ليس إيقاف زهير تريمش بمطار المنستير يوم عودته إلى بلاده زائرا، يوم الأربعاء التاسع من مارس 2016، حدثا عاديّا، بل هو حدث غير عاديّ وخطير للغاية، ولا بدّ أن يُحرج كلّ سياسيّ يزعم أنّه يعمل من أجل التوافق ومن أجل المصلحة العليا للبلاد... لا بدّ أن يضع الحدثُ النّقاط على الأحرف، فينبّه إلى أنّ مقاومة التونسي البسيط للإرهاب بدمائه وأكباده ونسيان فقره وحاجته (قد أثّرت فيّ كثيرا هيئة أبي الشهيدة، بارك الله فيه وتقبّلها الله في علّيين)، هي في بعض الأحيان تنميّة لانحرافٍ خفيٍّ في شخصيّة المسؤول معتلي المناصب، ذلك المحلّل لما يريد أن يحلّل، المحرّم لما يريد أن يحرّم!... يحلّل بالتبييض ويحرّم بالاتّهام الباطل مغتنما انهماك التونسي البسيط في التضحيّة!... فالكلّ ضدّ الإرهابيين وعلى المحلّل أو المسؤول أن يرفع عقيرته بالصياح أن هاهنا إرهابيّ تعالوا فاقتلوه أو احتجزوه حتّى يجتمع عليه الصادقون في حبّ بلدهم يمنعونه إرهابه دون تثبّت من مصدر الصوت أو من صدقه!... لا بدّ من الانتباه إلى أنّ ثقة زهير وثقتي وثقة كلّ محبّ لبلده تونس الحبيبة قد اغتيلت أو هي طعنت بسوء سلوك المسؤول الكاره لسمتنا، الذي لم يصدّق أنّنا أبناء تونس وأنّا نتفوّق عليه في حبّ تونس وأنّا إذا دافعنا عنها دافعنا بطريقة لا تلبّس على الصالحين دفاعاتهم!... يذهب زهير زائرا أهله هناك في خنيس، غير أنّ الرّسائل القنصليّة قد سبقته تعرّف به - وهو في بلده وفي سويسرا مقرّ إقامته معروف بخصاله النّبيلة - إرهابيّا يتعامل مع جمعيات تدعم الإرهاب في سويسرا... فيُستقبل الرّجل من طرف وكلاء الخير في تونس، أولئك الذين حرّموا على النّاس اقتراف الخير، بدل أن يُستقبل من طرف ابن عمّه الذي ظلّ مرابطا بالمطار مستنكرا طول فترة تأخير الطائرة قبل أن ينتبه لعمل "الوطنيين" الذي جاء نتيجة التنسيق بين الدّاخل والخارج، داخل فشل في إبراز الوفاق وخارج فشل في عكس صورة تونس الجديدة، تونس الثورة، تونس التونسيين جميعا!... حدث اعتقال زهير تريمش حدث سيّء للغاية ويؤثّر أوّل ما يؤثّر على ثقة التونسيين في مؤسّساتهم ويبيح لهم بالتالي التعامل مع سفاراتهم وقناصلهم بحذر... فهذه المؤسّسات تريد أن تعود كما كانت زمن المجرمين الفارّين من البلاد، أوكارا تتمعّش من ريبة التونسيين وخوفهم وسلبيتهم، بدل أن تكون كما أردنا بالثورة عنوان هُويّة ورمز سيادة نباهي بها وتباهي بنا!... حدث اعتقال زهير يحاول به مقترفوه إفشال مشروع التوافق أو هو يؤكّد حرص البعض على ألّا يكون أمثال زهير (وهو عضو حركة النّهضة العامل) من أطراف التوافق!... حدث اعتقال زهير تريمش مسيء لسمعة تونس، مربك للتعايش الاجتماعي، ساع إلى اجتثاث العمل الخيري بالتشكيك فيه كما في المشهد، فقد ذهب زهير قبل سفره إلى السفارة مع بعض أفراد جمعيّة خيريّة تريد الخير لتونس ولأهلها، فرآها السفير بسعة خياله داعمة للإرهاب هناك في أرض سويسرا التي لا يمكن أن تتعامل مع مَن يفكّر في الإرهاب ناهيك عن الدّاعمين له!... حدث اعتقال زهير أكّد أنّ أبناء النّهضة لازالوا في المربّع الأحمر الذي خصّصه لهم كارهو التديّن في البلاد بقيادة بن علي وأتباعه الذين لا يزالون نافذين في البلاد وبدعم اليسار وأهل "الفنّ" المنحرف الذين شجّعوا الفاحشة وقتلوا المروءة وأسّسوا للإرهاب!... حدث اعتقال زهير دافع إلى ضرورة أن يكون السفير والعاملون في السفارة من المهاجرين التونسيين في تلكم البلاد المقامة على أرضها السفارة، فإنّ أحدا من التونسيين لن يكون أقدر على معرفة أفراد الجالية من واحد من ذات الجالية تختاره الجالية بعيدا عن إملاءات "الوطنيين" الفاسدين، ولن يكون أحد كذلك أكثر إلماما منه بقوانين البلاد وتوجّهاتها، وبسبل التعاون معها إثراء لعلاقات بلده واقتصادها وانفتاحا على ما برزت فيه تلكم البلاد من علوم منميّة للذات التونسية وفنون مطوّرة للذوق والتواصل بين بني البشر، بدل أن يظلّ السفير - كما في أغلب الحالات - خادما لنظام قد لا يراعي مصالح الدولة التونسيّة ولا يكترث لرغبات مواطنيها بل لا يحترم طموحاتهم ولا يستثمر طاقاتهم!... يحاولون جرّنا إلى كره بلادنا، فنزداد لها حبّا ونزداد لهم كرها... يحاولون إبعادنا عن ميادين الفعل والخير، فنزداد بهما التصاقا وعليهما إقبالا... يحاولون التمعّش من الإرهاب واتّهامنا به، فنزداد بذلك احتقارا لهم وتزداد علاقاتهم وضوحا بالإرهاب... ولو كان ضعفاؤنا يستطيعون التوقّف والنّظر زمن اندفاعهم المستحبّ في مقاومة الإرهاب - بدمائهم وأكبادهم كما أسلفت - لتوقّفوا طويلا عند هذا المشهد غير المتناسق، ففي الوقت الذي اندفع فيه البنقردانيون بكرمهم وحبّهم لبلدهم وللنّاس يتنافسون في تجهيز الطعام للأمنيين، انحرف الأمنيون ببنقردان يهاجمون - باسم مقاومة الإرهاب - وبتعليمات "صالحيهم" روضاتهم!... سيظلّ زهير تريمش وأهله جميعا في حدقة عيون تونس رغم لؤم اللئام، تكلأهم بعنايتها، تدفع عنهم مكائد النّاشطين زمن انشغال التونسيين في دفع البلاء عن بلادهم!... وسوف يتفرّغ التونسيون غدا بإذن الله لدفع البلاء الأكبر! حتّى يتمكّن المستقبِل في المطار من استقبال أحبّائه دون أن يمنعهم "غيور" زيارة بلادهم!... ثبّتك الله يا زهير ولن يزيدك البلاء إلّا رسوّا في مواضع الشهامة والرّجولة... فاصبر وكن - كما أنت - رجلا أيّها الرّجل!...