5 - اخشوشنوا بين الفنادق الفاخرة وبقيّة البقاع والمراحل فوارق كثيرة كبيرة!... ولو كنتُ ناصحا للتخفيف من آثار ذلك التباين، لأكّدتّ على العمل الكشفي وعلى ضرورة تعميمه بين صفوف المسلمين!... يعلّمون أبناءهم العيش الضنك كما يعلّمونهم فرائض الإسلام!... يجعلونهم على طريق فتى قريش المنعّم، مصعب بن عمير، بن خنّاس بنت مالك، رضي الله تعالى عنه!... فقد عاش مدلّلا مبجّلا مكرّما، ثمّ اختار طريق الجدّ والاستقامة على المبدأ، فكان حامل لواء المهاجرين، وكان أزهد النّاس في دنيا ملكت أسبابَها أمُّه، وما قويت أمُّه على استمالته، فقد درّب نفسه على الحياة الجديدة "البائسة" قائدته إلى النّعيم المقيم!... حتّى إذا قُبض يوم أحد، وقف عند رأسه سيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم يبكيه ويشهد: رأيتك بمكّة وما بها أرقّ حلّة ولا أحسن لمّة منك، ثمّ ها أنت ذا؛ شعث الرّأس في بردة!...
6 - ساعة
لقد ثأرت السّاعة لجدّها أبي لهب، فهيمنت على المآذن والحرم هيمنة مخلّة، وأفقدت النّاس القدرة على التوجّه، فعانوا بوجودها معاناة لا يدركها إلّا الذي عايشها!...
7 - مسموعة قال لي صاحبي: لو كنت ناصحا، لنصحت بعدم مبادرة المسلمين الجدد بأداء فريضة الحجّ!... فلعلّ من المعايشات ما يصدمهم أو يرجّ إيمانهم الذي لم يشتدّ عودُه بعد!... سألت أحد هؤلاء المسلمين الجدد كيف وجد المناسك، فعبّر عن ابتهاجه وسعادته بما عاش وعايش!...
8 - فوارق الفرق بين الحرم الشريف مفروشا وبينه غير مفروش، كالفرق بين بناية جديدة اكتسبت بهاءها بتجهيزاتها وبينها قبل فرشها وتجهيزها!... ومنه فإنّي أنصح القادر على زيارة الحرم الشريف خارج أيّام الحجّ، فإنّه يكون وقتها - بفرشه - غاية في البهاء!... ولو توقّفنا لقلنا أنّ الكعبة المشرّفة ما تركت بمفردها شيئا من البهاء!... فتأمّلها وردّد دعاء رؤيتها: اللهمّ زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة، وزد من شرّفه وكرّمه وعظّمه ممّن حجّه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرّا!...
9 - إخلالات قد لا يؤدّي التساهل في تطبيق القوانين إلّا إلى الإخلالات المساعدة على نموّ المظاهر السلبيّة المتناولة للأخلاق والدّين!...
10 - أهميّة الجوازات تزداد قيمة الجوازات كلّما وقعت بأيادٍ لا تراعي - كما ينبغي - ذمم أصحابها وحامليها!... وقد مررت بأرض تُحجَز فيها الجوازات عند الدّخول إليها وتسلّم عند الخروج منها... وقد كان يمكن تفهّم ذلك لو كان الحرص على الإرجاع بمقدار الحرص على الاستلام!... ولكنّ استرجاع الجوازات لم يكن أمرا هيّنا البتّة بل كان غاية في العسر يأكل أوقات النّاس بإسراف ويضيع مصالحهم باستخفاف... حتّى ليكاد المرء في لحظة ضعفه يفكّر في الاستعانة براعي البقر ترمب!... فقد رأينا قدرته الفائقة على تجميع الأعراب لأكل أموالهم بالاستغفال، ولا نراه إلّا على استرجاع الجوازات أقدر!... بئس عبيد يريدون إشعار الأحرار أنّهم لديهم عبيدا، وخاب أناس يذلّون أهل الإيمان ويتزلّفون لأهل الكفر ويتذلّلون لهم...
11 - قد تفعل ما تستقبح كان المشهد غريبا لمّا همّ هذا الحاج الآسيوي الشاب بالوضوء على أرضيّة مسجد نمرة بعرفة، المجرّد من أثاثه تحوّطا!... مشهد استقبحته بنظرة فهم منها ضرورة استعمال كيس بلاستيكيّ يجمع فيه فضلة وضوئه!... استمرّ بي المكوث طويلا في المسجد، فقد كنت ضمن الأوائل الواصلين إليه!... فلمّا اقترب وقت الصلاة، حاولت تجديد الوضوء سيّما وقد أخذتني سِنة أو نوم لا أعلم ما انفرط فيه وترتّب عليه... فوجئت وأنا أهمّ بالمغادرة بتنبيهي إلى أنّ مغادرتي تعني عدم عودتي، وذلك لكثرة المرابطين بالباب!... قلت: إذن لن أخرج!... ثمّ "امتهنت" الفتوى، أحدّث نفسي بصلاة فاقد الطهورين، فالمسجد على سعته وضخامته لم يُر فيه ما به يُمكن التيمّم!... دخلت معركة مع نفسي، فإذا مشهد الشاب يعاد أمامي، وإذا بي أجد فيه المخرج!... ولو قابلت الشاب لاعتذرت له!... فرائض الوضوء فقط مع استعمال الرشّ بدل الإهراق... والكيس يتكفّل بالحفاظ على نظافة المكان!... والضرورات تبيح المحظورات، حتّى ليأكل المؤمن لحم خنزير أو يشرب خمرا درءً للهلكة... ونسأل الله الثبات والمغفرة...
