اصدار بطاقات إيداع في حق مسيري جمعيتين اثنتين ومسؤولين سابقين بعدد من الإدارات ( محمد زيتونة)    مدير معهد الإحصاء: كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار    وزير التشغيل والتكوين المهني يؤكد أن الشركات الأهلية تجربة رائدة وأنموذج لاقتصاد جديد في تونس    تونس في الإجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الأعمار والتنمية(BERD).    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    قابس: تراجع عدد الأضاحي خلال هذه السنة مقارنة بالسنة الفارطة (المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية)    وزير الداخلية الفرنسي: الشرطة قتلت مسلحا حاول إشعال النار في كنيس يهودي    بن عروس: اندلاع حريق بمستودع قديم وغير مستغل    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة : التونسي احمد بن مصلح يحرز برونزية مسابقة دفع الجلة (صنف اف 37)    تفكيك شبكة لترويج الأقراص المخدرة وحجز 900 قرص مخدر    القيروان :الاحتفاظ ب 8 اشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوتية يعملون بشركة فلاحية    الحماية المدنية: انقاذ طفل على اثر سقوطه ببئر دون ماء عمقه حوالي 18 متر    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    بن عروس : انطلاق ملتقى الطاهر الهمامي للإبداع الأدبي والفكري في دورته العاشرة    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    الخارجية الألمانية.. هجمات المستوطنين على مساعدات غزة وصمة عار    رسميا.. سلوت يعلن توليه تدريب ليفربول خلفا لكلوب    اكتشاف جديد قد يحل لغز بناء الأهرامات المصرية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    سعيّد يأذن بتنقيح فصولا من المجلة التجارية    قيس سعيد يُعجّل بتنقيح الفصل 411 المتعلق بأحكام الشيك دون رصيد.    أب يرمي أولاده الأربعة في الشارع والأم ترفضهم    إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية ب 24،5 %    أولا وأخيرا ..«سقف وقاعة»    خلال لقائها ببودربالة...رئيسة مكتب مجلس أوروبا تقدّم برنامج تعاون لمكافحة الفساد    عاجل/ إسبانيا تتخذ اجراء هام ضد الكيان الصهيوني..    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    دقاش: افتتاح فعاليات مهرجان تريتونيس الدولي الدورة 6    وزير الفلاحة: المحتكرون وراء غلاء أسعار أضاحي العيد    الديوانة تحجز سلعا مهربة فاقت قيمتها ال400 مليون    حاولوا سرقة متحف الحبيب بورقيبة الأثري...القبض على 5 متورطين    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    المنستير: عدد حجيج الولاية لموسم الحج الحالي بلغ 590 حاجا وحاجة    تقريرنقابة الصحفيين: ارتفاع وتيرة الاعتداءات على الصّحفيين في شهر أفريل    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البطولة العربية للأردن : تونس تشارك ب14 مصارعا ومصارعة    570 مليون دينار لدعم الميزانيّة..البنوك تعوّض الخروج على السوق الماليّة للاقتراض    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    إتحاد الفلاحة: المعدل العام لسعر الأضاحي سيكون بين 800د و1200د.    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    القصرين: وفاة شاب في حادث مرور    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    سنتكوم: تفريغ أول حمولة مساعدات على الميناء العائم في غزة    النائب طارق مهدي يكشف: الأفارقة جنوب الصحراء احتلوا الشريط الساحلي بين العامرة وجبنيانة    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب على تعقيب: نعم المستبد العادل...
نشر في الحوار نت يوم 11 - 02 - 2010

تعقيب على تعقيب: نعم المستبد العادل حقيقة تاريخية وتسويغ نظري
الدكتور: خالد الطراولي
من طبعي أن لا أرد على تعليق أو تعقيب إذا تبين لي أن فيه تجني واختزال وإسقاط أوقراءة بين السطور.. من طبعي أن لا أرد إذا كان التعليق يحمل كثيرا من مناطق عدم الفهم وقصوره ومجانبة الحقيقة حتى بخيل إليك أنك والمعلق لا تتحدثان عن نفس المقال، من طبعي أن لا أتوقف عند كتابات البعض احتراما لنفسي وللكاتب وللقراء إذا تبين لي أنه ليس هناك جديد...
