عاجل/ بطاقة ايداع بالسجن في حق رئيسة هذه البلدية..    غدا ناميبيا تونس: المنتخب الوطني يختتم التحضيرات واللقاء دون حضور الجمهور    أبو عبيدة: العدو أنقذ بعض أسراه وقتل آخرين والعملية ستشكل خطرا كبيرا على الأسرى وظروف حياتهم    ارتفاع إنتاج دجاج اللحم بنسبة 3,7 % خلال شهر ماي الفارط    وزارة الداخلية توفّر الحماية لمربي الماشية    اندلاع حريق بمزرعة قمح وشعير في الكاف    احالة يوتيوبر عربي وزوجته على القضاء    عاجل/ نشوب حريقين بنفزة وباجة الشمالية وحالة تأهب بداية من اليوم..    يوم 10 جوان.. انطلاق موسم الحصاد بمعتمديتي بلطة بوعوان و فرنانة    نقطة بيع الأضاحي بالميزان في وادي الليل و هذه التفاصيل    مباراة ودية: الملعب التونسي يحقق الإنتصار أمام الأخضر الليبي    وزيرة الإقتصاد تتباحث مع وفد من الشركة السعودية الصينية SABATCO فرص الإستثمار والشراكة.    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 8 جوان 2024    نحو 11 ألف تونسي يستعدون للحج .. الثلاثاء آخر الرحلات باتجاه البقاع المقدسة    عاجل/ وفاة حاج تونسي في مكة..    تطاوين الديوانة تحبط محاولة تهريب كمية هامة من السجائر بقيمة تفوق ال1.2 مليون دينار.    الجلسة العامة السنوية للشركة التونسية للبنك: مؤشرات مرضية و آفاق واعدة    سعيّد والدبيبة يتباحثان إعادة فتح معبر رأس جدير    موعد جديد لنزال تايسون و'اليوتوبر' جيك بول    وفاة رائد الفضاء وليام أندرس في حادث تحطم طائرة    رئيس الجمهورية يثير مجددا ملف الشيك دون رصيد    قيس سعيد : يجب احترام كل أحكام العملية الانتخابية    بخلفية ثأرية: المنتخب الوطني في مواجهة قوية امام نظيره الناميبي    طقس: بعض الامطار المتفرقة بعد الظهر على المناطق الغربية بالشمال والوسط    نحو 11 ألف تونسي يستعدون للحج .. الثلاثاء آخر الرحلات باتجاه البقاع المقدسة    عاجل/انتشال 11 جثة مهاجر غير شرعي من البحر قبالة سواحل ليبيا    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    جندوبة تحتفل باليوم العالمي لسلامة الأغذية تحت شعار "تأهّب لغير المتوقع "    خلال لقائه بالحشاني..سعيّد يطلع على نتائج مشاركة تونس في القمة الكورية الإفريقية (فيديو)    تداول صور فضائية لآثار قصف "انصار الله" لحاملة طائرات أمريكية    من أعلام تونس .. الشيخ إبراهيم بن الحاج معمر السلطاني ..أوّل إمام لأوّل جامع في غار الدماء سنة 1931    مدرب البرتغال يكشف للملأ انطباعه عن رونالدو    محمد كوكة أفضل ممثل في مسرحية كاليغولا بالمسرح البلدي بالعاصمة    الفنان والحرفي الطيب زيود ل«الشروق» منجزاتي الفنية... إحياء للهوية بروح التجديد    في صالون الرواق جوهرة سوسة .. معرض «مشاعر بالألوان» للفنان التشكيلي محمود عمامو    بداية من الإثنين.. المبلغون عن الفساد في اعتصام مفتوح    بعد 17 عاما في السجن.. رجل متهم بالاغتصاب يحصل على البراءة    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    وزارة التربية: 159 حالة غش خلال اليومين الأولين لاختبارات الباكالوريا    يوم تحسيسي حول المستجدات الدولية والوطنية في مجال مكافحة المنشطات    الحرارة تكون عند مستوى 31 درجة هذه الليلة بالجنوب    مسؤول بال"شيمينو": هذا موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    الرابحي: قانون 2019 للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية فرض عدة إجراءات والتزامات على مُسدي الخدمات    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    نظّمه المستشفى المحلي بالكريب: يوم تكويني لفائدة أعوان وإطارات الدائرة الصحية بالمكان    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    المنتخب الوطني التونسي يصل إلى جنوب إفريقيا    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في العراق اليوم.. العلمانية أم الإسلام؟
نشر في الحوار نت يوم 01 - 04 - 2010

في ظل الاحتلال -وباستثناء المنطقة الكردية شبه المستقلة- مثلت الأحزاب الإسلامية وبخاصة ذات المرجعية الشيعية، العمود الفقري للعراق الجديد، إذ أمكن لها أن تملأ الفراغ الذي تركه تفكيك الدولة العراقية الوطنية، لتؤسس لدولة ذات صبغة أيدولوجية طائفية صارخة، بدءا بالأجهزة الأمنية والجيش، وانتهاء ببرامج ومؤسسات الصحة والتعليم والثقافة والدبلوماسية، ما قدم وقودا للتطرف والإرهاب المضاد.
