اتهمت إسرائيل اليوم الثلاثاء رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان بالتحريض عليها وبمعاداة السامية، مؤكدة أنّ عملية إهانة السفير التركي أحمت تشيلكول كانت ناجحة. ونقلت جريدة "هآرتس" عن تقرير من سبع صفحات أعد مؤخرا وقدم للطاقم الحكومي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يستند إلى معلومات استخبارية وقامت وزارة الخارجية الإسرائيلية بتوزيعه على مختلف سفاراتها في الخارج. واعتبر التقرير أردوجان بأنّه السبب الرئيسي في التوتر الحالي بين تركيا وإسرائيل وإعطاء صورة سلبية عنها أمام الرأي العام التركي، قائلا: "أردوجان لا يتردد دائمًا في استخدام مصطلحات معادية للسامية في خطاباته، وأنه دائما ما يحرِّض بطريقة غير مباشرة ضد إسرائيل". وبرّر التقرير هذا الهجوم بأنّ رئيس الحكومة التركي يسعى من خلاله إلى رفع شأنه في الدول الإسلامية وفي الشرق الأوسط، ولعب دور قيادي فيها، وفي أوساط المعارضة التركية، وجمهور حزبه. وادّعى التقرير بأنّه منذ أن تولّي حزب أردوجان الحكم فإنّه يعمل على تشكيل رأي عام تركي سلبي تجاه إسرائيل عبر استخدام خط دعائي يتكرر في خطاباته ويتمحور حول وصف المعاناة الفلسطينية في غزة، واتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب تصل إلى حد التصريحات اللاسامية والتحريض. واتهم التقرير أردوجان وبعض المحيطين به "بأنهم لا يرون فرقا بين اليهود وإسرائيل ولذلك فإنّ انتقاداتهم الحماسية التي يطلقونها ضد إسرائيل تصبح شعارات ضد اليهود". إهانة السفير واعترف التقرير بأنّ الإهانة التي وجهها نائب وزير الخارجية أيالون للسفير التركي في إسرائيل قبل نحو ثلاثة أسابيع تسببت في إزعاج الأتراك بشكل عميق وهو أمر سيستمر أعواما مقبلة، قائلة "إهانة السفير يمكن أن تُطبع في وعي الأتراك لسنين طويلة كمس خطير في كرامتهم". وزعم التقرير الإسرائيلي أنّ "طريقة التعامل مع الأزمة من قبل المسؤولين الأتراك، بمن فيهم رئيس الحكومة رجب طيب أردوجان تدل على أنّ تركيا تدرك أنّها تخطت منطقة الخط الأحمر، وحافة حدود الاحتمال لحكومة إسرائيل، وأنّ ذلك قد يؤدي لخسارة إسرائيل، الأمر الذي يمس في شرعية تركيا عالميا". بداية الأزمة وبدأت الأزمة عندما استدعى ايالون السفير التركي في تل أبيب في أعقاب عرض مسلسل جديد مناهض لإسرائيل في التلفزيون التركي الحكومي. وذكر موقع صحيفة "هآرتس" الإلكتروني أنّ ايالون أهان السفير التركي حيث تم تأخير إدخاله إلى مكان الاجتماع ثم إجلاسه على كرسي صغير لا يليق به. وقال أيالون باللغة العبرية للصحفيين الذين سمح لهم بالتقاط الصور: "لاحظوا أنه يجلس على كرسي منخفض، ونحن على كراسي مرتفعة، وأنّ هناك علمًا إسرائيليًا فقط على الطاولة، وأننا لا نبتسم". وقدمت إسرائيل اعتذارا عن هذه الإهانة قبل دقائق من انتهاء المهلة التي حددها الرئيس التركي عبدالله جول لسحب سفير بلاده من تل أبيب، إلّا أنّ هذا الاعتذار لم يحسّن العلاقات المتوترة بين الجانبين منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. فالإهانة التي تعرض لها السفير التركي لم تكن بسبب مسلسل تليفزيوني، وإنما تأتي بالأساس في إطار الغضب الإسرائيلي من مواقف أردوجان الداعمة لغزة، بل وفسرها البعض بأنها قد تكون انتقاما وإن كان متأخرا من واقعة دافوس عندما انسحب أردوجان من المنتدى الاقتصادي العالمي خلال كلمة للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز. وبجانب واقعة دافوس، فقد زادت حدة الغضب الإسرائيلي أيضا بسبب دفاع أردوجان عن برنامج إيران النووي وتقاربه الشديد مع سوريا. ويرجح كثيرون أنّ أردوجان يريد توصيل رسالة قوية للغرب مفادها أنّ إسرائيل هى الخطر الأكبر على استقرار المنطقة وليست إيران، فضلا عن التأكيد أنّ تركيا لن تكون الورقة الرابحة التي سيعتمد عليها أوباما ونتنياهو في تنفيذ أية مغامرة عسكرية ضد إيران. مواقف أردوجان وكان أردوجان خرج في 28 سبتمبر 2009 بتصريحات جريئة هاجم خلالها الدول الغربية لوقوفها ضد إيران لسعيها لامتلاك قدرات نووية، في حين تغمض عينيها عن امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية. وتابع "لقد استخدمت إسرائيل الفوسفور ضد غزة. ما هذا؟ سلاح دمار شامل. وبنتيجته قتل 1400 امرأة وطفل وجرح 5 آلاف شخص. فلماذا لا نتحدث عن هذا؟ لماذا لا تناقش هذه المسألة؟". وعن غزة قال أردوجان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "الناس في غزة يعيشون في الخيم ولا يجدون مياها يشربوها، وأمام هذا المشهد هل مارسنا دورنا الإنساني؟.. وما الذي فعلته الأممالمتحدة أو مجلس الأمن الدولي؟.. ألا يملكان من قدرة على فرض العقوبات أم لا؟". واتهم القوى الكبرى بممارسة ازدواجية في التعامل مع المنطقة، قائلا: "بقدر ما هو الأمن مهم لإسرائيل فإنّه مهم أيضا للفلسطينيين. وبقدر ما تريد إسرائيل أن تكون مستقرة بقدر ما هو مشروع للشعب الفلسطيني أن يكون حرا ويعيش في سلام". كما اتهم المجتمع الدولي بأنّه لم يف بتعهداته قبل ثمانية أشهر بإعادة إعمار غزة عندما منعت إسرائيل مرور مواد البناء إلى داخل القطاع. التصريحات السابقة ورغم أنّها ليست بجديدة على أردوجان، إلا أنها ضاعفت من شعبيته في العالمين العربي والإسلامي وأعادت للأذهان موقفه البطولي في جلسة منتدى دافوس الاقتصادي والتي عقدت في 29 يناير/كانون الثاني 2009 وانسحب خلالها بعد مشادة كلامية بينه وبين الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز حول الحرب على غزة. وجاء قرار أردوجان إلغاء مشاركة إسرائيل في مناورات "نسر الأناضول" في مطلع سبتمبر/أيلول 2009 ليؤكد أنّ هذا الرجل "الشجاع " يترجم أقواله أيضا إلى أفعال.