12 - حركة حركة النّقل أيّام الموسم تكشف تقصير الحكّام في خدمة شعوبهم، وتضخّم جريمة عطاءاتهم وتوسيعاتهم!... فقد كانت مئات المليارات من الدولارات الموهوبة لراعي البقر المحارب لله وللإسلام، أو كانت الأموال الطائلة التي أنفقت لإقامة ساعة هيمنت على الحرم، كفيلة بحفر الأنفاق الدّائريّة لتجنيب النّاس العنت وتوفير الأوقات لهم لاغتنام صلوات الحرم الشريف!... نسأل الله صلاح الحال...
13 - الشيطان تُرمى في منى جمراتٌ ثلاثٌ كبرى ووسطى وصغرى... والجمرات قريبة جدّا من بعضها البعض ولا تكلّف عناء كما كنت أحسب في ضبطها والتوجّه إليها... ويسمّى رمي الجمرات عند النّاس والعامّة رجم الشيطان!... ورجم الشيطان يعني - لو فقهنا - رجمه في أنفسنا أوّلا كي نجتنب وساوسه التي قد تهوّن عند البعض عصر النّساء عصرا أو رفس العجّز والشيوخ رفسا!... وعندي أنّ المنشآت الحالية صالحة للتطوّر وقادرة ببعض الضبط على تلافي موبقات الرّجم!... كأن تخصّص ممرّات للنّساء والعجّز أو تخصّص لهم أوقات حسب فقه أصحاب الأعذار!... وعندي أيضا أنّ الأخطاء قابلة للتلافي والاندثار، إذا ما أخلصنا في بلداننا قبل السفر إلى الحجّ في تثقيف النّاس وتفقيههم في دينهم، وإذا ما اجتهد كذلك أصحاب الحملات ومسيّروها في فعل ذلك كذلك!... فقد كان صاحب حملتنا حريصا قبل يوم التروية على زيارة الجمرات وتعليمنا - ونحن نعلم - كلّ ما تعلّق بالرّجم!... نسأل الله صلاح الحال...
14 - الطواف الطواف هو استحضار مشهد النبيّ الكريم وصحبه الكرام يرملون، يُظهرون للكفّار من أنفسهم قوّة... هو إشباع العين من الكعبة المشرّفة، تسأل الله تعالى أن يزيدها تكريما وتشريفا وتعظيما ومهابة وتسأله تعالى أن يزيد من شرّفه وكرّمه وعظّمه تشريفا وتكريما وتعظيما وبرّا... هو التكبير والتهليل والتسبيح والحمد والإلحاح في الدعاء... هو الإكثار من دعاء [ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار] والإكثار من دعاء [ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الأعزّ الأكرم]... هو الإكثار من الدّعاء عموما تستحضر الحبيب والقريب وعامّة المسلمين وتدعو لهم أن يُؤتيَ تعالى كلَّ ذي سؤل سؤله ويقضيَ لكلّ ذي حاجة حاجته... هو الانصراف عمّن حولك وإلى ربّ غفور شكور كريم تسأله حجّا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا... هو حمد الله على أن جعل لسانك رطبا بالدّعاء وأنت تلاحظ حولك مَن مِن النّاس يلتزمون موجّههم يردّدون بعده جُملا مقتضبة منقولة من ورق عزّ لديهم... هو صلاة واستسلام ورجاء وطمع في الله القويّ المتين... هو كمال المتعة باصطحاب الزوجة فيه... هو ذلك وأضعاف ذلك وأكثر من ذلك... هو نعمة لا يعلم قيمتها إلّا من استغرق فيه في الدعاء واستسلم فيه لربّه حتّى ما عاد يتبيّن هوية من يلامسه!... نسأل الله القبول...
15 - الجبال
أرسى الله تعالى الجبال حامية لمكّة والمدينة، ودعّمها بطقس يصعب على غير المقيم بهما التأقلم معه أو التعوّد عليه!... مدينتان يصعب التمكّن منهما عسكريّا واحتلالهما بريّا إلّا إذا كانتا والجبال المحيطة بهما كثيبا مهيلا!... ومع ذلك فقد جاء في الحديث أنّ رجل الحبشة يقعد على الكعبة يقلعها حجرا حجرا بمسحاته!... وقد وصفه لنا الحبيب صلّى الله عليه وسلّم قال: كأنّي به أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا... هيأة لا تعكس قوّة عسكريّة غاشمة؛ ولكنّها تعكس وضعا مزريا للمسلمين يومئذ!... تذهب قوّتهم ويعظم وهنهم وتكثر خلافاتهم وتهون عليهم حرماتهم وتموت غيرتهم فيهم وتنتهك أعراضهم حتّى ما يستفزّهم احتلال الكعبة المكرّمة المشرّفة... وللعلماء في تعديل السرعة اللازمة لبلوغ تلك الحال الدور الكبير!... فإذا رأيتهم يصمتون لا يتضامنون مع نظرائهم... يبيعون آخرتهم بعرض من الدنيا قليل... يخافون السلطان الجائر فتنهار عزائمهم ويبخلون عن كلمة الحقّ يرفعونها في وجوههم!... فاعلم أنّ الأفحش على الأبواب، أو تسمّع عنه فإنّ أخباره لن تتأخّر!... نسأل الله حسن الخاتمة وصلاح الحال وأن يقينا فتنة الدجّال وفتنة الأسود الأفحج وفتنة القعود عن قول كلمة الحقّ!...