سوف يمتنع أبناء المهجّرين مستقبلا عن مصاحبة آبائهم إلى تونس زائرين بلدهم، وهم يسمعون عن "الإنسانيّة" الاستثنائيّة التي ووجهت بها فاطمة تريمش، ذات الستة عشر ربيعا، في مطار المنستير، في طريقها إلى مسقط رأس أبيها زهير تريمش، خنيس، من طرف "حماة الوطن"!... فأبناء المهجّرين ليسوا في مأمن من إرهاب يُقاوم به أهلُه "الإرهاب"!... سوف يمتنع الأبناء عن الزيارة محافظة منهم على صور جميلة رسموها عن بلدهم وأهاليهم وآبائهم... يمتنعون ليحافظوا على صورة تونس لكلّ التونسيين، يتساوى فيها الغنيّ والفقير إلّا ما كان من تفاوت فرص رغد العيش بينهم... يتساوى فيها المرأة والرّجل إلّا ما كان بينهم من خصوصيّة الخِلقة... يتساوى فيها الكبير والصغير إلّا ما كان من التبجيل والتراحم بينهم... يتساوى فيها المقيم والمهاجر إلّا ما كان من تقاسم الأدوار بينهم... سوف يمتنعون عن الزيارة لتظلّ تونس كما رأوها أو هم تصوّروها ينعم فيها النّاس بعد الثورة بالحريّة والكرامة في إطار توافق افتخر به التونسيون العاملون أمام العالم!... سوف يمتنع الأبناء ليحافظوا على صورة أهلهم!... يرونهم عصبتهم أو بتعبير ابن خلدون عصابتهم، يضمنون مناعتهم فلا ينتهك أحد حرماتهم، ينصرونهم عند مباغتتهم فلا يقوى أحد على هزيمتهم، يجيرونهم فلا يخلّ أحد في معاملتهم، يسعدونهم فلا يرون ما يعكّر صفو إقامتهم، يحضنونهم فلا يقوى أحد على منع أو إبطال دفء أحضانهم، يفخرون بهم وقد رأوهم أسيادا في بلدهم!... سوف يمتنع الأبناء ليحافظفوا على صورة أبيهم!... يرونه حاضنا مسؤولا عن أمنهم!... يرونه رمزا لا يسقطه أحد... يرونه جبلا لا يقوى على تسلّقه أحد... يرونه ملاذهم بعد الله تعالى لا يمنع حضنه عنهم أحد!... سوف يمتنعون عن الزيارة في المستقبل، لأنّهم إن فعلوا رأوا بلدا متخلّفا لا تُحفظ فيه الذمم... ديكتاتوريّا لا تطبّق فيه أبسط آليات الديمقراطيّة... مخيفا لا تراعى فيه أبسط قواعد الأمن... لاإنسانيّا يفرّق فيه بين الولد ووالده وحاميه وحضنه... متخلّفا لا يعير نداءات التونسيين اهتماما ولا يحترم طلباتهم... ظالما لا يتحرّى في توزيع التهم على الأبرياء... ساديّا يسعد بهرسلة مواطنيه واتّهامهم وتوفير الحيرة والقلق لهم!... سوف يمتنعون عن الزيارة في المستقبل، لأنّهم إن فعلوا رأوا أهلهم عاجزين لا يستطيعون توفير الحماية لهم... ضعفاء لا يكترث "الشرفاء" لهم (*)... قاعدين (حاشاهم) لا حول ولا قوّة لهم... أجراء غير شركاء لا حقّ لهم في بلادهم!... سوف يمتنعون عن الزيارة في المستقبل، لأنّهم لو فعلوا رأوا والدهم قصيرا يرتقيه كلّ قاصر، فبطلت بذلك رمزيّتة عندهم!... ذلك ما كان يريد "حماة الوطن" كارهوه، مبغضو الكرام، حصوله!... غير أنّ فاطمة لمّا حدّثت (دون حرف) (**)، حدّثت برفعة أبيها وقصر قامة متصيّديه!... حدّثت بأنّ حرمانها اللقاء بالأهل في ظروف عادية اعتادها الأهل لم تزد أهلها إلّا حبّا لبلدهم واعتزازا بأبيها ولدهم واحتقارا للفاسدين والخونة ومبغضي هذا الوطن وشرفاءه!... حدّثت أنّ ذلك قد زاد من حسنات أبيها في ميزانه إن شاء الله تعالى ومن قيمته عند الذين يعرفونه والذين تعرّفوا عليه من خلال هذه الحادثة البشعة غير اللائقة بتونس وبدبلوماسيتها كثيرة الشوق إلى العهد البائد عهد الوصاية والوشاية والاستعباد والاستبداد!... حدّثت عن رغبتها في أن تزور بلدها تونس مرّات ومرّات سائلة الله أن يكون المستقبل خيرا من الحاضر، مؤكّدة أنّ ذلك لن يكون كذلك إلّا إذا سعى الجميع إلى محاصرة الشرّ وأهله وعملوا على إشاعة الخير والحبّ بين التونسيين جميعا!... وبعد حين سيُفرج بإذن الله عن زهير ويتجرّع ساجنه مرارة الهزيمة وازدراء الأعين التي لم تخف احتقاره!... ------------------- (*): الضعيف والشريف هنا، كما جاءا في حديث الحبيب صلّى الله عليه وسلّم: [إنّما هلك الذين من قبلكم أنّه كان إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ... (الحديث)]!... (**): خشيت على بنتي فاطمة المساءلة من طرف "حماة الوطن"، فبيّنت أنّها لم تنبس ببنت شفة!... والله المستعان