ومع احترامي للسيدة الفاضلة الأستاذة الحمدي فإن ردها لا يخرج عن بعض هذه الثنايا... ومع ذلك ارتأيت التواصل لتوظيف هذه النافذة المفتوحة لتبيان بعض مناطق الظل التي حواها رد الأخت إفادة للجميع في مستوى المحتوى والشكل. وسوف يكون غالب حديثي في شبه رؤوس أقلام لضيق الوقت والمجال لذلك، مع اعتذاري المسبق للأخت الكريمة والقارئ العزيز.
في آداب الحديث والحوار والتناظر أولا
لعلنا لن نأتي بجديد إذا اعتبرنا أن حرية الفكر والنقد والمراجعة تعتبر من منازل مراكمة الفكرة ومن الشعاب الموصلة للإبداع، ولن نذكّر بمرجعيتنا المقدسة وهي تدعو إلى الحوار والتناظر مع البعيد قبل القريب، ومع العدو قبل الصديق، فلا إشكال إذا في المراجعة والتقييم والحوار، غير أن من شروط نجاح هذا التواصل الالتزام بآدابه وقذ صنّف الكثيرون في هذا الباب ولا يزالون، ولعل القرآن الكريم وهو يدعو موسى وهارون عليهما السلام إلى الالتزام بهذه الصيغ الراقية في التعامل مع فرعون المشرك للربوبية [فقولا له قولا لينا] خير دليل إلى أهمية الآداب في نجاح أي حوار أو لقاء. لقد غلب على الأخت الفاضلة في حديثها فقدان هذا البعد فمن أبجديات نقد المقال أن تذكري اسم كاتبه حتى نعرف عن ماذا تتحدثين وهو احترام لك وللقارئ ولصاحب المقال... وأن نتواضع لغة ومنهجا حين نحاور حيث تبدو بعض التعابير والكلمات وهي تحمل شحنة استعلائية غير مبررة، والأمثلة كثيرة! علينا أن نتجنب الدخول العنيف في طرح الفكرة كذكرك في أول كلمة لردك [عنونتَ مقالتك..] هكذا دون أي اعتبار وكأن الإطار محكمة ومتهم ولا ينقصها غير المرافعات، وسأتجاوز بعض التراكيب اللغوية من هنا وهناك التي لا تنم عن ملكة أدبية مميزة في تجاذب أطراف الحديث و منازل الحوار السليم.
في الشكل عموما والمنهج خاصة
عندما أكتب مقالا أو أقرأه أحمل في جعبتي ثلاثية أجعلها مصفاة التعامل والكتابة وهي الفكرة والمنهج واللغة، وإذا تعطلت احداها أو تقاعست فإن الموضوع يصبح أعرجا ويتهافت كل البناء ويبقى المقال تصفيفا للحروف على أسطر ترتعش...فإذا اختل المنهج أو غاب ضاعت الفكرة أو تقزمت وإن كانت رائعة، وانكمش إشعاع اللغة وإن كانت راقية! وإذا كانت الفكرة ضعيفة أو معتلة فإن المنهج لن يسعه إنقاذها، وإن أنقذها فإنها سرعان مما تتهافت لأول صدمة عقلية! وإذا كانت اللغة ركيكة فإنها تسقط الفكرة وتعيقها عن التبلور والإفصاح وتفشل المنهج في إيصالها سليمة نقية. فالتلازم ضرورري بين الفكرة والمنهج واللغة حتى يكون المولود معافى ومستقيم.
