا في الفهم مغايرا لمنهج إبن عمر ولم نحت إبن عوف لنفسه إذن منهجا في الدنيا مغايرا لمنهج أبي ذر ولم إشترط علي لنفسه إذن منهجا في الحكم والسياسة مغايرا لمنهج الشيخين بمناسبة إختياره أميرا للمؤمنين بخلاف عثمان عليهم الرضوان جميعا.. بل لم كان مالك والشافعي وأحمد والنعمان وكان غيرهم ممن إندرس.. بل لم كانت أشعرية وماتدرية ومعتزلة وخوارج ومدارس أخرى كثيرة..

3 قيد الواقع السائد وهو قيد في إتجاهين : إتجاه يغويه ذلك الواقع السائد فيذوب فيه بمثل ما فعل العالمانيون سيما من العرب وإتجاه يرفضه بعضلات جسمه لا برشد عقله فيتألب عليه بما يحمله على قول غير الحق فيه ويظل يرسم لنفسه صورة للحياة الإسلامية المثالية لم تتوفر حتى للنبي الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام الذي راعى عرفه وبيئته ومحيطه فيما يقتضي ذلك من مناهج الدعوة والحركة والإصلاح والتغيير تخفيفا على مسلم جديد أو تيسيرا على صاحب حاجة أو إستصحابا لحال قديم يرجى إستصلاحه بالتدرج مع مرور الأيام إلخ..

كن سلفيا أو لا تكن سلفيا فذاك شأنك وحقك ولكن الجور على محكمات الكتاب العزيز والقطعي من الوحي بصورة عامة بتظنينها ( جعلها ظنية ) أو بتثبيت ظنياته ورفع درجاتها إلى حدود القطعية وإلغاء مساحات الإختلاف الذي إبتلانا به صاحب الشريعة ترقية لمؤهلاتنا العقلية والخلقية معا.. كل ذلك يكر على السلفية الإسلامية الأصولية القحة : سلفية الخلافة الراشدة وأنعم بها من سلفية جمعت بين الأصالة والمعاصرة ولك في تطبيقات الفاروق وعثمان وعلي عليهم الرضوان جميعا خير عبرة تنطق بأن السلفية الإسلامية الأصولية القحة هي : إتباع في الدين وإبتداع في الدنيا ولكن على أساس أن الحياة بهدي الإسلام : دين ودنيا..

تعلم قبل أن تتكلم ..

إسجن نفسك في سجون العلم طويلا وإصبر على إختلاف الفقه طويلا..
إكسب من العلم ما تحتاج إليه في حياتك ليكون علمك نافعا لك وللناس من حولك..
تعلم من خير سلفية أوصاك رسولك عليه الصلاة والسلام بإتباعها : الخلافة الراشدة.
إعلم أن السلفية لا تخاصم الإجتهاد من أهله في محله ولا التجديد..
إعلم أن من تقلده إجتهد لزمانه ومكانه ثم أفضى إلى ربه ولو قام لكان له قول آخر.
لا تقدم على محكمات الكتاب شيئا ثم على صحيح الحديث شيئا..
إن أعوزك ذلك أن تلفى فيه ضالتك فإلتزم منهج الإجتهاد الأقوم..
إذا كنت مقلدا فكن المقلد الذكي النابه وإذا رجحت فأبصر المشهد من كل زواياه..
لا تقم الكتاب دون ميزان ولا تنصب الميزان دون كتاب..
إلزم هذا الثلاثي تهتد : الوحي + الشورى + حاجات الواقع.

والله أعلم.

الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.