ورغم أن الهوس الطائفي والقتل على الهوية قد خفّت حدتهما مع المالكي كخطوة في اتجاه استعادة الوطنية العراقية، فإن ذلك لم يغير كثيرا من الطبيعة الطائفية للدولة، ومن مرارات التمييز، زادها حدة البروز المجدد لملامح من شبح صدّام طائفي، وهو ما يفسر في الانتخابات الأخيرة انحسار الشعارات الطائفية لحساب الشعارات الوطنية العلمانية.
تؤكد النتائج النهائية تراجعا نسبيا للأحزاب الطائفية وتشظّيها، ومن ذلك تصدّر القائمة العراقية المتجاوزة للطائفية، وتليها قائمة دولة القانون الأقل طائفية من مثيلاتها، مستفيدة مما وفره لها الحكم من امتيازات وفرص للرتع. والسؤال هو: هل هناك فرصة أمام العراق لاستعادة وحدته الوطنية واندماجه الطائفي والعرقي الموروث على يد أحزاب ذات مرجعية إسلامية، أم أنه ضمن الظروف القائمة ستكون العلمانية المنفتحة خياره الوحيد؟

1- أول ما يصدم في النتائج المعلنة:
أ- أنه من غرائب انتخابات العراق أنه خلافا للمعتاد من أن المعارضة هي التي تشكك في النتائج، فاجأ رئيس الوزراء الجمهور بصبّ جام غضبه على اللجنة المشرفة على الانتخابات، فيما يشبه الرفض لعملها، مع أنه منذ أيام قليلة كان قد أثنى عليها عندما كانت بوادر النتائج لصالحه، فهل يكون مقياس نزاهتها مدى ملاءمة النتائج له؟!
ومعناه أيضا أن السيد المالكي خلال سنوات قليلة من إقامته في المنطقة الخضراء تماهى مع السلطة بل مع الدولة، فلا يكاد يقدر على تصور نفسه خارجها، حتى جاء الشعب يوقظه، مع أنه ليس من المستبعد بذله الوسع لاحتفاظه بالموقع بكل وسيلة متاحة، ولذلك كانت صدمته كبرى.
ب- انهيار جبهة التوافق (التكتل السني) فكان سقوطها مريعاً من 45 نائبا إلى ستة نواب فقط، وذلك بعدما فشل عمودها الفقري -الحزب الإسلامي- حتى في الاحتفاظ بتحالفاته السابقة، بله عن إضافة تحالفات جديدة، بل فشل حتى في الاحتفاظ بقياداته فتوزعوا على مختلف القوائم وبخاصة القائمة العراقية، حيث مثلوا مكونها الأساسي بزعامة طارق الهاشمي ورافع العيساوي وعبد الكريم السامرائي وأسامة النجيفي.. بما بدت معه العراقية كأنها ممثل السنة الحقيقي، مع أن متزعمها شيعي علماني، وهو ما جعل الموقع الطبيعي للحزب الإسلامي وسط حاضنته السنية أي "العراقية" على أي صورة ممكنة. أما وقد فشل في ذلك وأفرد.. فهو ما سيجعل مركزه السياسي بل استمراره مهددا، ما لم يصحح موقعه ويتموضع في مداره، ويقوم بمراجعات جذرية لسياساته ولمنهج إدارته لعلاقاته الداخلية بين السياسي والدعوي.