ما أعتب على الأخت الفاضلة في هذا المقال وهو أول مقال أقرأه لها، بعد أن نبهني إليه أحد الأفاضل، والمعذرة على ذلك، وهو الذي يعنيني، هو السقوط المنهجي والنط الفكري مما جعلني لا أفقه الكثير من التعبيرات وسبب وجودها في بعض الأماكن دون غيرها، ولم أفهم من أين بدأت وإلى أين تريد واصطفت الكلمات تتزاحم من هنا وهناك حتى يخيل للقارئ أنها عجزت عن الإمساك بأطراف الحديث، فكان التنقل من نابليون إلى السلطان عبد الحميد إلى فرج فودة إلى المستشرقين إلى برنامج الجزيرة، إلى مكتبة غرناطة إلى فلسفة ابن رشد... وأصبح التراكم مجلبة للحشو لتشتيت الفكرة وعدم تماسكها. ولتعذرني الأخت الفاضلة ومع كل الاحترام فأني وجدت صعوبة كبيرة في لم هذا الشتات، لما حواه من التناقضات والتراجعات والإسقاطات. نجاح المقال ليس في مراكمة الأفكار أو الكلمات من هنا وهناك دون رصد لمجالها وهدفها، نجاح المقال ليس في عملية إسقاط وتركيب غير ممنهج دون وعي أو إسناد فيحل الخلط مكان الصفاء والحشو بدل الفرادة والتميز. وهي نقيصة حملتها لنا الإنترنت وتتطلب الكثير من الفرز والتتبع!
في بعض النقاط التي استوعبتها
1/ بداية فقولك الغريب سيدتي في فهم مسألة المستبد العادل أثارني حيث قلت [عنونتَ مقالك بكلمات جذابة "المستبد العادل"] والستبد العادل سيدتي الفاضلة ليس كلمة متهافتة ونحن لسنا في عرض أزياء، إنما هو مصطلح سياسي قائم بذاته قُتل بحثا ودراسة ولم يبق حبيس الكتابات التاريخية الأولى بل نجده في أفكار مصلحي عهد النهضة من أمثال محمد عبده في قوله المشهور: [هل يعدم الشرق كله مستبدا من أهله عادلا في قومه يتمكن بهالعدل أن يصنع في خمس عشرة سنة ما لا يصنع العقل وحده في خمسة عشر قرنا] وهذه الزلة تنبئ حسب ظني عن عدم فهم كلي للمقال وهو ما سوف نلاحظه تباعا من خلال الرد.
2/ اعتمدت في مقالك على فرضية خاطئة بنيت عليها كل ردك، ولقد تعجبت منها لأن في سقوطها يسقط كل ردك ويمكن لي منهجيا أن أتوقف عن مواصلة الحديث وكفى المؤمنين القتال، ولكن احتراما وتقديرا سأواصل، لقد قلت في أول كلمةمن مقالك :[عنونتَمقالتك بكلمات جذابة..المستبد العادل والتي لم اجد لها تعريفا ولا تفسيراولا تحليلا في مقالتك , لم تبين كيف يمكن ان يجتمع الاستبداد مع العدل ... , لانه من المعلوم , انه لو التقت كل اضداد الدنيا ومتناقضاتها فسيبقىالاستبداد والعدل ضدين لا يلتقيان] وردي كان في المقال نفسه فرجاء التمعن بقولي [إن الاستبداد داءٌ أشدُ وطأة من الوباء ، أكثرُ هولاً منالحريق ، أعظمُ تخريباً من السيل ، أذلُّ للنفوس من السُّؤال، كما يقولالكواكبي، غير أن إلحاق صفة العدل به لهو جمع للخير والشر، والنوروالظلام، وسعي خطير إلى تبرير المتهافت وتشريع الباطل وتكريس السقوطوالفناء، وليس تواصل غيبتنا الحضارية إلا دليل على دوام هذه القصة التيطال ليلها، والتي اغترفت كيانها من عمق تاريخنا أيام سواده، لتتواصلمشاهدها المزعجة تباعا في هذا العصر المتردي. ولا سبيل إلى عالمية ثانيةمنشودة إذا استمرت و وتفشت هذه السلوكيات المنحرفة والتنظيرات المتهاوية،فلا عدل ولا تحضر مع الاستبداد، ولا استبداد بدون فقه الاستبداد، ولا دوامللاستبداد وفقهائه، دون قابلية وتأقلم وسكون!]
