شنّ حسن الزرقوني،في برنامج 7/24 على قناة الحوار،هجوما على الشباب المائع الذي تعوّد على التفوّه بالكلام البذيء والفاحش دون مراعاة الحدّ الأدنى من الانضباط الأخلاقي ودون أيّ اعتبار للمحيط الذي يعيش فيه. وتساءل حسن الزرقوني : كيف يسمح هذا الشّاب لنفسه بالتفوّه بالكلام الفاحش (كلام زايد) أمام كلّ النّاس في الطريق وفي الحافلة وفي السّوق وأمام الأم وابنتها وأمام الأب وأبنائه وأمام الأخ وإخوته بدون أدنى اعتبار لأي رابط أخلاقي وقيمي وحضاري ؟ إنّ الحقيقة الأولى التي يجب أن نقرّ بها هي أنّ شباب اليوم قد تخطّى كل الخطوط الحمراء وطفق يتخطى حواجز الأخلاق حاجزا بعد حاجز بسرعة جنونية وهو لا يدري متى يتخطّى الحاجز الأخير ومتى تهوي به الرّيح في مكان سحيق. والحقيقة الثانية : حقيق بنا أن نتساءل : من أوصل هذا الشباب إلى هذا الدرك الأسفل من السّقوط الأخلاقي الحاد ؟ أليس هو جيل المنظومة السّابقة ؟ ذلك الجيل الذي تربّى على يديه وفي أحضانه أغلب شباب اليوم. فالسلفية الدينية هي نتيجة حتمية ومنطقية لسياسة تجفيف المنابع التي امتدّت على عقود. والكلام البذيء هو أيضا نتيجة حتمية لسياسة الانحلال والتسيّب الأخلاقي التي مورست وفرضت فرضا على الشّعب وخصوصا على الشّباب طيلة خمسة عقود كاملة. وكيف يمكن أن نستسيغ أن ينتمي البعض إلى منظومة استبدادية تدعو للفساد والاستبداد وإلى الانحلال الأخلاقي والتفسّخ القيمي، ويحرّضون على أن تكون كلمة الاستبداد والانحلال هي العليا ثمّ يقفون على المنابر الإعلامية ليشتموا المتلفّظين بالكلام البذيء والفاحش ؟ فقناة الحوار التونسي التي ينتمي إلى خط تحريرها حسن الزرقوني والتي هاجم من خلالها الشباب المتلفّظ بالكلام الفاحش هي نفس القناة التي تدعو على مدار السّاعة للفساد والتبرّج الفاضح وللعري والتعرّي وللكلام البذيء وللرقص الفاضح وللفسق والمجون من خلال برامجها المختلفة : "دليلك ملك" "كلام النّاس" "لاباس" "لسّ فاكر" ... وهي نفس القناة التي لا تتورّع عن استدعاء كل الجمعيات المشبوهة وكل المنبتين والزنادقة ليبثّوا سمومهم في كلّ آن وحين. هذا السلوك هو ذاته ما كان يسلكه المخلوع بورقيبة والمخلوع بن علي عندما كانا يحاربان الفضيلة سرّا بكلّ الطرق والوسائل ثم يتظاهران بحمايتها بالظهور في المناسبات الدينية بالجبّة والشاشية وهما يأدّيان الشعائر الدينية. لقد حدثت الثورة من أجل أن لا يتكرّر من جديد مشهد بورقيبة وبن علي مرّة أخرى وبطريقة وبأساليب أخرى. فلا نريد أن تقوم للاستبداد قائمة من جديد من باب حرية الإعلام والكلام. ولقد انكشفت سياسة الثعالب التي مورست على الشعب طيلة عقود (التي أشار إليها أحمد شوقي في قصيدته المشهورة : برز الثعلب يوما في شعار الواعظينا) ولم يعد بوسع الشعب أن يمرّرها. لقد مللنا سياسة الثورجيين الذين يتقنون دور التمثيل : تمثيل دور الثوريين. كما مللنا دور المتخلّقين الذين يتكلّفون حماية الأخلاق الحميدة. فكفانا تمثيلا من بورقيبة إلى بن علي إلى كل الثورجيين وإلى كل المتخلّقين وإلى كل المتصنّعين الذين يتصنّعون ويتكلّفون الدفاع عن الفضيلة. فهم يحرّمون الزنا ويحلّلون الشذوذ الجنسي ! يحرّمون فاحش القول ولا يحرمون الفواحش والتبرّج والتعرّي ! يحرمون المنكرات في المناسبات ويجيزونها في بقية الأيّام ! كما أنّنا نرفض أن يتحوّل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر إلى واجهة وستار لمزاد علني ولبورصة مالية يتمعّش منهما المتكلّفون والمتخلّقون. في هذا السّياق أستحضر قولة الشهيد سيد قطب لحظات قبل إعدامه عندما طلب منه الشيخ النطق بالشهادتين. فقال له : "نحن نُستشهد بها أمّا أنتم فتأكلون بها خبزا" منجي المازني