قال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان عبد الستار بن موسى أن التعذيب في تونس هو ثقافة موروثة من العهد البائد ومازالت متواصلة، نافيا أن تكون ممنهجة من قبل وزارة الداخلية، كما اعتبر بن موسى أن المنظومة الأمنية في حاجة ماسة إلى المراجعة والإصلاح، وفي سياق آخر وصف رئيس الرابطة الوضع الحالي في تونس بالفوضى العارمة، داعيا الحكومة إلى المسك بزمام الأمور والايفاء بتعهداتها فيما يتعلق بقضايا التشغيل والتنمية، وهذه المواضيع والملفات جاءت في حديث عبد الستار بن موسى ل"الصباح" وفي ما يلي نصه: * في ظل ما تعيشه البلاد من تقلبات سياسية وعدم استقرار على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي والتهديدات الإرهابية، كيف تقيمون الوضع العام؟ -المشهد العام في تونس اليوم متوتر على مختلف الأصعدة ولم يعد يخفى على أحد حقيقة الوضع المترهل الذي تمر به البلاد في هذه الفترة الحرجة من تاريخها الحديث، على الصعيد الاقتصادي هناك غياب يكاد يكون كليا للاستثمار الأجنبي خاصة، اجتماعيا تهاوت المقدرة الشرائية للمواطن مقابل ارتفاع كبير في الأسعار، المطلبية الاجتماعية ارتفعت إلى أن تجاوزت حدود المعقول في العديد من الأحيان، سياسيا تعيش أغلب الأحزاب حالة من عدم الاستقرار أثرت على أداء الحكومة وبالتالي فان الوضعية الحالية خطيرة والأخطر هو القابلية لمزيد استفحال الأزمة، وقد أنتج هذا الوضع فوضى عارمة نعيشها اليوم في تونس. * حسب رأيكم من المتسبب في ما وصفتموه بالأزمة؟ -لا يمكن إلقاء المسؤولية على طرف بعينه، كلنا اليوم مسؤولون وكل طرف حكومي أو سياسي كان أو اجتماعي، أو منظمات مجتمع مدني، وحتى المواطن، الكل يتحمل جزءا من المسؤولية، لكن حسب تقديري فان السلطة الحاكمة تتحمل القسط الأوفر فيما وصلت إليه البلاد اليوم لأنها وإلى حد الآن غير قادرة على الإيفاء بتعهداتها إزاء الشعب، حيث لم يقع إيجاد الحلول الجذرية لمشاكل التنمية والتشغيل في مختلف جهات الجمهورية، وعلى سبيل الذكر الحوار الوطني الأخير حول التشغيل لم يقع تفعيله في المناطق الداخلية ومازال إلى الآن حبرا على ورق، كما أن مخرجاته لم تكن في مستوى التطلعات والانتظارات، والمهم هو كيفية تنفيذ ما تم الاتفاق حوله داخل ورشات الحوار. كما أن التأخير في اجراء الانتخابات البلدية زاد في تأزيم الوضع، وزاد في تهميش الجهات الداخلية، وعلى المسؤولين في السلطة الإسراع بإجراء الانتخابات في أقرب الآجال حتى تتمكن من تحديد مطالب كل جهة حسب خصوصياتها وحاجياتها، إضافة إلى التأخير في إرساء المؤسسات الدستورية على غرار المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء ساهم في تأزيم الوضع الراهن، لأنه ليس من الممكن إرساء ديمقراطية دون مؤسسات صلبة وفعالة. * أنتم كمنظمة وطنية حائزة على جائزة نوبل للسلام وكان لها دور في إنجاح الحوار الوطني والخروج بالبلاد من النفق المظلم التي مرت به بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي، هل قدمتم تصورات حلول لمجمل المشاكل العالقة؟ -نحن في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وبعد نجاحنا في الحوار الوطني، خيرنا المواصلة في نهج العمل ضمن إطار الرباعي الحائز على جائزة نوبل، وقد كانت لنا في هذا السياق العديد من التحركات والاتصالات والمحاولات من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني، حيث طالبنا من الدول الصديقة تحويل ديون تونس إلى استثمارات وطالبنا دعم السياحة الوطنية ومازلنا نواصل مساعينا والتحرك في كل الاتجاهات من أجل مصلحة البلاد. كما كانت لنا اتصالات مع رئيس الحكومة الحبيب الصيد بخصوص العديد من الملفاتالاجتماعية التي أبدينا فيها وجهة نظرنا، من ذلك طالبنا رئاسة الحكومة وعلى اثر التحركات الاجتماعية الاحتجاجية الأخيرة والتي شابتها تجاوزات أمنية، طالبنا بعدم تجريم هذه التحركات السلمية والاستماع إلى أصوات المحتجين والتفاعل معهم بشكل إيجابي عوض القمع ومجابهتهم بالقوة، ونحن ندرك أن الدولة لا تمتلك عصا سحرية لحل جميع المشاكل العالقة لكننا نؤمن بأن الحلول ممكنة ما ان توفرت الإرادة الحقيقية لذلك. * اليوم هناك جدل كبير قائم بين ثنائية محاربة الإرهاب وضمان حقوق الانسان، بين من يجيز استعمال جميع الطرق في الحرب ضد الإرهاب، وبين متحفظ على بعض الممارسات في حق المتهمين في قضايا إرهابية، ما رأيكم في هذه المسألة؟ -أولا يجب التعامل مع قضية الإرهاب من مختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والحقوقية والتربوية والدينية، ولا يجب الاقتصار على زاوية ضيقة لأن الإرهاب اليوم أصبح ظاهرة عالمية ولا يقتصر على تونس، والمشكل المطروح اليوم حسب اعتقادي هو كيف نحارب الإرهاب من جذوره، وهنا يجب أن نطرح العديد من الأسئلة على أنفسنا وأن نراجع مدى نجاعة المنظومة التربوية والثقافية والدينية، لأن الحلول الأمنية تأتي في مرحلة متقدمة، وفي هذا الإطار كنا قد طالبنا بعقد مؤتمر وطني لمناهضة الإرهاب وتشريك مختلف مكونات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة ومكونات الطيف السياسي والخبراء من أجل معالجة هذه الآفة من جذورها ومعرفة أسبابها الحقيقية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية والثقافية، لأن الانسان لا يولد إرهابيا بل هناك عوامل داخلية وخارجية تتراكم لتنتج عناصر إرهابية لا تعترف بالدولة وتستعمل العنف ضد كل من يخالفها الرأي، وأرى أن الانصراف إلى المعالجة الجذرية للمسألة الإرهابية والعمل على القضاء على التهميش الذي يمثل السبب الرئيسي في تفريخ الإرهابيين، أهم من الجدل العقيم الحاصل اليوم حول محاربة الإرهاب والحفاظ على حقوق الإنسان. * تقر بعض منظمات المجتمع المدني والجمعيات ذات العلاقة بحقوق الانسان، بارتفاع حالات الاعتداء والتعذيب، من قبل عناصر الأمن على المواطنين خاصة خلال التحركات الاحتجاجية، هل تؤكدون ذلك؟ -أولا يجب أن نؤكد على أمر مهم وايجابي وهو أن الوضع الحقوقي في تونس اليوم تحسن كثيرا وحققنا العديد من الإنجازات على مستوى حرية التعبير وحرية الصحافة والاعلام بصفة عامة، لكن مازالت هناك تجاوزات من قبل الأمن ضدّ المواطنين وهناك استعمال للعنف في العديد من المواقع، كما لا نخفي أن التعذيب مازال موجودا لكنه ليس ممنهجا بل هو عقلية تواصلت وثقافة مستمرة، لأن المنظومة الأمنية لم تصلح بعد ولدينا اليوم العديد من حالات التعذيب القائمة، لكن وسائل الاثبات غير كافية وفي هذا السياق أؤكد على ضرورة تغيير القانون في اثبات جريمة التعذيب خاصة في أماكن الاحتفاظ التي يصعب فيها اثبات وتوثيق التعذيب ضد الموقوفين. وقد تمكنا من زيارة السجون التي مازالت بدورها تعرف سوء معاملة للموقوفين والمساجين، باستثناء الاصلاحيات التي يتوفر فيها الاحد الأدني من شروط التي تضمن كرامة الانسان، وسنقدم يوم 7 ماي الجاري تقريرا مفصلا حول مجمل التجاوزات في السجون ومراكز الاحتفاظ. * أمام تواصل حالات التعذيب والاعتداءات الأمنية على المواطنين، ألا تتخوفون من تراجع منسوب الحريات؟ -صحيح أن هناك تخوفات وصيحات فزع من قبل بعض الجمعيات المدنية والنشطاء والتي تخاف من تقلص الحريات، لكن أريد أن أؤكد أننا لن نعود إلى المربع الأول الذي كان قبل ثورة 14 جانفي، ونحن في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بالمرصاد لكل تجاوزات من شأنها أن ترجعنا إلى عهد الاستبداد مهما كانت الظروف، ومطلوب اليوم من منظماتالمجتمع المدني أن تتوحد في اطار تنسيقيات وشبكات لتكون قوة ضغط وقوة اقتراح في مجال الدفاع عن حقوق الانسان والحريات لان العمل الفردي في هذا الاتجاه لم يعد يجدي نفعا. * ألا ترون أن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان باتت اليوم في حاجة إلى ضخ دماء جديدة؟ -الرابطة كانت وستبقى حصنا منيعا ضد التجاوزات التي تطال الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في تونس، ولعبت أدوارا هامة في مختلف مراحل تاريخ تونس الحديث، واليوم فعلا هي في حاجة إلى التجديد والتشبيب ونحن على وعي تام بذلك، وسيتجسد ذلك على أرض الواقع قريبا في الفروع الجهوية وعلى المستوى الوطني