3/ تحدثت السيدة الفاضلة عن المنهج واعتبرت أني وقعت في خطأبن الأول كما قالت محاكمة التاريخ الإسلامي بمقاييس اليوم ولم تفسر لي كيف تكون هذه المحاكمة، والمصطلح عنيف في ذاته ومُسقط، وأنا أقرأ التاريخ للإعتبار ولا أحاكم أحدا، وفي الحديث كثير من التجني، ومنهجيتي قرآنية في هذا الباب، والقصص القرآني مر من هنا في دعوته للتبصرو الاستبصار. والمبادئ والقيم سيدتي الفاضلة، تتجاوز عنصر اللحظة ولا تستكين إلى مقاييس الذات، فالحرية قيمة سواء كانت في عهد الإغريق أو العهد الجاهلي أو العهود الإسلامية، وهي فيمة في ذاتها وفي إطارها الذي ألزمنا به مقدسنا، تتجاوز مقاييس المكان وجغرافيته، ولذلك سوف نبقى ندعو لها سواء كان العهد إسلاميا أو لا، سواء كانت الحكومة إسلامية أو لا، سواء كان حامل اللواء والدرة يلبس قبعة أو طربوشا!
أما الخطأ الثاني الذي عنته فهو كما تقول أن دراستي للتاريخ كانت من كتاب ألف ليلة وليلة ونسبت ذلك إلى الاستشراق. وقفتي معك في هذا الباب ذات بعدين الأول أني سوف أبلغ درجة التحدي لأزعم مطالبتك أين وجدت اعتمادي على هذا الكتاب أومن صنفه !! لقد ذكرتُ بعجالة، ولمتطلبات النشر في هذا المقال اليسيط، قولتي الماوردي والغزالي لتبيان مصطلح المستبد العادل فقط، فرجاء التبصر حتى لا نقع في مثل هذه الزلات. البعد الثاني هو الاستشراق وخطأءك منهجي بالأساس في حديثك التعميمي وكأن الاستشراق كتلة متجانسة وخطاب واحد. ورغم أن الغالبية عادت حضارتنا وتهافتت على أنقاضها فإن هناك من المنصفين من مثل مثل مونتجمري وات الذي قال: "أدركَ الناسُ منذ زمن أنَّ الكُتَّابالمسيحيين في العصر الوسيط خلقوا صورةً للإسلام، هي صورة شائهة من وجوهعديدة، غَيْرَ أنَّ جهودَ الباحثين خلال القرن الأخير قد مهَّدت السبيل؛من أجلِ تكوين صورة أكثر موضوعيَّة له في عقول الغربيِّين، ومع ذلك فإننا -معشر الأوربيِّين- نأبى في عناد أن نقرَّ بفضل الإسلام الحضاري علينا" ومايكل هارت الذي اختار محمدًاليكون أعظم عظماء التاريخ في كتابه، فقدَّم دفاعًا سابقًا عن اختياره، وقال: "لقد اخترت محمدًافي أول القائمة، ولا بُدَّ أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ولكن محمدًاهو الإنسان الوحيدُ في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدُّنيوي. [مقتبس من مقال] فمنهجية التعميم تعتبر من ألد أعداء الموضوعية والتي كثيرا ما تولد خطأ في الفهم والتشخيص يتبعه خطأ أكبر في التنزيل. وهذا ضعف منهجي ومعرفي أرجو تداركه
4/ هناك الكثير من الخلل المنهجي عند البعض وهم يتحدثون عن التاريخ الاسلامي حيث يقع المحظور ويلامس البعض مناطق التكفير والتجهيل وهو يرد بقراءته على قراءة الآخرين، متجاهلا أن الإطار اجتهادي خاص، فتعلو العواطف الجياشة ويختلط الحابل بالنابل ويصبح النقد أو المراجعة نقدا لمقدس يدفع بصاحبه إلى النار. ليس لنا نحن أهل السنة والجماعة سوى مقدس واحد بفرعيه قرآن كريم وسنة شريفة، أما ماعداهما فهو نتاج العقل البشري وسلوكياته وقابل للتقييم والتقويم. وبين الاحترام والتقديس يكمن الخطر، فالأول أدب وتقدير وتفاعل مدني سليم، والثاني تبعية وعبادة منكرة، والأول يولد إبداعا والثاني ينتج تكرارا. لا يملك أحد ناصية الحقيقة كاملة في هذا الباب، فالنسبية مشوار الجميع بعيدا عن العواطف والأحكام المسبقة والأحاسيس الجياشة، والبحث عن النسبية