ج- رغم بروز اتجاه عام نحو تفكك الكيانات الطائفية والعرقية، فتفككت جبهة التوافق وحصل قدر من التفكك شيعيا وكرديا، فإن التشيع حافظ على جسمين قويين ما كان لأحدهما على الأقل (الائتلاف الوطني) أن يقوم لولا الراعي الإيراني الحاضن، وهو ما يفتقده الوسط السني الذي يعاني حالة من اليتم مريعة لولا دخول تركيا على الخط حادبة على العراقية.
أما ائتلاف المالكي فقد كان إلى جانب استفادته من موقعه في السلطة وما توفره من إمكانات هائلة في بلدٍ دولة القانون هي طموح، قد أفاد مما أضفته سياساته على شخصيته من سمت زعامة وطنية حازمة برزت من خلال تصدّيه للعنف الطائفي وما أبداه من قدر من التأبي إزاء طلبات الاحتلال والضغوط الإيرانية، وهو سمت مرغوب عراقيا توفره في زعامة بلد كبير كان له من الأمجاد ما لم يكن لغيره في العالمين.
د- رغم ما اعتور هذه الانتخابات من ضروب بخس لقدرها، سواء أكان بسبب طعون في نزاهتها أم كان بسبب جريانها في ظل الاحتلال وتحت سقفه، فإنها بالمقاييس العربية لا يمكن اعتبارها إلا أنها من أفضل الموجود إن لم تكن أفضله من جهة حجم المشاركة (62%) ومن جهة تنوع الجماعات المشاركة، بما جعل النسبة التي حصلت عليها القائمة الأولى لا تكاد تصل إلى 20%، وهو ما يجعل المسافة بينها وبين معتاد النسب العربية (80 إلى 99%) لا تقارن، بما سيفرض التحالف بين عدة قوائم من أجل تشكيل الحكومة.
ه- ومن علامات الصدق في مثل هذه الانتخابات، توفّرها على إمكان صنع المفاجأة وصعوبة التنبؤ بالنتائج، بينما لا أحد في انتخابات مصرية أو تونسية مثلا يتوقع مفاجأة تقلب موازين القوة!
و- المؤلم أن مثل هذه الانتخابات الحاملة بإمكان صنع المفاجآت لم تكد تتوافر إلا في ظل الاحتلال.
ز- الولايات المتحدة التي تورطت بغباء لا نظير له في مأزق احتلال للعراق قادها والعالم إلى كوارث بلا حدود، وهي مصممة على الخروج من الحفرة -إذا استطاعت- في أجل محسوم، لم تكد تبدي اهتماما كبيرا بنوع الجهة التي ستفوز في هذه المنازلة، فهي وإن كانت لا ترغب في استمرار احتكار القبضة الشيعية لمقاليد الأمور حتى لا تترك وراءها عراقا في حضن إيراني وكأنها إنما حركت جيوشا عرمرم من أجل ذلك، هكذا الأحمق، إلا أنها في خضم مزاج من الإحباط يستبد بها، لم يعد يهمها من العراق غير الخروج من الحفرة.

أما موقع العراق الجديد من إيران فالأمر على خلاف ذلك تماما. العراق هو الخندق الأول في جبهة أمنها القومي، ولذلك كما سهّلت مهمة استدراج الضبع الأميركي إلى المستنقع العراقي لاستنزافه، ولتحقّق بأظلافه ما عجزت عنه بأسنانها، فقد صممت على احتواء البلد.
من هنا مثلت بدايات الإعلان على تقدّم العراقية حالة استنفار، اقتضت مما اقتضت الدعوة على عجل إلى طهران، ممثلي القوائم المتحالفة معها لحملهم على توحيد الكلمة حتى لا تتعرض جهود ومكاسب واختراقات السنوات الطويلة للخطر، مع بروز إمكان انتقال الحكم إلى العراقية حلفاء تركيا.
ح- من مفاجآت هذه الانتخابات ليس السقوط المريع لجماعات بل السقوط المريع أيضا لرموز دينية مثل الشيخ جلال الصغير والشيخ همام حمودي ورموز سياسية مثل موفق الربيعي والجبوري والحاجم الحسني.
