«الحجامة» و«التشليط» لم تعد من الظواهر.. لكن لا بد أن الجيل الجديد لا يعرف من الكلمتين سوى التشليط بمفهومه المتداول وهي عبارة تثير الرعب أما الحجامة فلا يعرفها بمفهومها غير المتداول والمقصود هنا سحب كمية من الدم الفاسد من الجسم.. على أية حال سيعتاد هذا الجيل على العبارتين معا خاصة أن في أحد الشوارع صادفتني لافتة كبيرة ماء شاء الله- كانت تُعلم (وقد أصبحت اللافتة وسيلة إعلامية إلى جانب دورها الإشهاري) بوجود ندوة تكوينية في مجال «الحجامة» و»التشليط». وهو ما يعني أن التونسي مادامت تستهويه الغيبيات والطب البديل والرعواني ووخز الإبر آن الأون له لكي يتداوى بطريقة «تراثية» حيث مجاراة للموضة سيدفع الثمن مرتين من دمه بعد كان يدفع ذلك مرة واحدة عند الطبيب والصيدلي. وأمام ما تعد به الطريقة من قدرات على المداواة من أمراض كثيرة فلا عجب إن رأينا أطباءنا العامين والمختصين يتنقلون بين المساكن معوضين السماعة الطبية ب vantouses وشفرة حلاقة مستعملة ليقتصوا من دم التونسي خاصة أنهم يفكرون في الترفيع في أتعابهم ببضعة ملاليم وهو ما يجعل المريض يلجأ إلى الطب الرعواني وفي هذه الحالة يكون اللقاء بين الطبيب والمريض كما يقال- في «الثنية» وتحديدا في منعرج حيث يكمن (عفوا) حيث يمكن أن يكون الطبيب في الانتظار. الخلاصة أن التونسي لا مفر له من التداوي من»دمه» بعد أن كان يتداوى وفق مشيئة الطبيب والصيدلي بمبالغ مالية يأمل في استرجاع نسبة دنيا منها قبل الأمل في الشفاء لأنها مبالغ ودون مبالغة تسحب من دمه. ففي سياق التكامل بين الأجيال كان أجدادنا يسلمون رقبتهم للحجام لسحب الدم بكل طواعية ثم يدفعون « ما كتب» مثلما يصادف أن يجد اليوم مواطن نفسه وجها لوجه مع شفرة حلاقة تشهر في وجهه في وضح النهار فيسلم امره ويدفع «ما كتب» أيضا ولكن ضمن ظاهرة لا تقوى عليها الجيوب بل تخضع لل«مكتوب».