الحكيمة والصالحة ضالة المؤمن في سعيه نحو المطلق، نحو الله. ولذلك فليس أهل الحل والعقد مجموعة معصومة وليس أهل الحل والعقد إلا اجتهاد بشري و آلية لتنزيل مفهوم الشورى، ويمكن ان يكون ذلك ناجعا في أيامه الأولى. فنقد هذه الفكرة ليس نقدا للمقدس ويمكن تجاوزها لآلية أخرى تستجيب لروح الإسلام وتسعى إلى مأسسة توجهاته ومبادئه وثوابته. لقد قلت في مقالي: [ لقد كان الأجدى العودة إلى ينابيع الشورى، والجرأة على تثوير مفهومها،والإشارة الصريحة والشجاعة إلى أسباب بداية السقوط الحضاري للأمة، والذيكان أحد أسبابه المباشرة والأساسية الانحلال السياسي، والاستبدادالسلطاني، والغياب الكامل للحرية السياسية تنظيرا وتنزيلا. ولعل دخول بعضالفقهاء في متاهات التمييز في مفهوم الشورى بين شورى إخبارية وأخرى ملزمةوترك مبدئية المصطلح ووضوح معناه الإلزامي إن هشاشة الشورى في تطبيقهاالتاريخي لا تعود أساسا إلى ضعف المفهوم ولكن إلى الغياب الفعلي لمأسسته]
5/ خلل منهجي آخر يظهر في رد الأخت الفاضلة هو التناقض الذي يقع فيه البعض لما يريد نقد واقعه الحاضر فيجعله منبتا عن أرضه وسمائه وكأنه واقع جائنا بضربة عفريت وبأيد سحرية غامضة ولا يتحمل تاريخنا أي تبعية فيه، وتنطلق نظرية المؤامرة تعربد لتنزع عنا أي فعل ويصبح الأخر هو الفاتق الناطق في حلنا وترحالنا ويصبح التواكل مربط الفرس اللاهث نحو السكون والموت البطيء للنظر والفعل. ويصبح الاستشراق والخارج بكل ألوانه عدوا متربصا يقودنا حيث شاء تاريخا وحاضرا ومستقبلا. هذه الاستقالة عن المبادرة والفعل هو ما أضرنا وساهم ولا شك في تخلفنا. إن نقد الحاضر المستبد لا يمنعنا من نقد الماضي إذا استبدت بعض منازله، فليس هناك تقييم بميزانين، فالحق والموضوعية واحدة وإلا فكل البناء يفقد مصداقيته وينهار. وهذه الحقيقة التاريخية ألزمت الأخت الفاضلة أن تتراجع لتذكرنا بأن هناك استبداد في التاريخ ولو بصيغة محتشمة وغير واضحة لسقوطها غير المبرر في التقديس والعواطف التي لا تبني ولا تشيد. ما أشرت إليه أنا هو تبيان هذا اللقاء بين مستبد اليوم ومستبد الأمس وتذكير برفضنا لهذا الانحراف الذي أصاب حضارتنا والذي وجد له طريقا وموقعا في حاضرنا. ولا يمكن استرجاع بياض هذه الحضارة إلا بالعودة إلى مناطقها اليانعة وتفعيل سليم لمرجعيتها المقدسة والشريفة.
6/ كلام خطير تفاجأت به، وهنا نفترق... تقولين سيدتى : [ لاينكر احد انه وقع تراجع كبير منذ الدولة الاموية وانفصام في علا قة الحاكمبالمحكوم والعدالة وغيرها لكن الدولة كما ذكر الغزالي في مقولته المذكورةاعلاه انها كانت في عمومها تحكم بالقرآن والسنة وان كانت وارثة للحكم فانها تركت الرعية تدين بما تدين به] ورغم أنه اعتراف منك بمناطق السواد في تاريخنا، غير أن هذا الحديث يجعلني أقف موضحا لأنه يبدو أننا لا نحمل نفس الوعي لبعض المفاهيم الأساسية ومنها الاسلام والدولة والحرية، والمقام لا يتسع لكني أقتضب شيئا يسيرا جدا ولكنه هام ومحدد. فأقول وماهو الحكم بالقرآن والسنة سيدتي؟ أليس العدل والحرية قيمتان وبابان ينفذ منهما الاسلام ويمثلان إحدى ركائزه الأساسية؟، وهل عندما نعتبر أنه ليست هناك عدالة هو تحكيم للقرآن والسنة؟ حذاري من التبرير للإستبداد بمقولة حامي حمى الدين [الشعائري]، أنه يبني المساجد ويطلق الاذاعات ويطبع المصاحف ويطلق الآذان في التلفاز، فهذا من ذاك!!!