ط- ومقابل ذلك حققت الزعامات السابقة في الحزب الإسلامي فوزا ساحقا وعلى رأسهم الهاشمي. فهل مواقف الأشخاص أم أحزابهم كانت هي مقياس الحكم؟
2- لم تختلف تجربة حكم أحزاب إسلامية شيعية في العراق وعلى نحو ما في إيران، عن أشباهها السنية في أفغانستان والسودان والصومال.. من حيث عجزها عن إدارة الاختلاف سلميا وديمقراطيا، في مجتمع متعدد دينيا وعرقيا ومذهبيا، دون اللجوء إلى منطق الإقصاء والعنف بنزوع عارم إلى الاحتكار والانفراد، قد يبلغ حد تكفير المخالف لتسويغ استئصاله.
صحيح أن للاحتلال وللضغوط والإغراءات الخارجية إسهاما فيما حصل من قبيل فرّق تسد، إلا أن ذلك لا يخفي ضعف موروث الفكر السياسي لدى هذه الجماعات وما يحمله من عوائق ذات طبيعة دينية سرعان ما تنقل المنافس على السلطة من موقع الشريك بالتساوي في الوطن، إلى موقع العدو الخائن والكافر الذي يحل بل يجب إقصاؤه واستئصاله.
في موروثنا الثقافي السياسي إعاقة لم يتم تجاوزها، تتمثل في الخلط بين ثوابت الدين وهي مشتركة بين المؤمنين، وبين ما يختلف الناس حوله من شؤون الدنيا ومنها شؤون الحكم التي اكتفى فيها الدين بالتوجيه إلى العدل والشورى اشتراكا في الرأي بدل الانفراد. ومن مشتركات الدين ومقاصده يمكن أن تنبثق برامج وتصورات متعددة تؤسس لتعددية سياسية حزبية كما تأسست في الفقه تعددية مذهبية، تعددية فكرية وسياسية يتم الحسم بينها عندما يقتضي الأمر قرارا عمليا باللجوء إلى الشورى التي فشلنا في تحويلها إلى أداة للحكم، حيث نجح الغرب عبر الديمقراطية فغدا يدير اختلافاته على اتساعها سلميا، وظلت صراعاتنا على السلطة تدار بالسيف أو بالتسليم للمستبد، حذر الفتنة، ولم يشق طريق بين قرني الإحراج، طريق التغيير السلمي عبر الجهاد المدني.
3- إن تصور الدين نقطة يحتكر الوقوف عليها هذا الحزب أو ذاك بدل كونه مرجعية فكرية وقيمية وتشريعية قابلة لأن تنبثق منها تصورات وجماعات بلا حصر، هو ما قاد في التجربة الغربية إلى إقصاء الدين من المجال العام وحصره في خصوصيات الناس، بينما في تجربتنا ظل الدين مجالا مفتوحا للاجتهاد بما أتاح نشوء تعددية دينية ومذهبية بلا حد، إلا أنه في المجال السياسي لم تتوفق تجربتنا في تطوير الشورى إلى نظام سياسي يجسد التوجيه القرآني "وأمرُهم شورى بينهم".
ولقد حدّ من سلبية ذلك أن تدخّل الدولة التقليدية كان محدودا جدا في النشاط الديني والاجتماعي، وتلك كانت خلفية ثورة الإمام أحمد على دولة العباسيين، إذ طمحت إلى فرض فهم محدد للإسلام دينا ملزما. وخلافا لذلك فإن طبيعة الدولة الحديثة شديدة التدخل وقد جعلت أتاتورك وبورقيبة مثلا يطمحان حتى إلى التحكم في الشعائر الدينية، كما جعلت وزير التربية في العراق الجديد لا يتردد في إصدار برنامج موحد لأبناء العراق مصطبغ بصبغة طائفية صارخة حملت حتى بعض مراجع الشيعة على استنكارها.
