سيدي الرئيس المُبجبج أعتذر إليك إذ أنه لم يسبق لي أن توجّهت لك بخطاب كسالف عهدي مع سلفكم، ولا أقصد بسلفكم ذاك الذي نافسكم وحاول أن يحرمكم مجدا انتم له أهل، فهو في كل الأحوال ليس من طينتك ليكون لك سلفا، وإنما قصدت ذاك الذي فرّت به طائرة ذات "أربعطاش" ولم يرجع! فهو من طينتك وملّتك وأنت وهو قد تربّيتما في نفس الحزب والمنظومة وعلى يد نفس "الرجل العظيم" الذي ربّاكما، والتعبير لكم سيدي! كنت أتوجه له بخطاباتي لأنني رأيت أن بيده الحلّ والعقد وأن كل ما يجري في تونسنا يجري وفق إرادته أو هواه، رغبة في رضاه أو رهبة من سخطه وعقابه! ولجهلي وسوء نيّتي لم أنزلك منزلك ولم أقدّرك قدرك وفاتني بذلك خير كثير! اعتقدت أن ليس لك من الأمر شيء وأنك مجرد صورة لإكمال الديكور "الديمقراطي"، واعتقدت خطأ أن الأمر كله بيد من نفخ فيك روح السياسة والزعامة من جديد ومن نفض عنك الغبار وأخرجك من الأرشيف الوطني ليركبك على "بقرة" الشباب فيحلبها بأصابعك كما يشاء! ... ولكنك سيدي الرئيس أثبتّ أن لديك من الدهاء والخبرة ما جعلك تحلب لحسابك الخاص وقد خاب من عوّل عليك من خلف الستائر "السّكّرية"! ... وكم كنت رائعا حين بعثته "ي...." لما راهن على مرشح غيرك في سباق الرئاسة! وقد أثبتّ سيدي الرئيس أنك ربّان ماهر قادر على قيادة السفينة وسط الأعاصير والأنواء، تغرف من موائد آل نهيان الدّسمة دون أن تبشم أو يقطر دهن من شفاهك، وتصلي مع الغنّوشي دون أن يطبع السجود أثرا على جبهتك أو تنهاك صلاتك عمّا "يزعمون" أنه منكر! ... ثم تقف على ربوة "الحياد"! كل ذلك وغيره كثير جعلني أندم على تقصيري في "جنبك" فأتوجه لك بخطابي غير طامع في عطاء يسير أو كثير، يحدوني الثناء على دهائك والتزود من حكمتك وحسن بلائك! وقد سرني أنه لا يؤمن لك جانب وأنك يمكن أن تقلب الطاولة على من والاك قبل من عاداك في الوقت الذي تراه لك صالحا و"للمدنية" حافظا وراعيا! يظن من لا يعرف مراوغاتك أن الله قد ابتلاك أو أن أمرا قد دهاك! ... ولذلك لم يفهم المتابعون لك "كوعا من بوع" ... فمرّة تتكرّم وتمنح "شركائك" صكّ "المدنية بعد أن كانوا والغين في "الهمجية" وأخرى تسحب الصكّ وتعلن أنك تكرّمت ترغيبا ليصلح حالهم، ولكنهم لم يفهموا العطية وقابلوها بالأذية، وأصروا على البقاء في ثغور "البداوة" والهمجية! ولذلك من فَهِمك وفهِم "كوعك من بوعك" فلن ينازعك الوصاية على التركة البورقيبية وما فيها من عمران ومدنية، بل أنتم سيدي الرئيس قسّيس المدنية عن جدارة تمنح صكّها من تشاء وتنزعه عمّن تشاء لا ينازك في ذلك إلا طائش أو مكابر، فأنت الأكثر تجربة والأطول عمرا وخبرة في تشييد العمران وتخريبه! وليس منا مخضرما مثلك عاش الاستعمار والاستقلال، وعاش الملكية والجمهورية وخدم الباي والرئيس حتى أصبح رئيسا!! سيدي الرئيس من باب الحبّ والنصح لوليّ الأمر، إياك والعَجلة والطيبة الزائدة مسقبلا لا تتكرّم على أحد "بوسام" المدنيّة حتى وإن منحك صوته أو حماك من أزمة الصراعات والشقوق، حتى وإن خالف مسلمات الكتاب وأعلن أنه موافق على الحساب قبل أن يأتيه منك الخطاب! فقد يصبح أحدهم مواليا ويُمسي مناكفا، أو ينال صكّ المدنية في الصباح ثم ينقلب "همجيّا" في المساء ... بالملخص سيدي دعهم يحيون على أمل الفوز منك بصك المدنية دون أن يحوزوه! فصك المدنية يُنبت قرنين لمن حازه، ينطح بهما أول ما ينطح أصحاب الفضل عليه والعاقل الحصيف سيدي الرئيس في غنى عن هذا! يستثنى من هؤلاء، أولائك "المدنيون" الذين قالوا في الخمر إنها مباحة، والإتجار فيها وعصرها وشربها متعة وسياحة، لأنهم فهموا ما فهم ثعلب ابن المقفّع حين جعل الغزالة لغداء الأسد والأرنب لعشائه والضبي بينهما ... والعاقل من اتعض بغيره "ولم يلعب بخبزة أسياده"!! ومن تجاسر وقال إنها محرّمة مذهبة للعقل والرجولة معتقدا أن في زعمه ذلك كلمة حقّ وبطولة فرجعيّ ابن رجعي والغ في الهمجية لا تُقبل منه توبة ولا يُمنح صكا للمدنية مع وجوب عزله ورميه بكل صفة دنيّة!! وأما من رماك بمعاداة قطعيّ الكتاب باسم المدنية ولمز في دينك وما أنت عليه من اعتزاز بالهوية أو قال في وجهكم "لا" فذلك داعشي الهوى سلط عليه بنت "قراش" أو بنت "سلامة ولن تشعر يوما بندامة!!
بقي سيدي قبل أن أختم خطابي أن أكون سباقا فأناشدك الترشح ل"التّسعطاش بعد ألفين" لأنه لا يقوى عليها إلاّ من فاق التسعين! وسؤال الختام سيدي الرئيس، ماذا حصل مع صاحبة القفة الفارغة التى أدمعت عينيك بباب سويقة، تلك التي لم تأكل اللحم منذ شهور ولم تشبع حتى من "السّويقة" فقد بلغني أن قفّتها فاضت بالخير العميم بعد أن قسمت الميراث مع أخيها بالسّوية، فبشمت ونُقلت على متن مروحية للمصحة الرئاسية؟؟!! صابر التونسي 12 سبتمبر 2017