7/ عند التعرض لمسألة يكون فيها للتاريخ نصيب، وجب احترام السرد التاريخي وتسلسله والتوقف عند محطاته حتى لا يقع خلط أو سوء فهم أو تشويش على المقال، ومن ذلك، الحديث عن التسويغ النظري للمستبد العادل، فقد تعمدت استعمال "فعل ماض" واضح المعالم وسهل الاستساغة حيث قلت حرفيا [وقد انطلق هذا التسويغ التاريخي للاستبداد وتأصيل شرعيةالاستحواذ على الحكم والاستيلاء على مقاليد السلطة في الكتابات الأولىللماوردي في كتابه الأحكام السلطانية حيث تجلت هذه المهمة العويصة فيشرعية مشروع حكم وسلطنة خارج ما اتفق عليه الفقهاء من إلزامية الشورىوالبيعة] وقد تعجبت لما وقع الخلط بين الصدر الأول للإسلام وبين ماتلاه من انحراف عملي تبعه تسويغ نظري واصطحبه نحو السقوط الحضاري.
افتراءات غير مقبولة :
وهي كثيرة وأنا أعيدها إلى عدم فقه المقال وغياب المنهجية في الرد واختار منها ثلاثة موقف:
1/ قولك سيدتي [فاتهامك لكامل التاريخ الإسلامي بأنه استبداد فيه ضرب للإسلام] [واعتبرتَ تاريخها سوادا لا بياض فيه] فهذا الكلام الفضفاض والمسقط لا يتطلب ردا لأنه مع احترامي لك سيدتي هو افراء أو مغالطة وهو في الحقيقة فرضية كل بنائك لأنك تعقلين جيدا أني تحدثت عن منازل السواد ومناطق النور، وأني دعوت إلى لقاء النورين ورفض السوادين بين الحاضر والتاريخ، تغييب هذه الحقيقة هو منبت ردك و أنا عاجز عن التعقيب!!! غير أني أتساءل لماذا ميز العلماء بين فترة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز وألحقوه بالراشدين، إلا لأن ما سبقها وما تلاها من حكم لم يكن راشديا ولا شورويا وإنما هي هرقلية كما عناها حسن البصري بمفهوم آخر.
2/ ومن هذه الافتراءات قولك [ كل المذاهب الفقهية التي على سعتها وغزارتها , اتهمتَها انها كانت محصورة في قضايا الطهارة والنكاح] كيف أرد عليك بالله؟ أين وجدت هذا التعميم وبمثل هذا اليقين؟ دعوتي إلى ضميرك أولا حتى يحاسبك أو تحاسبيه، ثم رجاء التركيز على ما يلي ولو باقتضاب شديد: مما لا ينكره إلا جاهل أن هناك تضخما لجانب الفقه العبادي والشعائري على الفقه السياسي، تصفحي سيدتي مجلدات الفقه والحواشي وحواشي الحواشي والمتون وتفسيرات المتون وسوف تلمسين ضعف الفقه الدستوري وقضايا الحريات العامة والتشريع السياسي. ورغم أن باب الحكم والسياسة ظل مفتوحا برفض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم التعيين وتركها شورى بين الناس حسب قرائتنا السنية، فإن الفقه السياسي لم يتبع الفقه العام في تطوره وثرائه. والأسباب كثيرة ومعقدة ولعل قضية الاستبداد تطرح هنا بقوة في منع الفقيه أو تنحيته أو إحراجه حتى ينسحب إلى صومعته ويعتني بقضايا العبادات بعيدا عن خيمة السلطان، ومن تجرأ ناله ما ناله من عذاب وقضايا أبي حنيفة ومالك وبن حنبل مرت من هنا ومن هذا الباب. فالرجاء من السيدة الفاضلة التثبت قبل إلقاء الكلام على عواهنه.