هذا المنزع الديني الطائفي جعل مستحيلا نشوء حزب عراقي فوق طائفي، وهو ما حملني يوما وأنا أمازح صديقيَّ الدكتور إبراهيم الجعفري والدكتور أسامة التكريتي يوم كانا زميلين في المهجر قبل انخراطهما في العملية السياسية، إذ سألت زعيم حزب الدعوة: العراق متعدد، فهل في حزب الدعوة مكوّن غير شيعي؟ فأجاب بالنفي، وهو نفس جواب ممثل الحزب الإسلامي عندما سألته: هل في الحزب الإسلامي مكوّن غير سني؟.. حملني أن أقول مازحا: يبدو أن حزب البعث -على دكتاتوريته البغيضة- أصلح لحكم العراق إذا أردنا أن يظل هناك وطن اسمه العراق، لأن البعث المجتث كان يتوفر على كل المكونات العراقية: سنة وشيعة وأكراد ومسيحيين.. صدام وسعدون حمادي وطه ياسين وطارق عزيز.
4- الحقيقة أن هذا التطييف للأحزاب الإسلامية ليس حتميا ولا موروثا، فقد كان الحزب الإسلامي يستقطب سنة وشيعة، وحزب الدعوة قريب منه جدا، بل كان من زعماء الشيعة زعماء لكل العراق مثل محسن الحكيم. كما كان لزعماء السنة مثل الشيخ الصواف مؤسس الإخوان في العراق، أتباع في كل العراق. وفي مؤتمر القدس في ديسمبر/كانون الأول 1931 أمّ آية الله كاشف الغطاء صلاة الجمعة بكل العلماء المؤتمرين.
إذن ستظل التكوينات العلمانية المنفتحة أصلح لحكم العراق، إلى أن تنجح الأحزاب الطائفية في الارتقاء بفكرها من المستوى الطائفي المنغلق إلى المستوى الإسلامي المنفتح على كل مكونات مجتمعاتنا المذهبية والدينية والعرقية، على أساس مبدأ المواطنة والاشتراك في برنامج وطني لحل مشكلاتنا منبثق من اجتهاد يستند إلى مرجعية أمتنا الإسلامية الحضارية التي تشترك فيها كل مكونات الجماعة الوطنية، فكلها مسلمة بالعقيدة والحضارة أو بالحضارة.
5- إن مستقبل العراق الحضن الأخصب والأعرق لحضارتنا، للغتنا وأدبنا وفقهنا وسائر علومنا ولأرحب تعددية دينية عرفها التاريخ حتى لكأنه متحف للديانات شاهد على عمقه الحضاري، مرتبط بمدى تطور أحزابه الدينية والعرقية من المستوى الطائفي الذي هي عليه الآن بما جعل الحزب الإسلامي مثلا عاجزا حتى عن استيعاب المكون السني الكردي بله أن يستوعب المذاهب غير السنية والديانات، ومثله نظراؤه في الطائفة الشيعية. وإلى أن يحصل ذلك التطور تظل العلمانية المنفتحة التي مثلتها "العراقية" فاحتضنت في ذكاء ممثلي أهم مكونات الجماعة الوطنية العراقية، التطور الأبرز في الانتخابات الأخيرة وبصيص الأمل -حسب تعبير صديقنا المؤرخ بشير نافع- في بقاء وطن عراقي موحد.

6- واضح ما كشفت عنه الانتخابات من توجه وطني للسنة سافر وعارم وطنيا بعيدا عن الطائفية، والطائفية فيها ليست أصيلة بل طارئة عابرة، بل رد فعل، فالجسم الرئيسي للأمة لا يكون طائفيا، حتى كانت هي التي صفّت الحساب مع التوجهات السلفية القاعدية المتطرفة في طائفيتها، بخلاف التزحزح عن الطائفية المذهبية لدى الشيعة والطائفية العرقية لدى الأكراد، إذ رغم ما حصل فيهما من اهتزاز وتحرك في الاتجاه الوطني فإنه نسبي نحسب أنه سيتعزز في الانتخابات القادمة، فيشفى العراق من مرض الطائفية الذي دمره ويستعيد عافيته قلعة من قلاع الحضارة العربية الإسلامية تحتضن في سماحة كل الطيف التعددي الديني والمذهبي والعرقي الواسع الذي أنتجه على امتداد التاريخ هذا الرحم الخصيب، فيتعايش الجميع على بساط المواطنة، ويتم الاستقطاب السياسي على أساس برامج ومواقف لا على أساس الهويات.. "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.