أنقرة - أ ف ب يؤكد محللون أنّ الجيش التركي، المؤسسة الأكثر احترامًا في الجمهورية العلمانية التي أسسها أتاتورك، مهدد بفقدان هيبته وحتى تماسكه، جرّاء الاتهامات المتكررة التي وجهت إليه بالتآمر ضد الحكومة الإسلامية المحافظة، بحسب تقرير السبت 20-2-2010. ومنذ بدأت في 2007 التحقيقات في قضية "ارغينيكون"، وهي مؤامرة ضخمة مفترضة ضد الحكومة يقف وراءها عدد من العسكريين، تم الكشف سواء في القضاء أو في الإعلام، عن نحو عشر محاولات أخرى هدفت إلى زعزعة حكومة رجب طيب أردوغان. ولعل أبلغ دليل على الإحراج الواقع فيه الجيش اليوم، هو تأكيد رئيس أركانه الجنرال أولكر باشبوغ، الذي يقود ثاني قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي، نهاية كانون الثاني (يناير) أنّ الانقلابات العسكرية التي نفذها الجيش التركي خلال السنوات الخمسين الماضية "أصبحت من الماضي"، مدافعًا عن براءة جنوده وضباطه. وفي افتتاحية لمحمد علي بيراند في صحيفة "حرييت" الليبرالية هذا الأسبوع، حذر الكاتب من أنّ "خسارة الجيش التركي هيبته لدى الرأي العام تهدد بإثارة انقسامات في أوساط العسكريين". واقترح بيراند حلاً يقوم بموجبه كل طرف بما يجب عليه فعله، وذلك بأنّ "يعتاد العسكريون على توجيه الانتقاد إليهم" وعلى عدم "الانغماس في السياسة"، مضيفًا "أمّا بالنسبة إلينا (وسائل الإعلام) فعلينا أن نعتاد على عدم استفزاز العسكريين بعد اليوم". وبالإضافة إلى قضية "ارغينيكون"، أعلن القضاء التركي مطلع شباط (فبراير) الجاري أنّ 19 شخصًا بينهم تسعة ضباط في البحرية سيحاكمون اعتبارًا من أيار (مايو) المقبل بتهمة "الانتماء إلى منظمة إرهابية مسلحة". ويعتقد أنّ هذه الشبكة سعت إلى اغتيال ضباط برتبة أميرال لإغراق البلاد في الفوضى. وهناك 15 ضابطًا آخر في البحرية وجنديان متقاعدان سيحاكمون اعتبارًا من نيسان (أبريل) المقبل بتهمة التحضير لاعتداءات. وخلال كانون الثاني (يناير) دهمت الشرطة، في خطوة لا سابق لها، ثكنة تابعة للقوات الخاصة في أنقرة يحفظ فيها الأرشيف السري، وذلك في إطار تحقيق حول مؤامرة مفترضة لاغتيال نائب رئيس الوزراء بولانت ارينج. وكتب الأستاذ الجامعي جان ماركو على مدونته المخصصة لرصد الحياة السياسية في تركيا أنّ "هذه الخطوة الجريئة تظهر أنّ ما من عسكري مهما علا شأنه في منأى من الاعتقال أو على الأقل من التعرض لاستدعاء مذل". ويشتبه محللون بأن تكون الحكومة تستغل هذه القضايا من أجل تكميم أفواه المعارضة القومية أو الكمالية، والمضي قدمًا في مشروعها السري لأسلمة البلاد. وهدد الجنرال باشبوغ في مقابلة نشرت أخيرًا من أنّه "إذا حشرونا في الزاوية فسنطلع الرأي العام على ما لدينا من معلومات". غير أنّ ماركو اعتبر أنه "أمام صيغة (أوقفوني وإلا فعلت أمرًا سيئًا) يتساءل العديد من المراقبين بسخرية عن ماهية الأمور (السيئة) والتي يمكن لرئيس الأركان فعلها اليوم". وأوضح بيراند أنّ "الوقت تغير. هناك فواتير تقدم للجيش وهو ما لم يكن أحد يجرؤ على فعله سابقًا"، مشيرًا إلى أنّ الجيش يشغل اليوم موقعًا أقل أهمية على رقعة الشطرنج التركية. وتقود حكومة أردوغان اليوم حركة دبلوماسية نشطة للغاية عنوانها "لا مشاكل" مع كل جيران تركيا، منهية بذلك السياسة الدفاعية التي اعتمدت في التسعينات وأطلق عليها اسم "حربان ونصف حرب" والتي كانت ترى التهديد الرئيسي للبلاد في كل من سورية واليونان والتمرد الكردي في جنوب شرق البلاد. وتحسنت العلاقات التركية السورية بشكل كبير للغاية فيما تراجعت وتيرة النزاع الكردي. وقال بيراند "الجيش سيستعيد هيبته ودوره كحكم إذا ما غرقت تركيا مجددًا في نظام ائتلافي (بين أحزاب) غير مستقر"، وهو أمر لا يبدو واردًا حاليًا نظرًا إلى امتلاك أردوغان أكثرية مريحة في البرلمان