3/ وثالث هذه الآفتراءات يكمن في سردك التاريخي المعروف للخلافة الراشدة وقولك بهتانا أني أشكك في نزاهتها، وهو مردود كله وأنا غاضب في هذا الباب، لأنك لمست موطنا مني لا يعلمه إلا الله في حبي وتقديري لهؤلاء الرجال الكرام والذين أعتبرهم نبراسا وقدوات راقية، فرجاء لا مزايدة في حب الصحابة واحترامهم، وأظنك لم تعقلي ما يعنيه مفهوم النزاهة عندما تسحبيه عن هؤلاء الكرام رضي الله عنهم والوجع الذي ينال من تتهميه بذلك سامحك الله. إن النسبية سيدتي ليس مفهوما سلبيا كما يظهر من فهمك وإن كان في العدل، فالنسبية مجالنا عالم البشر والإطلاق لله عز وجل، وطلب أبي الصديق رضي الله عنه للعون من خلال خطبته الشهيرة وقولة عمر رضي الله عنه المشهورة "لو عثرت بغلة بالعراق.. " تأكيد عن هذه النسبية "الإيجابية" الصاعدة نحو الأفضل والأمثل والأصلح. رجاء إعادة قراءة هذه الفقرة من مقالي حتى تلمين حقيقة بالفكرة الرئيسية للحقبة الراشدة : [لقد كانت تجربة الراشدين فريدة ورائدة يصعب تكرارها خارجإطار المؤسسة المغيبة، لقد كانت كل التجربة فلتة حمتها ثلاثية يصعب إن لميستحل تجددها، كانت قريبة من صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم فكانتالقدوة حاضرة والنموذج لم ينحسر، ، كان روادها وقادتها الأربع يحملون باعانسبيا من العدل والقوة والتجرد والعمل من أجل الشأن العام، كان المجتمعيرنو إلى الينبوع الأول في صفائه ونقائه وفطرته فاصطبغ نسبيا بقيم الفضيلةوالإيمان والتقوى والأخلاق العالية، حتى في ظل الرماح وتقارع السيوف].
ختاما
وددت في الحقيقة الوقوف على أكثر من مفهوم وفكرة ولكن المجال والوقت لا يسمحان، لكني أستسمح القارئ بهذه الفكرة التي لمستها في آخر مقال الأخت الكريمة وهي تتحدث عن الشيخ الفاضل يوسف القرضاوي فتقول : [ ايقره القرضاوي وتنكره انت ؟؟؟..ليس نقد العلماء من المحرمات لكن اسمحني ان أقول لك : ليس الكل قادرا على ذلك] مع احترامي لك سيدتي أولا، فهذه ليست فلسفتي في الحياة عامة والكتابة والاجتهاد خاصة، فقولة مالك رض الله عنه " كلكم مردود عليه إلا صاحب هذا القبر [صلى الله عليه وسلم]" هي نموذجي وقدوتي. أما عن الشيخ الفاضل فاعتبيريني من محبيه وتلامذته ولو من بعيد، رغم أني نقدت بعض قضاياه الهامة في مجال الإقتصاد وخاصة في إشكالية جواز القرض الربوي للبناء في المهجر، وكل هذا لا يفسد للود قضية. أما عن كفاءتي المتواضعة فهي التي تدفعني إلى مزيد العمل والاجتهاد في هذا الباب أو في غيره وإصدار الكتب وكتابة المقالات رغم فضاءات الاحباط واليأس المحيطة، والمهم في كل ذلك هو الإخلاص والمثابرة والعمل الرصين والهادف من أجل إعلاء كلمة الحق وفعل الخير. شكرا على التواصل والمعذرة لدى القارئ العزيز على الإطالة وعلى الكلمات غير المرتبة أحيانا، فقد أردت انتهاز هذه الفرصة وبعجالة لتوضيح بعض المفاهيم العامة في المنهج والتاريخ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.